صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







سياسة اليهود في التآمر على الأقصى وأهله
ماذا نستفيد؟ وكيف نُفيد؟

خبَّاب بن مروان الحمد
@khabbabalhamad


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ


(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
ما مِن سُورةٍ في كِتاب الله – تبارك وتعالى - تُسمّى باسم إلاّ وفي ضميمتها : وجه الصّلة والربط بين آياتها وما سُمّيت به؛ وهكذا سورة الإسراء أو بني إسرائيل، فهي سورة رابطة بين المسجد الأقصى وإفساد بني إسرائيل وتضرُّره من إفسادهم، ولا غَرو أن تكون هذه الرابطة؛ ضابطة لنا في فهم مُجريات الأحداث؛ وحركة الصراع بين الحق والباطل؛ وأنّهم حال عودتهم للأرض المُباركة سيُسلّط الله عليهم من يسومهم سوء العذاب؛ فالله تعالى يقول في السورة نفسها : (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا).
كما أنّ السورة ذاتها ربطت ربطاً مُنيفاً آخر بين أمّة الإسلام والمسجد الأقصى المُبارك؛ ليستذكر المسلمون جميعاً أنّ الربط بين مكّة والقدس ربط إلهي؛ فهو وإن كان ربط مكاني لقداسة الأرضين وطهارتهما وبركتهما؛ إلاَّ الربط أعمق من كونه مكانياً.. إنّه ربط معنوي إيماني اعتقادي؛ يعيش في خَلَدِ المُسلم دائماً؛ وهو يستذكر عظمة المكانين.
إنّ ربط بيت الله الحرام بالمسجد الأقصى في هذه السورة؛ دليل على الربط الديني التاريخي الوثيق بين المسجدين المُباركين، فقد ثبت في صحيح مسلم أن أبا ذر - رضي الله عنه - قال: يا رسول الله، أي مسجد وضع في الأرض أولُ؟ قَالَ:"الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ". قَالَ: ثُمَّ أي؟ قَالَ:"ثُمَّ الْمَسْجِدُ الأَقْصَى". قال: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ:"أَرْبَعُونَ سنة".
وإنّ فريضة الصلاة لم يُوحِ الله بها إلى نبيّه محمداً صلّى الله عليه وسلّم وقد كان على أرض مكّة وهو القادر على ذلك؛ لكنّه – سبحانه – أبرز وجه القدرة اللائقة به، بآية عظيمة نال بركتها رسولنا محمد صلّى الله عليه وسلّم ليُسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى؛ ومن فوق الأقصى إلى مكان عال في السماء؛ ويوحي الله تعالى إلى رسوله محمد بفريضة الصلاة إذ هي صِلَةٌ بين العبد وربّه فما كان لهاته الصلاة إلاّ أن تتوثّق أواصرها في السماء بين الخالق والمخلوق؛ فالقدس محطّ الاختيار الربّاني فهي بوابة السماء؛ لينطلق منها برسول الله صلى الله عليه وسلّم انطلاقة خالدة إذ عُرج به إلى السماء فالتقى جبريل والأنبياء ورأى من آيات ربّه الكُبرى وفرض الله عليه فريضة الصلاة، فسبحان من أسرى بعبده ليلاً في خفاء عن الأعين؛ لكي يرى في الليل آيات الله الكبرى!
إنّ حدثاً هائلاً كهذا؛ يستدعي من أمّة الإسلام جميعاً أن يُعيدوا النظر مرّة بعد أخرى؛ لاجتماع معادن الشرف ومعانيه بين أفضل الأنبياء محمد، مع أفضل الملائكة جبريل، مع أفضل مسجد على الأرض مكة، إلى أفضل مكان يرقى به إلى السماء من القدس ليلتقي في رحلته تلك مع أفضل الأنبياء؛ لتنزل عليه أفضل الفرائض وأشرفها الصلاة في أفضل مكان يُوحى به إلى الأنبياء: السماء؛ من الله تبارك وتعالى.
إنّ فضائل بيت الله المُقدّس كثيرة لا تُحصى؛ وقد جاءت فيها أحاديث صحيحة؛ ولربّما بالغ بعضهم في إيراد فضائلها؛ حتّى أنّ الإمام الزهري قدم بيت المقدس قال: فجعلت أطوف به في تلك المواضع فيصلي فيها. قال إنّ هنا شيخاً يحدّث عن الكتب يُقال له عقبة بن أبي زينب فلو جلسنا إليه. قال فجلسنا إليه فجعل يحدث فضائل بيت المقدس. فلما أكثر قال له الزهري: أيها الشيخ لن تنتهي إلى ما انتهى الله إليه. قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ}([1]).
إنّ المسلمين يعتقدون أنّ آية الإسراء بمثابة إعلان لليهود بإقالتهم من منصبهم الذي نصبهم الله تعالى إياه؛ ومن جميل ما قاله العلاّمة صفي الرحمن المباركفوري - رحمه الله - "يرى القارئ في سورة الإسراء أن الله ذكر قصة الإسراء في آية واحدة فقط، ثم أخذ في ذكر فضائح اليهود وجرائمهم، ثم نبههم بأن هذا القرآن يهدي للتى هي أقوم، فربما يظن القارئ أن الآيتين ليس بينهما ارتباط، والأمر ليس كذلك، فإن الله تعالى يشير بهذا الأسلوب إلى أن الإسراء إنما وقع إلى بيت المقدس، لأن اليهود سيُعزَلون عن منصب قيادة الأمة الإنسانية، لما ارتكبوا من الجرائم التي لا مجال بعدها لبقائهم على هذا المنصب، وإن الله سينقل هذا المنصب فعلًا إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ويجمع له مركزي الدعوة الإبراهيمية كليهما، فقد آن أوان انتقال القيادة الروحية من أمة إلى أمة، من أمة ملأت تاريخها بالغدر والخيانة والإثم والعدوان، إلى أمة تتدفق بالبر والخيرات، ولا يزال رسولها يتمتع بوحي القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم"([2]).
ولاجتماع هذه الجوانب والفضائل لدى أمّة الإسلام؛ فقد كثر الحاسدون والأعداء لهم ولمقدّساتهم؛ فصار بيت المقدس عُرضة لحركة الأمم عبر التاريخ بُغيّة الاستيلاء عليه والسيطرة على بقعته؛ وكان آخر ما حدث من ذلك: الاحتلال اليهودي المجرم الذي آزره وعاضده الاحتلال البريطاني والدول الغربيّة؛ وخيانة أنظمة عربيّة أخرى!
وحدثت الكارثة؛ واحتل المسجد الأقصى المُبارك؛ وأحرق جزء منه؛ وبدأ لهيب الحرب يحتدم؛ ونوازل الصراع تلتحم؛ وجرائم اليهود تكثر؛ حتّى غَدَت القدس مُطوّقة من جميع أركانها ما أن تقف مِطرقة للضغط عليها إلاّ وتشتغل الأخرى عبر بنادق آلة القتل العسكريّة اليهوديّة؛ ويوماً بعد يوم بات الوضع يتفاقم حتّى وصل إلى ما وصل إليه من مؤامرات مُدلهمة، وجرائم عظيمة على المسجد الأقصى المّبارك؛ والقدس، وأهالي بيت المقدس؛ حيث يُمكن أن نُفردها بحديث مُطوّل حول:

* سياسة يهود وهدم القائم من بنيان الله في المساجد، وبنيان الله للأجساد:

في هذه الدراسة مُحاولة متواضعة للتّتبع والاستقراء، والرصد والفحص؛ لإيضاح واستكشاف المؤامرة الخَطِرة لا يُمكن تقديرها بحجم كُلّي أو مخاطرة معدودة؛ بل إنّ عدّها وحصرها تقزيم لحجم الكارثة إذ أنّ كلَّ معدود محدود؛ فالأمر ليس له حدود!
إنّه أخطبوط سرطاني يتحرّك في قلب الأمّة المقدسيّة؛ وكل ما نراه من عوامل الدفاع عنه؛ ومقاومة وَرَمِه أدنى من كافّة الهجمة الشرسة اليهوديّة تجاه القدس والأقصى والمقدسيين وأمّة الإسلام جميعاً !
ومن منَّا يُحبُّ أن يستعرض أمامه لوحة فسيفسائيّة تجمع أشكال الألم والدم والدمع والأسى والقهر والغُصص والفواجع والمواجع وعدّد ما شئت؛ ليستذكر حجم المأساة الكُبرى التي يعيشها المسجد الأقصى المُبارك في هجمة مسعورة يهوديّة على الأقصى والقدس وأهل بيت المقدس.
في هذه الدراسة لن تتركّز المخاطر على الجوانب المحيطة بالأقصى فحسب؛ فالخطر على من هم حول الأقصى من بنيان الله لأجساد المسلمين، أعظم وأخطر من بنيان الإنسان لمساجد الله على الأرض؛ فلو خَلَتِ الأرض المقدسيّة من المسلمين المنتصرين لدينهم؛ لكان – والله أعلم - بنيان المسجد الأقصى مُحطّماً منذ عقود وفوقه الهيكل المزعوم !
إنّ حُماة الأقصى هم مربط الفَرَس وخطّ الدفاع الأوَّل الذين يحمي الله بهم دينه ومُقدسّاته؛ وإن سقطوا أو انكسروا سقط المسجد الأقصى بالكامل بيد العدو؛ فحُرمة مؤمنيهم عند الله عظيمة؛ وقد روى عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما ـ أنَّه  قال: رأيت رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ يطوف بالكعبة ويقول:(ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك ! والذي نفس محمد بيده، لحرمة المؤمن أعظم عند الله من حرمتك)([3]) وجاء في الأثر أنّ قتل الرجل المسلم أعظم من زوال الدنيا بأكملها، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ أنَّه قال :(لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم)([4]).
إنّه مع تسليمنا بخطورة تخريب المساجد وجريمة ذلك؛ إلاّ أنّها ليست كتخريب أفكار المسلمين وعقولهم؛ فإن خربت الأفكار والعقول هُجرت المساجد ولم يأتها أحد؛ ولن تُهدم الكعبة وتُنقض حجراً حجراً؛ إلاّ وقت زوال المسلمين وضعف هذا الدين وانتشار الإلحاد؛ لهذا فالتغييب الفكري، والتجويع المعرفي، والتذويب الإيماني أشدّ ضرراً وفتكاً بالإنسان من هدم مسجد قائم؛ بل إنّ قتل المسلم وإراقة دمه من الجرائم التي لا تقلّ شناعة وبشاعة عمّا يقوم به جنود الاحتلال من قتل معالم القدس والأقصى وإزالتها.
وبكل حال فإنّ المسجد الأقصى على شُهرة المخاطر التي تلتف حوله؛ إلاَّ أنّ غالب الناس لا يعرفون حقيقتها؛ فضلاً أن يعرفوا عن المخاطر والمؤامرات التي يُعاني منها الوجود المقدسي؛ ما يجعلنا نُجمع الحديث عن هذه المخاطر لتكون عن القدس والمقدسيين؛ أو عن الأقصى وأهل الأقصى؛ فـ: (كلنا في الهم شرق) كما قال أحمد شوقي من أقطوعته الشعريّة؛ وفيها:

نَصَحْــتُ ونحــن مخــتلفون دارًا * ولكــنْ كلُّنــا فــي الهـمِّ شـرقُ
وللأَوطــانِ فــي دَمِ كــلِّ حُــرٍّ* يَـــدٌ ســلفتْ وديْــنٌ مُســتحِقُّ


(أبرز جونب المخاطر اليهوديّة حيال المسجد الأقصى وأهله)

 أولا: الجانب الاعتقادي و الفكري :
في البدء لا بدّ من إيضاح سرّ الصراع بين المسلمين ويهود الصهيونيّة وأنّه صراع عقائدي؛ ومن أدرك حقيقة ذلك سيتجاوز حجم المخاطر والمكر الذي يقوم به اليهود لكثير من الجرائم الفكريّة على الأرض؛ فالإفساد دينهم وديدنهم وحوله دندنتهم.
والمسلم إن أدرك حقائق الإسلام والإيمان؛ وكانت لديه المعرفة المتكاملة بكيد يهود وإفسادهم في الأرض؛ فستُختصر له المسافات وتتلخّص له كثير من مجامع ما يُدانُ به يهود من التوثيقات لما يقومون به من جرائم ومخاطر تجاه القدس؛ فإذا جاء نهر الله بطل نهر مِعقل.
فلقد قال تعالى واصفاً يهود أنّهم :(ويسعون في الأرض فساداً) وفي السورة التي سُمّيت بسورة بني إسرائيل قال عنهم:(وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين!) وقال عنهم: (أوكلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم) وأخبر عن عدواتهم قائلاً: (لتجدنّ أشدّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا) وأنّهم: (كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله) فهذه الآي تُلخّص لنا حقيقة القوم.
إنّ الحرب الفكريّة والعقائدية اليهوديّة حرب قد لا يشعر بها ضعيف الإيمان لذا توصف أنّها حرب باردة؛ إذ يُراد منها التخريب والتلويث لعقول المسلمين؛ بحملات التشكيك والتفكيك للمعتقدات الإسلاميّة؛ ولجم من يقول الحقيقة من دعاة التأصيل والتحقيق العلمي؛ وإنّ خطورة سياستهم الفكريّة؛ تذكّرُني بكلمات يحسن إيرادها في هذا الموطن؛ إذ أنّ السياسي الفرنسي الفرنسي "كليمنصو" في عصر الحرب العالمية الأولى قال:"إن الحرب تبلغ من الجديّة مبلغاً أخطر من أن تترك قراراتها للعسكريين وحدهم"؛ وبعده بقليل قال الجنرال الفرنسي ديغول في عصر الحرب العالمية الثانية: "إن السياسة أخطر من أن تترك للسياسيين وحدهم" فيما سبقهما المفكر الاستراتيجي الألماني كلاوزوفيتز، في القرن التاسع عشر، قائلاً: "السياسة هي حرب بوسائل لطيفة، والحرب هي سياسة بوسائل عنيفة"([5])!
إنّ القضيّة عند يهود أبلغ من قرار حرب عسكريّة على المقادسة؛ وأشدّ من أن تكون قرارات سياسيّة فحسب؛ فليس الأمر تطبيعاً سياسياً بين دولتين قرّرتا إلغاء الذاكرة ومسح المعلومات المُسبقة؛ والتعاون فيما بينهما على قضايا مُشتركة؛ فالقضية ليست تسوية سلمية؛ لا بل الأمر أعظم من ذلك؛ إنّها دولة محتلة عسكرية قمعية وسياسة مستبدة قامت على الظلم، لكنّها تدعي الديموقراطية؛ تتعامل مع المقادسة بالمثل السياسي: "تكلّم بلطف واحمل عصا غليظة !" أو بالمثل الغربي المشهور: "الانتقام طبق يُفضّل تقديمه بارداً !"وتفرض سياستها الفكرية والثقافيّة بل الدينية على شعب آخر؛ دينه وثقافته وفكرته مُغايرة للمحتل؛ والمحتل يُريدها أفكاراً نهائيّة تصحيحية لأفكاره السابقة؛ فالقضيّة لم تعد تطبيعاً؛ إنّما الأمر أدهى وأمرُّ؛ فهو مسح وطمس وإلغاء لكافّة الأسس والثوابت المنهجية التي يتلقاها المسلم المقدسي في التعامل مع دينه وقضيته ومقدساته!

وكثيرة هي المخاطر التي يُحاول يهود من خلالها بإحداث تغييرات جذريّة في العقليّة المقدسيّة بل الإسلاميّة بشكل عام؛ ومن ذلك:

