اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/khabab/39.htm?print_it=1

فضيلة الشيخ الدكتور/ ناصر بن سليمان العمر في حوار خاص مع جريدة المحرر السودانيَّة :
أنصح الجماعات الإسلاميَّة في السودان البعد عن الحزبيَّة الضيِّقة....

حاوره : خبَّاب بن مروان الحمد


ـ أنصح الجماعات الإسلاميَّة في السودان بالبعد عن الحزبيَّة الضيقة .
ـ لا يوجد فصام بين المجاهدين والعلماء ، ومن أطلق هذه الدعوى فهو مخطئ.
ـ أفضل وسيلة للتعامل مع المنافقين والخونة هي فضحهم.
ـ ادِّعاء أنَّ الرافضة إخواننا من التضليل وتلبيس الحق بالباطل.
ـ علينا أن نبيِّن للغربيِّين أنَّ الإسلام دين رحمة ، لا كما يردده زعماؤهم بأنَّه دين العنف.
ـ المدَّعون لمنهج السلف كثر لا كثَّرهم الله ، وهم من أكبر معوقي انتشار المنهج السلفي.
 



* في بداية هذا الحوار نرحب بالشيخ ناصر بن سليمان العمر المشرف العام على شبكة المسلم بالإنترنت.
فضيلة الشيخ سيكون حوارنا حول قضايا مختلفة نود أن نعرف رأيكم الكريم فيها، وهي متعلقة بالواقع الفكري والدعوي والسياسي.


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
أشكرك وأشكر الإخوة في جريدة المحرر السودانية الذين أكرموني بهذه الفرصة للحديث مع قراء الجريدة ، وأسأل الله ـ جل وعلا ـ أن يوفق وأن يسدد.

* السودان وحلقات الصراع :
المحرر: يرى كثير من الناس أنَّ الحرب القادمة ستكون على السودان ؛ فما رؤيتك حيال هذه القضيَّة ؟ وما توجيهك للجماعات الإسلاميَّة في السودان تجاه الخطر الأمريكي القادم؟
السودان ـ أعان الله المسلمين في السودان ـ لم تتوقف الحرب فيها من سنوات طويلة ؛ فمن حرب إلى حرب ؛ فبعد حرب الجنوب التي أهلكت الأخضر واليابس, وأهلكت الحرث والنسل بتجمع القوى الكافرة من يهودية ونصرانية ووثنية ضد السودان حتى قَبِل بالاتفاقية بين الجنوب والشمال ، مع ما فيها من إجحاف على أهل الشمال وعلى المسلمين ؛ أملاً في أن يقف استنزاف الحرب. فإذا بهم يفتعلون معركة أخرى في دارفور والأمر يجري فيها على ما نرى, وفوق ذلك كله لدى الأعداء مناطق ساخنة في السودان. فأقول : إن الحرب في السودان لم تتوقف حتى نقول إن الحرب القادمة ستكون في السودان ! فالسودان مستهدَف منذ أكثر من عشرين أو ثلاثين سنة. ولذا فإني أرى أن على أهل السنة بالذات ، وعلى المسلمين عموماً في السودان ، أن يقفوا صفاً واحداً ، وأن يهيئوا أنفسهم لمعارك مستمرة مع أعداء الله ؛ فالسودان باب للإسلام مطل على أفريقيا لموقعها الاستراتيجي العظيم ، ولما عُرف عن أهل السودان من تدين بالجملة، كل هذا يوجب على أهل السودان أن يستعدوا لحروب قادمة ومتواصلة لم يدخلوها باختيارهم, ولكنه مكر الليل والنهار، وأسأل الله أن يعينهم وأن يثبتهم وأن ينصرهم على أعدائهم .المهم ألا يختلفوا ، وأن تتحد قلوبهم ، وأن يدرّبوا شبابهم على الجهاد في سبيل الله، وأن يعلموا أن المعركة الفاصلة الكبرى مع العدو قريبة بإذن الله في مناطق عديدة وليس في السودان فقط، فعليهم أن يتفاءلوا ويحسنوا الظن بالله جل وعلا.
أما ما يتعلق ببقية هذا السؤال حول توجيه الجماعات الإسلامية في السودان ؛ فقد زرت السودان والتقيت مع عدد من زعماء الجماعات الإسلامية السنية ونصحتهم بأن تكون كلمتهم واحدة، وأن الاختلاف يجب أن يكون من اختلاف التنوع لا من اختلاف التضاد . ومع ذلك فعليهم أن يتعاملوا مع الجماعات الأخرى بحكمة وبعد نظر ومراعاة للمصالح والمفاسد ، ونسأل الله أن يوفقهم . وأنصحهم أيضاً بالبعد عن الحزبية ؛ فقد شعرت أن الحزبية منتشرة بين بعض دعاة وشباب السودان, حتى إن ولاء بعضهم يكون للحزب وللجماعة والحركة وهذا خطأ كبير ؛ فالجماعات والحركات ليست إلا وسائل وليست غايات ؛ فإذا أصبحت الجماعة غاية يكون التفرق والاختلاف (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) [الأنعام: من الآية159]، وحزب الله حزب واحد، أما الكفار وغيرهم فيوصفون بالأحزاب (أُولَئِكَ الأحْزَابُ) [صّ: من الآية13]. فعلى أهل السنة وعلى الجماعات الإسلامية أن تتحد على منهج الحق ، وإن وقع الخلاف فليكن من اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد.

