اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/khabab/67.htm?print_it=1

موقع (إسلام أون لاين) في حوار مع الأستاذ خباب بن مروان الحمد
حول استشارات إيمانية عامة

خبَّاب بن مروان الحمد


يعقد موقع (إسلام أون لاين) في كل مدة استشارت مباشرة مع نخبة من أهل العلم والفضل والأستاذية، لكي يكون هنالك أسئلة تطرح من قِبَلِ الجمهور المتابع لموقع (إسلام أون لاين)، وقد استضيف الأستاذ الداعية خباب بن مروان الحمد في يوم الإثنين 28/5/1429هـ الموافق 2/6/2008م، وكانت الأسئلة حول استشارات إيمانية عامة، وكانت الأسئلة تلقى مباشرة ويقوم الأستاذ خباب بالإجابة عنها كتابة في الوقت نفسه، فإلى متابعة أسئلة الحوار المباشر، سائلين المولى أن ينفع بها ، والله الموفق والمعين.
 



س1) سائلة من السودان واسمها (صفاء) تقول في سؤالها: أعاني من حالة عدم الثبات أرتكب الذنب، ثم استغفر ربي، ولكني أعود لفعله مرات ومرات استغفر ربي بالليل، وأعود لذنبي بالنهار الذنب الذي يؤرقني كثيرا هو حديثي مع الأولاد من خلال الشات في الإنترنت، اعرف أن هذا ليس صحيحا ولطالما حاولت التخلص من هذه العادة السيئة ولكني أعود إليها، أرجوكم ساعدوني أنا لا أريد أن اغضب ربي أتمنى أن التزم بديني وتعاليمه أرجوكم ساعدوني؟!