1.    يؤمن المسلمون إيماناً قطعياً بحادثة الإسراء والمعراج؛ ويرون أنّها حقيقة عقائديّة؛ وأنّها سبب لفتنة كثير من الناس عن دينهم؛ وثبات آخرين؛ وقد كانت هذه الحادثة بالجسد والروح معاً كما هو قول جماهير العلماء؛ فقد قال تعالى في سورة الإسراء:(سبحان الذي أسرى بعيده) والعبد تنصرِف للروح والجسد معًا، ويؤمنون أنّ هذه الحادثة كانت يقظة لا مناماً  كذلك ، فقد قال تعالى : (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) ومن كذّب بذلك فقد وقع في الفتنة وحاد عن طريق الإيمان؛ فالله تعالى يقول في السورة نفسها التي ذكر فيها حادثة الإسراء : (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا)[الإسراء: 60]، وقد أخرج الإمام البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما- مُفسّراً لآية: (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) قال: هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به.
لكنّ يهود يُحاولون في دراساتهم القيام بالتحويل الفكري لضعفاء المسلمين عن عقائدهم الثابتة؛ وزعزعة ثوابتهم، إذ يُحاول يهود ومجموعة من مستشرقيهم أن يُشكّكوا المسلمين بها عموماً والمقادسة خصوصاً، كحادثة: (الإسراء والمعراج)؛ ويعتبرونها قصّة خرافية؛ لا يُصدّقها عقل؛ وبهذا يُحاولون زحزحة الناس عن دينهم وثوابتهم؛ بل تكون هذه القضية مدخلاً للشك في الدين بله الإلحاد !
2.    يقوم اليهود بسياسة التهويد الفكري عبر التعليم، فقد قامت وزارة التعليم اليهودية منذ عام 2013م بتحويل المناهج التعليميّة الفلسطينية إلى مناهج يهوديّة خالصة؛ وهي محاولة حقيقة لطمس الحقائق وحجب للمعلومات الصحيحة؛ لتهويد عقول الجيل والنشء؛ فهم يتبنّون عبارة قالها أحد زعمائهم: (الكبار يموتون، والصغار سينسون)؛ فيقوم عملهم بتشويه العقيدة الإسلامية؛ وأنّ الإسلام "مجرد تربيّة روحيّة"، وأنّ تاريخ المسلمين قائم على الفتن والحروب، ومدح بني إسرائيل، وتغييب آيات الجهاد في سبيل الله، بل سقط كل ما يُشير إلى الانتفاضة الفلسطينية ضدّ المحتل؛ وحذف أي نشيد أو قصيدة تتعلق بها؛ وتزييف الوعي المقدسي حتّى لا نكاد نرى في تلك المناهج حديث عن عروبة القدس فضلاً عن كونها مُحتلة فضلاً عن إسلاميتها؛ بل حُذفت بعض القصائد التي تنمي في الحس الشعوري للنفس تجذٌّر المقدسي في أرضه؛ كما حصل ذلك بالفعل في قصيدة "جذور" للشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد والتي فيها: (القدس... أنا منها وأفديها بالمال وبالنفس ولا أرضى لها ذُلاّ)؛ وقاموا بفرض اللغة العبريّة على الطلاب العرب لغة أساسية في المنهاج الدراسي للمراحل الثلاث، وإلغاء مادة المجتمع العربي والتاريخ العربي، والتركيز على الخلافات العربية والضعف العربي وتأكيد عبقرية اليهودي وتفوقه على غيره من البشر.
وهم بهذا يقصدون لإخراج جيل مقدسي جاهل؛ لا يعرف عن تراثه ومآثره وآثاره إلاّ ما يُحكى له في أروقة البيوت العتيقة أو حكاوي الأجداد والآباء؛ أمّا في مجال التعليم فهو تعليم سيصبغ عقلية الجيل بالتطبيع الكامل مع الفكر القومي اليهودي!
3.    سماح الاحتلال اليهودي لعدد من السائحين زيارة القدس؛ وهم بذلك يرمون صّنّارة صيد من خلال طُعم لذيذ؛ فالأنفس تهفو لزيارة المسجد الأقصى؛ ومن سيزروها سيقع في الشِّبَاك؛ فاليهود ذوو مكر؛ يُبرزون أنفسهم أمام العالم أنّهم من أكثر الناس ديموقراطية، فيقومون بكسر الحاجز النفسي لعموم السائحين؛ إذ يرون جنود الاحتلال على بوّابات المسجد الأقصى وقد يبتسم أحدهم في وجه السائحين الذين أتوا لزيارته، وهذا سيغرس عند عدد لا يُستهان به أنّ يهود سمحوا لنا بممارسة العبادة كما لدى سُيّاح المسلمين وزيارة الأماكن المُقدّسة بشكل عام عند غيرهم!
ومن الأشياء التي يُركّز عليها يهود وضع برامج ثقافيّة للسائحين لزيارة المتاحف التي أقاموها قُرب المسجد الأقصى ومنها "متحف ديفدسون" جنوب المسجد الأقصى وهو متحف متخصص بغسل أدمغة السياح، فيدخل السائح الأجنبي إلى الأقصى بعد أن يرسموا له صورة مزورة ومعكوسة للحقيقة بحيث يبدو المسلمون وكأنهم هم المعتدون واليهود هم المظلومون!
يحصل ذلك للسّيّاح بكل سُبُلِ الراحة فيما أنّ الأقصى لا يستطيع الشباب المقدسي أن يصلوا إليه إلاّ في شهر رمضان ويوم الجمعة وبشقّ الأنفس، بل يُعتقل عدد من الشباب المقدسي لمنعهم من زيارته.
فعلى كلّ مسلم إن أحبّ الأقصى وتذّكره كي يُصلي فيه ثمّ قَصَدَ زيارته بدعوى سماح يهود بذلك وشدّ الرحال للمسجد الأقصى المبارك... عليه ألاّ يغيب عنه التفكير بزيارته بعزّة ومَنَعة وقوّة؛ ليكون من جنده الفاتحين بدلاً من أن يبقى مداسة لجنود الاحتلال الصهيوني يدخلون فيه في أي وقت وزمان؛ ويُحدّد لهم اليهود الوقت الذي يدخلونه فيه في أي وقت وزمان!
وعلى من يُخدع بسماح يهود بالسياحة والسفر لزيارة الأقصى أن يسألووا أنفسهم:
-  لماذا يسمح لنا يهود بالسياحة والسفر إلى المسجد الأقصى وأداء العبادة فيه؛ فيما يمنع نساء بيت المقدس من الدخول فيه؛ وتعتبر قولتهنّ في ساحاته: (الله أكبر) جريمة يُعاقب عليها القانون؟!
-  هل يقبل الواحد منّا بعد أن يُسرق بيته وماله؛ أن يأذن له الظالم السارق أن يدخله لزيارته؟!
4.    يقوم اليهود بمسح الذاكرة التاريخية للمدينة وتغيير أسماء شوارعها وأزقتها العربية بأسماء عبرية يهودية؛ وقد ذكرت إحصاءات ([6]) أنّ الكيان المحتل قام بتغيير 7000 اسم لمواقع فلسطينية؛ منها أكثر من 5000 موقع جغرافي، بل مئات من الأسماء التاريخية؛ وأكثر من 1000 اسم لمغتصبة يهودية؛ فيما يعني ذلك طمس التاريخ العربي والإسلامي لكافة هذه المواقع، بل قامت بلدية القدس بإجبار التجار المقدسيين أن ينصبوا لافتات باللغة العبرية على متاجرهم، بعدما فُرِض قانون يلزمهم بذلك.
5.    أطلقت وزارة الخارجية اليهودية موقع "قرآنت Quranet" تحت إشراف الأستاذ الجامعي اليهودي:"عوفر غروزيرد"([7]) وزعمت الخارجيّة أنّ هذا المشروع همزة وصل بين العالم الإسلامي والغربي، وأنّه مشروع يطمح إلى أن يكون "الذكر الحكيم وسيلة تربوية يستخدمها كل مرب وكل رب عائلة، لتظهر بذلك عظمة القرآن المجدية ليكون في خدمة البشر " - كذا في زعمهم- ، حتّى أنّ بعض المواقع العربيّة العَلْمَانِيَّة شاركت هذا المشروع؛ ليفسح المجال لهم بنشره على صفحات مواقعهم؛ والأدهى أن ينشر صاحب هذا المشروع كلمات لبعض المشايخ في الداخل والخارج بشكر هذا المشروع ومُباركة إنجازه!
ولا يخفى أنّ مشروعاً كهذا فيه محاولات خطيرة لتحريف المفاهيم القرآنية؛ وخاصّة فيما يتعلق بالأرض المُباركة وفلسطين وبيت المقدس؛ وجميع الآيات التي تتحدث عن اليهود؛ والقصد من ذلك معروف بداهة دون حاجة إلى تطويل التعليق عليه!
6.    محاولة عدد من الكتّاب والمستشرقين بالتشكيك بما جاء في القرآن والسنّة حول فضائل المسجد الأقصى المُبارك؛ وأنّه ليس المسجد المُتعارف عليه! بل إنّه ممر بين السماء والأرض! ويزعم عدد من الباحثين اليهود أنّ أحاديث المسجد الأقصى موضوعة! ويرون أنّ أحاديث فضائل المسجد الأقصى والحث على زيارته اختلقها الأمويون؛ ليصرفوا الناس عن الحج إلى بيت الله الحرام للمجيء لبيت المقدس! وأنّ الأحاديث المرويّة في فضائل بيت المقدس كلّها من اختلاق الزهري!
يُؤكّد ذلك ما في "الموسوعة الإسلامية" التي كتبها اليهودي "بوهل" حيث جاء فيها: "أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ربما فهم منذ البداية أن المسجد المذكور في الآية الكريمة إنما هو مكان في السماء، وليس المسجد الذي بني فيما بعد في مدينة بيت المقدس"([8]).
وإذ نبحث عن مصدرهم لهذه المعلومة الباطلة؛ فسنراها مُستلّة من كتب الشيعة الرافضة؛حيث اعتمد يهود عليها؛ حتّى أنّ "إسحق حسون" - الباحث اليهودي، والعضو في معهد الدراسات الآسيوية والأفريقية في الجامعة العبرية -، يقول في مقدمة تحقيقه لكتاب فضائل البيت المقدس لأبي بكر محمد بن أحمد الواسطي:"معروف أن فرقاً من الشيعة لا ترى لمسجد بيت المقدس فضلاً على غيره من المساجد"([9])!
لقد أورد صاحب كتاب"بحار الأنوار" - أحد مصادر الشيعة المُعتمدة لديهم - أكذوبة لفّقها عن جعفر الصادق، ونصُّها:"عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن المساجد التي لها الفضل فقال: المسجد الحرام، ومسجد الرسول، وقلت المسجد الأقصى جعلت فداك؟ قال: ذاك في السماء، إليه أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن الناس يقولون: إنه بيت المقدس فقال: مسجد الكوفة أفضل منه"([10]).
وجاء في تفسير الصافي لقوله تعالى:(سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) يعني إلى ملكوت المسجد الأقصى. قال:"ذاك في السماء، إليه أسري رسول الله صلى الله عليه وآله"([11]).
وليس الأمرُ مكتوباً في أوراق صفراء قديمة أكل الدهر عليها وشرب، بل لا زال الأمر يُذكر حتّى في العصر الحاضر؛ فلقد صنّف أحد أكابر علماء الرافضة "جعفر مرتضى العاملي" في زماننا كتاباً بعنوان: (المسجد الأقصى... أين؟!) وادّعى فيه أن المسجد الأقصى الحقيقي الذي أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إليه هو في السماء وليس في الأرض" ونال المؤلف على كتابه هذا تكريم الرئيس الإيراني السابق " أحمدي نجاد" ومنحه جائزة أفضل كتاب في إيران!
والشخص نفسه:"جعفر مرتضى العاملي" كتب كتاباً آخر جاء فيه أنّ"المسجد الأقصى الذي حصل الإسراء إليه، والذي بارك الله حوله، هو في السماء"([12]) وزعم صاحبه: "أنه حين دخل عمر بيت المقدس لم يكن هناك مسجد أصلاً، فضلاً عن أن يسمى أٌقصى لأنّه في السماء"([13]) وهو كلام مغلوط لأنّ المسجد الأقصى سُمّي بذلك؛ لبعده عن المسجد الحرام من ناحية المسافة، و لبعده عن القذر والدنس.
من هنا تتضح سلسلة الكذب على الأقصى؛ بدءاً من كُتب الشيعة الرافضة؛ مُروراً بأعمال المُستشرقين للتشكيك بقدسيّة الأقصى ومكانه؛ مِمّا يدلُّ دلالة واضحة على أنّ المستشرقين اليهود يستغلّون المذاهب الهدّامة الباطلة للتهوين من قدسيّة القدس والأقصى، وكتابات "إسحاق حسّون" وقبله المستشرق الفرنسي"ديمومين"، والمستشرق"كستر" شاهدة على مدى التفكير في التشكيك بقدسيّة الأقصى.
7.    لدى المستشرقين اليهود طُرُق أخرى للتشكيك في مدى تمسُّك المسلمين ببيت المقدس حين سقطت بيد الفرنجة عام 1092م؛ فقد ذهب "يمانويل سيفان" إلى أنّ احتلال القدس في ذلك الوقت لم يكن له صدى بين المسلمين ولا حُكّامهم؛ كما فعل الملك الكامل حين سلّم القدس وبيت لحم للملك الصليبي فردريك الثاني 1129م دون أن يكون لهذا الحدث فعل يتناسب مع أهميته وخطورته([14]).
بالطبع فإنّهم يُريدون التقليل من حجم احتلالهم؛ وإضعاف فكر المقاومة الذي يحمله المقادسة تجاه يهود؛ فضلاً عن أنّ هذه الأشياء كذب محض؛ فمن يقرأ ما كتبه المؤرّخون في وصفهم لحالة احتلال الإفرنج لبيت المقدس يصف شيئاً آخر تماماً عمّا يقوله عدد من اليهود؛ فالإمام ابن كثير قد كان مُعاصراً لتلك الحقبة الزمنيّة، واصفاً ردود الأفعال سنة 492هـ حيث قال: "أخذت الإفرنج بيت المقدس وذهب الناس على وجوههم هاربين من الشام إلى الطّرق مستغيثين على الإفرنج إلى الخليفة وندب الخليفة الفقهاء إلى الخروج إلى البلاد ليحرّضوا الملوك على الجهاد"([15])؛ ثمّ إنّ تفريط حاكم من حُكّام المسلمين في مُقدّساتهم؛ لا يعني ألبتة أنّ الشعوب ستكون متفقة مع تفريطه وتضييعه؛ كما هو الحال الآن من حُكّام المسلمين الذين فرّطوا في حماية مُقدّساتهم.
8.    يقوم عدد من الباحثين اليهود بالتشكيك في عروبة القدس بعد أن شكّكوا في إسلاميتها؛ ولهم في ذلك عدّة كتب وأبحاث متعلّقة؛ ومن أبرز ذلك قيام البروفيسور"أمنون كوهين" أستاذ مستشرق في الجامعة العبرية بكتابة كتب حول:"القدس – دراسات في تاريخ المدينة" حيث يرأس معهد "بن تسفي" للدراسات، وجاء في كتابه: " أنّ القدس لم تكن يوماً من الأيام مدينة عربيّة، ولم تكن عاصمة البلاد، وبقيت مدينة جانبية، ولم تلعب في الإسلام قط دور مركز ثقافي؛ لأنّ المسلمين شعروا أنّها كانت في الأساس مكاناً مُقدّساً لليهود والنصارى؛ فكانت بعيدة عن اهتمام العرب، والذين يصفهم بالبداوة والتنقل السريع بين البراري، وأسماهم أبناء الصحراء"([16]).
وهذا الكلام كما هو معلوم عند أي منصف، عارٍ عن الصحّة؛ عدا أنّ فيه نوع من التساوق الفكري مع المنهجيّة الكاذبة التي صارت تنتشر في مجال الأبحاث والدراسات بزعم الموضوعيّة والموثوقيّة؛ لكنّها مراكز مؤدلجة لا تقصد بأبحاثها الوصول إلى الحقيقة؛ فهي مراكز مُمَوّلة تقصد نشر الأكاذيب باسم التحقيق والدراسات والأبحاث الصادرة عن متخصصين وبروفيسورات كذبة!
و قد مَحَقَ هذه الأكاذيب عدد من الخبراء والباحثين الغربيين، وكان من أواخرهم البروفيسور الدانماركي "فيليب ديفز" الذي ألقى محاضرة ضمن فعاليات ندوة القدس الدولية في المركز الثقافي الملكي الأردني، ومِما جاء فيها : "إن حق الفلسطينيين والعرب في مدينة القدس هو حق تاريخي تكفله كل الشرائع الدولية" وأن "القدس لم تكن في يوم من الأيام مدينة إسرائيلية، وأن ضمّها لدولة الكيان الصهيوني بعد الاحتلال أمر غير قانوني، ويتعارض مع كل القوانين الدولية" وأكّد أن"القدس لم تكن أبدًا عاصمة لمملكتي يهودا التي أقيمت على جزء من أرض فلسطين، وأن علماء الآثار فشلوا في العثور على ما يطلقون عليه مدينة داود، وهو ما خيّب آمال اليهود الذين يبحثون لهم عن حق زائف في مدينة القدس" وجزم بالقول "أن كل الآثار التي تم العثور عليها حتى الآن، أو معظمها على الأقل، تعود إلى مزارعين من العرب الكنعانيين الذين سكنوا تلك المنطقة"([17]).

 ثانياً: الجانب السُّكاني = الديموغرافي :
"علينا أن نمتلك الوطن اليهودي الجديد، مستخدمين كل ذريعة حديثة وبأسلوب لم يعرفه التاريخ حتى الآن، وبإمكانات نجاح لم يحدث مثلها من قبل"[ثيودور هرتزل]([18]).
"ليس هناك من شعب فلسطيني، وليس الأمر كما لو أننا جئنا لنطردهم من ديارهم، والاستيلاء على بلادهم؛ إنهم لا وجود لهم"[غولدا مائير رئيسة سابقة لوزراء للكيان اليهودي]([19]).
"إن الحقيقة هي: لا صهيونية دون استيطان، ولا دولة يهودية دون إخلاء العرب ومصادرة أراضيهم وتسييجها"[يشعياهو بن فورت العضو السابق للكنيست اليهودي]([20]).
هذه تصريحات لزعماء يهود تؤكّد سعيهم لاحتلال الديار والبلاد؛ وهم يُركّزون على ذلك من خلال ترويج دعاوى كاذبة يربطونها بأحقيّة تشبُّثهم ببقعة المسجد الأقصى المُبارك وما حوله؛ وأنّه مكان أقيمت فيه معابد قديمة لليهود؛ وأنّ الوجود السكّاني الفلسطيني لا يستحقُّ المكث في هذه الأرض؛ لهذا يقومون بادّعاء دعاوى فارغة أنّهم الأحق بالأرض، والقيام بنسج الخيالات والأوهام العبريّة في حق وجودهم؛ وهو قول باطل من وجهين:
1)    أنّ غالب أهل فلسطين قد دانوا بدين الإسلام، وجعلوه أساس حياتهم، واتّبعوا جميع الأنبياء والرسل، ولم يُحرّفوا دينهم كيهود، فهم أحقُّ بيهود منهم، وكل دين سوى الإسلام بهتانُ، ولا يستحق الأرض إلاّ من دان بالدين الذي وضعه الله لأهل الأرض وهو الإسلام؛ فالله تعالى يقول: (إنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين)، وقال تعالى : ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أنّ الأرض يرثها عبادي الصالحون).
2)    أنّ القدس اسم عربي، بل أورشليم كذلك اسم عربي، وقد سكنها العرب قبل العبرانيين، والذين بنوها اليبوسيون من العرب الذين قدموا من الجزيرة العربية نفسها؛ وقد ذكر المؤرخ البريطاني أرنولد ج.تويني في مقدمة كتاب "تهويد فلسطين":"من أشد المعالم غرابة في النزاع حول فلسطين هو أن تنشأ الضرورة للتدليل على حجة العرب ودعواهم"([21])، بل إنّ عالمة الآثار البريطانية (ديم كنتن) وفريقها بدؤوا البحث عن مزاعم يهود في( مملكة إسرائيل الكبرى) منذ الستينات، ولمدة عقد كامل، ولم يجدوا شيئاً !
 
-  قيادات يهود يكشفون زيف ادّعاءات يهود في حقّهم التاريخي بأرض القدس وما حولها !!

إنّ يهود لهم مآرب خفيّة ووثائق سريّة واتّفاقات علنيّة؛ تخدم فكرة وجودهم في أرض فلسطين؛ بدعاوى كاذبة أنّ التوراة تنصُّ على حقّهم فيها؛ فيما يُناقضهم بذلك عدد من حاخامات يهود ورفضهم لذلك كجماعة "ناطوري كارتا" اليهوديّة، وكذلك الفِرقة السامريّة اليهوديّة المقيمة على جبل في نابلس، وغيرهما، ولم يقف الأمر عندهم  فقط بل لقد اعترفت شخصيات رفيعة المستوى سياسياً وتاريخياً وصحفياً وأدبياً من منتسبي دولتهم المزعومة اليهودية أنّ دعاوى امتلاكهم الأرض؛ كاذبة زائفة، ولا غرو في ذلك؛ فمن اعتاد السّرقة اعتاد الكذب، ومن اعتاد الكذب؛ قد تأتيه أحياناً صحوة ضمير ليقول شيئاً من الحقائق؛ حين يفتضح أمره، وينكشف سرُّه، ويظهر زيف ما قام به؛ لكنّه سيبقى مُستمراً على استمراء الكذب وما يتبعه من سرقة واحتيال، وهذه من عجائب الطبائع النفسيّة!!
لقد خطب موشى دايان عام 1969 في معهد"التخنيون" في حيفا قائلاً لمن عارضه من اليهود على سياساته الاستعمارية :" لقد جئنا إلى هذا البلد الذي كان العرب توطنوا فيه، ونحن نبني دولة يهودية، ولقد أقيمت القرى اليهودية مكان القرى العربية . أنتم لا تعرفون حتى أسماء هذه القرى العربية وأنا لا ألومكم؛لأن كتب الجغرافيا لم تعد موجودة، وليست كتب الجغرافيا هي وحدها التي لم تعد موجودة، بل القرى العربية نفسها زالت أيضاً، وما من موضع بني في هذا البلد إلا وكان أصلا سكان عرب!"([22]).
وفي كتابهما الذي أشعل ثورة اليهود عليهما في عام 2006 ، و عنوانه : اللوبي الإسرائيلي " يورد العالمان الأمريكيان جون ميرشيمر وستيفن والت في هذا الشأن نصاً حرفياً جاء على لسان مؤسس إسرائيل "ديفيد بن جوريون" يخاطب ناحوم جولدمان" رئيس المجمع اليهودي العالمي ، ويقول فيه بالحرف الواحد " لقد أتينا هنا وسرقنا بلادهم وأرضهم ( أي الفلسطينيين *فكيف لهم أن يقبلوا بذلك؟!"
ويقول "بني موريس" أحد أبرز المؤرخين اليهود، وهو باحث ومراسل ميداني وصحافي:"نحن الإسرائيليين كنا طيبين، لكننا قمنا بأفعال مشينة وبشعة كبيرة، كنا أبرياء لكننا نشرنا الكثير من الأكاذيب وأنصاف الحقائق ، التي أقنعنا أنفسنا وأقنعنا العالم بها "([23])؛ والعجيب أنّ هذا المؤرّخ يُريد إقناع نفسه أنّ اليهود كانوا طيبين وكانوا أبرياء، ومع هذا نشروا الأكاذيب؛ فسحقاً لهذه الطيبة الكاذبة!
هل لمستم طيبة من حيّة * او لمستم رقّة من عقرب؟!
وعندما علم (ماكس نوردو) -وهو من الصهاينة الأوائل، وصديق (زانغويل) صاحب القول المشهور: «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»- عندما عَلِمَ أنه كان هناك شعب عربي أصلي في فلسطين قال: «لم أعلم ذلك! إننا نقترف عملاً من أعمال الظلم!!»([24])، وذلك يؤكّد حجم تزييف الوعي الذي قام به يهود لدى من يقودون عمليّة التنظير للاستيلاء على هذه الأرض؛ حتّى يكتشفوا ذلك ليقولوا بألسنتهم أنّهم صاروا يقومون بأعمال ظالمة ضدّ الوجود السكّاني الفلسطيني!
ويقول:"عاموس إيلون": "الإسرائيليون أصبحوا غير قادرين على ترديد الحجج البسيطة المصقولة وأنصاف الحقائق المتناسقة التي كان يسوقها الجيل السابق"([25]) ونستجلي من كلامه أنّ الأكاذيب اليهوديّة فاقت حدّ المرسوم لقبولها؛ وأنّ عدداً من اليهود باتوا لا يُصدّقون مزاعم قادتهم!
ويقول البروفيسور اليهودي (إسرائيل شاحاك): "لم يبقَ من أصل 457 قرية فلسطينية وقعت ضمن الحدود الإسرائيلية التي أعلنتها في عام 1949م إلا تسعون قرية فقط، أما القرى الباقية وعددها 358 فكانت قد دُمرت، بما فيها منازلها، وأسوار الحدائق، وحتى المدافن وشواهد القبور؛ بحيث لم يبقَ بالمعنى الحرفي لهذه الكلمة ـ حجر واحد قائماً. ويُقال للزوار الذين يمرون بتلك القرى إن المنطقـة كلها كانت صحراء"([26])، ونلحظ في كلامه حجم التزوير التاريخي الذي أقرّ به هذا المؤرّخ اليهودي!
ويقول"د.نورمان كانتور"وهو أكبر كتّاب التاريخ اليهودي، فيقول:"إن الوعد الحق المقدس لليهود في فلسطين لم يثبت علمياً، وإنه شيء ينتمي إلى عالم الأدب، أكثر مما ينتمي إلى علم الدين"([27])؛ وهذا يعني أنّ انتماء هذا الوعد لعالم الأدب لا إلى عالم الدين؛ أنّه من قبيل الخيال والأمنيات وليس له حقّ ديني مُعتبر.
ويؤكد المؤرخ اليهودي "راز كراكوتسكينز" تلك الحقيقة بقوله: "الحقيقـة أن الجزء الأكبر من أراضي العرب وبيوتهم ومناطق وجودهم انتقلت إلى أيدٍ يهوديـة... وذلك كجزء من عمليـة تأسـيـس دولـة (إسـرائيل)، ويبقى البلد وسـكانه بلا تاريخ."([28]).
وقال الشاعر اليهودي "إيلي إيلون": " إن البعث التاريخي للشعب اليهودي ، وأي شيء يقيمه الإسرائيليون مهما كان جميلاً ، إنما يقوم على ظلم الأمة الأخرى . ولسوف يخرج شباب إسرائيلي ليحار ويموت من أجل شيء قائم أساساً على الظلم ، إن هذا الشك ، هذا الشك وحده ، يشكل أساساً صعباً للحياة"([29]).
لقد كشفت الآثار التي سجل نتائجها أحد العلماء اليهود حول (هيكل سليمان) المزعوم عن الفشل الذي رافق الدعاية الإسرائيلية حوله ، كون هذه المكتشفات والآثار تدحض الدعاوى والمزاعم اليهودية؛ حتّى أنّ "د.شولاميت جيفا" أستاذة الدراسات اليهودية في جامعة تل أبيب اعترفت أنّ"علم الآثار اليهودي أريد له تعسفاً أن يكون أداة للحركة الصهيونية، تختلق بواسطته صلة بين التاريخ اليهودي القديم والدولة اليهودية المعاصرة"وقد كشف هذه الأكاذيب "وليم درايميل" في كتابه :(المدينة المسحورة) قاصداً بها (مدينة القدس) متحدثاً عن الجهود التي بذلها الكيان الصهيوني من سنة (1948-1995م) في التنقيب عن بقايا هيكل سليمان، فيقول: "كان تقدير العلماء الإسرائيليين بأن موقع الهيكل قريب من أسوار مسجد قبة الصخرة، وبدأت الحفريات واستمرت رغم اعتراضات منظمة اليونسكو، وكانت الآثار التي تم الوصول إليها بقايا قصر لأحد الأمراء الأمويين، وهذا أمر يكشف مدى كذب اليهود في أمر الهيكل المزعوم، وأنه ليس لهم ماضٍ يقوم عليه حاضر دولتهم تاريخياً"([30]).
وقبل مُدّة قصيرة اعترف عالم الآثار الاسرائيلي"مائير بن دوف" أنه لا يوجد آثار لما يسمى بجبل الهيكل تحت المسجد الأقصى، مناصراً بذلك الأصوات السابقة التي كشفت عن ذلك ولاسيما علماء الآثار الاسرائيليين بقسم التاريخ بالجامعة العبرية، ففي لقاء مع صحيفة القدس تحدث مائير بن دوف (أبرز علماء الآثار في إسرائيل ) قائلاً:"في أيام النبي سليمان عليه السلام كان في هذه المنطقة هيكل الملك الروماني هيرودس وقد قام الرومان بهدمه ، أما في العهد الاسلامي فلم يكن هناك أثر للهيكل ، وفي العهد الأموي بني المسجد الأقصى المبارك ومسجد قبة الصخرة المشرفة وهو المكان الذي عرج منه النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء . وأشار عالم الآثار الاسرائيلي إلى أن منطقة الحرم القدسى الشريف كانت على مستوى مختلف مما هي عليه اليوم ، فقبل ألفي سنة لم تكن تلك المنطقة بنفس المستوى التضاريس ، فمثلاً هيكل الملك هيرودوس الروماني كان بمستوى أعلى من مستوى الصخرة المشرفة هذا اليوم"([31]).