المحرر: نرى أحداثاً متلاحقة، وأخباراً متسارعة في الأخبار والأحداث وخصوصاً عقِبَ أحداث الحادي عشر من سبتمبر فما رؤيتكم للتعامل مع هذه الأحداث؟
أرى أن تُنشأ مراكز دراسات ، وأن يكون تعاملهم مع الأحداث ليس تعامل ردود أفعال ؛ فمع كل الأسف ! أكثر التعامل الآن ردود أفعال ؛ إذا وقع الحدث بدأنا بردود الأفعال ثم نخبو بعد أمد، وهذا أثره محدود , ولا بد من خطط استراتيجية بعيدة المدى. ولا يمكن أن تُبنى الخطط الاستراتيجية بعيدة المدى إلا على الدراسات ؛ فإذا أوجدنا مراكز الدراسات العلمية المتخصصة استطعنا أن نتعامل مع الأحداث ؛ كل حدث بما يناسبه. وقد تبدو الأحداث ومحاولات أعداء الله متفرقة ؛ ولكنها في الحقيقة قد تنتظم في سياق واحد لا بد أن يخضع للدراسات ، وتوضع الخطط الطويلة الضمينة بنهضة الأمة ...فهذا الذي أنصح به.

* الشيعة ... وذر الرماد في العيون :
المحرر: الكثير من الناس منخدع بحزب الله فما الوسيلة التي تحبِّذها لإقناع الناس بخطورة أفكار هذا الحزب؟
الذي أراه أن أفضل وسيلة هي فضح هذا الحزب ؛ لأنه خدع الناس وموّه على العامة.وفضحه يكون بما يلي:
أولاً: إعادة الحزب إلى أصوله الشيعية الرافضية المنحرفة وتبيين عقائده.
ثانياً: بيان تاريخ الشيعة على مدار التاريخ ، وأنهم لم يقاتلوا في سبيل الله يوماً واحداً، ومن زعم ذلك فقد كذب. قد يقاتلون حمية ، قد يقاتلون من أجل الأرض التي دهمها عدوهم , قد يقاتلون لدنيا...، لكنهم لا يستقلون بقتال أعداء الله لأجل نشر دين الله ونصرة المستضعفين من المسلمين في أرض فلسطين ، بل التاريخ مليء بقتال الرافضة مع أعداء الله ـ جل وعلاـ . وإذا نظرت في واحدة من أعظم النكبات التي حلت بالأمة في ماضيها (سقوط الخلافة العباسية) إبَّان سقوط بغداد عام 656 على أيدي التتار وجدت ذلك بتحالفٍ من عدو الله الطوسي, وهذا واحد من الشواهد على ما ذكرت . وقد بيّن شيخ الإسلام أنه إذا قامت لليهود دولة في العراق فسوف يكون أقوى أعوانهم هم الرافضة . وهذا هو الواقع الآن ؛ لمَّا جاءت أمريكا لاحتلال العراق كان الرافضة أقوى أعوانهم، وقد ذكر زعماء إيران أنهم هم الذين ساعدوا على سقوط طالبان بالتحالف مع أمريكا, وأيضاً فإن شارون كشف وبيّن علاقة الشيعة الوثيقة باليهود.
إذاً فضحهم وبيان تاريخهم وبيان جرائمهم المعاصرة كما بيّنت في تحالفهم لأجل إسقاط طالبان وإسقاط بغداد ؛ بل دورهم في حماية إسرائيل في جنوب لبنان؛ فماذا فعل الشيعة خلال عشرين سنة أو أكثر وهم في جنوب لبنان إلا حماية الحدود اليهودية ! وأعتقد أن ما فعلوه في لبنان من محاولتهم إسقاط الرمز الباقي لأهل السنة هناك ، والفوضى التي أحدثوها ـ كلها تدل على هذا الأمر ـ ثم مما يبين ذلك علاقة هذا الحزب بالأحزاب في العراق ، كحزب (مقتدى الصدر) الذي هو حزب الغدر وتدريبه لهم ؛ فهو مساهم رئيسي في القتال في العراق ضد أهل السنة .كل هذا البيان يكشف لأهل السنة خداع هذا الحزب وكذبه ، والله المستعان.