ج1) الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
الأخت صفاء وفقها الله لمرضاته
لا شك أختي بارك الله فيك أنَّ من دواعي إرسالك لهذا السؤال في هذا الموقع الإسلامي، أنَّك تطلبين رضا الله والجنة، وتخافين من نقمته وشديد عقابه، ولولا ذلك لما سألت ولما تحريت سبل السلام وطريق الحق.
ونسأل الله تعالى أن يعافيك من أمراض النفوس ، ومن ميل القلوب إلى غير ما يرضيه، إنه نعم المولى ونعم النصير.
أختي الكريمة : المحادثة للشباب على الشات أو البالتوك أو غرف المحادثة المغلقة أو المفتوحة، أمر لا أراه جائزاً إلاَّ في حالة الضرورة التي قد تكون لسبب عمل أو استشارة مع المحافظة على الضوابط الشرعية بألاَّ يكون في الحديث كلام لا يليق دينيا ولا عرفيا، والقلب يشعر بذلك لا محالة لو تجاوز الحديث المقاصد المعروفة لأجل ذلك الحديث!
أنت بحالتك التي ذكرتيها لا أرى سائغا لك أن تبقي تحادثي الشباب أو أن تدخلي على هذه الغرف أو عبر برنامج (المرسال/المسنجر) لأنَّك قد عرفت قلبك وميولاته، ولهذا فكما قال صلى الله عليه وسلم:(استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك) والحديث أخرجه الإمام أحمد وحسنه النووي، فأنت أعرف الناس بقلبك وما فيه من ميولات، ومن خلال رسالتك والذي يبدو من ظاهرها أنَّك قد تتحدثين مع بعض الشباب فيما لا يلزم الحديث به، فهنا قلبك يشعر بمعنى الذنب ومدى المرارة ، وكما قال تعالى:(بل الإنسان على نفسه بصيره* ولو ألقى معاذيره) وقال صلى الله عليه وسلم:(الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس) أخرجه الإمام مسلم.
وللتخلي عن مثل هذه العادة السيئة يمكنك القيام بالآتي يا أخت صفاء:
• تغيير الإيميل الخاص بك أو عنوانك الخاص في غرف المحادثة، والاقتصار في الحديث مع الفتيات الصالحات الذين لا يدعوك إلا لبر ولا ينادونك إلا لخير، ولهذا حتى لا يبقى اتصالك بأولئك الشباب الذين يتقمصون لباس الضأن على قلوب الذئاب، وفي الأعم الأغلب لا يريدون سوى إضاعة الاوقات وإيقاع الفتيات فيما حرم الله!
• الالتحاق بأخوات فاضلات في الحارة أو الحي الذي تعيشين فيه، والاستفادة منهن والتعاون على البر والتقوى.
• ملازمة قراءة القرآن، والإكثار من ذكر الله تعالى، والتفكير فيما ينفع الأمة المسلمة، ويخدم المجتمع، بما يتوافق مع ضوابط الشريعة.
• أكثري من حمد الله تعالى بأنَّك قد انتبهت لهذا الذنب واستوعيت خطر الحديث مع الشباب فيما لا يرضي الله تعالى من خلال الإنترنت، واشكريه أن نبَّهك لخطورة هذا الأمر قبل أن تقع بك أمور لا تحمد عقباها بأن يتعلق قلبك برجل ذئب لا يريد الخير، وكذلك بأنَّ الله عصمك من الوقوع فيما حرم الله بأن يأتي بعض الشباب ويدعونك للخروج أو الالتقاء سويا في مكان ما، وأنت تعرفين ما قاله الشاعر أحمد شوقي:
نظرة فابتسامة فسلام * فكلام فموعد فلقاء
ثمَّ بعد ذلك قد تنتبه الفتاة وتشعر بأنَّها قد ارتكبت جرما عظيما ، ومعضلة كبيرة، وفاحشة تبقى تلاحقها أمد الدهر.
• أكثري من القراءة في الكتب التي تحث على التوقى ومراقبة الله تعالى فهي خير معين للطريق الصحيح، وسماع الأشرطة المتخصصة في ذلك.
أختي الكريمة (صفاء) ـ صفَّى الله قلبك من الآثام ـ لقد قال تعالى:( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ‏}‏، ولقد قال صلى الله عليه وسلم:( لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، وجاء بقوم يذنبون) أخرجه مسلم ، وفي رواية :(ثم يستغفرون فيغفر لهم).
ومن الآية والحديث نستأنس بفضل الله ورحمته وجوده وكرمه علينا، حين نعلم أنَّ غفار للذنوب قابل للتوبة، فأكثري من التوبة لله واستغفاره، وأقلعي عن ذنبك، واعقدي العزم الصادق على عدم الرجوع لما هو محرم ويغضب الرحمن، واندمي على ما حصل منك من حديث لا يليق شرعا، واستغلي وقتك بما يرضي الله تعالى، واعلمي أنَّك بحاجة لما يشرح صدرك ويرقق قلبك ، وابتعدي عن موجبات قسوة القلوب، ولقد جاء رجل لسفيان الثوري فقال : إني أشكو مرض البعد عن الله فماذا أفعل ؟ فأجابه : يا هذا عليك بورق الصبر، وعروق الإخلاص، وعصير التواضع، ضع ذلك كله في إناء التقوى، وصب عليه ماء الخشية، وأوقد تحته نار الحزن، وصفه بمصفاة المراقبة، وناوله بكف الصدق، واشربه في كأس الاستغفار، وتمضمض بالورع، وأبعد نفسك عن الحرص والطمع، تشفى من مرضك بإذن الله، تشفى من مرضك هذا بإذن الله.
وفقك الله ويسر أمورك وهداك ووقاك ورضي عنك وارضاك.

س2) سائل رمز لنفسه بالباحث عن قلبه يقول: أنا من الذين امتن الله عليهم بحفظ القرآن الكريم حفظا جيدا ولكن المشكلة تكمن فى عدم التفاعل المرجو عند التلاوة والمراجعة، أحاول أن أبكى فلاأستطيع، فهل من حل لهذه المشكلة؟