*  ماذا يفعل  الإفساد اليهودي بالوجود السُكّاني المقدسي؟!
إنّ أعظم استراتيجية يقوم بها اليهود منذ القِدَم:(الإفساد في الأرض) ومن أعظم أوجه الإفساد القيام بالتفريق والتقسيم والتفتيت؛ وقد نجحوا في ذلك جيداً؛ حتّى أنّ محاولات التقسيم لم تطل الوجود المقدسي فحسب؛ بل هي استراتيجية كبرى لهم في الوجود فهم يعلمون أنّه لا يُمكن لهم أن يعيشوا براحة وأمان؛ إلاّ إذا قسّموا المنطقة العربية التي تحيط بها عدّة تقسيمات؛ وأوعزوها لِحُكّام يتساوقون مع طريقة تفكيرهم؛ أو يغضُّون الطرف عن جرائمهم؛ يعينهم في ذلك النظام الغربي الفاجر الذي كان له قصب السبق في تنفيذ مشاريع يهود داخل وطننا العربي المسلم.
من هذا الأساس تنطلق منهجيّة قوات الاحتلال الصهيوني إلىى تفتيت المجتمعات المقدسيّة ديموغرافياً = سكّانياً؛ بتقسيم المُقسّم، وتشيت المُشتّت، وقطع أواصر العلائق بين العوائل؛ فمنهجيّة التقسيم عندهم والتجزئة في كانتونات صارت هي الأشهر عالمياً؛ ولا أظنّ أنّ بلداً مُسلماً حصل فيه من التقسيم والتجزئة ولا يزال كما هو الحال في ديارنا المقدسيّة!
هنالك كتاب صدر مؤخّرا بعنوان:(إسرائيل والقدس الشرقيّة: استيلاء وتهويد) قام بتأليفه: "مائير مارجليت" - وهذا الشخص لمن لا يعرفه عضو في مجلس بلدية مدينة القدس عن حزب ميريتس اليساري؛ وعمل منسقاً ميدانياً مع اللجنة الصهوينية ضدّ هدم المنازل؛ وعمل في مجال التعليم والخدمات الاجتماعية؛ - فقد ذكر حالة مُكثّفة من اليهود تجري في القدس الشرقيّة منذ عام 1967م لاقتلاع الوجود المقدسي وإجلائه، واستيطان وجود يهودي بديل عنه وإحلاله بقوّة السلاح والاحتلال؛ لهذا جعله حالة من "الكولونيالية الكلاسيكيّة" التي لا تختلف عمّا قام به الكلونياليون الآوروبيون في آسيا وأفريقياً؛ حتّى أنّ عدداً من زُوّار القدس صاروا يوافقون على الوجود اليهودي في القدس الشرقيّة؛ وكأنّه أمر طبيعي، ويؤكد المؤلف في كتابه أنّ اليهود في دولتهم المزعومة تتطلّع لابتلاع الأرض؛ دون إرادة لوجود العنصر البشري المقدسي فيها([32]).

وهكذا تُعاني القدس من تهويد الأرض بمُثابرة يهودية مُباشرة؛ مع تحجيم الوجود المقدسي والضغط عليهم بطردهم بالقوّة أو تهجيرهم قسراً؛ ما يعني أنّ هنالك طريقة مُخطّط لها في تهويد الأرض والعرض؛بل الاستحواذ المطلق وتغيير المحيط السكّاني بالكليّة؛ وأنّه إن وُجد أحد يعيش في تلك البقاع المتناثرة الضيقة الصغيرة فهو غريب في مجتمعه وبلده؛ لتمزيق الشعور بالمكان والإضرار بالأمن النفسي للسكان؛ ومن ضمن هذه المخاطر التي تجري على قدم وساق يوماً إثر يوم في القدس:

1.    جدار الفصل الظالم وقد قسّم القرية المقدسيّة فيما بينها؛ فصار جزء منها في حدود الجدار الذي يضم المدن التابعة للداخل الفلسطيني (48) ومنها ما يكون مع الضفة الغربية التي تشرف عليه صورياً السلطة الفلسطينية!
2.    تشهد القدس اليوم أقوى موجة وهجمة استيطانية اغتصابية؛ حيث يقوم المحتل الصهيوني بتفريغ أحياء كاملة في القدس من المقادسة، كما هو حاصل في حي الشيخ جراج وحي البستان؛ بل سحبت وزارة داخلية الاحتلال الصهيوني هويات 4672 مقدسياً في عام 2008 وطردتهم خارج مدينتهم، وكانت مجموع بطاقات الهوية مصادرة من عام 1967 م الى 2011م ، ما يُقارب: 14233 بطاقة هوية!
3.    يقوم المحتل بتسمين المغتصبات الصهيونية المحيطة بالقدس؛ كما في جهة مغتصبة معاليه أدوميم شمالاً إلى جيلو جنوباً؛ وهي محاولات عبثيّة للتخريب الإسكاني وكتابة الجلاء على المقادسة وخلاء ديارهم، كما يقوم بقطع أواصر علاقتهم مع أقاربهم بإيجاد هذه المشكلة الاجتماعية المأساوية التي يعيشها المقادسة حيث يتمنّى أن يرى القريب قريبه، ولا يستطيعون ذلك حين تقسّمت القرية الواحدة التي كانوا يعيشون فيها على بساط واحد.
4.    إصدار تشريع يسمونه بـ: (قانون الغائبين) الصادر عام 1951م فمن يتغيّب منهم عن منزله أكثر من 10 سنوات تُصادر شرطة الاحتلال بيته وأرضه؛ إمعاناً  في سلب الوجود المقدسي والفلسطيني من هذه المناطق؛ فاليهود لم يكن تعدادهم حتى عام 1948م إلاّ 6% من مساحة فلسطيني التاريخية؛ لهذا يقومون بهذا القانون لتكثيف الوجود اليهودي وتمكينهم من البقاء في الأماكن المقدسية ؛ مع محاولات أخرى لمنع من درس بالخارج أو ذهب للعلاج من المجيء إلى بيته وأرضه؛ لتتم المُصادرة بموجب ذلك؛ بطريقة لا يُمكن وصفها سوى بالمخادعة والمكر الكُبّار.
وفي عام 1965م أصدر الكيان الصهيوني قانوناً "يعدُّ كل من غادر المناطق التي تحتلها (إسرائيل) إلى خارج فلسطين مهاجراً وغائباً عن أرضه ولذلك فإن ملكيتها تعود للدولة"([33]) وبموجب ذلك القانون استملك الكيان الصهيوني مئات الآلاف من الدونمات؛ وعشرات الآلاف من البيوت والمساكن الفلسطينية، واستولى على آلاف المحلات التجارية !
5.    دعا وزير الداخلية الصهيوني "جلعاد أردان" لبحث إمكانية سحب الهوية الإسرائيلية الزرقاء من سكان القدس الفلسطينيين أو إبعادهم إلى الضفة الغربية كنوع من العقاب على من ثبت عليهم التحريض ضد الاحتلال، ولقد قام بذلك بالفعل حيث ألغى هويّة زوجة غسّان أبو جمل وهو أحد منفذي عمليّة مقاومة في القدس من مدّة قريبة!!
6.    طُرح على طاولة الكنيست مناقشة موضوع حظر إحياء يوم نكبة فلسطين 1948م؛ وينص هذا القانون على أنّ من لا يلتزم بذلك تصل عقوبته إلى ثلاثة سنوات؛ كل ذلك تحت تأثير المجتمع العدواني العنصري اليهودي بمتطرفيه وغيرهم حيث أنّ استطلاعات الرأي العام التي تجريها مراكز الأبحاث الصهيونية تذكر أنّ قرابة 70% من المجتمع اليهودي لا يُريد أن يرى عرباً وفلسطينيين داخل دولتهم المزعومة؛ وبهذا يكون مجرّد إحياء ذكرى النكبة عند يهود جريمة يُريدون أن يُعاقب عليها قانونهم !!
7.    يُعاون الساسة اليهود على جرائمهم في حقّ سكان بيت المقدس: أصحاب النفوذ المالي الأغنياء، وعلى رأسهم:"أورفينغ ميسكوفيتش" المسؤول الوحيد عن تمويل أنشطة منظمة "عطيرات كوهنيم" التي تقوم بعمليات التهويد في القدس القديمة؛ ففي حين تُصدر الساسة القرارات المتعلقة بمشاريع التهويد؛ فإنّ "ميسكوفيتش "كان يتولى تمويل هذه المشاريع، منطلقاً من توجُّهات يهوديّة متطرفة، لاقتطاع الأماكن التي يدعي اليهود أنها تنتمي إلى ما يسمى بـ " الحوض المقدس"، الذي يضم قبور أنبياء وملوك اليهود بزعمهم، حتّى أنّنا نرى "ميسكوفيتش" يفرغ كامل وُسْعِه للإستثمار في البناء في بلدة " سلوان "، التي تقع شرق القدس، وحين يتولّى دفع ذلك يتم إعفاؤه من ضرائب الخزانة الأمريكية حيث أنه أقنع سلطات الضرائب الأمريكية أنها يقدم هذه الأموال كتبرعات لجمعيات خيرية!([34]).
8.    طالت منهجيّة:(التقسيم زمانياً ومكانياً) التي تجري في المسجد الأقصى، كافّة أحياء القدس، والبلدات العربية؛ بل عموم فلسطين؛ فالتقسيم من نصيب الفلسطينيين فكلُّ شيء تجاههم مُقسّم.
فالمسجد الأقصى يُراد تقسيمه(مكانياً) لتكون هنالك بقاع محدّدة للمسلمين يُصلّون فيها ويعبدون ربّهم ويمارسون فيها شعائرهم؛ وبقاع أخرى ليهود وهي الأغلب؛ لممارسة طقوسهم وخرافاتهم التلموديّة.
لهذا دعا رئيس الدَّولة الصهيونية سابقًا "موشيه كتساب" إلى تقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود، والسَّماح لليهود بإقامة شعائرهم الدينية داخل المسجد الأقصى، وقال في تصريحات له للإذاعة الصهيونية: "إنَّ دخول المسلمين واليهود إلى الحرَم القدسي لا بدَّ أن تتمَّ في نهاية الأمر وفقًا لنظام متَّفق عليه بين الأطراف المعنيَّة، يسمح لكافَّة المسلمين واليهود بأداء شعائِرِهم الدينيَّة في هذا المكان المقدَّس، على غرار الإجراءات المتَّبعة في الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل"([35]) وفي ذلك دعوة واضحة لتقسيم المسجد الأقصى مكانياً؛ تُكّذّب ادّعاءات يهود أنّهم لا يريدون ذلك حقيقة؛ كما زعم نتنياهو في تصريحات أخيرة له!
أمّا تقسيمه (زمانياً) بتحديد مّدّة زمنيّة فيصلي المسلمون في الأقصى؛ ثمّ يرحلون ويأتي اليهود ويقومون بأداء طقوسهم؛ ليحدث في الوعي اللاشعوري لاحقاً أنّ هذا المكان والزمان خاص باليهود والآخر خاص بالمسلمين؛ كما هو في مسجد الإبراهيمي في الخليل، وكلّ ذلك ليس مجرد رضاً فحسب بما هو مُقسّم ؛ بل إنّها المرحلة الأولى من مرحلة التقسيم؛ التي ستأتي بعدها مراحل تبعيّة؛ تقضي بأنّ يكون كلّ ما فيه أماكن العبادة لليهود فحسب؛ بعد فراغهم من هدم بنيان المسجد الأقصى كما يُخطّطون!!
9.    استفزاز كبار المسؤولين لعموم المقادسة بسكنهم وإقامتهم في أماكن تجمّعهم الشعبي الكثيف؛ وهي خطوة تأتي في أعقاب الضغوط التي يمارسها حزب "البيت اليهودي" بقيادة الوزير "نفتالي بنات" على رئيس وزراء يهود "بنيامين نتنياهو"؛ فقد أعلنت التلفزة اليهودية الثانية أن وزير الإسكان الإسرائيلي "أوري أرئيل" قرر الانتقال وعائلته للإقامة في بلدة "سلوان" المتاخمة للقدس، وذكر معلق الشؤون السياسية في القناة، أودي سيغل، أن قرار أرئيل يأتي في إطار حرصه على التعبير عن تضامنه مع عشرات المستوطنين اليهود الذين سيطروا على منازل القرويين الفلسطينيين في البلدة وأقاموا فيها!
10. ذكرت دراسة صادرة عن "مركز بيو لأبحاث الأديان والحياة العامة" الأمريكي أن معدل نمو الكثافة السكانية الإسلامية يفوق بمرتين معدل نمو غير المسلمين، وهو ما يمثل خطرًا على الاحتلال اليهودي، وأن المسلمين من المتوقع أن تزداد كثافتهم السكانية بنسبة 35% خلال العشرين عامًا القادمة، وطبقًا لتصريحات "بين مسكوفيتش" - ممثل جمعية السياسات الخارجية : فإن النمو العربي داخل كيان دولة الاحتلال يزيد مرتين على معدل النمو اليهودي، وهو ما يهدد وجود دولة الاحتلال اليهودية، مؤكدًا انخفاض نسبة اليهود بدولة الاحتلال عن السنوات الماضية([36]).
وبناء على هذه النتائج المُريعة ليهود خاصّة مع شعورهم بتنامي الوجود المقدسي؛ ومباركة الله لأرحام المقدسيات التي تُنجب العديد من الأولاد؛ مقارنة بحال نسلهم الضعيف قِبالة المقادسة؛ فإنّهم يُحاولون أن يستغلُّوا إبعاد المقدسيين وتهجيرهم بطرائق ملتوية مختلفة؛ لهذا يقول أستاذ الجغرافيا الصهيوني "أرنون سوفير": "إن السيادة على أرض (إسرائيل) لن تُحسَم بالبندقية أو القنبلة اليدوية، بل ستُحسَم من خلال ساحتين: غرفة النوم والجامعات، وسيتفوق الفلسطينيون علينا في هاتين الساحتين خلال فترة غير طويلة"([37]) إشارة منهم إلى كثرة التوالد وانتشارها لدى الشعب الفلسطيني مقابل ضعفها وهمودها عند اليهود؛ وكذلك في مجال التعليم والثقافة التي يتميز بها الشعب الفلسطيني؛ وهذا ما يُفسّر لنا منهجيّة قتل الأطفال عند يهود واستهداف البيوت والسكانت كذلك أثناء حروبهم الدمويّة؛ فإنّه ما من حرب قُضّيت إلاّ وجدنا غالبيّة القتلى من الأطفال والنساء؛ ذلك أنّهم يرونهم كذلك قنبلة "بيولوجيّة" موقوتة ستنفجر بهم ولو بعد حين! ولا زالت الذاكرة الفلسطينية تستذكر لمقولة المشهورة عن "جولدا مائير" عندما قالت:" كل صباح أتمنى أن أصحو ولا أجد طفلًا فلسطينيًا واحدًا على قيد الحياة"!
إنّهم في الوقت نفسه يُطبّقون فتاوى حاخاماتهم الإرهابيين الذين يُفتون بقتل الأطفال والنساء؛ بل القيام بعمليّة الإبادة الكاملة، فالحاخام دوف ليئور - حاخام مغتصبة "كريات أربع" و المرجع الديني لحزب البيت اليهودي- يقول:"في كل الحروب التي يتعرض فيها شعب لهجوم من حقه الرد بشن الحرب على الشعب الذي خرج منه المهاجمون وليس ملزما بفحص إذا ما كان هو بشكل شخصي يتبع للمقاتلين، ويسمح لوزير الأمن بأن يأمر حتى بتدمير كل غزة"([38]).
ولم تصدر هذه الفتوى من هذا الحاخام المعتوه ليُقال أنّه تصرّف فردي مع أنّه ليس كذلك؛ فهذه الفتوى صادرة عن شخصيّة مسؤولة حيث أنّه أحد أكبر حاخامات كبرى المغتصبات الصهيونية، بل رافقه في هذه الفتيا عدّة حاخامات ومن ضمنهم الحاخام اليهودي "إسحاق شبيرا" حاخام المدرسة الدينية "يوسف حي" في مستوطنة "يتسهار، فقد أفتى لجنود الاحتلال بجواز مواصلة استخدام المدنيين الفلسطينيين دروعًا بشرية، سواء كانوا صغاراً أم كباراً، ويوزع هذا المجرم فتواه في منشورات على طلبة المدارس الدينية ويقول لهم: "ما تفعلونه من أجل أن تكون الحرب شديدة مسموح لكم وهو ملزم لكم حسب تعاليم التوراة"، ويحزن أن يجد هنالك منظمات صهيونية تُروّج لأفكار منظمات حقوق الإنسان التي تدعو للحفاظ على حياة السكان المدنيين أثناء الحروب!
لقد طبّقت آلة القتل العسكريّة اليهوديّة فتاوى حاخاماتهم بحذافيرها؛ ورأينا بنوك الأهداف المركزية بقتل الأطفال والنساء والشيوخ الكبار، وهكذا يقوم أولئك المتوحشين من حاخامات اليهود بصناعة فتاوى الفاشية اليهودية ويقوم الاحتلال بالواجب واللازم!
 
 ثالثاً: الجانب العمراني:
قبل عقود من الزمان وقف الزعيم اليهودي الصهيوني "ثيودور هرتزل" خاطباً أمام يهود:"إذا حصلنا يوماً على القدس وكنت لا أزال حياً وقادراً على القيام بأي شيء، فسوف أزيل كلّ شيء ليس مقدساً لدى اليهود فيها، وسوف أحرق الآثار التي مرّت عليها القرون"([39]).
يسعى اليهود بكل ما أوتو من قوّة ماكرة؛ بتزييف الوعي، ونشر ثقافة الدجل والتضليل؛ وتزوير التاريخ؛ وتحريف أماكن العُمارة والبناء؛ وهو من أخطر ما يُمكن رصده في ذلك؛ فعمليّة هدم القائم، وتغيير المعالم، وتلويث الطاهر؛ لا يُشقّ ليهود غبارٌ حول احترافيتهم فيها؛ فاللص المغتصب يُحاول إقناع نفسه أنّ ما اغتصبه وترفّه به؛ من حقّه؛ فيسيئه التذكير بما سلبه وتنعّم به، فتراه يعمل جاهداً على طمس الحقائق وتزييف الوعي وادّعاء أحقيّته بذلك؛ بعد أن كذب الكذبة وصدّقها؛ وسرق المال ثمّ أقنع نفسه أنّه من عرق جبينه لأنّه اجتهد في سرقته!!
إنّ من يدخل فلسطين المحتلة سائحاً من الشرقيين أو الغربيين؛ سيعتقد أنّ مدينة القدس يهوديّة التاريخ والمكان والزمان؛ لكثرة ما شوّهته أيادي المجرمين اليهود في تخريب الآثار، وتغيير العمران، أو إضفاء اللمسات اليهوديّة الخاصّة بهم؛ حتّى يظنُّ الظان أنّ مدينة كهذه لا يُمكن أن يكون للمسلمين فيها شيء يُذكر؛ لولا المسجد الأقصى وعليه النظر والخطر كذلك، وتتضح الخطورة حين يحمل عدد من الناس هذه الصور التي التقطوها واحتفظوا بوعيهم اللاشعوري؛ كي يكونوا سفراء للعالم بعد سياحتهم في القدس ومعالمه؛ ليقولوا: رأينا الآثار اليهودية، والمعالم الصهيونية؛ ولم نكد نرى للمسلمين شيئاً.