المحرر: يرى بعض المراقبين أو المحللين الاستراتيجيين أنَّ كثرة الحديث عن الشيعة وجرائمهم في العراق سيفتح مجالاً كبيراً لتقوية نفوذهم في العالم العربي ، وقد يستفزهم الشيطان على إثارة القلاقل والإشكاليات ونقلها لساحة الدول السنيَّة المحيطة ، وقد تسرَّب من الأنباء شيء من ذلك ؛ فما رأيكم دام فضلكم في ذلك ؟ وهل من الحكمة طرْق الحديث حول ذلك؟
أتعجب من هذا الرأي ! بل أقول إن بعض الإسلاميين أو بعض طلبة العلم يطرح هذا الكلام . سبحان الله ! وهل أبقى الرافضة مجالاً لأن يقال : إنَّنا نستفزهم بهذه البيانات وبالحديث عنهم ؟ هم لم يتركوا وسيلة للانتقام من الأمة إلا فعلوها، لم يتركوا سبيلاً للخيانات إلا سلكوها ؛ فلا بد من فضح الرافضة بإذاعة الحقائق, وكثرة الحديث عنهم, وبيان خطورتهم, من أجل أن تستيقظ الأمة, وأن تزيل اللبس الذي عشى أبصار كثير منهم سنوات. فهناك من يقول : إن الرافضة هم إخواننا، والفرق بيننا وبينهم يسير. وهذا غير صحيح، الرافضة هم أعداؤنا مع اليهود والنصارى (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ) [المنافقون: من الآية4]. نعم ! الشيعة ليسوا على درجة واحدة ولا نستطيع أن نعمم الحكم على كل شيعي ، ولكن الحكم للأغلب؛ فأغلب الشيعة ، وأقصد الرافضة وبخاصة دولتهم الصفوية في إيران ، تخطط لمخطط جهنمي بعيد المدى, ولا ينبغي أن نلتفت لهؤلاء الملبِّسين أو المنهزمين مع كل أسف ؛ فبعض الذين يطرحون هذا الطرح إنما يقفون هذا الموقف الانهزامي هروباً من مواجهة الحقيقة ، وهروباً من الاعتراف بها, وهذه هزيمة عليهم أن يتخلصوا منها, بل يجب أن نستمر في الحديث عن الشيعة وأن نفضحهم كما فضح الله ـ جل وعلا ـ اليهود والمشركين والمنافقين وسائر المبطلين ، وعندها إذا التحمت الأمة مع أعدائها فليس من السهل أن تُهزم فقد عرفت العدو من الصديق ، وَمَنْ تحذر ومن تأمن. المسلمون والحمد لله أقوياء ، أهل السنة أقوياء؛ ليسوا لقمة سائغة نخاف عليهم بهذه السهولة، إنما الخوف من التلبيس والتضليل ، وادعاء أن الرافضة هم إخواننا وأن الفروق بيننا وبينهم يسيرة .كل هذا من التضليل والتلبيس . والله ـ جلَّ وعلا ـ يقول: (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ) [البقرة: من الآية42]. وهذا من لبس الحق بالباطل.
ومن أقوى الأدلة على ذلك ما حدث أيام فتنة حزب الشيطان في لبنان، كيف حدث التلبيس العظيم من بعض طلاب العلم ومن بعض الدعاة ، ثم انكشف الأمر وبانت حقيقة الألعاب النارية الشيعية؛ فهل يرجع هؤلاء الدعاة الذين تحدثوا عن حزب الله بشيء من حسن النية وأثنوا عليه ـ هل يرجعون إلى رشدهم وإلى الصواب ؟ والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل . فأقول : حذار من الدعوات الانهزامية ! وحذارِ من التلبيس ! وحذار من استضعاف الأمة !

* واقع الدعوة والعمل الإسلامي :
المحرر: هل ثمَّة فصام حادث بين المجاهدين والعلماء بعد الفصام الحاصل بين العلماء والحكَّام ؟ وكيف يمكن الجمع والدمج بين آراء العلماء والمجاهدين؟
لا يوجد ـ والحمد لله ـ أي فصام بين المجاهدين والعلماء ؛ بل العلماء من المجاهدين. والجهاد كما بيّن المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ يكون بالنفس ، ويكون باللسان ، ويكون بالمال ؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما في الحديث الصحيح يقول: "جاهدوا المشركين بألسنتكم وأنفسكم وأموالكم", أو كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
ويقول الله ـ سبحانه وتعالى ـ : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) [التوبة: من الآية73] . قال العلماء: جهاد الكفار بالسنان, وجهاد المنافقين باللسان . ثم إن المجاهدين الذين يقاتلون في سبيل الله ينطلقون في جهادهم من توجيه العلماء ومن فتاواهم . ولهذا فإنني أقول : إن العلماء مع المجاهدين الصادقين المخلصين يدافعون عنهم ويفتونهم, ولو نظرت ـ يا أخي الكريم ـ إلى أي موقع من المواقع الإسلامية ـ كموقع المسلم مثلاً ـ لرأيت فيه من بعض الفتاوى التي جاء بعضها إجابة على أسئلة من المجاهدين في جبهات القتال ؛ فإذاً كلهم مجاهدون ، وأيضاً كلهم في خندق واحد ، ولكنْ كلٌّ يعمل بما يناسبه. بل حتى المجاهدين في جبهات القتال معهم عدد من العلماء، ولا يلزم أن يذهب العلماء جميعاً إلى جبهات القتال . فهذه الدعوى التي تُطلَق وتزعم انفصاماً بين المجاهدين والعلماء غير صحيحة ؛ فالمجاهدون ـ بالمصطلح الذي أشرتُ إليه ـ والعلماء في خندق واحد ، وليس بينهم أي انفصال والحمد لله.

المحرر: ما الوسيلة التي تراها مناسبة للتعامل مع المنافقين والعملاء والخونة ، خصوصاً في الآونة الأخيرة؟

هو أسلوب القرآن ! ليس عندي إلا ما ورد في القرآن والسنة ؛ وهو الفضح. فسورة براءة التي تسمى (الفاضحة) وتسمى سورة (العذاب) ، بيّنت المنهج في التعامل مع المنافقين والعملاء . وآيات القرآن التي تحدثت عن المنافقين أكثر من الآيات التي تحدثت عن اليهود، وأغلب السور المدنية لا تخلو من حديث عن المنافقين وخطورتهم وأساليبهم ؛ فمن المهم فضحهم وفضح علاقاتهم مع أعداء الله من اليهود والنصارى ، والتركيز على صفاتهم أكثر من التركيز على أسمائهم، فالقرآن ليس فيه اسم منافق واحد، وإنما فيه جميع صفات المنافقين الظاهرة والخفية (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) [محمد: من الآية30]. فالتركيز على صفات المنافقين يجعل المسلمين ـ بإذن الله ـ على وعي بخطورة المنافقين أينما كانوا، بالإضافة إلى قراءة منهج القرآن في التعامل مع المنافقين . وهذا أرى أن تُكتب فيه الرسائل والبحوث ، وتقام من أجله المسابقات ؛ لأجل توضيح منهج القرآن والسنة في التعامل مع المنافقين، منهج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ العملي في التعامل مع المنافقين بالإضافة إلى منهج القرآن التأصيلي, واختلاف أسلوب التعامل بين فئة وأخرى ؛ فإذا استطعنا أن نستوعب منهج القرآن وما جاء في السنة وجعلناه من صميم مناهجنا العامة والخاصة ـ بإذن الله ـ سيندثرون وينتهون كما انتهى المنافقون في عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، قد لا ينتهون بأسمائهم وأشخاصهم ؛ وإنما ينتهون بأفعالهم ومناهجهم وطرقهم وأساليبهم إذا أحسنَّا التعامل مع القضية.

المحرر: فضيلة الشيخ: صدر منكم ومن غيركم عدَّة بيانات في الأحداث والنوازل التي دهمت العالم الإسلامي ؛ فهل كان لهذه البيانات صدى من قِبَلِ الحكومات لتبنِّيها؟ وهل كان لها تأثير على توجُّهاتهم؟

لا أستطيع أن أزعم أن هذا حدث كما نريد أو لم يحدث؛ فهذا يجب أن يُبنى على الدراسات العلمية المتخصصة، ولكني أقول : هي معذرة إلى الله ـ جل وعلا ـ . وصدور البيانات واجب شرعي بغض النظر عن أثره (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [الأعراف:164]. مُجرد كون البيان بياناً للأمة وتبصيراً لها يحيي قضية في قلوب بنيها ، ويبصرهم بما يجب عليهم ؛ هذا الأمر بمجرده من الأهمية بمكان . وما يدريك لعله إذا استبان للأمة الأمر, ثم تهيأت لها في مستقبلها أسباب عمله تبين لها وجوب القيام بعمله؟ فمجرد إصدار البيان هو انتصار ؛ فكيف إذا أثّر أثراً ظاهراً ؟! ولا نقول : إن البيانات لم تؤثر؛ هذا غير صحيح ! لكنني لا أستطيع أن أحكم على مدى ونسبة هذا التأثير. أما هل أثّرت؟ فأقول : نعم، الحكام يختلفون من بلد إلى بلد، والذي أعرفه مثلاً في بلادنا ، في المملكة العربية السعودية، أن البيانات التي تصدر من العلماء لها مكانة عند الحكام وأثر ؛ يراعونها ويستفيدون منها، وإن اختلفت نسبة الإفادة من بيان إلى بيان, ومن حادث إلى حادث. لكن الذي يقول: إنها لا تفيد؛ قوله خاطئ ؛ ومع ذلك قد توجد دول لا تستفيد من البيانات . وهذه البيانات من باب إقامة الحجة عليهم، والمهم أن يستمر العلماء في إصدار البيانات؛ لأن الله ـ جل وعلا ـ يقول: (فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) [النحل: من الآية35]، (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) [النور: من الآية54]. والعلماء هم ورثة الأنبياء، عليهم البلاغ، والبيانات من أقوى وسائل البلاغ، والأصل هو أن يستفيد منها الحكام وغير الحكام من العامة والخاصة ، ولكن لنفرض جدلاً أن فئة من الحكام في بلد من البلدان لم تستفد منها ؛ فالأمر ليس إلينا، وعلينا البلاغ والبيان للأمة وهكذا كان الأنبياء؛ فبعض الأنبياء لم يُسمع له أو استجابت له قلة ؛ ومع ذلك فقد بلغ ما أمره الله به, مع علم الله بأن مصيره القتل أو الطرد أو عدم الاستجابة له ؛ ولكنه أعَذَر.