ومن معالم المخاطر في ذلك ما يلي:
1.    حين فشلت مُحاولات يهود عن إيجاد ما يُثبت شيئاً من تُراثهم وآثارهم في الحفريات والأنفاق التي يقومون بها تحت المسجد الأقصى؛ قاموا بطمس المعالم الإسلامية وتهويدها قسرياً، ومنطقة "الحوض المُقدّس" التي يدّعيها يهود وتضمُّ حسب ما يقولوه - زوراً وكذباً – جميع مواقعهم الدينية التاريخية في القدس التي لا يمكنهم التنازل عنها؛ كالبلدة القديمة، ووادي قدرون، وجبل الزيتون، وتصريحات المسؤولين اليهود تؤكد ذلك فقد أكّد "أيهود أولمرت" ذلك و" نتنياهو" وغيرهما.
وهذه المنطقة يعدّها اليهود من المناطق الاستراتيجية؛ لهذا يقومون باستتثمار نحو 2 مليار شيكل ليتم تنفيذها عبر ست سنوات؛ لاستيعاب 10 ملايين زائر وسائح، وتجنيد الشعب اليهودي للاعتراف الضمني بحقوقهم في "الحوض المقدَّس" الذي يشمل بزعمهم (المسجد الأقصى المبارك) وبهذه الطريقة يضمنوا السيادة المُطلقة الثابتة لهم على هذا الحوض، وهم يُخطّطون لها منذ عشرات السنين؛ فمشروع ألون عام 1967م، الذي وضع أسس مصادرة القدس وتهويدها بالتدريج، فقد نصَّ هذا المشروع على محاصرة الأحياء العربية، بإقامة تجمعات يهودية عديدة، وبناء الحي اليهودي القديم، حول محيط المسجد الأقصى المبارك!
2.    كشفت "مؤسسة الأقصى للوقف والتراث"عن وجود نحو مائة كنيس يهودي تطوق المسجد الأقصى من جهاته الأربع، منها 3 ملاصقة للمسجد الأقصى؛ فإقامة "كُنُس" مبدأ يهودي لتزييف تاريخ المدينة المُقدّسة؛ فقد أقاموا عام 2010 م ما يُسمّونه : "كنيس الخراب" وهو كنيس قرب المسجد الأقصى يقع على مسافة 300 متر من الجدار الغربي للأقصى؛ ليكون مُقدّمة لإقامة ما يُسمى بالهيكل المزعوم؛ وهذا الكنيس قد تحوّل إلى منطقة مزار يأتيها السيّاح إذ يُقدّر عددهم 40 ألف سائح من اليهود والأجانب؛ وأقاموا كنيس "خيمة إسحاق" كذلك؛ و كنيس "قدس النور" الذي ينوي اليهود بناءه فوق المحكمة الشرعية بحيث يكون مطلا داخل الأقصى بشكل مباشر، كما أقاموا أكبر كنيس مُجاور للمسجد الأقصى المُبارك حيث يبعد عنه قرابة مائتي متمر في الجهة الغربيّة منه؛ وأسموه كنيس"جوهرة إسرائيل"؛ والذي يجلب الانتباه أكثر أنّ هذا الكنيس أُقيم فوق أنقاض مُصلّى إسلامي بل إنّ هذه الكنس الثلاثة بنيت على أنقاض أوقاف إسلامية خالصة؛ فيما نرى كنيس "هحورباه" الذي يُقارب 26 متراً ؛ ويقع مرتفعاً شاهقاً فهو كمنظار يُقصد من خلفه كشف نواحي مدينة القدس؛ عداً أنّهم بذلك يُريدون تغيير المعالم؛ وتهويد العمران، حتّى أنّ صوراً فوتوغرافيّة تُظهر وجود معالم إسلامية مُصوّرة داخل قبّة "كنيس الخراب" مثل منطقة مسجد (الإبراهيمي) في الخليل ، ومسجد بلال بن رباح في بيت لحم وأنّهما معلمين أساسين وفقاً لقائمة المواقع اليهوديّة التراثيّة التي أعلنتها الدولة العبريّة بداية شهر مارس 2010م.
3.    إقامة الحفريات التخريبيّة أسفل المسجد الأقصى المُبارك؛ مِمّأ أدّى إلى تصدُّع في أركانه وبنيانه؛ فكثرة شق الأنفاق أدّت إلى شقوق وثقوب في جدران المسجد الأقصى وما حوله؛ وقد كُشِفَ مؤخراً عن حفرة قرب مصطبة أبي بكر الصديق بحذاء باب المغاربة داخل المسجد المُبارك؛ وتبعد بضعة أمتار عن مكان الشجرة الطويلة مِمّا أدّى ذلك إلى سقوطها نتيجة تلك الحفريات كما تقول تلك المصادر!
ومن أمثلة الحفريات الجنوبية كذلك حفريات بلدة سلوان، والتي تتم بدعم جمعيات استيطانية مثل جمعية "إلعاد"، وتهدف إلى إنشاء مدينة أثرية استيطانية تصل شمالا عبر أنفاق إلى المسجد الأقصى المبارك. وأدت هذه الحفريات التي لا تزال مستمرة إلى تعرض عدة منشئات مقدسية لانهيارات، وإنشاء مسارات سياحية أطلق عليها "مدينة داود"، وإقامة بؤر استيطانية.
وقد بدأت هذه الحفريات في بقايا دار الإمارة الأموية التي تلاصق سور المسجد الأقصى الجنوبي واستمرت على مراحل وأدت إلى حدوث تشققات في السور مما استدعى إجراء ترميمات له من جانب دائرة الأوقاف الإسلامية؛ بعد شقّ الأنفس؛ وأخذ الموافقة من اليهود لأيّ عملية ترميم لما يحتاج لذلك.
حينما زُرت القدس مِراراً في بعض الفُرَصِ كُنت أرى أحجار البلاط الأثريّة على أرض المسجد الأقصى؛ في حالة يُرثى لها من التشقق والتقلقل؛ حتّى أنّ المرء إذ يمشي أحياناً قد تضطرب مشيته لكثرة التصدُّعات الموجودة في بلاد الأقصى؛ وسواء أكان ذلك بسبب الحفريات؛ أو عدم سماح اليهود بإصلاح أراضي المسجد الأقصى وترميمها؛ ومنع القائمين على ذلك؛ واستدعاء أجهزة الأمن لكل من يُريد القيام بشيء من ذلك؛ ومحاسبته؛ مِمّا يدلّ على مدى المخاطر تجاه عمران المسجد الأقصى.
4.    منذ عام 1967م إلى عام 2011م هدمت قوات الاحتلال اليهودي 980 مبنى؛ يشمل 1514 وحدة سكنيّة، وصودرت 43% من أراضي القدس الشرقيّة وبُنيت عليها مغتصبات صهيونيّة،([40]) وقبل عدّة أشهر أعلنت بلدية الاحتلال في القدس أنّ قرابة 2700 منزل على قائمة الهدم خلال ثلاث سنوات؛ وليست القضيّة لأجل تطبيق القانون كما يزعمون؛ بل لعدم إصدار قوانين ترخيص بناء للمقادسة؛ والترخيص لغيرهم، ومن كان يسكن في بيته يقومون برفع ضراب الأملاك، والتضييق عليهم في قضايا التجارة والأموال، مع إصدار قرارات الطرد والتهجير القسري للمقادسة.
5.    في عام 2005 قام أكثر من 140 عامل يهودي وجرفوا مقبرة " مأمن الله " من الجهة الغربية للمسجد الأقصى من باب الخليل، وهذه المقبرة فيها رفات وعظام الصحابة الأجلاء والتابعين ومجاهدين وعلماء فسووها بالأرض، وبنوا عليها مبنيان ؛ المبنى الأول أسموه " متحف التسامح " – تأملوا دائما الأسماء تكون عكس ما يفعلون- والمبنى الثاني أسموه " الكرامة والإنسانية"!!
6.    محاولة إخفاء معالم الحرم القدسي ببناء مقبب مرتفع يحاكي شكله الخارجي باعتباره المعلم العمراني الأوضح والأبرز في القدس من مختلف جهاتها. من جهتها، ترى مؤسسة الأقصى أن ما يسمى كنيس الخراب مشروع تهويدي من الدرجة الأولى مرتبط ببناء الهيكل الثالث المزعوم تتبناه المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة وشركات استيطانية تابعة لها.
7.    يزاد المقدسي مرارة وهو يرى أنّ مدينة القدس لا تعمل فيها معاول الهدم والجريمة اليهودية فحسب؛ بل تتشارك كذلك معهم جرائم عربيّة، من ضمنها شركة إماراتية تؤسس ملاهي لليهود على مقبرة فيها رُفات بعض الصحابة رضي الله عنهم!

  رابعاً: الجانب الأمني:
كُلّ من يُتابع أجواء الحدث المقدسي سيكون على قناعة تامّة أنّ المُربّع الذي يُحيط بمنطقة القدس وما حولها يُطوّقه حزام أمني شامل؛ إن كان على المستوى الشعبي، أو المستوى العمراني، أو المستوى السياسي؛ فكلّ شيء يُحدّثك في القدس عن السياسات الأمنية الظالمة للبشر والحجر والشجر!
ومن ذلك:
1.    أنّ بوّابات المسجد الأقصى التي يتحكّم بها جنود الاحتلال اليهودي صارت: نقاط تفتيش؛ ومراكز اعتقال، وبؤر أمنيّة، وحجز هويات المقادسة، ومحطّة إهانة للمسلمين!
بل يقوم مخطط صهيوني خطير تنفذه وزارة الأمن الصهيونية على أبواب الأقصى وترصد له 4 ملايين شيكل!! وتقوم طواقم سرية في وزارة الأمن الداخلي بتنفيذ مخطط صهيوني لزيادة نقاط التفتيش على أبواب المسجد الأقصى كلها، وستقوم بوضع أجهزة كشف المعادن وستقوم بتركيب بوابات الكترونية أمام كل أبواب الأقصى، وستقوم بزيادة عدد الشرطة والحراس أضعاف أعدادها الحالية، وجعل مداخله كمداخل المسجد الإبراهيمي في الخليل!
2.    إعلان شرطة الاحتلال الصهيوني اعتقال 900 مقدسي في غضون شهرين؛ بحجّة تخريبهم للأمن العام، وإثارة الشغب وتسخين الأوضاع؛ على حدّ زعم يهود؛ بل إنّ عدداً ممَّن يسمح لهم اليهود بالدخول للأقصى من الشباب المقدسي؛ يقومون بأخذ هوياتهم؛ وحين خروجه من الأقصى يُحوّل أولئك الشباب لمراجعات مكاتب المخابرات اليهودية؛ ويُمنع بعضهم عن الدخول لاحقاً؛ أو يتم إبعاده بالكليّة من السكن في بيت المقدس!
3.    قيام سلطات الاحتلال الإسرائيلي باستهداف النساء وقمعهن والاعتداء عليهن على أبواب المسجد الأقصى المبارك، فقد اعتُدي على عدّة نسوة بالضرب المُبرح حتّى دخلت بعضهن إلى المستشفى؛ واعتقلت بعضهنّ حتّى خلع اليهود حجابها أثناء محاولة اعتقالها، إضافة إلى منع الكثير من النساء من دخول المسجد الأقصى المبارك.
4.    اقتحامات يهوديّة عسكريّة أمنية للمسجد الأقصى لقمع احتجاجات المصلين على تهويده، مما أدى إلى وقوع عدة مذابح بحقهم، منها مجزرة رافقت هبة النفق عام 1996م، ومجزرة رافقت اقتحام شارون عام 2000م. ولكن بعد تزايد وتيرة اقتحامات السياح والمستوطنين عام 2003م، وبحجة حمايتهم، تم إنشاء شرطة احتلالية خاصة بالمسجد الأقصى المبارك تتواجد بسلاحها في ساحاته بصفة دائمة.
5.    إبعاد المقدسييين عن المسجد الأقصى بحجّة قيامهم بالتكبير في ساحاته! أو أنّهم يقومون بمقاومة قوات الاحتلال الصهيوني أثناء تدنيس باحته، أو الحديث عن المؤامرات الصهيونية ومقاومة مخاطرها، وذلك واضح في حالة إبعاد الشيخ رائد صلاح؛ وكذا اعتقال نُوّاب القدس الثلاثة، وإبعادهم عن مناطق سكنهم في القدس إلى الضفّة الغربيّة.
6.    ولم يقف الأمر عند الشباب المقدسي فحسب؛ بل فرضت سلطات الاحتلال منذ عام 2005م أوامر إبعاد عن المسجد الأقصى لفترات متفاوتة بحق 25 من حراسه التابعين للأوقاف الإسلامية على خلفية تصديهم للمستوطنين المقتحمين خاصة عند محاولتهم إقامة شعائرهم في المسجد.
7.    أمرت سلطان الاحتلال بوضع يدها على 66 دونماً من أراضي قرية الشيخ سعد، جنوب شرق مدينة القدس، لأغراض "عسكرية وأمنية"،وأفادت مصادر مطلعة لوكالة معا أن سلطات الاحتلال تسعى لمصادرة الأراضي"لأهداف عسكرية" وتحديدا من أجل الطريق العسكري الخاص بجدار الضم والتوسع.
8.    قامت المؤسسة الصهيونية الأمنيّة بإصدار الأوامر بإغلاق عدد من المؤسّسات الرّعويّة التي ترعى طلبة العلم أو قضايا التنمية أو تكشف بأبحاثها ودراساتها زيف الادّعاءات اليهوديّة وتفضح الممارسات الأمنية والصهيونيّة تجاه القدس وأهالي بيت المقدس؛ لهذا قامت بإغلاق مؤسسة "عمارة الأقصى"، التي كانت ترعى مشروع "مصاطب العلم" في المسجد الأقصى، ثمّ أغلقت من "مؤسسة الأقصى لرعاية المقدسات" ثم أغلقت "مؤسسة القدس للتنمية" حتّى أنّه قد وصل بهم الحال لأن يبحثوا 2014/11/23 موضوع إخراج "الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني" عن القانون!!
9.    إنّ من أشدّ الأشياء خُطورة في المرحلة القادمة أنّ يهود يقومون بمراقبة أمنيّة مُكثّفة للشباب المقدسي  المُتديّن، وتأكيداً على ذلك فإنّ "رون بن يشاي"  المعلق العسكري البارز في صحيفة "يديعوت أحرنوت" يقول: إن المخابرات الإسرائيلية ستراقب التحولات الشخصية التي تطرأ على الشباب الفلسطيني في القدس المحتلة والبلدات الفلسطينية المحيطة بها.
وفي مقال نشرته الصحيفة نفسها فقد نوَّه "بن يشاي" إلى أن أكثر ما ستركز عليه المخابرات هو تدين الشباب المقدسي، على اعتبار أنه كلما تعمق تدين الشاب الفلسطيني كلما زادت فرص استعداده لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل.

  خامساً: الجانب الاقتصادي:
إنّ أهل القدس يعيشون في حالة اقتصاديّة مُنهارة في وضح النهار؛ فالأرقام تتحدّث عن نتائج كارثية في التردي الاقتصادي من ناحية غلاء الأسعار، وكثرة البطالة، وقلّة الأعمال التي يأخذون عليها أجرة صالحة للعيش بكرامة؛ وهي أشياء تُشعر المحتل بالإذلال كي يخضعوا ويخنعوا لقرارات يهود؛ ليجمعوا عليهم الفقر مع القهر؛ وهذا لن يكون بإذن الله؛ بل سيرتد على اليهود أنفسهم في القريب العاجل.
والأمر ليس بحاجة لإسهاب؛ فتقرير أجنبي صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، فقد وصف ما يجري بالقدس وصفاً لا يُجافي الواقع ولا تعوزه الدقّة في التشخيص؛ إذ قالوا : "الاغتيال الاقتصادي للقدس".
وبإلماحة سريعة حول أخطر ما يجري في القدس حالياً من الجهة الاقتصادية:
1.    تُعاني منطقة القدس عموماً وما حول المسجد الأقصى خصوصاً من الضعف الاقتصادي الكبير؛ والتضييق على المحلات التجاريّة، وخنق أي مشروع اقتصادي يقوم بتمويل مشاريع المسجد الأقصى الإنمائية والإحيائيّة، ومن دخل ساحات المسجد الأقصى سيجد معنى التحطيم لكل الآثار وعدم ترميمها وعدم السماح لذلك إلاّ بشق الأنفس؛ فالمسجد الأقصى ومدينة القدس يُستهدف اقتصادها بطريقة مُكلفة وإرهاق أهلها اقتصادياً بتكاليف باهظة في مجال رخص البناء داخل حدود بلدية القدس؛ وهذا يؤدي إلى أن يُدفع غالبيتهم للبناء دون ترخيص؛ مِمّا جعل هذه البيوت عُرضة للهدم والقضم.
2.    تحرص سلطات الاحتلال على فك ارتباط الاقتصاد المقدسي باقتصاد السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة، وتركه وحيداً، كي يواجه أزماته ويقارع المخططات الهادفة لدفعه إلى الركود التّام، ويلوغ شفا الانهيار.
3.    يفرض اليهود الضرائب المُكلفة الباهظة التي تثقل كاهل المواطن المقدسي؛ مِمّا يؤدي لرفع مُعدّلات خط الفقر إلى مستويات غير مسبوقة، مع تدني مستوى دخل المواطن الفلسطيني هناك، وتراجع مستوى قدراته الشرائيّة، مما يسبب خللاً في الدورة الاقتصاديّة للمدينة.
4.    يُعاني المقادسة من سوء الوضع الاقتصادي المتعلق بشبكة المياه فالإحصاءات تتحدث أنّ 50 – 60 % من مدينة القدس الشرقيّة خدماتها غير موصولة بقطاع شبكة الصرف الصحي، بل إنّ 50 % من شبكة المياه بحاجة لاستبدال؛ وأنّ اليهود قاموا بالاستياء على 85 % من مصادر المياه في القدس!
5.    قامت "الجبهة الإسلامية المسيحية للدفاع عن القدس والمقدسات" بإصدار إعلان مشترك تحدثت فيه أن 72% من المقدسيين يعيشون تحت خط الفقر بينما لا تتجاوز النسبة بين المغتصبين الصهاينة 17%.
إنّ مِمّا يؤسف له أنَّ "مركز القدس لدراسات المجتمع والدولة" الذي يُديره "دوري غولد،" كبير مستشاري نتنياهو، حيث نشروا ورقة عمل؛ زعم فيها الباحث "بنحاس عنبري" أن الإخوان المسلمين يخططون لتوظيف أحداث القدس في إشعال العالم واعادة الاعتبار للخطاب الإسلامي المتشدد، على أمل أن يفضي الأمر إلى تدشين خلافة إسلامية بقيادتهم، وزعم أنّ إحدى دول الخليج تراجعت عن مساعدة القدس مالياً بدفع 500 مليون دولار لدعم القدس؛ حتّى لا يتمكّن الإخوان المسلمون من استغلال قضيّة الأقصى.
والأخبار تتحدّث أنّ نتنياهو قدّم نداء لحُكّام العرب بأنّ الإخوان خلف أحداث القدس فساعدونا، وأنّهم يُوظّفون أحداث القدس لإشعال العالم!
وكأنّ كل المقدسيين إخواناً مسلمين! وكأنّ اليهود وهم إخوان القردة والخنازير من يستحق الأرض! ويُخشى عليهم من وجود آخر يقضُّ مضاجعهم! فتتخذ قضيّة الإخوان ذريعة لعدم دعم المقادسة في وجه التهويد الصهيوني! وقِبالة ذلك تدعم بعض الأنظمة العربيّة بالمليارات والأسلحة لمواجهة فساد داعش، فيما لم تقم بدعم القدس في وجه التهويد وشراء منازل الفلسطينيين لتثبيتهم فيها؛ بل أدركت فلسطين أنّ كوباني التي لم يسمع بها أحد إلاّ قبل شهرين؛ كانت أكثر قيمة عند حُكّام العرب لتتحرّك لها ملياراتهم؛ فيما يحتل اليهود مدينة القدس منذ خمسين عاماً دون أدنى تحرّك!

* بعد هذه المخاطر: هل بقيت لنا جدليّة السؤال عن جديّة اليهود تجاه هدم الأقصى؟!
لقد استغلّ يهود وقت فورة الثورات العربيّة في الأعوام القليلة الماضية بانشغال الناس في تلك الثورات بقضاياهم الداخلية وتوجّه الأنظار إلى تلك البلاد؛ فقد قاموا بعمليات تمشيط لتخطيط بناء عدّة وحدات سكنية، وهدم عدّة مناطق أثريّة، والبناء على جمع من المناطق المقدسيّة، بمحاولة الأسرلة والتهويد لتلك المدينة وتفريغها من سكانها؛ فيما هم الآن أشدُّ عملاً لذلك بل يرونه واجب الوقت؛ إذ أنّ عدداً من هذه الثورات قد أُحبِطت أو سرقت وعُيّن حُكّام هم أشدّ سوءاً مِمّن سبقهم!
من المقولات التي انتشرت في العقود السابقة أنّ اليهود لا يصنعون الأحداث وإنّما يستغلُّون الأحداث؛ وهذه الكلمة لها قدر كبير من الصحّة خاصّة إن ضُبِطَت بكونهم يُحسنون صناعة الأحداث وقت مواتاة الأحداث لاستغلالها لصنعهم شيئاً يكون في صالحهم؛ ولقد وقف قديماً مؤسس الكيان الصهيوني ورئيس وزراء حكومة الاحتلال بن غوريون، وقال كلمة اشتهرت عنه:"لا قيمة لإسرائيل إذا لم نأخذ القدس، ولا قيمة للقدس إذا لم نأخذ الأقصى، ولا قيمة للأقصى إذا لم نقم ببناء الهيكل"!
إنّ يهود قد قاموا بمراحل متدرجة لاحتلال فلسطين على مبدأ: (نريد بطئاً ولكن أكيد المفعول)، لهذا يستغلون الفرص المواتية، ويعقدون صفقات مع الأنظمة الغربيّة والعربيّة، مع قياسهم لمدى حالة الضعف التي تعيشها الأمّة؛ فهم يُجيدون فنون التخطيط فقد خطّطوا لاحتلال فلسطين قبل أن يقوموا باحتلالها بستين سنة ومع مجيء السنة النهائيّة لقرب الاحتلال كان اليهود قد أحكموا القبضة وعقدوا الصفقة مع البريطانيين واحتلوا فلسطين.
إنّ منهجيّة التدرج البطيئ في تثبيت الاحتلال الصهيوني وطرد الوجود المقدسي هو الأخطر، وهو الذي سيٌمكّن لهم العمل في التهويد والسيطرة دون صخب أو ضجيج، مع استغلال القرارات الأمميّة فقد صدر قرار 181 وذلك في 29/11/1947م، ونصَّ على تدويل القدس، لتكون منطقة خاضعة لسيطرة دولية، تشرف عليها الأمم المتحدة، فرأها اليهود فرصتهم المواتية؛ ليعتقدوا أنّ التدويل ليس للفلسطييين وليست عاصمة لفلسطين؛ إنّما منطقة يحصل فيها التنازع، وهكذا جرى تقسيم القدس في عام 1948م إلى ثلاثة أقسام: قسم فلسطيني أردني، وقسم غربي، ومنطقة دولية.
ثمّ استغل اليهود انتصارهم في حرب 1967م، ووظفوه لغرض مصادرة القدس وتهويدها، فمنذ اليوم الأول بعد الحرب 1967م، لخص وزير الحرب الإسرائيلي موشيه دايان سياسة إسرائيل في القدس عندما قال: «ها قد عدنا إليك يا أورشليم»، لهذا يعتقدون أنّ القدس ليست مدينة في دولتهم المزعومة، بل إنّ دولتهم كلها مدينة في القدس!!
بعد ذلك أعلنت "إسرائيل" ضم مدينة "القدس الشرقية" إلى "القدس الغربية"، واعتبرتها مدينة موحدة في 28/6/1967م؛ وفي عام 5/8/1980م أعلنت "إسرائيل" أيضاً "أن القدس الموحدة هي عاصمتها الأبدية"، وأخذت بالعمل على تهويد "القدس الشرقية" ببطء وهدوء، وها هُم يهود يحاولون الآن جاهدين استثناء القدس من أي تسويات تنصُّ على إعادتها لما قبل عام 1967م، فلا يزال المتطرفون يواصلون جهودهم لمصادرة القدس، فقد نشرت صحيفة هارتس يوم 20/10/2013م، مسودة قانون جديد في الكنيست تقدم به يعقوب لتسمان من حزب يهودوت هاتوراه، ينص على منع التفاوض على تقسيم القدس في المفاوضات الجارية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وهذا سيمنح اليهود الوقت لانتظار فرصتهم الحقيقيّة لفعل خطّتهم الإجرامية بهدم الأقصى وبناء الهيكل؛ لهذا نجزم بوهم من ظنّ أنّ اليهود يتحدّثون عن هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل فوقه؛ وأنّه ليس إلاّ مُجرّد كلام، واستهلاك الوقت، وأنّهم لو كانوا حريصين على ذلك لفعلوا ذلك منذ أن احتلّوا الأقصى، ويُفسّر ما يحدث أنّه عبارة عن تضخيم إعلامي؛ و مجرد اختبارات ومماحكات ومضايقات ويحشد بعض العبارات الدبلوماسيّة أو الرخوة للعدو اليهودي التي يقولونها في سياق الضغط العالمي الشعبي عليهم خاصّة إن كثرت المظاهرات والاعتصامات؛ فيخرج أحد قادتهم متحدثاً بتهدئة الوضع؛ مع شيء من الغمغمة في الكلام؛ وأنّهم مع حريّة العبادة، وعدم مضايقة أحد في ذلك...
لكنّ الحقيقة غير ذلك تماماً، ويبدو أنّ من اعتاد على كثرة الكلام والهذر، دون تطبيق فعلي في الميدان؛ يظنُّ أنّ الأعداء يفعلون الشيء مثله؛ وأنّه مجرّد كلام لن ينطبق على أرض الواقع..
إنّ حالة التفاؤل الساذج التي يتّسم بها بعض المسلمين، دون أن يكون تفاؤلاً قائماً على عمل مُخطّط لمقاومة العدو، وهي حالة ينتشي بها بعض الناس؛ إذ يرى مقابض اليهود تشتد خنقاً وتضييقاً على القدس وأهله؛ ولا يفعل شيئاً سوى أن يقول: (المستقبل لهذا الدين) أو (نحن على أبواب سقوط دولة يهود) وحين تتحدث الأخبار عن خطط يهود مرّة بعد أخرى على تهويد القدس، أو نيّتهم لهدمه؛ ينتضي قائماً قائلاً: (للبيت ربُّ يحميه) وأنّ المسجد الأقصى يستحيل أن يُهدم، ويحتج بأحاديث ضعيفة و غير صريحة كذلك في عدم هدمه؛ وقٌصارى ما في الأمر أن يُوهم نفسه أنّه إن هُدّ المسجد الأقصى فسيكون وسيكون؛ وستحصل الواقعة الماحقة الكبرى لليهود!
إنّ من المؤلم حقاً إذ نقرأ ونسمع من أفواه من عاش ذلك الوقت وأنّه عقب حرق المسجد الأقصى في الحادي والعشرين من آب/ أغسطس عام 1969، لم يتحرّك المسلمون إلاّ بالضجيج والشعارات فحسب؛ وكانت ليلة حريق الأقصى عند "غولدا مائير" – رئيس وزراء حكومة الاحتلال - بمثابة ليلة رعب حتّى أنّها أخبرت عن نفسها أنّها لم تنم وكانت تتخيل:"كيف أن العرب سيدخلون (إسرائيل) أفواجاً من كل حدب وصوب" لكنها اطمأنت في الصباح التالي، إذ إنه لم يحدث شيء، وحينها قالت "أدركت أن بمقدورنا أن نفعل ما نشاء، فهذه أمة نائمة"!
شاهد القول أنّ المخطط اليهودي يقوم بالتحرك خطوة خطوة، وما بين كل خطوة وأخرى يقوم بحس اختباري جديد لأمّة الإسلام؛ وفي هذا يقول البيولوجي الأمريكي (جيمس جاننغ) قبل أكثر من ربع قرن:"كثير من الصهاينة الإسرائيليين يفضًلون المضي في المخطط خطوة..خطوة. فإذا لم ينسفوا المسجد الأقصى فإنّهم يتمنون أن ينظر إليهم كمعتدلين...إنّ بعض قادة إسرائيل يختبرون الأجواء السياسية لبناء الهيكل إلى جانب المسجد. فإذا حققوا ذلك، فإنهم قد يعمدون لاحقاً إلى إزالة الحرم الشريف. إنها لعبة القوة السياسية"([41]).
وما قاله البيلوجي الأمريكي من قبلُ عينُ الحقيقة؛ فالدكتور زيرخ فرهافتك- وزير الأديان الصهيوني سنة1967م- يصرّح أمام مؤتمر -عقدوه لدراسة وضع الهيكل- حضره المئات من حاخامات يهود العالم فيقول: "لا يشك أحد أنً الهدف النهائي لنا هو بناء الهيكل. ولكنّ الوقت لم يحن بعد، وعندما يأتي الوقت فلابد من أن يحدث زلزال يهدم المسجد الأقصى ثمّ يتم بناء الهيكل على أنقاضه"([42]).
ولستُ في صدد جمع المقولات الكثيرة التي يرطن بها المحتل الصهيوني في حُلمه الذي يسعى لتحقيقه على أرض الواقع لهدم الأقصى وبناء الهيكل فوقه، لكنّهم يقومون حالياً بأشياء خطيرة مؤثّرة في الوعي الشعبوي الصهيوني؛ ففي عام2001م عُرض فلم سنمائي يطرح إمكانية تفجير المسجد الأقصى،وقام ببطولته"آسي دايان"ابن اليهودي"موشيه دايان"الذي خاض حربي 1948م و1967م! ولم يقف الأمر عند ذلك بل أعدّت وزارة خارجية الاحتلال الصهيوني فيديو يظهر فيه نائب وزير الخارجية وهو يسوّق لهدم المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة،وإقامة الهيكل المزعوم مكانه!!
إنّهم حالياً يسعون سعياً حثيثاً ويقومون قياماً هميماً بصناعة التّكتلات والمنظّمات للسعي لذلك؛ فهنالك أكثر من 23 جماعة دينيَّة وعلمانيَّة صهيونيَّة، مرجعيتها الإيمان بمعتقدات الأساطير التلموديَّة الصهيونيَّة (الكاذبة) تؤمن ببناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى، حتّى أنّهم يستغلُّون القنوات الإعلامية في عدد من الدول الغربيّة لتحريف المفاهيم والتأثير النفسي على أحقيّة يهود ببناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى؛ ولقد عرض التلفاز الدينماركي فلماً أنتجته قناة bbc؛ وفيه روايات كاذبة أنّ المسجد الأقصى بُني بأحجار الهيكل المزعوم.
لهذا تقوم هذه الجماعات ببثِّ الخطط المناسبة لهدْمِه أو قصْفه، أو إثارة زلازل أرضيَّة مصْطنعة تحته أو حرْقه أو نسْفه، على اختلاف بينهم في الطُّرق والأساليب لهدْمِه، ولكنَّ المقصد الواحد وهو تغْييب وجود هذا المسجد الشريف، أضف إلى ذلك أنَّ هنالك تسع منظَّمات من الجماعات اليهوديَّة الصهيونية الغربيَّة في الخارج مهمَّتها مساندة ومساعدة المنظمات في داخل القدس لتحقيق الهدف من هدم الأقصى!

*   مَخاطِر اليهودية، ومؤمرات صهيونية: ماذا نستفيد وكيف نُفيد؟!

حين نُتابع مستوى ردود الفعل العالمية والإسلامية والعربية...
حين نُتابع مستوى ردود الحركات الإسلامية بِرُمّتها، وبيانات العلماء والدعاة بجملتها.

نجد أنّها دون المستوى المطلوب؛ وقول بعضهم أنّ هذه الجهود من باب: (معذرة إلى ربكم) لم تعد في المستوى الذي يعذرنا عند ربنا ؛ وذلك لأنّنا يجب علينا أن نسأل أنفسنا :

- هل بذلنا ما في وسعنا وطاقتنا وقُصارى جهدنا للدفاع عن المسجد الأقصى والقدس والمقادسة؟
- هل تحرّكت طاقتنا بما يبرؤنا أمام الله تعالى، ويجعلنا قائمين بمستوى الحدث؟
- هل بات قُصارى فعلنا متابعة الأخبار، وقراءة التحليلات، ومعرفة المخاطر، ثم الوقوف عند هذا الحد؟
- هل إذا أردنا النوم أو أردنا الراحة، نستشعر أنّنا بذلنا لديننا كما يريد ربّنا منّا؟
وحين نعترف أنّنا دون مستوى الحدث والقيام بالمسؤولية ؛ فماذا فعلنا لنكون قائمين بالمسؤولية؟

وبالتفاتة أخرى فإنا واجدون عدداً مِن شعوبنا الإسلامية والعربيّة إن أرادوا التنصل عن فعل شيء حقيقي لنصرة دين الله وقضايا المسلمين يقولون كلمات تَنِمُّ عن الجبن واليأس والعجز؛ مثل:

- لهم الله!
- أهم شيء الدعاء!!
- ليس لها من دون الله كاشفة !!
- اللهم دبّر لنا فإنّنا لا نُحسن التدبير!!

وهي كلمات صحيحة في أصلها؛ لكنّ التوقف عندها يشي بروح سلبية وفكرة صوفية غاليّة حيث باتت تحكم كثيراً من الناس في واقعهم؛ بدلاً من أن يكون التحدي مُولّداً لقوّة الروح الإيجابيّة المبنيّة على عقيدة التوكّل على الله مع بذل كافّة الأسباب البشريّة التي تُقاوم الظلم بالعلم والمعرفة، وحسن التفكير والتخطيط، مع روح جهادية تغمر المرء في كلّ حركة من حركاته؛ بل سكنة من سكَناته!
لهذا فقياس مدى النفع والفائدة الذي تقوم به أمّتنا تجاه الضرر والجريمة الذي يقوم به أولئك اليهود؛ ينبيك بحقيقة الفرق الهائل بين فعلنا وفعلهم، وتفاعلهم وتفاعلنا!!
إنّ من أكبر الإشكاليات التي يقتنع بها عدد من المسلمين من أهل التوجيه والتوجه والوجوه الإسلامية كذلك؛ اعتبار القضيّة الفلسطينية قضيّة خاصّة بأهلها؛ وهو وإن لم يقل ذلك بلسان مقاله فإنّه يقول ذلك بلسان حاله!
إنّ إسلام أهل الإسلام لهذه الأرض وعدم دفاعهم عنها وتكاسلهم عن أداء حقوقهم نحوها؛ جعلها عُرضة لحركة الأمم من شتّى الاتجاهات؛ فهانحنُ نرى جميع الدول الغربيّة والشرقيّة تتحكّم بها؛ وسكوت المسلمين عن نصرتها النصرة الحقيقيّة الواجبة بشتّى أنواع النُّصرة؛ هو ما جعل دُولهم الأخرى تكونُ عُرضة لحركة الأمم فيها فالقدس كما هو معلوم المقياس الحقيقي لمدى يقظة الأمّة وانتصارها؛ ولم تزل الأمّة في حالة الضعف وتسليط أنواع من الاحتلال الغربي أو الشرقي عليها إلاّ لتخلّيها عن تمسُّكها بالوحي والهدي وتحكيم شريعة الإسلام في كافّة مناحي الحياة.
إنّ الضعف عن نصرة الأقصى سيؤدي بالضعف لنصرة غيرها من البلاد المنكوبة؛ ولقد قالت العرب مثلاً عن ذلك الثور الأبيض الذي قال: (أكلتُ يوم أكل الثور الأسود) فالنكبات تلو النكبات التي تُصيب الأمّة؛ يجعل الأعداء يتقدّمون، والأمّة لا زالت مٌصابة بداء الوهن؛ وهكذا يتقدّم العدو تجاه عدّة بلدان من بلدان المسلمين بل حَوَالَيَ فلسطين؛ ولعلّ من أسباب ذلك: تفريطهم في حفظ كيان الأمّة ومقياس عزّتها؛ وتفكيرهم في دواخل بلادهم المُصطنعة بحدود سايكس بيكو.
لقد قال الله تعالى : (وإنّ هذه أمّتكم أمّة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) فمن ينظر لقضايا أمّته على أنّها قضايا قُطْريِة أو حدوديّة أرضيّة فهو لم يفهم معنى هذه الآية؛ بل خان الأمانة المُناطة به، فالقدس ليست للمقادسة، وفلسطين ليست لأهل فلسطين، بل هي للمسلمين جميعاً؛ وإذا قُدّر للمقادسة أن يولدوا فيها، وقُدِّرَ للآخرين أن يُولدوا في مكان آخر؛ فلا يجوز لهم أن يتناسوا ما يقوم به اليهود تجاه القدس والأقصى وأهل الأقصى؛ ذلك أنّا قدّمنا بمقدمة مهمة توضح أوجه الربط بين المسلمين والأقصى، وبين مكّة والقدس، وبين السماء والأرض؛ فالقدس والأقصى قضيّة قائمة على الربط بين هذه الأشياء جميعها.
وإذا كان اليهود لا يفهمون قضيّتهم المزعومة على أرض فلسطين؛ لتكون فئة دون فئة منهم؛ فهم لم يجعلوها قضيّة قوميّة فحسب؛ ولا قضيّة عرقيّة فقط؛ بل قضيّة دينية يسعون إليها عالمياً، وإذا كان هذا الفهم والأساس الفكري مبنياً عند اليهود بهذه الطريقة العلمية والعالمية كذلك؛ فإنّ المفهوم الصحيح للأمّة الإسلامية الواحدة ينبغي ألا تَقْصُرَ حماية القدس والأقصى على الأمّة المقدسيّة فقط؛ أو عموم أهل فلسطين، وتبقى الأمّة تنظر إليهم نظر المراقب للأحداث أو المُتابع لها!
إنّ من الضرورة بمكان مُحاولة الأمّة الإسلامية لتخطي الدور الحكوماتي؛ ومعرفة أنّ هذا الدور صار في عُرف الأرقام = صِفر مُكعّب مُتجمّد؛ فلا يليق بأهل الفضل والعلم والمسؤولية أن يُلقوا المسؤولية على أولئك الحُكّام ليقوموا بواجب نصرة القدس والأقصى، فالدور الذي تقوم به كثير من الأنظمة العربيّة واضحة باتفاقاتهم مع يهود سراً أو علناً؛ حماية الوجود الصهيوني أو عدم مقاومته ومنع من يقاومه؛ فالظن أنّ مخاطبة الساسة العرب كي ينتصروا للقدس، ستؤدي نتيجة؛ لن تأتي إلاّ بالفشل، وذلك أنّ المُجرّب لا يُجّرب، ولا يُلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين؛ ومن ثبت تنازله عن حقوق بلاده فأولى به أن يتنازل عن حقوق بلاد أخرى؛ وعليه فكثرة النداءات الفارغة لأولئك الحكّام ليقوموا بدورهم باتت من قبيل الفراغ الفكري، وهو ضرب بالحديد البارد؛ بل إنّه من قبيل الاستغاثة بالأموات، والاستغاثة بالأموات شرك مُحرّم!

لقد أسمعت لو ناديت حياً * ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو نار نفخت بها أضاءت * ولكن أنت تنفخ في رماد

وعلامَ نستصرخ في آذانهم والقناعة الصهيونية اليهوديّة تثبت لنا خطأ التعويل على مواقف عدد من تلك الحكومات العربية تجاه القدس؛ ثمّ هي بصراحة حكومات مُتّسقة مع نفسها؛ ولم تدّعِّ يوماً من الأيام أنّها ستقوم بفتح بيت المقدس، أو أنّها ستنصر قضيّة فلسطين.
وبشكل عام فإنّ مسؤولي اليهود والمفكرين منهم يعلمون الدور المُناط بالأنظمة المحاذية لفلسطين أو غيرها؛ وقد ذكرت عدّة مصادر إعلامية صهيونيّة عن وزير القضاء الصهيوني الأسبق"يوسي بيلين" قوله: "الديكتاتوريات العربية منافقة تدعي في العلن عداءنا وفي الخفاء ترتبط معنا بتحالفات سرية" ليصل الحال أن يقول المؤرخ اليهودي "ميخائيل بار زوهر" ومؤلّف كتاب" الموساد" حيث قال: "الطغاة العرب ساعدوا بشكل كبير على تحقيق الحلم الصهيوني وإقامة مشروعها القومي لأنهم لم يقصدوا يوماً التشويش عليه!".
وكتب "أوري إليتسور" مقالاً أوضح فيه الحقائق الصهيونية عن الدكتاتوريات العربية وذلك في صحيفة "معاريف" وكان بعنوان:"العالم يشهد انهيار الدكتاتوريات العربية تمهيداً لعودة الخلافة الإسلامية" حيث حذّر من الثورات العربيّة التي هبّت في المنطقة العربيّة، وبيّن أنّ انهيار الدكتاتوريات العربيّة أكبر خطر يواجه الدولة الصهيونية منذ قيامها، وأوصى في النهاية بالتحالف مع إيران وحزب الله؛ وبيّن أنّها مصلحة قوميّة صهوينية لمواجهة خطر صعود الإسلام!
إذن هذا ما يرتجيه ساسة يهود وكُتّابهم ومؤرّخوهم في حلفائهم من حُكّام المنطقة؛ فهل سنرتجي منهم نصرة القدس والأقصى؟ أو نقض عهود مع يهود التي سخر منها كذلك زعماء اليهود حيث قال:"بن غوريون":"لو كنت زعيما عربيا، لن أوقع اتفاقا مع إسرائيل أبدا. إنه أمر طبيعي، لقد أخذنا بلدهم!"([43]).
لقد شَهِدت الأمّة أنّ جُلّ الأنظمة العربيّة أسود أبطال إذا ما تعلّق الأمر في الحديث عن أنفاق غزّة مع أنّها لا تُستخدم لإضرار هذه الأنظمة بل لمقاومة المحتل وإدخال المؤن للعيش؛ فيرمونها بالإفك ويلمزونها وينبزونها؛ وفي المقابل تراهم إن تحدّثوا عن عن الأنفاق التي تحت المسجد الأقصى؛ بخجل واستحياء؛ وأغلبيتهم كالبوم لا ينطقون؛ وشهدت الأمّة أنّ الجيش الوحيد الذي لم يُقاتل شعبه هو الجيش اليهودي الصهيوني؛وأنّ كثيراً من الجيوش العربيّة إنّما هي لحماية أصحاب العروش؛ لا للدفاع عن حقوق المسلمين؛ بل إنّها قامت بقتل شعوبها!
إنّ كثرة النداءات والصيحات التي تستهدف الأنظمة لن تفيد، ولن ترجع قدساً ولا تنفع نفساً؛ وقُصارى ما في الأمر أن يرفع هؤلاء القادة قضيّة القدس وأهل بيت المقدس إلى مجلس الأمن، أو الجمعيّة العامّة للأمم المُتّحدة!
وقبل أن نتحدث عن مدى تحقيق مجلس الأمن مطالب المسلمين في فلسطين؛ فسنذكر أهمّ ثلاثة قرارات صدرت عنه وعن الجمعيّة العامّة للأمم المُتّحدة فقد صدر قرار عن الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2253 لعام 67 اعتبار ضم القدس باطلاً وفي ذات العام اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا آخر يحمل الرقم 2254 يدين إخفاق إسرائيل في الالتزام بالقرار السابق.
كما صدر قرار عن مجلس الأمن 267 في الثالث من حزيران 1969 أدان بالإجماع إخفاق إسرائيل في إظهار أي احترام لقرارات الجمعية العامة وقرارات مجلس الأمن ومطالبة إسرائيل بإلغاء كل الإجراءات المتخذة.
وقرار آخر صادر عن مجلس الأمن رقم 446 في 22 أيار 1979 وقد أكّد على وجوب التزام إسرائيل بإلغاء الإجراءات المتخذة لتغيير الوضع القانوني والطبيعة الجغرافية للمناطق المحتلة بما فيها القدس.
 هذا هو مجلس الأمن!
فهل حقّق لأمّتنا الإسلامية مطالبها؟!
مع أنّ عدداً من الأمم الأخرى عرفوا حقيقة مجلس الأمن وماذا يُمكن أن تقوم به أمريكا لتعطيل أي قرار صادر عنه، فقبل زمن وقف ممثل الصين في مجلس الأمن - وهي عضو دائم - وقال عبارة نشرتها الصحف في حينه؛ ونَصُّها أنّ:(أمريكا تتعامل مع مجلس الأمن بالحذاء)(([44])! بل صارت أمّتنا العربيّة محل تندّر الأمم الأخرى حين تؤخذ الحقوق منهم فيتعاملون معها بطرقهم الخاصة التي يستردونها بالمغالبة لا بالمطالبة؛ خلال النزاع الذي نشب بين الأرجنتين وبريطانيا على جزر (فوكلاند) قيل وقتها لرئيسة وزراء بريطانيا (تاتشر) لماذا لاتلجؤون إلى مجلس الأمن لفض النزاع عوضاً عن اللجوء إلى الحرب؟ فقالت تركنا مجلس الأمن للعرب ليرفعوا إليه شكواهم ونحن فننتزع حقوقنا بأيدينا!
إنّ هنالك فارق عظيم بين من نصر الإسلام وخذله؛ ومع ذلك ففي كتاب الله تعالى خطاب لأعظم جيل نصر الإسلام من الصحابة الكرام إذ يقول لهم:(وتودّون أن غير ذات الشوكة تكون لكم) فكم هي الأنظمة العربيّة التي ترجو نصر الإسلام بالسلام؛ ومحاضرات الوئام، ومعتركات الكلام؛ بعيداً عن السنان والسهام!
لَمْ يَعد الأمر عند غالبيّة الأنظمة العربيّة وجود مُحتل صهيوني يهودي يجب أن يخرجوا من فلسطين؛ لكن انتقل الحال من أن يكون احتلال إلى أن يكون هنالك  مُبادرات سلام ورؤى تطبيعية متساوقة متماهية مع المحتل بالتعاون طبعاً مع المنبطحين من حمامات السلام وزعماءه من المسؤولين الفلسطينيين الذين كذلك لم يعودوا يحملوا أيّ خيار بالتعامل مع المحتل إلاّ المفاوضات ولو فشلت المفاوضات يعودون مرّة أخرى للمفاوضات لأنّ الحياة مفاوضات فحسب!!
 