المحرر: يُلْحَظ قلَّة الدراسات المستقبليَّة حول القضايا الدعويَّة والتربويَّة بين طبقات الدعاة أو مفكِّري الصحوة الدعويَّة والتربويَّة ؛ فهل من كلمة تقدِّمونها في هذا المجال؟

أوافق على هذا الكلام، فهناك قلَّة في مراكز الدراسات ، وكم أتمنى أن يكون هذا العصر عصر إنشاء مراكز الدراسات العلمية المتخصصة ! وأن تُبنى المواقف كلها على معلومات دقيقة ، لأن الصراع اليوم صراع حضاري وعلمي ، صراع بالأرقام والأمة الإسلامية وبالذات الأمة العربية ، من أفقر شعوب العالم - حسب علمي – لمراكز الدراسات . أقول : نحتاج إلى مراكز بحثية متخصصة تربوية ودعوية وعلمية . أتمنى أن تكون هناك مراكز خاصة وعامة ، وأن تُبذل في ذلك الأموال . وأدعو رجال الأعمال والتجار كما يسارعون في إنشاء المساجد ومراكز الدعوة ودعم الجهاد جزاهم الله خيراً ـ أن يدعموا مراكز الدراسات؛ لأنه يُلحظ أنه إن طُلِب من بعض التجار دعماً من أجل إنشاء مركز لدراسات فقد لا يتجاوب ، ويتصور أن مراكز الدراسات ليست ذات أهمية أو ذات بال! وهذا غير صحيح، اليوم من أحوج ما تحتاج إليه الأمة في مسيرتها الحضارية وفي مواجهتها لأعدائها هو مراكز للدراسات العلمية المتخصصة في التربية ، في الدعوة ، في الاجتماع ، في كل فنون العلم والدعوة والمعرفة.

المحرر: كيف تنظر لمستقبل الدعوة السلفية خصوصاً في ظل الهجمة الأمريكيَّة عليها ؟ وكيف تقومون مسيرة الحركة السلفية ؟ وما معوقاتها؟

نظري للدعوة السلفية نظرة تفاؤل والحمد لله . واليوم الذي يرصد الدعوة خلال الثلاثين سنة الأخيرة ـ ينظر ويشاهد قوة انتشار المنهج السلفي الصحيح وليس المنهج السلفي المزعوم . هناك مناهج سلفية مزعومة هي ضد منهج السلف ؛ حتى وإن انتسبت للسلف. وأقصد بالمنهج السلفي الصحيح منهج الوسطية, منهج العدل, منهج الحكمة, الذي كان عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه ؛ فهذا المنهج ـ والحمد لله ـ ينتشر انتشاراً قوياً وصل إلى أمريكا الجنوبية, وصل إلى روسيا وإلى أستراليا. وهذا المنهج الذي جدّده الأئمة على مدار التاريخ ؛ كالأئمة الأربعة ، وجدّده شيخ الإسلام ابن تيمية ، وجدّده الإمام محمد بن عبد الوهاب، هذا المنهج نرى له انتشاراً عظيماً رغم كيد الفرق المنحرفة, ولكن نحتاج إلى مزيد من إيضاحه للناس بالحكمة والعدل ، مع تنقيته من شوائب المدعين للسلفية . والمدعون لمنهج السلفية كُثُر لا كثّرهم الله ؛ فعلينا أن نبين للناس أن هؤلاء يسيئون لمنهج السلف باسم منهج السلف، والفصل بيننا وبينهم هو الرجوع إلى الكتاب والسنة ، وإلى منهج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصحابته ، وإلى منهج أئمة الإسلام المجمع عليهم؛ كالأئمة الأربعة ، وغيرهم وإلى منهج من ينتسبون إليه كشيخ الإسلام ابن تيمية ، ومنهج الإمام محمد بن عبد الوهاب هذا هو الفصل بيننا وبينهم.
ومن الأهمية بمكان بيان منهج السلف على حقيقته وصورته الناصعة المتسمة بالوسطية والاعتدال واليسر, والبعد عن الإفراط والتفريط, والبعد عن الغلو والجفاء، والبعد عن مناهج الانحراف . وعلينا أن نستخدم وسائل العصر الحديثة ، وخاصة الوسائل الإعلامية ؛ كالقنوات الفضائية ، والإنترنت، وجميع وسائل الإعلام ـ في نشر مذهب السلف بصورته الناصعة الصحيحة ، وسوف تجد الأمة في هذا المنهج الراحة والطمأنينة ؛ لأنه هو المنهج العدل والمنهج الحق.
أما معوقات المنهج السلفي ؛ فمن أكبر المعوقات هم المدعون الذين ينتسبون لمنهج السلف، فبعض من ينتسب لمنهج السلف ؛ زوراً وبهتاناً ويتقمص منهج السلف وهم من أكبر العوائق ضد انتشار هذا المنهج، وتبقى عوائق أخرى من اليهود والنصارى والمنافقين والعلمانيين وأعداء الدين، والعوائق كثيرة (الم, أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) (العنكبوت:1، 2)، ووجودها سنة جارية إلى يوم القيامة ؛ ولكن إذا وعينا هذه المعوقات ـ بإذن الله ـ سنتغلب عليها.