* حقيقة الصراع على أرض فلسطين بين الدينيّة والقوميّة:

إنّ أرهاق التفكير السايكسبيو دمّر كثيراً من نتاجات تفاعلاتنا مع قضايا أمّتنا؛ فحين يولد المرء ظاناً أنّ محيطه هو محيط دولته بها يُفكر ولها يعيش ولنظامها يُمجّد؛ وفي المقابل نرى اتحادات أوربيّة واتفاقات دوليّة عالمية تتحد وتلتئم مع بعضها، فيما بعض أنظمتنا العربيّة تتلاءم فيما بينها على بعضها؛ وتتنازع على بضع مئات من الأمتار هل هي لحدود دويلاتهم أو ليست كذلك!
إنّ علينا أن نُعيد النظر في قِيَم كثير من اللغة الإعلاميّة المٌستهلكة التي تدعو إلى القومية العربية، أو الوطنيّة السايكسبوكيّة، وغيرها من أنواع النعرات والإقليميات، وهو ما يُريده اليهود أنّ يقوله العرب والمسلمون؛ فيما يهود مُقابل ذلك يُصرّحون أنّهم سيقيمون دولة يهوديّة في عاصمتها القدس.
وقبل الحديث عن طبيعة الصراع بيننا وبين يهود وهو ولا شك صراع عقائدي ديني؛ وصراع الدفاع عن أرض احتلها أولئك الكّفار الظلمة البغاة؛ إلاّ أنّ علينا أن نُوضح حقيقة في غاية الأهميّة تخفى على كثير من الناس؛ وهي أنّ غالبية اليهود في حقيقة حالهم؛ ليسوا يهوداً؛ وقلّة من المحتلين لفلسطين يعتنقون الديانة اليهوديّة بتعالميها الكاملة كبعض الحاخامات وطلابهم والمعاهد والمعابد الدينية التي يقومون بها؛ فأغلبُ الشعب اليهودي علماني وكثير منهم من يُنكر وجود الإله؛ إلاّ أنّهم يعتقدون أنّه قد وعدهم أرض فلسطين التي تفيض لهم عسلاً ولبناً وبركة... وهي من التناقضات العجيبة... ولا شيء عجيب إذ يدخل باب السياسة الكاذبة..!!
إنّ ساسة يهود يستغلُّون دينهم الباطل لتحقيق مآربهم؛ ويقومون برعايته وحمايته؛ لأنّه المسمار الأخير في نعش دولتهم؛ فهم محتلون، دولتهم لقيطة، تكوّنت من عدّة أعراق وأجناس، وليسوا هم من سلالة بني إسرائيل إلاّ أقل من 5%، والبقيّة ليسوا كذلك، وكثير منهم فقراء وحالتهم الماديّة ليست مُرهفة كذلك؛ إلاّ قبطان الأموال وهوامير الاقتصاد الذين يتحكّمون في بلادهم؛ ولهذا يجد اليهود ملاذاً  للإقامة في تلك الدولة اللقيطة التي تصرف عليهم، وتؤيهم، مِمّا يجعلهم يحملون نعش الدين اليهودي الباطل مُجاهرين لكنّهم يرون أنّ به العُنصر المساعد لتثبيت وجودهم في فلسطين؛ ادّعاء حق توراتي، أو وجود سابق؛ لهذا وظّفت الصهيونيّة العالميّة ومن خلفها الماسونيّة التي تعمل في أغلب دول العالم؛ لدعم هدف سياسي مركزي لهم بإقامة دولة في فلسطين؛ وحاولت أن تستغلّ الدين لهدفها ذلك؛ بناء على نصوص دينيّة توراتية مزعومة.
لكنّ يهود يشتغلون بذكاء ويستغلُّون الواقع السياسي؛ فقد أيقنوا أنّه لن يتأتى لهم تحقيق مشروعهم القومي إلا من داخل مشروع استعماري غربي؛ ليكون هنالك جذب وعامل لجلب اليهود من كافّة الأقطار، وهذا لا يُمكن أن يكون إلاّ من ناحية القوميّة الدينية؛ فالتقت المصلحتان الغربية واليهودية في إقامة دولتهم المزعومة داخل قلب الوطن العربي؛ ؛ وتمّ عقد قران دائم بينهما؛ لذلك قال هرتزل أنّ:"سنقيم في آسية جزءاً من حائط لحماية أوروبا يكون عبارة عن حصن منيع للحضارة الغربية في وجه الهمجية"([45])؛ فمصلحة الغرب تتفق مع مصلحة يهود لإقامة هذا الورم السرطاني في قلب العالم العربي؛ وقد ذكرت جريدة هآرتس الدور الذي تم إسناده إلى الدولة اليهودية أن "إسرائيل تم تعيينها لتقوم بدور الحارس الذي يمكن الاعتماد عليه في معاقبة دولة واحدة أو أكثر من جيرانها العرب الذين قد يتجاوز سلوكهم تجاه الغرب الحدود المسموح بها"([46]).
دع عنك أنّ هنالك غنيمة باردة لإقامة هذه الدولة اللقيطة والجرثومة السرطانية في فلسطين؛ حيث أنّها تقوم على قطع أوصال المسلمين بعضهم بعضاً من خلال اختيار بؤرة استراتيجية حيويّة تُعتبر مفترق الطرق لقارات ثلاث؛ لتكون أفضل مكان يمكن أن يعيش فيه يهود.
كما أنّهم نشطوا لذلك بعد قناعة تامّة من الأوربيين أنّ يهود قوم مفسدون؛ وأنّ أفضل حلّ لهم أن يعيشوا في بلد مُحدّد لهم؛ خاصّة بعد أن قدّم يهود خدماتهم الكبيرة للبريطانيين؛ فكانت المكافأة والجائزة أن تكون لهم دولة يدعمها الغرب، وقد تحدّث عن هذا بصراحة الكاتب اليهودي "آرثر كوستلر" مُبيّناً أنّ بريطانيا وعدت يهود بأرض فلسطين؛ فقال بصراحة:"إن أمة وعدت أمة ثانية بإعطائها وطن أمه ثالثة" ([47]) وهو تصريح يشعرك بحجم المؤامرة التي كانت بين الطرفين.
إنّ ثمن التعاون بين يهود والبريطانيين، وتذكر لنا كتب التاريخ أنّ شهر آذار في سنة 1946م  داخل قاعة الشبان المسيحيين بالقدس، كانت لجنة التحقيق الأنجلو- أمريكية تعقد جلساتها العلنية لتسمع الشهادات حول حق العرب واليهود في قضية فلسطين، ومحاضر الجلسة كبيرة ومتنوعة، وفيها شهادة لواحد من أعظم مؤسسي دولة إسرائيل:"وايزمان" ويسأل أحد أعضاء اللجنة (ريتشارد كروسان) -وهو إنكليزي- وايزمان عن تعلقه بالقدس وفلسطين كدولة "محتملة" للشعب اليهودي؟ فأجابه وايزمان:"لقد أعطيت بريطانيا خلاصة حياتي في الحرب العالمية الأولى، أعطيتها اختراع المطاط الاصطناعي، الذي كان من أبرز العناصر في صناعة العتاد الحربي، وفي الحرب العالمية الثانية سقط ولدي وهو يحارب مع الحلفاء ضد النازية وفي جميع الحالات كان حبي "للقدس" هو الذي دفعني للوقوف إلى جانب بريطانيا، لقد أحببت بريطانيا من خلال حبي للقدس" وأعطت بريطانيا فلسطين لليهود؛ وكان لكليهما مصلحتان:
فمصلحة اليهود في ذلك: أن تكون إقامتهم في هذه البُقعة الأرضيَّة لدعاوى وجود يهودي سابق فيها، فلهم الحق في سُكناها لذلك يُطالبون بحقوقهم المسلوبة – زعموا -؛ وتكون إقامتهم فيها ليكون ذلك خدمة لدولتهم المزعومة؛ وسعياً لنصرتها بالمال والاقتصاد والإعلام والسياسة؛ مع استثمار للمآسي التي تعرّض لها اليهود على يد الحكّام الأسبقين ودعاوي المذابح والمحارق التي نُكّلوا بها؛ فيكون ذلك دافعاً لأن يهاجر عموم يهود إلى فلسطين وهم بهذا مستفيدون بإقامة وطن قومي لهم.
ومصلحة الغرب في ذلك وعلى رأسها بريطانيا التي وعدتهم بهذا الحق أن يُكافئوا يهود على خدماتهم لهم؛ وأن يتخلّصوا من شرورهم؛ وأن يتقوّى نفوذهم عسكرياً وسياسياً واقتصادياً في المنطقة الإسلاميّة؛ وإفساد علاقات المسلمين والعرب فيما بينهم، فيستفيدون بزرع هذه الجرثومة السرطانية في قلب العالم الإسلامي تنفيذاً للمخططات الإحتلاليّة؛ وكان لا بدّ من تكريس مقولة "وحدة ونقاء الشعب اليهودي وعدم قابليته للذوبان والاندماج في الشعوب التي يعيش ضمنها، ومقولة أبدّية العداء للسّاميّة"([48]).
لهذا فإنّ زعماء الصهاينة لا يريدونها دولة تُعنى بتطبيق التعاليم اليهوديّة بحذافيرها؛ وإنّ "ثيودور هرتزل" مؤسس الحركة الصهيونية عندما زار القدس لم يكن معنياً بتلك الطقوس اليهوديّة التي كان يحتفل بها من يُسمّون أنفسهم يهود بمناسبة استقباله، وكان هرتزل شخصاً علمانياً واضحاً؛ وكان صديقه الكاتب والزعيم الصهيوني وال"ماكس نوردار" ملحدا يجاهر بإلحاده أمام الجميع وكان يعتبر التوراة عبارة عن عمل أدبي كلاسيكي من أعمال "هوميروس" أو كلاسيكيات أوروبا !!
وكما يقول الكاتب الإسرائيلي "ميخائيل هرسيغور" و"وموريس سترون" في كتابهما:"اضطر الشعب اليهودي للتكيف مع العالم الحديث , فكان ممكنا أن يكون الإنسان يهوديا، بدون أن يلتزم بتعاليم الدين اليهودي , فقد كان الهدف في البداية البحث عن دولة اليهود، وليس تأسيس الدولة اليهودية على أرض إسرائيل"([49]).
وبعد قيام دولتهم المزعومة كتب "بن جوريون" قائلاً:"على اليهود من الآن فصاعداً ألاّ ينتظروا التدخل الإلهي لتحديد مصيرهم بل عليهم أن يلجاؤا إلى الوسائل الطبيعية العادية مثل الفانتوم والنابالم"وبعد اعتزاله العمل السياسي دعا مُصمّماً "أن تكون إسرائيل دوله علمانية تحكمها حكومه علمانية وليست دينية"وكان يقول كذلك: "إن الدين هو وسيلة مواصلات فقط ، ولذلك يجب أن نبقى فيها بعض الوقت لا كل الوقت"([50]).
فإن قيل : نقرأ بعض التصريحات السياسيّة التي يظهر منها أنّ زعماء الصهاينة اليهود يقولون بعدم الفصل بين الدين والسياسة في سياسة دولتهم، مثل تصريح رئيس الكيان المحتل الصهيوني السابق: "شمعون بيرز" إذ يقول: "الفصل بين الدين والدولة في إسرائيل مستحيل"([51]).
وإجابة على ذلك: أنّ اليهود لهم وجهان في الخطاب السياسي؛ فإذا كان خطابهم السياسي داخل دولتهم أو فيما بينهم فإنّهم يتحدّثون بخطاب سياسي علماني؛ لكنّهم يتحدّثون أمام الأمم الأخرى بطريقة مُغايرة لكسب قضيّة وجود قوميتهم اليهوديّة داخل فلسطين؛ وكذا يتحدّثون بذلك أمام الجماعات العنصريّة المُتطرّفة من حاخامات يهود وطلاّب المعاهد الدينيّة بطريقة تُناغي تفكيرهم بخلاف طريقتهم السياسيّة العامة في مخاطبة الشعب الصهيوني اللقيط...
إنّهم بالفعل يستغلُّون الدين ليس تديناً بل تدنياً سياسياً ليجعلوه الكلمة الأولى التي ينطقون بها في وجه من يُخالفهم؛ واللقمة الأولى التي يتغّذون بها؛ لأنّه ما من شيء يُمكنهم أن يستندوا عليه في حقّ وجودهم بأرض فلسطين؛ إلاّ دعاوى تاريخيّة توراتية مُزيّفة؛ ثبت كذبها وتحريفها من جهة؛ وأنّ عدداً من زعماء يهود المتدينين يُخالفونهم في فهمها؛ لكنّ السياسة ما دامت أنّها بحاجة إلى الدين؛ ولن يضرّ الدين سياسة دولتهم؛ فما المانع أن يُطالبوا به؛ ومع أنّه من المعلوم أنّ اليهود نراهم يفصلون بين الدين والدولة عندهم؛ إلاّ أنّهم لدغدغة عواطف الجماعات اليهوديّة المتطرفة التي لها وجود فاعل يخشون من تناميه في دولتهم المزعومة؛ فترى بعض زعمائهم يقولون أنّهم يُركّزون على أهميّة الدين؛ لكن لا يعني أنهم يريدون أن تقوم دولتهم على أساس الدين اليهودي كما يُريد حاخاماتهم؛ بيد أنّهم لا يُعادون دين الحاخامات؛ بل يستعينون بهم في حروبهم؛ ويُشركونهم في قراراتهم؛ فهنالك حالة تصالح إلى حد كبير بين الوجود الديني اليهودي الصهيوني والوجود العلماني اليهودي الصهيوني.
وأياً كان الأمر؛ فهنالك حسم كامل من قِبَلِهِم تجاه المسلمين؛ فإنّهم لا يُريدون أن يرجع المسلمون لإرثهم الديني وعقيدتهم الإسلاميّة في صراعهم مع يهود، فإنّ"إسحاق رابين" قالها بصراحة:"سأحاول أن أعمل ما في وسعي لفصل المسائل الدينية عن صراعنا مع الفلسطييين"بل قال قبل الانتفاضة الفلسطينية بأربعين يوماً: "إنه يتعيّن على إسرائيل البحث بكل السُبل الممكنة لإبقاء المواجهة الفلسطينية الإسرائيلية مقتصرة على المجال السياسي، فكلما اتخذت المواجهة طابع المواجهة السياسية لا الدينية فإن إسرائيل ستواجه مشكلات عويصة للغاية".
وهكذا يهود يريدون لأنفسهم زعم الحفاظ على قوميتهم وهويتهم اليهوديّة فيما يُريدون أن يُحرّمونه على غيرهم؛ ولهذا نراهم يقولون نحن نريد دولة يهودية ويُطالب بذلك نتنياهو وغيره، في المقابل لا يُريدون أن تكون هنالك مجرد فكرة لإقامة دولة إسلاميّة؛ ثمّ نرى بعض عرباننا يقولون: نُحذّر أنّ ما يجري في القدس ينذر بخطر معركة دينية قادمة تتأجّج معها نار الصراع والحرب الدينية في المنطقة؛ وكأنّ اليهود لا يريدون أن يُشعلوا فتيل الحرب الدينية؛ من خلال مؤامراتهم الكبرى على القدس وأهله، بل إنّهم ووإن ترك بعضهم اليهوديّة مُطلقاً وصار مُلحداً ؛ فقد دخلوا في النهاية في معتقدات وضعية أخرى؛ يُريدون الهيمنة من خلالها على دين المسلمين وأراضيهم وأوطانهم !!
في يوم من الأيام وقف بن غوريون أمام قادة الصندوق القومي اليهودي الذي استولى على أراضينا وخاطبهم بصراحة قائلاً: (الحرب ستعطينا الأرض، انسوا مقولة هذه لنا وهذه ليست لنا!)؛ وهم الآن يُصرِّحون بأنَّهم يُريدونها أرضاً يهوديَّة أياً كانت المآرب؛ وصرنا نخجل من كونها أرضاً إسلامية !
علينا أن نرتقي بمفاهيمنا ولا يكن اليهود أوعى منّا بحقيقة المعركة، فالمجتمع اليهودي متعدّد الأعراق والجنسيات والأفكار فليس لهم لون يجمعهم بل هم خليط من جنسيات مختلفة من شرق العالم وغربه وشماله وجنوبه، والرابطة التي جمعتهم كما يزعمون الديانة اليهودية والفكرة الصهيونية، فهؤلاء اللقطاء الذين أتوا من بلدانهم الأصلية؛ يُريدون أن يحرموا أهل البلاد من وجودهم فيها، ويدّعون أنّهم أصحابها ..!!
ومع هذا فإنّ جُلّ يهود فهموا حقيقة المعركة وتجاوزوا النعرة البُلدانية والوطنية بل داسوها تحت أقدامهم وقدّموا الولاء لفكرة التجمع اليهودي على أرض الميعاد؛ لهذا يُطالبون بدولة يهودية مع مآرب خفيّة لا تخفى كما أسلفنا سابقاً!!
فيما نحن لا زلنا نُعاني من أخلاط مختلفة يُعانون من بُهاق فكري وتلوث منهجي إذ لا زالوا مقتنعين بالفكرة السايكسبوية، وتقسيم بلدان أهل الإسلام إلى مناطق وبلدات كُلٌ يُفكر في بلده وحدود وطنه، و لا يتعدّاه!
فإن أصاب المسلمين في القدس شيئاً لم يهتم بهم عدد ممّن يكون خارج فلسطين، ولربّما إن أصاب أهلنا في سورية شيئاً لم يهتم بهم بعض من يعيش في بلادنا، ولا ندعو لهم في قنوت النوازل، مع أنّ بعض مناطق فلسطين قد تكون أقرب من حدود بعض مناطق سورية أو الأردن، وبعض مناطق سورية والأردن أبعد من حدود فلسطين؛ فترى بعض الوطنيين يهتمون بحدود بلادهم ولو بعدت، ولا يهتمون بما يحصل عن قريب منهم ولو بضعة كيلوات!!
إنّ حقيقة الولاء القُطْري الذي نفخته مناهجنا التعليميّة في أذهان طلبة المدارس وتعظيم عَلَم البلاد والقيام بنشيد الأنشاد، والنفخ في الوطنيّة حتّى صارت قِبلة في التوجه الفكري، وهو أمر بحاجة لاجتثاث كامل من عقول الناس، وتوسيع دائرة الولاء للإسلام و الأمّة المسلمة...
إنّ الناس في فلسطين ما أحبّت الشهيد عزّ الدين القسّام مع كونه سورياً إلاّ لأنه روّى بدمائه الطاهرة أرض بلادنا المباركة، وما أحبّ الناس صلاح الدين الأيوبي الكردي إلاّ لكونه كسر الصليبين في معركة حطين.
نحن أمّة واحدة ذات رسالة إسلامية سائدة، فكما نُطالب الأمّة بنصرة القضية الفلسطينية والهجمات الشرسة التي نعانيها من بني صهيون وعدم السكوت على ذلك، فالمطالبة كذلك تجعلنا ألاّ ننسى حقوق إخواننا في جميع البلدان المضطهدة وأقربها لنا سورية والعراق، وأن يكون ولاءنا لما يعانيه أهل كل بلد مسلم بناء على أخوّتنا لهم في الإسلام، لا على مجرد روابط وطنية أو حزبية ...
علينا أن نستعيد إحياء مفهوم الأمّة الواحدة من جديد في زمن ويلات حروب تستهدف المسلمين في كل البقاع؛ من أعداء المسلمين بمختلف البقاع!!

وأن نتذكر الآيات الكريمات:

(وإنّ هذه أمّتكم أمّة واحدة وأنا ربكم فاتقون)
(وإنّ هذه أمّتكم أمّة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)
(إنّما المؤمنون إخوة)
(كنتم خير أمَّة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)
(وكذلك جعلناكم أمَّة وسطاً لتكونوا شهداء على النَّاس ويكون الرسول عليكم شهيداً)
إنّ يهود  يخشون من انتقال الحرب لتكون حرباً دينية؛ ولهذا يُريدون حصرها لتكون معركة وطنيّة بالنسبة للعرب والمسلمين؛وفي ذلك يقول الإرهابي بيريز "إن أكثر ما أخشاه على إسرائيل حرب دينية، لأنها ستجند كل المسلمين ضد (إسرائيل)"؛ ولهذا يقومون بمعاداة أهل العلم والمشيخة الذين يُريدون إبراز العداء اليهودي للمسلمين في فلسطين؛وفي إشارةٍ بالغة الوضوح؛ إذ يقول:"إيرل بوغر": "إنّ المبدأ الذي قام عليه وجود إسرائيل منذ البداية، هو أنّ العرب لا بدّ أن يبادروا ذات يومٍ إلى التعاون معها، ولكي يصبح هذا التعاون ممكناً، يجب القضاء على جميع العناصر التي تغذّي شعور العداء ضد (إسرائيل) في العالم العربيّ، وهي عناصر رجعيّة، تتمثّل في رجال الدين والمشايخ"([52]).
وكتب الجنرال (داني روتشيلد)، مدير قسم الأبحاث السابق في جهاز الاستخبارات العسكرية الصهيونية، فقد قال وقت انتفاضة الأقصى :"ويلٌ لدولة إسرائيل، إذا سمحت للأصوليين المسلمين، أن يكونوا بمثابة الجهة التي تتطلّع إليها الجماهير العربية"([53]).
إنّ العدو اليهودي الصهيوني لا يخشى من الفلسطيني العلماني أو اليساري وإنَّما يخشى من الإسلامي فحسب؛ وهو يعلم أنّه بمقابلته حربياً سيخسر المعركة على المدى البعيد، لهذا صرّحت"تسيبي ليفني"، من اشتعال الحرب الدينية بينهم وبين المسلمين وأنّ المنطقة ستشتعل عاجلاً أم آجلاً، وحذّرت أن يؤدي الوضع المتأزم في القدس إلى "تحول النزاع القومي مع الفلسطينيين إلى نزاع ديني مع العالم الإسلامي بأسره"([54]) مؤكدة ضرورة تجنب الاستفزازات من قبل الجانب الإسرائيلي!
إنّ اليهود قوم يدرسون المجتمعات المُعاصرة بذكاء؛وقد درسوا عصر صلاح الدين الأيوبي جيداً؛ كي لا يأتي الجيل الذي يُحرر القدس كما حصل في عصر صلاح الدين الأيوبي ، ولهذا ذكر البروفيسور الفلسطيني شاكر مصطفى في مقالة له بعنوان: "من الغزوة اليهودية إلى الصهيونية ومن الغزوة الصهيونية إلى اليهودية" أنَّ مجموعة من الباحثين اليهود باللغة العبرية (درسوا عصر صلاح الدين، وتعمقوا في هذه الدراسة، وأخضعوها للقواعد التي تخص العلوم الإنسانية اليوم،ويقولون هدفنا من هذه الدراسة معرفة الأسباب التي أوجدت صلاح الدين حتى نعمل على تطويل عمرنا على هذه الأرض بحيث نعمل على عدم وجود هذه الأسباب التي ستظهر صلاح الدين .
فدرسوا عصر صلاح الدين دراسة علمية، ودرسوا كل ما يخص الإنسان ونمط الحياة، ودرسوا المساجد، هل لها دور فنعطل مهمة المسجد إن كان هذا سيؤدي إلى إظهار صلاح الدين، حتى درسوا نداءات الباعة في الأسواق في عصر صلاح الدين، حتى يعرفوا كيف يفكر الناس ودرسوا الأهازيج التي تقوم الأمهات بإنشادها للأطفال على السرير قبل نومهم، وهل هذه الأهازيج لها دور في إظهار صلاح الدين!!
إنّهم يُريدون أن يحولوا بين الناس وعودتهم إلى دينهم؛ لهذا يُحاولون أن يُبعدوهم عن مصدر قوّتهم وعزّتهم وهو دينهم الحنيف؛ ولهذا جاء على لسان أبا إيبان وزير خارجية إسرائيل عام 1967 في محاضرة له بجامعة بريستون الأمريكية بقوله: "يحاول بعض الزعماء العرب أن يتعرف على نسبه الإسلامي بعد الهزيمة، وفي ذلك الخطر الحقيقي على إسرائيل، ولذا كان من أول واجباتنا أن نبقي العرب على يقين راسخ بنسبهم القومي لا الإسلامي".
وجاءت صحيفة أحرونوت اليهودية سنة (1987م) تقول: إن على وسائل إعلامنا ألا تنسى حقيقة هامة هي جزء من استراتيجية إسرائيل في حربها مع العرب، هذه الحقيقة هي: أننا نجحنا بجهودنا وبجهود أصدقائنا في إبعاد الإسلام عن معركتنا مع العرب طوال ثلاثين عاماً، ويجب أن يبقى الإسلام بعيداً عن المعركة إلى الأبد، ولهذا يجب ألا نغفل لحظة واحدة عن تمكين خطتنا في منع استيقاظ الروح الإسلامية بأي شكل وبأي أسلوب، ولو اقتضى الأمر الاستعانة بأصدقائنا لاستعمال العنف والبطش لإخماد أية بادرة ليقظة الروح الإسلامية في المنطقة المحيطة بنا!!
لهذا فإنّ ما يجري من مخاطر يهودية متطرفة ضد القدس؛ يعيد القضية الفلسطينية لمركزيتها؛ ويعطي مؤشراً حقيقياً أنّ يهود يسعون لصراع ديني محلّه المسجد الأقصى؛ ومن غباء يهود في الوقت الحالي أن تكون مُمارساتهم ضدّ الأقصى وأهل القدس؛ في هذا الوقت الحالي؛ الذي ينتشر فيه وعيُ عموم العرب والمسلمين بخطر يهود ومكرهم وكيدهم؛ حتّى أنّ عدداً من مثقفي المسلمين المنهزمين تجاه الغرب عموماً والنصرانية خصوصاً؛ نرى لهم مواقف حادّة وقوية تجاه الكيان الصهيوني؛ فهذا الوقت إن أراد اليهود فتحه؛ لتقوم به حرب دينية هو أكثر الأوقات تهيئة لهذا المُناخ!
إنّ قضية القدس قضية إسلامية؛ والخطاب العربوي الذي يُريد فصل إسلامية هذه القضيّة عن واقعها؛ خطاب مهزوز مغموز؛ وهو خطاب صار مُهيمناً على لغة ساسة فلسطين؛ وتأثّرت به خطابات بعض السياسيين من إسلاميي فلسطين؛ صارت محكورة على هذه الحاكورة اللُّغوية السياسيَّة!

*  اتّجاه الأمل بالعمل:

آية في كتاب الله وصفت حقيقة يهود إذ قال تعالى عنهم: (أم لهم نصيبٌ من الملك فإذاً لا يؤتون الناس نقيراً) فيهود إن استحكموا ببلد من البلدان؛ واستولوا عليه؛ لن يؤتوا الناس نقيراً – كالنقرة التي في ظهر نواة التمرة – فإذا كانت النُّقرة لن يقدّمها يهود فما فوق ذلك من أراضٍ من باب أولى؛ فهم قد تحايلوا على احتلال أرضنا وقدسنا كما هو الجاري بأرض فلسطين؛ فأي اتفاق موهوم معهم يزعم استردادنا لأراضينا منهم لن يتم؛لأنّ يهود نقضة عهود وقد وصفهم الله تعالى بقوله: (أوكلّما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم)؛ ومن نقض العهد فكيف يُجرَّب معه إبرام عهد من جديد؛ لهذا كانت استراتيجة رسول الله القتالية قائمة بعقوبة نقضة العهود من يهود دون تهاون وتأخر؛لهذا قال صلّى الله عليه وسلّم:(لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة) أخرجه البخاري ومسلم.
ومع قتامة هذه الشنائع التي يقوم بها يهود؛ إلاّ أنّ شعاعاً من نور، يُبرزُ لنا حقائق مكامن أمل يُمكن أن ينبع من خلفها عمل في نصرة القدس وفلسطين؛ ومن أبرزها:
1.    ثبات أهل القدس خاصّة وأهل فلسطين عامّة؛ فأهالي هذه الأرض لهم حنين عظيم لها؛ وثبات منقطع النظير – بفضل الله - حتّى أنّ يهود وغيرهم يحارون من شدّة تمسُّك المقادسة بأرضهم رُغم ما يُلاقونه من آلام وعذابات وفجائع تتلوها مواجع؛ لكنّ تثبيت الله قبل كل شيء؛ ثمّ إرادتهم الثبات على هذه الأرض.
إنّ يهود مع شدّة عداوتهم للمسلمين وابتلاء المسلمين بهم؛ إلاّ أنّ الله ابتلاهم بأشدّ الناس بأساً وصعوبة في مواجهة مكائدهم؛ فلئن كان يهود قدر الله في احتلال فلسطين؛ فإنّ عموم القاطنين ديار بيت المقدس رأس الحربة في مدافعة يهود وهم قدر الله تعالى مُقابل احتلال يهود.
ها نحنُ نرى أنّ أهل القدس يرزحون تحت نير الاحتلال وظلمه؛ منذ نصف قرن تقريباً؛وقد حاول اليهود أن يقوموا بكل عوامل التعرية الفكريّة وإقناع أهل القدس بالتطبيع والمواطنة مع يهود؛ إلاّ أنّننا نراهم الآن رأس الحربة في مواجهة كيد يهود.. إنّهم الذين عرفهم التاريخ بالعماليق؛ وهم الذين قال بنو إسرائيل فيهم:{إنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ} وحبن دخل الإسلام قلوبهم ازدادا صلابة وقوّة شكيمة على تحمُّل المصاعب؛ فخشيهم يهود ؛ وهابوهم مصداقاً لقول الله – تبارك وتعالى – فيهم: {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ}، وهذا ما اعترف به قادة يهود فقد قال وزير خارجية الكيان اليهودي الأسبق "شلومو بن عامي" معلقا على الأحداث التي تلت اقتحام شارون للمسجد الأقصى المبارك قبل عقد من الزمان فقال:"إن الفلسطينيين قد أثبتوا أنهم مقاتلون أشداء لا يمكن الاستخفاف بهم مطلقاً، وأضاف:" لقد علمنا ما كان يجب أن نعلمه منذ زمن , وأن تصميم الشعب الفلسطيني على رفض العيش تحت الاحتلال سيدفع أبناءه إلى الاستبسال من أجل التخلص من واقع بائس"([55]).
وقال"يعكوف بيريس"رئيس المخابرات اليهودية العامة "الشاباك" السابق:"لقد قاتلت الفلسطينيين عقوداً من الزمن لم ألحظ خلالها كل هذا العزم الذي يبديه المجتمع الفلسطيني حالياً من استعداد لتقديم التضحيات من أجل التخلص من الاحتلال،إن هذا وحده يكفي لخسارة إسرائيل المعركة"([56])وإذا كانت هذه شهادة الأعداء؛ فكفى بها من شهادة عدوٍ لعدوّه!
وعِرفاناً ووفاء لأبطال الرباط في بيت المقدس وأكنافه؛ فالواجب شدّ أزرهم، وتثبيت وجودهم، والقيام بدعم مواقفهم حسياً ومعنوياً، ومواجهة كافّة الأساليب الصهيوينية لتفريغ القدس من أهلها، وعدم التنازل عن شبر منها؛ وإخلاص النيّة في ذلك ؛ ليكون رباطاً في سبيل الله؛ وتجذيرهم في أراضيهم حيث يقتبسون من شجرة "الزيتون" الصلابة والتجذُّر؛ قِبالة يهود مِمّن يُحاول زرع "الغرقد" ليُنمّي الحقد الأسود في قلوبهم!
2.    العمل التربوي القائم على "منهجيَّة المقاومة الفكريّة الشّموليّة" حيث أنَّ الحرب على بيت المقدس وأهله؛ من شتَّى الأصعدة؛ وهذا يعني المقاومة والمدافعة بكافَّة الأصعدة؛ وبقدر ما يُحاول المحتل أن يغرس في الوعي اللاشعوري لأهل البلد المحتل أن يصرفوه عن دينه ومقاومته؛ فإنَّه سيفشل مع الثبات على "منهج المقاومة الشًّموليّة" والتاريخ يذكر أنّ فرنسا فوجئت بعد أكثر من قرن من عمليات الإبادة والقهر والتخويف بأن مجموعة من الأفراد تقاطروا في إحدى المدن الجزائرية حيث خرجوا إلى الشوارع يرفعون: "شعار الجزائر تعود لك يا محمد"؛ لهذا تحدَّث الباحثون أنَّ أهم انجازات ثورة الجزائر أنها أوضحت لفرنسا ولكل العالم أن الهوية الإسلامية لا يمكن ان تنتزع من نفوس آمنت بالله، وذاقت حلاوة الإيمان، وهذا أملنا الكبير بالمقادسة الذين حاول الاحتلال البريطاني ومن بعده اليهودي الصهيوني أن يصرفوه عن دينه ولا يزال مستمسكاً بدينه معتزاً به.
3.    الوعي بمكائد يهود، ونشر الأساليب المختلفة في توجيه عموم المسلمين؛ بل عموم الإنسانية إلى أكاذيب يهود بدعوى حقّهم في هذه الأرض المُقدّسة؛ والإكثار من الدراسات المُفيدة النافعة في كشف زيف ذلك، ومحاولة بثّ ما فيها جماهيرياً بعدّة طرق لينتشر الوعي؛ فاليهود أسّسوا مراكز دراسات وأبحاث قبل أن يقوموا بتأسيس دولتهم اللقيطة، وهذه الدراسات التي تنتشر في كشف مكائد يهود ينبغي تثميرها واستنطاقها للعمل على ميدان الحياة وأرض الواقع؛ لكي لا يكون مُجرّد كلامنا هتافات وشعارات وبيانات وتحذيرات فحسب؛ بل وعي عامل؛ وفكر مُتحرّك.
4.    الاهتمام الحثيث والسعي الهميم لتربية الأجيال على معالم تربويّة وإضاءات تزكويّة لتربية الأجيال وتثقيفهم على معنى الولاء لله ومن يواليه، ومحبته والقرب منه، والعداء من الله ومن يُعاديه، والبراءة منه، وبغضه، وتعميق أثر المُقدّسات في نفوس الأجيال؛ وإنّ العمليّة التربويّة التي قد تستغرق وقتاً، وقد تأخذ جهداً لكنّها في مآلات الأمور ستكون هي الثمرة الناضجة للوقوف الجهادي الصلب أمام جميع عوامل التعرية التي يُحاول يهود أن يقلعوا بها معتقدات المسلمين تجاه دينهم وقدسهم، وما يتبعها من تثبيت الوجود المقدسي، والحراك الفعّال للعمل على رؤية تُعنى باسترداد القدس؛ وحين نقرأ في تاريخ الدولة الأيوبيّة وننعم النظر في أجياله؛ فإنّا واجدون أنّ جيل عماد الدين زنكي كان جيل التثقيف، وجيل نور الدين الزنكي كان جيل الإعداد ،وجيل صلاح الدين الأيوبي كان جيل التحرير؛ فحلقة فاتح بيت المقدس؛ لم تأت هكذا عبطاً أو اعتباطاً؛ فالفضل وإن عاد لصلاح الدين بعد توفيق الله؛ فإنّه عائد لمن قبله ممن كان له دور في إنتاج وإنضاج تلك الأجيال التي كان مآلات تربيتها فتح بيت المقدس.
5.    قال تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ  كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج40]، وقال أيضًا: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة251].
وإن مفهوم دفع المظلوم للظالم؛ وجهاد أهل الحق لأهل الباطل؛ هو ذلك المفهوم الذي ثبتت حقيقته في استرداد البلاد من أيدي الظالمين؛ وبهم يتحصّل حفظ الله للعباد والبلاد بل المساجد؛ وهم الذين يحملون لواء الأمّة ولو كانوا قلّة؛ ولقد أثبت القرآن والسنّة والتاريخ والوقائع أنّ القلّة القليلة التي حملت على عاتقها وكاهلها نُصرة هذا الدين هي التي ينصرها الله تعالى ويكتب لها فخراً وذكراً حسناً.
لو بعثنا واحداً  من  كل  ألفٍ * لمشى جيشٌ إلى القدس عرمرم
فلن يخرج العدو من البلاد المحتلة إلا بالمقاومة المتكاملة، المرتكزة على التربية المتكاملة؛ فالله تعالى يقول: (وأخرجوهم من حيث أخرجوكم) وبهذا يجب أن يفهم المحتل:أنه حقّ المسلمين بفلسطين تحريرها من احتلال الغاصبين.
يُدرك يهود أنّ فقاعة السلام ومُبادرات التطبيع هي التي تخدم مشروعهم؛ لهذا يسمحون بها بل يطلبونها ويتغيّونها؛ ففي إطار عملية السلام المزعومة طالب إسحاق شامير بإلغاء كلمة "الجهاد" من "القرآن والسنة " وذلك في مؤتمر مدريد عام 1992م([57])؛ لأنّهم يعلمون ماذا تعني كلمة الجهاد" فضلاً عن فعل "الجهاد" في قلوب المسلمين؛ وما يؤديّه من نكاية وإغاظة حقيقيّة لقلوب المحتلين اليهود الغاصبين.
إنّهم يعلمون كذلك مدى الظلم والإجرام الذي قاموا به تجاه قدسنا وأنفسنا؛ ولذلك يُريدون طمس معالم الجهادفي قلوب المسلمين؛ مع أنّهم يدركون في قرارة أنفسهم مشروعيّة ما يقوم به أهل بيت المقدس في جهادهم وحقّهم في ذلك؛ حتّى وجدنا بعض القادة اليهود بأنفسهم يُشرعنون للفلسطينيين الانضمام للمقاومة؛ لأنّ هذا هو الوضع الطبيعي لبلد احتلّه غُرباء أوباش؛ فلقد صرّح رئيس الوزراء الأسبق"إيهود باراك" في مقابلة مع الصحافي"جدعون ليفي" بعدما تسرَّح من الجيش عام 1991، وقال: "لو ولدت فلسطينياً لكان من الطبيعي أن انضم لإحدى المنظمات الإرهابية الفلسطينية" فإذا كانوا يرون أنّ هذا من الشيء الطبيعي؛ حتّى لو وصفوه بالإرهاب؛ فإنّ هذا يُبيّن أنّهم يرون الحق الطبيعي – ولو كانوا ألدّاء لهذا الحق - في انضمام كل من انتمى لهذه المُنظّمات وقاوم الاحتلال الصهيوني.
إنّ رئيس الكنيست الأسبق أبراهام بورغ -  أحد قادة حزب العمل – كتب قائلاً: "الاحتلال هو المسؤول عن دفع الفلسطينيين لعمليات الاختطاف، إن كنا نغضب لخطف جنودنا ومستوطنينا، فإننا نختطف المجتمع الفلسطيني بأسره منذ عشرات السنين، ولا يمكن مطالبة الفلسطينيين بوقف سلوكهم هذا قبل تخليصهم من الاحتلال"([58]).
ولهذا فإنّ وجود أدنى حس لعموم المسلمين في فلسطين وخارجها بأنّ الكيان الصهيوني؛ لا يُمكن أن يُسلّم البلاد للعباد إلاّ بمنهجيّة الجهاد والمقاومة؛ لهو شعور رائد ينبغي استثماره؛ وكسر أيّة قاعدة تُعنى بإقناع الناس أنّ طُرق التسوية والسلام والتطبيع هي الأساليب الناجعة؛ بل هي الأساليب المُدجّنة التي يبتغيها العدو ليُعمل بآلة القتل تجاه المجابهين له؛ وإذا كان العدو الصهيوني قد قام بقتل وخنق ذلك الوزير الفلسطيني الذي أراد أن يغرس أشجار الزيتون ولم يقم بطلقة رصاص واحدة تجاه العدو؛ وما سَلِمَ ذلك الوزير المغدور من كيدهم؛ فهذا كلّه ينبغي استثماره لإبداء فشل مبدأ المفاوضات العبثيّة؛ و نصرة مبدأ المقاومة الشُّموليّة؛ فالحقوق المستلبة لن ترد إلاَّ بالقوَّة، ولقد قال الإمام محمد البشير الإبراهيمي في آثاره :(الحقوق التي أخذت اغتصاباً لا تُسترجع إلاَّ غلاباً).
إنَّ العدو المحتل لن يحترم أمَّة لا يوجد عندها سبيل القوة، ومعدن الكرامة، وسبب الحياة والنجاة من بطش جنودهم، ولقد نُهينا عن السلم ونحن بأيدينا قوّة نستطيع أن نكبح بها جماح العدو؛ فالله تعالى يقول: ( فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم) فالعدو لن تنفع معه إلاَّ لغة القوَّة والتصدي، ومبدأ (الصد والرد).
إنّ من المواقف التي يُؤثّر ذكرها في هذا المُقام ما حكاه المناضل الجزائري "عبد الحميد مهري" وملخصه: أنّ الجزائر كان فيها: (قرية صغيرة وفقيرة لا تكاد تملك من أسباب الحياة إلا النزر اليسير، ورغم ذلك كانت كلما توفر لها قطعة سلاح أو بعض طلقات البارود هاجمت قوات الاستعمار الفرنسي الرابضة على مداخلها.. وفي كل مرة تفعل ذلك كانت تُعاقَب بحملة تأديب وحشية، تقتل فيها قوات الاستعمار من يقع في أيديها من المقاومين، وتخرب بيوت القرية، وتفسد زرعها، وتقتل ماشيتها نكاية وتنكيلا بها.. ورغم ذلك لم تتوقف القرية عن هذه العادة؛ مهاجمة القوات الاستعمارية كلما تيسر لها سلاح وبارود ولو كان قليلا وبدائيًّا.
استدعى قائد القوات الاستعمارية شيوخ ووجهاء القرية وأخذ يحاول إقناعهم بعدم جدوى ما يفعلون، وشرح لهم كيف أن موازين القوى ليست لصالحهم، ومن ثَم فلا فائدة من هجماتهم، وكيف أن قواته من القوة بمكان لا تفلح معه طلقات البارود البدائية، وذكّرهم بأن القرية طوال سنوات الهجوم البدائي هذه لم تتمكن ولو من قتل جندي واحد من قواته المستعمِرة، وأنّ العقاب الذي تناله القرية والتنكيل الذي يقع بأهلها يحتم عليهم التفكير في جدوى هذا العبث!
وأمام منطقية كلام القائد الفرنسي وقوة حجته لم يستطع وجهاء القرية إلا أن يطلبوا منه أن يمهلهم يومًا أو يومين في الرد، وبعدها جاءوا إليه مسلّمين بحجته مقرّين بمنطقه؛ لكنهم رغم ذلك اعتذروا عن أنه ليس باستطاعتهم أن يوقفوا عادتهم في قتال الفرنسيين بكل بندقية قديمة يحصلون عليها أو بعض من طلقات البارود تتوفر لهم.. سألهم القائد الاستعماري عن السبب متعجبًا: فقالوا: "نخشى إن أوقفنا قتالكم أن تفسد تربية أبنائنا"!!)([59]).