المحرر: هل يلزم من عقلية المفكر معالجة الأمور من نواحي عقلية أكثر من النواحي الشرعية ؟ لأن كثيراً من المفكرين هكذا !

البعد عن منهج الشرع خسارة وبوار ؛ فإذا وجدت شخصاً يَزعم أو يُزعم أنه مفكر إسلامي وهو بعيد عن الشرع ؛ فاحكم عليه بالفشل ؛ لماذا؟ لأن الأفكار التي هي من نتاج البشر البعيدة خواء ؛كيف يبصر الحقيقة من أطفأ نور الوحي ؟! لكن المفكر الذي يفكر في ضمن الإطار الشرعي وتحت ضوء النصوص الشرعية في ظل الوحيين هذا هو المفكر الحقيقي الذي يمكن أن يرشد الأمة إلى طريق السلامة الأرشد وفقاً لمنهج شرعي. أما إذا كان الفكر أو المفكر منعزلاً أو مصادماً لما جاء بالكتاب والسنة ؛ فهو لا يستحق أن يسمى مفكراً إسلامياً، بل هو فكر بشري قد يصيب وقد يخطئ ، وقد يكون خطؤه أكثر من صوابه.

المحرر: لاستعجال النصر آفات لا تخفى على فضيلتكم ؛ فهل تذكر لنا شيئاً من آفات الاستعجال، وما المخرج المنجي من الانزلاق في منحدر تلك الآفة؟

ألّفت كتاباً اسمه (حقيقة الانتصار) منذ خمسة عشر عاماً، ومادته موجودة أيضاً في محاضرة بعنوان (حقيقة الانتصار) وقد كررت هذا المعنى في كثير من دروسي ومحاضراتي، وبينت أن من أخطر ما يتعلق بالاستعجال ثلاث آفات من ثلاث فئات:
فأولاً : ما يقع من غلو وتصرفات طائشة بعيدة عن المنهج الشرعي . وقد ابتُليت الأمة في العصور الأخيرة بهذا النوع ؛ كالتفجيرات الموجودة في بعض البلاد الإسلامية ، ومدارس الغلو الموجودة في بعض البلاد الإسلامية ؛ فكلها ناجمة عن استعجال النصر وعدم فهم حقيقة الانتصار.
ثانياً : التفريط والتساهل وتمييع أحكام الدين باسم الوسطية وباسم التيسير. هذا النوع من الآفات يحدث بسبب استعجال النصر. يريدون من الناس ـ مثلاً ـ أن يسلموا فتجدهم يتنازلون عن أحكام الشرع ليسهل قبوله ؛ فيأتون بدين آخر غير الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. وغالباً تجد أصحاب هذه الآفة قد اندثرت عندهم معالم الولاء والبراء ، وبدأت الحوارات المعتمدة على ليّ النصوص ، والتشبُّث بالضعيف والشاذ في مقابل الصحيح الثابت ؛ من أجل ما يرونه ، أو يتوهمونه، مصلحة استجابة للمخالفين ، حتى ضاعت معالم شرعية رئيسة. وأصحاب هذه الآفة هم المنهزمون، وقد يروجون لمنهجهم باسم الوسطية؛ والوسطية منهم براء، وباسم التيسير ؛ وهو تمييع ؛ لأن التيسير هو دين الإسلام الحقيقي . بل هم يدعون للتمييع وتضييع أحكام الشرع والذوبان مع الغرب بأسماء كثيرة .كل هذا من خطورة استعجال النصر.
الثالثة هي اليأس ؛ فبعض المستعجلين هم اليائسون والمتشائمون الذين استعجلوا النصر ؛ فلما لم يتحقق كما يريدون يئسوا وتشاءموا وقنطوا ( ومن يقنط من رحمه ربه إلا الضالون) [الحجر: من الآية56] . فعلينا أن ننتبه لحقيقة الانتصار . وأنصح بالرجوع إلى كتاب (حقيقة الانتصار) ؛ فإن فيه بياناً تفصيلي ، وهو موجود في موقع (المسلم) كتاباً ومادة صوتية.

المحرر: الشعوب الإسلامية قلب أمَّتنا النابض ، إلاَّ أنَّ لديها ظواهر تدل أحياناً على شيء من الجهل والسطحية مع الحرقة والحماسة والغيرة! كيف تحبِّذ أن تتعامل معها النخب الإسلاميَّة المثقفة؟ وهل ترى أن النخب الإسلاميَّة قصَّرت في أدائها مع شعوبها؟

هذا الموضوع يختلف من بلد إلى بلد ومن منطقة إلى منطقة، ولا نريد أن نعمم الحكم . ونحن بحاجة – كما دعوت – إلى مراكز الدراسات الاستراتيجية ؛ ومن ذلك مراكز للدراسات الاجتماعية التي تدرس سمات الشعوب وما تختلف فيه. لا نستطيع أن نقول الشعوب العربية كالشعوب الأخرى؛ شعوب شرق آسيا غير شعوب أفريقيا ، وشعوب أمريكا غير شعوب الدول العربية. دراسة علم الاجتماع الإسلامي تبين لنا نوعية الشعوب ، وبعدها ندعو على بصيرة (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) [يوسف: من الآية108]. وقد كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعنى بهذا الجانب, بمعرفة القبائل والوفود والتعامل مع كل وفد وكل قبيلة بما يناسبها ؛ فإذا أوجدنا هذه المراكز استطعنا أن نتعامل مع هذه الظواهر. وبعض الظواهر التي أشار إليها الأخ في سؤاله إيجابية؛ لكن قد تستغل استغلالاً سيئاً ؛ فمثلاً الحماس والنشاط والغيرة إيجابية، ولكن إذا استغُلت استغلالاً سيئاً أتت بعكس المراد .وإلا فما أحوجنا إلى الحماس المنضبط والغيرة الشرعية ! "أتعجبون من غيرة سعد؟", يقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "فأنا أغير منه والله أغير مني". أما ما يسمى بالنخب المثقفة فلا أحب هذه التسميات وأمثالها ، وإنما نتعامل مع المسلمين جميعاً كل بما يناسبه ، والمهم أن ننزل الناس منازلهم.
والتقصير حادث من الجميع ، ولكن يختلف من بلد إلى بلد ومن فرد إلى آخر ، والكمال عزيز. لا أقول: إن الكمال البشري لا يوجد . يقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "كمل من الرجال كثير, ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام", المهم أن التعامل مع كل بما يناسبه.

المحرر: العمل الطلابي الإسلامي، لا يشك أحد في أهميته، وأنَّ له دوراً تربوياً عملياً في الواقع بين الشباب والفتيات. كيف نسعى لرفع أسهم نجاحه؟ وكيف يتعامل الطلاَّب الإسلاميون ضدَّ المشروعات الطلاَّبيَّة التغريبيَّة؟

لا شك أن الجيل القادم هو جيل الشباب ؛ فشباب اليوم هم قادة المستقبل ؛ فلا بد من العناية بالجوانب التربوية.وإعداد الشباب يكون في جميع ميادين المعرفة مع التربية المنضبطة؛ التربية المؤصلة بالكتاب والسنة, التربية الجادة, التربية التي تنظر إلى المستقبل نظرة تفاؤل واستشراف لخيره, وهذا يتطلب إعداد الوسائل المكافئة لما يتوقع من أحداث.
أبناؤنا يحتاجون إلى عناية خاصة ، سواء من الشباب أو الشابات ، في جميع المراحل الدراسية ، وهذا الموضوع الحديث فيه يطول, والأمة والحمد لله لها تجارب ثرية في مجال التربية والإعداد ، وكثير مما نراه من المظاهر الإيجابية في الأمة من آثار تربية الشباب في الجامعات والمدارس العامة. وعلينا أن نستمر في هذا المنهج ؛ ولكن أن نبتعد عن السلبيات التي صاحبت وسائل التربية ؛ كالحزبية المقيتة، والبعد أحياناً عن منهج السلف في بعض أساليب التربية. فهناك نوع من الخطأ في بعض وسائل التربية. وعلينا أن ننظر كيف ربَّى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صحابته, وكيف ربَّى الصحابةُ مَن جاء بعدهم من التابعين ؛ حتى نربي أبناءنا على ذلك.
علينا أن نكون أهلاً لتحمل المسؤولية ، ونربي أبناءنا على تحملها ؛ فقد كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يربي صغار الصحابة ـ وليسوا صغاراً في أقدارهم ـ على تحمل المسؤولية ؛كأسامة بن زيد ـ رضي الله عنه وعن أبيه ـ فقد كلفه بأن يقود الجيش ؛ وهو ابن ثمانية عشر عاماً.
تجد في تاريخنا المشرق شباباً أعمارهم في الخامسة عشر أو السادسة عشر يشاركون في الجهاد, بعض الشباب من كثرة ما نقرأ عنهم توقعنا أن يكونوا في وقت الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كباراً في السن فإذا هم كبار في أعمالهم صغار في أعمارهم ؛ كأنس ، وأبي سعيد الخدري ومعاذ بن جبل ، وغيرهم . وعلي قبل ذلك ـ رضي الله عنهم وأرضاهم ـ ، أعمالهم عظيمة جداً، مع صغر سنهم نسبياً ؛ لماذا؟ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رباهم وصنعهم على عينه. فلنأخذ بالأسلوب النبوي ولندرسه جيداً فهو ثري جداً ؛ فلا بد من دراسة السيرة ودراسة تعامل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع صحابته ومع شباب الصحابة وكيف أعدهم قادة للأمة. وهذا ميدان ثري نحتاجه في تربية أبنائنا التربية الرشيدة.