إن العدوَّ وإن أبدى مسالمةً  *** إذا رأى منك يوماً غرةً وثبا

إنّ وجود المقاومة العسكريّة للمحتل مُعينة على يقظة القلوب؛ وصلاح المجتمع؛ وإنّ الغفلة عنها مآله إلى ذهاب ريح المسلمين، وكثرة النزاعات فيما بينهم؛ وغلبة عدوهم عليهم، والعدو بالطبع يُراقب ذلك عن كثَبٍ؛ وما احتلُّت فلسطين إلاّ بسبب ضعف المسلمين وغفلتهم عن مصدر عزّتهم؛ لهذا فإنّ مبدأ اقتحام الباب؛ والجرأة في المواجهة، وحتميّة المُجابهة هو الذي سيكون مؤدّاه ناجعاً؛ ولقد أمر الله قوم موسى أن يدخلوا الباب؛ فدخوله سبيل للغلبة حين يتوكلون على الله؛ ومن ظنّ أنّ مفاتيح السلام ستُهدى له دون أن يقتحم فلن ينال السّلم؛ بل من طلب فتح بيت المقدس بالسلام فهو كمن يعيش في سرداب مُظلم ويطلب نُوراً أن يشع عليه دون أن يحمل الفأس ويشقّ الصخر لينبلج النور والضياء؛ خاصّة حين يُريد طلب مفاتيح البيت الذي اغتصبه بكثرة النقاش والمفاوضات التي ثبت فشلها وأنّها مفاوضات عبثيّة ليس بكلام الإسلاميين من مُعارضي هذه المفاوضات بل من كلام من جرّبها مع يهود وأيقن أنّها لن تحمي نفساً ولن تردُّ قُدساً!
خاصّة وأنّ عدداً من المنهزمين قد جرّبوا حقيقة المفاوضات ورأوا أنّ مآلاتها فاشلة؛ ومن كان يُراهنُ عليها أفشل اليهود خططه لإقناع الناس بها؛ لكثرة استحقارهم لمن يقوم بالمفاوضات؛ وعدم تلبية مطالبهم؛ وهم في المُقابل يتراجعون عدّة خطوات لمن يقوم بمبدأ المدافعة والمجاهدة؛ فهذه الأجواء بها يشتغل فكر الجهاد والمدافعة والمقاومة في قلوب كثير من المسلمين؛ ومعرفتهم بحقيقة المعركة؛ وإدراكهم أنّ يهود يُريدونها حرباً على المسلمين واضحة المعالم؛ وهذا يختصر المسافات كثيراً لإقناع من لا يريدون الاعتراف بذلك.
6.    إنّ عناية المقدسيين بالمسجد الأقصى ليس لكونه تراثاً وآثار؛بل لكونه مسجداً نُصلي فيه لرب العالمين، وقد صلَّى فيه من قبلنا الأنبياء والرُّسل عليهم الصلاة والسلام؛ والمساجد على قيمتها وأهميتها عند المسلمين فإنّ المسلمين هم الذين يصونوها ويُدافعوا عنها؛ وفي هذا يقول الصَّحابي الجليل أبو الدَّرداء - رضي الله عنْه -: "لولا أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - يدفع بمن في المساجد عمَّن ليس في المساجد، وبمَن يغزو عمَّن لا يغزو - لأتاهم العذاب"([60]).
وإنّ أعظم هدم يقوم به الأعداء هو هدم الإيمان في قلب الإنسان، قبل سعيهم ومحاولتهم لهدم المسجد الأقصى - حماه الرحمن -!
ولئن قيل: إنّ "الأقصى في خطر" فإنّ المسلمين في وضع أخطر؛ فلو كان المسلمون بكامل الأهبة والاستعداد لدرء مخاطر اليهود لما كان الأقصى في خطر؛ وإنّنا حين نلتفت إلى جهة أخرى وقت أن تحطّم صنم بوذا قامت قيامة الساسة وتدويل القضية عالميا وتدخلت اليونسكو والأمم المتحدة! ومساجدنا في فلسطين يحرقها يهود، ويُدّنسّونها ولا يُوجد نكير لذلك؛ إلاّ أهلها الذين يذودون عنها؛ فقيمة المساجد بقيمة أهلها؛ فهم الذين يحمونها؛ وبما أنّ المسلم بنيان الله على الأرض؛ فإنّه مُكلّف بحماية مساجد الله التي بنيت في الأرض؛ وإنّه لن يعمرها عمرانيا إلا أهل الإسلام، ولن يعمرها روحيا إلا هم كذلك، وبدونهم ستبقى خاوية...!! فلنتحسّس إيماننا لنصون مساجدنا وبلادنا !
7.    تحرّك العلماء الربّانيين والشعوب المسلمة للضغط على الأنظمة المتواطئة مع الاحتلال الصهيوني، وكشف أوجه التضليل التي يقوم بها صهاينة العرب بشتّى مراتبهم مِمّن يُكرّرون الاسطوانة المشروخة التي يقولها الصهاينة اليهود؛ داعمين أو متخاذلين في التعامل مع جرائم يهود.
وإنّ كشف حقيقة هؤلاء من الجهاد الكبير؛ ذلك أنّ الأمّة المسلمين ما رُزئت بمصيبة أعظم من وجود من يتعاون مع المحتل وينفذ خططه وخطواته؛ ويكون عوناً أو عيناً لهم على تحقيق مآربهم؛ ولولا وجود هؤلاء لكانت الأمّة في حال أفضل مما هي عليه الآن.
إنّ الجهد العلمائي الكريم دون المستوى المأمول منهم؛ وهو بحاجة لتحرّك أعمق وأكبر على شتّى الأصعدة والمستويات؛ فمن يُحرّك اليهود في فلسطين بله العالم هم حاخامات اليهود الذين يتحرّكون على باطل ويتوحّدون في دعم حكومتهم، حتّى أفتوا مؤخّراً بتحريم إنهاء الاحتلال فضلاً عن تحريم الانسحاب من فلسطين، وقد كان لهم دور خطير في التأثير على مؤسستهم اليهوديّة حيث ذهب 350 حاخام يهودي إلى "نتنياهو"وسلّمُوه التوراة؛ فلم يقفوا عند مجرّد الإفتاء بذلك؛ بل عزّزوا ذلك بتوراتهم المُحرّفة .
8.    كسب الأصوات المعتدلة من غير المسلمين غربياً وشرقياً في نظرتهم لخطر الكيان الصهيوني، فضلاً عن اليهود المعارضين لوجود الاحتلال الصهيوني؛ ومحاولة نشر أقوالهم؛ والتواصل معهم لفضح جرائم الاحتلال على جميع المستويات والأصعدة.
9.    قيام أهل العلم والفقه بإقامة دورات علميّة وفقهية شرعيّة لبيان مكانة القدس والأقصى في قلوب المسلمين؛ وعدم الاكتفاء ببيانات الإدانة والشجب والاستنكار حالة وقوع مظلمة تجاه المقادسة؛ بل اتّخاذ منهجيّة إلزام النفس بخدمة قضيّة القدس عملاً وقناعة ولو بالقليل؛ وإذا شعرت الأمّة أنّ قضيّة العمل للأقصى والقدس في وجدان العلماء؛ وأنّ تحرُّكهم لهذا مبني على موضوعيّة الأمر واستحقاقه؛ ولزموا ذلك المسار؛ فسنرى أنّ كثيراً من الشباب لن يكون عاطفياً في اهتمامه بالقدس والأقصى؛ أو لا تُحرّكه إلاّ الأخبار الإعلامية؛ فيتحدّث عن العمل للأقصى، وحينما تهدأ الأخبار؛ تخبو شُعلته!!
10. عقد مناظرات عالمية كُبرى تُعنى بكشف الحقائق من شخصيات مُتمرّسة في جانب المناظرات والمحاورات؛ مع العلم التام والوعي الأكيد بكتب اليهود توراة وتلموداً؛ والحقائق المُعاصرة؛ وبيان الأكاذيب أمام الملأ عالمياً في حقّ يهود بفلسطين؛ وكشف المؤامرة الغربيّة التي تُعنى بتثبيت يهود في هذه البلاد.
11. القدس مقبرة الغزاة، وهي جمرة إذا امتدّت إليها يد احترقت؛ ولئن طال احتلالها عقوداً؛ فقد طال احتلالها قبل ذلك أكثر من ذلك؛ وصار مصيرها التحرير والاسترداد؛ ومن يقرأ بنود تنازل الملك الكامل عن القدس للصليبيين 626هـ ؛ حتّى يهنأ بحكمه مٌستقراً في مصر؛ بل يرى ما قام به قاضي نابلس شمس الدين النابلسي وانخداعه بِطُرق فردريك بكثرة مكره وخداعه لمن كانوا في القدس؛ حتّى أنّ قاضي نابلس أمر المؤذنين ألا يرفعوا الأذان في الليلة الأولى لفريدريك في بيت المقدس احترامًا له؛ كما نقله عنه ابن واصل في تاريخه؛ ومع ذلك فقد استرده المسلمون، وكانت الغلبة والقوّة لهم بعد مدّة ليست طويلة في عمر الأمم؛ فالأيام دول، والدهر قُلّب، وجولة الباطل ساعة؛ وجولة الحق إلى قيام الساعة؛ ومن ميزة هذه الأرض أنّ الله تعالى لا يُسلّط عليها عدواً بذاته؛ بل يتغيّر الأعداء من يهود ونصارى وباطنية وغيرهم؛ ويبقى المسلمون، ويُطرد الغزاة.
ورحم الله القاضي الفاضل القائل:(ومعاذَ الله أَن يفتح علينا الْبِلَاد ثُمَّ يُغلقها، وَأَن يُسْلِمَ على يدينا الْقُدسَ ثُمَّ يُنَصّرِهُ،ثُمَّ معَاذَ الله أَن نُغْلَبَ على النَّصْر، ثمَّ معَاذ الله أَن نُغْلَبَ على الصَّبْر. وَهَذَا دين مَا غلب بِكَثْرَة وَلَا نُصِرَ بثروة، وَإِنَّمَا اخْتَار الله تَعَالَى لَهُ أَرْبَاب نِيّاتْ، وَذَوي قُلُوب مَعَه وحالات)([61]).
12. إنّ يهود أنفسهم يستشعرون قُرب نهاية دولتهم؛ وأنّها دولة من بيت العنكبوت، كما قال: "موشيه يعلون" وزير الشؤون الإستراتيجية: "إسرائيل كخيوط العنكبوت؛ فمن الخارج تراها قوية، ولكن عندما تدخلها تكتشف أنَّها ضعيفة جداً وتتفكك".
إنّنا نجزم جزماً قاطعاً أنّ دولتهم ستفنى؛ وأنّهم إلى زوال، وأنّ حُكمهم في سفال؛وإنّ من سُنن الله الكونيّة القدريّة أن يبقي العادل في حكمه ولو كان كافراً؛ ويُهلك الظالم في حُكمه ولو كان مُسلماً؛ فكيف إذا كان الحاكمُ ظالماً كافراً كاذباً؟!
ولن ندخل في متاهة الأرقام وما يقوله بعض الفضلاء من تحديد سنوي لسقوط دولة يهود مُقيّدين إيّاه بقولهم أنّه قبلها بقليل أو بعدها بقليل؛ فلم يتعبّدنا الله تعالى بقراءة تاريخ سقوط الدول من خلال حسابات مُعيّنة؛ فالحسابات ظنّيات تخطئ؛ بل أغلبها يُخطئ، وما أعلم أحداً من قديم أو قريب قد حدّد موعد سقوط دولة؛ أو قيام الساعة؛ أو بداية شرط من أشراط الساعة؛ وأصاب في ذلك؛ وهذا من قبيل الاستقراء والتتبع؛ ولم نجد في القرآن الكريم تحديداً لشيء من هذا القبيل، لكنّ المفاصلة التي نعتقدها نهائيّة أنّ هذه الدولة الظالمة الكافرة الباغية المحتلة لن تُعمّر طويلاً؛ وسُنن الله الكونية القدريّة تشهد؛ وبناء عليها نلتزمها ونعتقد.
إنّ أرض فلسطين ليست مكتوبة كي يستقر فيها يهود؛ وما دام احتلالهم باقٍ فإنّ الله تعالى سيُسلّط عليهم من يسومهم سوء العذاب، فقد قال: (وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم)، وإنّ الأرض المُقدّسة أرض قد حرّم الله إقامة يهود فيها تحريماً شرعياً؛ وقد وقف بعض المُفسّرين عند قوله تعالى : ( فإنّها مُحرّمة) ثمّ يستأنف : (أربعين عاماً يتيهون في الأرض) كما هو قول عكرمة وقتادة؛ ويُفهم من هذا أنّ أرض فلسطين مُحرّمة على يهود أن يُقيموا فيها إقامة شرعيّة لهذا قال تعالى: (فإنّها مُحرّمة عليكم أربعين سنة يتيهون في الأرض) فمن المُفسّرين من وقف عند قوله : (مُحرّمة عليهم) ثم يستأنف : (أربعين سنة يتيهون في الأرض)؛ فإذا أراد يهود أن يعودوا مفسدين في هذه الأرض فإنّ الله توعدهم أن يسلّط عليهم عباده المؤمنين؛ فقد قال في سورة الإسراء:(وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) [الإسراء:4- 6].

بقي أن أقول:

لكل ظالم نهاية، ونهاية احتلال يهود لبيت المقدس ستكون قادمة حتماً؛ وإذ يظنّ المحتل الظالم أنّه سيقف بكل قوّة له تُردي المظلوم وتصرعه؛ إلاّ أنّه سيأتي يوم يقضّ فيه مضجعه؛ فكلّ ما يقوم به اليهود من قوّة ترسانة مُسلّحة، وتكثيف عدد في فلسطين؛ وبناء جدار عازل، ومناطق آمنة، والاستعانة بحبال الشرق والغرب لحماية ظهورهم...كٌلّه مصيره الزوال..
نعم! سيتذاكى الظالم، والغباء يركبه؛ بعمل خطة مُحصّنة له؛ مُحيطاً نفسه بجدار من حديد؛ وسينسى السقف مفتوحاً؛ لتختلف احتمالات الدكّكدة فوق أمِّ رأسه، و لا يجد لنفسه من عمله مخرجاً!
ستدور الدائرة وسيتولَّى الله تعالى مدافعة كيد الظالمين الكافرين المعتدين؛ وفي الآية برهان ناصع على ذلك، فاستعذ بالله من الشيطان، واقرأ قوله تعالى: (ما ظننتم أن يخرجوا وظنّوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يُخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار)، وكما فُتحت بيت المقدس قديماً؛ ستفتح بإذن الله تعالى قريباً؛ وستعيش الأمّة لحظات البهجة والسعادة كما حدّثنا الواقدي عن لحظات الفرحة التي كان يترقبُّها فاتحو بيت المقدس إذ يقول: "وقد بلغني أنَّ المسلمين باتوا تلك الليلة - ليلة الاتجاه لفتح القدس - كأنَّهم ينتظرون قادمًا يقدم عليهم من شدَّة فرحهم بقتال أهل بيت المقدس، وكلّ أميرٍ يريد أن يفتح على يديه، فيتمتَّع بالصلاة فيه، والنَّظَر إلى آثار الأنبياء"؛ من "فتوح الشَّام" للواقدي (1 /216).
ربّ أسعد قلوبنا بفتح عزيز لبيت المقدس ونصر مؤزّر مُبين على اليهود الظالمين؛ والله نسأل أن يعلي كلمته، وينصر دينه، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

-------------------------------
[1] ) فضائل البيت المقدس، للواسطي ص20، وهو بتحقيق اليهودي : "إسحاق حسّون"وقد تعقب هذا التحقيق الأستاذ عصام الشنطي، بالنقد والتمحيص في دراسة وافية نشرت في مجلة معهد المخطوطات العربية (مج36 ج1،2-1992)، ورابطه:
 http://www.thaqafa.org/site/pages/details.aspx?itemid=327#.VIWDIsmcxro
[2] ) الرحيق المختوم؛ صفي الرحمن المباركفوري، ص128.
[3] ) أخرجه ابن ماجه في سننه برقم(3932)، والحديث في إسناده لين وضعف، كما حكم عليه  ابن حجر في الكافي الشافي ص268، وكذا السخاوي في المقاصد الحسنة ص512، ورأى الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ أنَّ في سنده ضعفاً ولكنَّه رأى صحَّة الاستشهاد به، وانظر السلسلة الصحيحة برقم : (3420).
[4] ) أخرجه الترمذي برقم:(1395) ويرى الترمذي صحَّته موقوفاً على الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ ، وكذا الإمام البخاري في العلل الكبير ص219.
[5] ) يُنظر:
أ.كتاب:(في الحرب)لصاحبه:"كلاوزويتز"وهو المؤسس الأول للمدرسة السياسية في فلسفة الحرب.
ب. رسالة :(صنع القرار السياسي الخارجي الأمريكي- الحرب على العراق نموذجاً – حقبة بوش) لصاحبها د. رافع الكبيسي، وهي رسالة دكتوراة مقدّمة إلى كلية القانون والسياسة بجامعة لاهاي.
[6] ) عن مركز المعلومات الوطني الفلسطيني:
http://www.wafainfo.ps/atemplate.aspx?id=3586
[7])" عوفر" عالم نفسي (سيكولوجي) سريريّ ويحمل لقب دكتوراة آخر في تسوية الخلافات من جامعة جورج ميسون في ولاية فيرجينيا في الولايات المتحدة الأمريكية.
هذا الشخص الذي يُقدّم القرآن بطريقته الخاصة؛ ويُحاول طمس المفاهيم من خلاله، وتحريف الآيات الحاثة على جهاد المعتدي؛ يقوم بذاته بكتابة سيرة ذاتية عن مناحم بيغن، وهو في الأصل اطروحة الدكتوراة التي قدّمت إلى معهد تسوية الخلافات في جامعة جورج ماسون، في الولايات المتحدة الأمريكية!
- نبذة عن "مناحم بيغن" !
"مناحم بيغن" المؤسس منظمة "أرجون" الصهيونية المسؤولة عن مذبحة دير ياسين بفلسطين؛ وهو سادس رئيس وزراء لإسرائيل المدعو مناحيم بيجِن، الذي أرسل عام 1979م برقية تهنئة إلى رعنان قائد الأرجون المحلي, قال فيها: تهنئتي لكم على هذا الانتصار العظيم قل لجنودك إنهم صنعوا التاريخ في إسرائيل!
"مناحم بيغن" كتب في كتابه (الثورة): إن مذبحة دير ياسين أسهمت مع غيرها من المجازر الأخرى في تفريغ البلاد من 650 ألف عربي، وأضاف: "لولا دير ياسين لما قامت إسرائيل".
"مناحم بيغن" وصفه أ. هابر مؤلف كتاب: "مناحيم بيجن.. الرجل والأسطورة" الصادر في نيويورك عام 1979 في الصفحة 385 على لسان بن جوريون: ((إن بيجن ينتمي دون شك إلى النمط الهتلري، فهو عنصري على استعداد لإبادة كل العرب لتحقيق حلمه بتوحيد إسرائيل، وهو مستعد لإنجاز هذا الهدف المقدس بكل الوسائل))!
بعد هذا كلّه ييقوم المشرف على مشروع:(قرآنت) بعرض القرآن بطريقته الخاصة لتحريف مفاهيم المسلمين عن الإسلام والجهاد، زاعماً أنّه يقوم بذلك كي لا يجعل القرآن وسيلة للإرهاب على حدّ زعمه؛ فيما هو يجعل رسالته الدكتوراة عن أكبر مجرم من مجرمي الحرب اليهود!
[8] ) فضائل بيت المقدس في مخطوطات عربية قديمة، للدكتور محمود إبراهيم، ص 47، الجامعة الأردنية، إصدار معهد المخطوطات العربية (المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم) الطبعة الأولى 1985م
[9]) يُنظر مقدمة تحقيقه لكتاب: «فضائل البيت المقدس»؛ لأبي بكر محمد الواسطي، ص 35، طـ. دار ماغنس للنشر، الجامعة العبرية أورشليم القدس!، 1979م.- بتصرُّف يسير-. ثم قالَ في الحاشية رقم (32): «وانظر على سبيل المثال (بحار الأنوار)؛ للمجلسي (22/90) وكتاب: (ينابيع المودة)؛ لسليمان بن إبراهيم القندوزي، (ص 443 - 444)».
 
[11] ) تفسير الصافي للكاشاني : ( 1/ 669 – 670 )
[12] ) الصحيح من سيرة النبي الأعظم؛ للعاملي (3/106)
[13] ) الصحيح من سيرة النبي الأعظم، للعاملي: (3/137).
[14]) للمزيد يُنظر كتاب: (المستشرقون اليهود ومحاولة التهوين من قدسية القدس ومكانتها في الإسلام) لمؤلّفه د. حسن عبد الرحمن سلوادي، عميد كلية الآداب في جامعة القدس، وهو بحث مُقدّم لمسابقة حول القدس نظّمتها جمعية القدس للبحوث والدراسات في غزة، وقد نال البحث الجائزة الأولى.
[15] ) البداية والنهاية؛ لابن كثير : (12 / 192).
[16] ) عن مقال: "الجامعات العبرية"  و "جيش البروفسورات" للدكتور: عيسى القدومي، منشور في مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقيّة:
http://www.aqsaonline.org/news.aspx?id=512
[17] ) جزء مِمّا ورد في محاضرته على هذا الرابط:
http://www.imcpal.ps/news/?p=222
[18] ) «الدولة اليهودية»، ثيودور هرتزل، ترجمة: محمد يوسف عدس، دار الزهراء للنشر، (1414هـ-1994م).
[19] ) تصريح لـ «الصندي تايمز» (15/6/1969م).
[20] )عن صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية بتاريخ 14 / 7 / 1972م بواسطة: الاستيطان التطبيق العملي للصهيونية، عبد الرحمن أبو عرفة، ص:41.
[21] ) تهويد فلسطين، إعداد وتحرير د. إبراهيم أبو لغد وترجمة د. أسعد رزوق، وتقديم أرنولد ج. تويبني - ص 9.
[22] )«أرض أكثر وعرب أقل»، نور الدين مصالحة، (ص122)، نقلاً عن صحيفة «هارتس»، بتاريخ (15 إبريل 1969م).
[23] ) يهود يكرهون أنفسهم ، د. محمد أحمد النابلسي.
[24] ) الخداع، بول فندلي، ص25.
[25] ) عبد الوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية : 7/306.
[26] ) الخداع، بول فندلي، ص31.
[27] ) مقال: لا صحة ليهودية فلسطين.. القدس الإسلامية في أعمال المستشرق (ماكس فان برشيم)، د. عبد الكريم إبراهيم السمك، عن مجلة البيان الإسلامية، عدد : (319)، رابطه:
http://albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?ID=3383
[28] ) إسرائيل في التاريخ.. الدولة اليهودية من منظور مقارن، ديريك جوناثان بنسلر.
[29] ) موسوعة اليهود واليهودية، عبد الوهاب المسيري، (7/306).
[30] ) لمزيد من النظر:
- المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل : الأسـطورة والإمبراطورية والدولة اليهودية، لمحمد حسنين هيكل، ص 67.
- القدس الشريف : حقائق التاريخ وآفاق المستقبل؛ أ.د. محمد علي حلّة، ص:73، 74
[31] ) مؤسسة القدس للثقافة والتراث:
http://alqudslana.com/index.php?action=article&id=1740
[32] )إسرائيل والقدس الشرقية استيلاء وتهويد تأليف مائير مارجليت-ترجمة مازن الحسيني،مراجعة:أ.د. عبد الرحمن عباد.
[33] ) للمزيد يُنظر:
-    الاستيطان اليهودي وتأثيره السياسي والأمني على مدينة القدس: إعداد " د. رياض العيلة، ود. أيمن شاهين.
http://alquds-online.org/old/index.php?s=17&ss=17&id=658
-  فلسطين الحقيقة والتاريخ، صالح الشرع.
[34] ) للمزيد يُنظر:
تقرير بعنوان: "أمريكيون يدعمون ويمولون الاستيطان في الأراضي الفلسطينية" إصدار: وحدة البحث والتوثيق في مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادي.
[35] ) مؤسسة القدس للثقافة والتراث:
 http://alqudslana.com/index.php?action=calendar&id=264
[36] ) رابط الخبر عن موقع الألوكة:
http://www.alukah.net/world_muslims/0/29876/
[37] ) مقال د. عبد الوهاب المسيري بعنوان: (عندما تتحول الصهيونية إلى نكتة) رابطه:
http://www.aljazeera.net/home/print/6c87b8ad-70ec-47d5-b7c4-3aa56fb899e2/5c391f40-f179-4af8-9fbc-8b9318bd8f7b
[38] )  صحيفة هآرتس يوم: 23 / 7 / 2014م
[39] ) تهويد القدس، نجيب الأحمد. بيروت: منظمة التحرير الفلسطينية، دائرة التوجيه والإعلام القومي.
[40] ) يُنظر: كتاب القدس الإحصائي السنوي 2012م.
[41] ) النبوءة والسياسة: غريس غالسل – دار هايل للطباعة، الخرطوم، الطبعة الأولى 1989م ص110.
[42] ) كراس مسابقة القدس في خطر- إصدار جمعية الأقصى لرعاية المقدسات الإسلامية –أم الفحم- ص26-27.
[43] ) كتاب "المفارقة اليهودية" Le Paradoxe juif, édition Stock, Paris, 1976 صفحة 121
وللمزيد يُنظر كتاب:
"الشخصية اليهودية الإسرائيلية والروح العدوانية"، لأستاذ الدراسات العبرية بجامعة عين شمس، رشاد عبد الله الشامي، والصادر عام 1986م.
[44] ) صحيفتا الرأي والدستور الأردنيتان الصادرتان أثناء العدوان على العراق عام 1998م.
[45] ) تيودور هرتزل في كتابه "دولة اليهود" الصادر عام 1896م.
Herzl , T . 1896 , P . 29
[46] ) مقال نُشر بسبتمبر 1951م بعنوان "نحن وعاهرة الموانئ" بواسطة موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية للمفكر عبد الوهاب المسيري.
[47] ) الوعد والإيفاء ، لكاتبه: "آرثر كوستلر".
[48] ) الأحزاب (الإسرائيلية) والحركات السياسية في الكيان الصهيوني" -حبيب قهوجي- مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية -الطبعة الأولى -دمشق 1986-ص167-168‏
[49] ) ( إسرائيل وفلسطين ) ميخائيل هرسيغور" و"وموريس سترون"
[50] ) للمزيد يُنظر:
- القوى الدينية في إسرائيل، د. رشاد الشامي، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، الإصدار 186، حزيران 1994، ص54.
- المتدينون في المجتمع الإسرائيلي، صلاح الزرو، رابطة الجامعيين، مركز الأبحاث، الخليل، 1980، ص:416
[51] )يُنظر الرابط:
http://www.israelnationalnews.com/News/News.aspx/175682#.VGBMlvmUfC8
[52] ) كتاب : العهد والسيف؛ إيرل بوغر، الصادر في عام (1965)
[53] ) السبيل الأردنية- العدد رقم/355
[54] ) وكالة صفا ، الأربعاء, 05 نوفمبر, 2014م
[55] ) التلفزيون الإسرائيلي 29-2-2002م عن : «موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية»، د. عبد الوهاب المسيري، (7/348).
[56] )إذاعة إسرائيل باللغة العبرية 28-2-2002م، عن : «موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية»، د. عبد الوهاب المسيري، (7/348).
[57] ) قضية الإرهاب (الرؤية والعلاج)- جمعة أمين، ص- 42.
[58] ) (هآرتس،18-6).
[59] ) عن مقال: هل يستفيد الفلسطينيون من خبرة حركة التحرر الوطني الجزائرية؟، للأستاذ: حسام تمّام:
http://www.onislam.net/arabic/newsanalysis/analysis-opinions/palestine/105038-2008-03-05%2014-31-41.html
[60] ) الجامع لأحكام القرآن؛ للقرطبي : ( 12 / 66) .
[61] ) عيون الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية؛ أبو شامة المقدسي : ( 4 / 178)

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
خباب الحمد
  • مقالات شرعية
  • حواراتي معهم
  • حواراتهم معي
  • وللنساء نصيب
  • تحليلات سياسية
  • مواجهات ثقافية
  • تحقيقات صحافية
  • البناء الفكري والدعوي
  • رصد الاستراتيجية الغربية
  • رمضانيات
  • استشارات
  • كتب
  • صوتيات
  • قراءة في كتاب
  • بريد الكاتب
  • الصفحة الرئيسية