* عدسة على الواقع الغربي :
المحرر: ظاهرة (الإسلاموفوبيا) أو الخوف من الإسلام واستبطان العداوة له أمر ذاع وانتشر في المجتمعات الغربيَّة ؛ فما الأسباب التي ترى أنَّها لعبت دوراً في ذلك؟ وما نصيحتك للمسلمين تجاه ظاهرة العداء لهم من قِبَلِ الغرب؟
علينا أن نبيّن للغرب أن الإسلام دين الرحمة (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:107]؛ فأسلوب التخويف من الإسلام خطير ويجعل غير المسلمين يكرهون الإسلام ويتضامنون ضده, وهو من أقوى أساليب أعداء الله في إثارة الحرب ضد المسلمين؛ فعلينا أن نبين لغير المسلمين أن الإسلام دين الرحمة والعدل, ونبيِّن كيف سادت العدالة والرحمة في ظل حكم الإسلام, وأن نستشهد ببعض المنصفين من حكماء الغرب, وكتّابهم التي بيّنت أن الإسلام هو دين الرحمة والعدالة, وأنه ما سعدت أوروبا وغيرها إلا بعد انتشار الإسلام, وأن حكم الإسلام مثلاً لأسبانيا [الأندلس] كان من أفضل عهود الحكم فيها مقارنة بالعهود من قبله, وبمحاكم التفتيش من بعده ؛ بل مقارنة بالعصر الحديث؛ فقد بلغ الأندلس في عهود الإسلام درجة من الرقي والازدهار لم تكن تبارى, لقد كانت الدولة الأولى في أوروبا مع ما كان ينعم به أهلها من أمن تحت ظل عدل الإسلام.

المحرر: كيف يجمع المسلم بين الانفتاح على الغرب بعجره وبجره والاتصال الخارجي به وبين المحافظة على خصوصيته وتحصين ذاته؟ وما أهميَّة تحصين الذات قبل الانفتاح عليه، وخصوصاً في ظلِّ تنامي وتصاعد القفزات الإعلاميَّة والتقنية المتسارعة؟

إذا درسنا السيرة دراسة كاملة فسنجد فيها المنهج الحق. النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يكن منغلقاً، بل انفتح على جميع الحضارات المادية الموجودة في عصره؛ انفتح على فارس وعلى الروم ؛ لكنه انفتاح المنتصر لا المنهزم ، انفتاح القوي لا الضعيف، انفتاح المسيطر والموجه لا مجرد المتلقي عن الغرب بعجره وبجره كما تقول يا أخي الكريم.
فهل حفر الخندق إلا انفتاح على الفرس؟ وهل التراسل مع الكفار من الروم وغيرهم إلا انفتاح؟ تعامله مع اليهود ـ صلى الله عليه وسلم ـ في المدينة انفتاح على الآخرين. نعم ! كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتعامل ، ولكن يتعامل بنفسية القوي المنتصر العزيز ، صاحب المبادئ الثابتة والرؤى الواضحة ، والدين الذي لا يقبل المساومة عليه، بل يدعو إليه كما أنزله ربه ـ تعالى ـ وهو ممتلئ قوة وإيماناً وعزة: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) [المنافقون: من الآية8]. فما أحوجنا إلى ذلك ! وبأن نستفيد مما عند الغرب والشرق مما يتعلق بالحضارة المادية، دون أن نتلوث بتراثهم وأفكارهم, والمهم أن تكون عند المنفتح أصول راسخة يرجع إليها ويعرض أفكار القوم عليها ، وبذلك تكون استفادتنا من الآخرين في مشارق الأرض ومغاربها منضبطة بالضوابط الشرعية . وحذارِ مما ذكره ابن خلدون من تأثير عقلية الغالب على المغلوب ! بل علينا أن نتعامل بعقلية المؤمن القوي العزيز المتمكن الواثق المتفائل، ثم بعد هذا نستفيد مما لدى أعدائنا؛ فقد قصرنا كثيراً فيما يتعلق بأمور الدنيا من وسائل الحرب والصناعات وغيرها, وأهملنا قوله ـ سبحانه ـ : (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) ، وقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:(المؤمن القوي خير وأحب إلى الله ،من المؤمن الضعيف ، وفي كلٍ خير) وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


ملاحظة :
نشر هذا الحوار في جريدة المحرر السودانيَّة
 

خباب الحمد