ج2) الأخ الكريم باحث عن قلبه حفظه الله
شكر الله لك تواصلك معنا في هذا الموقع، ونسأل الله أن يجعلنا وإياك ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
وهنيئا لكم حفظكم لكتاب الله تعالى وضبطه ، فإنَّها نعمة والله ما بعدها نعمة، تستوجب شكر الله على ذلك في زمن يعج بالمادية وتعصف فيه الفتن والأهواء الرديَّة.
أخي الحبيب ما أجملنا وما أجمل بنا أن نبحث عن حياة قلوبنا كما أنت باحث عن قلبه، ومن أجمل الأمور التي يمكن أن تعيننا سويا على التفاعل مع القرآن ما يلي ذكره:
• حاول بقدر الإمكان أن ترفع صوتك وتحسنه أثناء قراءتك للقرآن فإنَّه معين على الخشية وتدبر ما في هذا الكتاب العظيم من آيات وبراهين ومعجزات.
• أكثر من القراءة في حال السلف الصالح رحمهم الله فإنَّهم أسلافنا الصالحون، الذين كانوا نبراسا يضيء لنا الطريق، ونورا نهتدي بهم في ظلمات الليل الحالك، وأنصحك بقراءة كتاب( نزهة الفضلاء في الفوائد المقتبسة من سير أعلام النبلاء) للشيخ الدكتور محمد موسى الشريف فقد ذكر مواقف عديدة للسلف الصالح في تأثرهم بقراءة كلام الله.
• حاول يا أخي الكريم أن تطبق ما في هذا القرآن لكي يعطيك الله حلاوة مناجاته، واستطعام قراءة القرآن بقلب صادق وعين دامعة، فالعمل له دور رئيس في جلب الرقة ونزول الدمعة.
• من المهم الاستماع للمشايخ المقرئين المجودين كالمنشاوي والشاطري والعفاسي والحذيفي وغيرهم، فإنَّ سماع القرآن مفيد كذلك في جلب التفاعل مع آياته، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (اقرأ عليَّ، فقال عبد الله رضي الله عنه: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: فإني أحب أن أسمعه من غيري، يقول: فقرأت عليه سورة النساء، حتى بلغت قول الله تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا [النساء:41] فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمسك، فإذا عيناه تذرفان) فبكى صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم متأثراً بالقرآن.
• محاولة الوقوف عند الآيات الكريمة وإلزام النفس بتأملها وما بها من عبر وفوائد تعين على ذلك، ولعل من المعين في ذلك متابعة قراءة التفاسير الميسرة للقرآن كتفسير(تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام الرحمن) ومختصر تفسير ابن كثير للشيخ الرفاعي وغيره.
• قراءة الكتب الحاثة والدالة على تدبر القرآن ومن ذلك كتاب( تدبر القرآن لكريم) للأستاذ سليمان السنيدي، وكتاب: حتى نتدبر منهاج الله للدكتور عدنان النحوي وغيرهما من الكتب النافعة في ذلك.
• اللهج بدعاء الله تعلى بأن يشرح صدرك ويلين قلبك ويعينك على سقوط الدمعة والتأثر بما في هذا القرآن، مع البعد عن المعاصي والآثام فلها يا أخي دور خطير في قسوة القلوب.
أعاننا الله وإياك على مرضاته، وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته، والله تعالى أعلم وأحكم.

س3) سائل يمز لنفسه بمذبذب يقول: شيخنا الفاضل أعاني من مشكلة كبيرة في تنظيم الوقت فأنا حالي دائما في تقلب شديد فأحيانا أنشغل انشغالا تاما بأمور الطاعة والعبادة والتقرب إلى الله ويكون حالي اقرب إلى الإنعزال، وأحيانا أخرى يطغى التفكير المادي والانشغال بأمور الدنيا بما يؤثر وبشكل كبير جدا على عباداتي الأساسية كيف لي أن أوازن بين الأمرين؟

ج3) أخي الحبيب مذبذب جعلك الله ثابتا على الحق وعليه قائما
كفاني الله وإياك الذبذبة فإنَّها خصلة لا تليق بالمسلمين، فلقد قال تعالى عن أهل النفاق (مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء) ولست منهم بحول الله لأنك تتحرى الحثق والصواب نحسبك كذلك.
أخي الكريم لدي قاعدة تقول:(التوازن والتكامل ميزان النجاح والفلاح)
فلن يتم نجاح ولا فلاح في الدنيا ولا في الآخرة إلا إذا توازن المرء في أمور حياته كلها، وصدقني يا عزيزي أنها ستجلب لك الفرحة ، والثقة بالنفس، والرضا عن الضمير.
وتأمل يا أخي الكريم هذه القصة الجميلة التي حدثت في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فعندما لقي حنظلة رضي الله عنه أبا بكر قال له نافق حنظلة , قال أبو بكر : سبحان الله! ما تقول ؟ قال قلت : نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالجنة , حتى كأنا رأي عين , فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات , فنسينا كثيراً قال أبو بكر : فوالله , إنا لنلقى مثل هذا , فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم , قلت : نافق حنظلة يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (وما ذاك؟) قلت : يا رسول الله ! نكون عندك , تذكرنا بالنار والجنة , حتى كأنا رأي عين , فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات , فنسينا كثيراً ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((والذي نفسي بيده إن لو تدمون على ما تكونون عندي في الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم , ولكن يا حنظلة ! ساعة وساعة – ثلاث مرات)) .
وهذا معنى التوازن أخي الحبيب وهو أن تعطي كل شيء حقه ومستحقه، سواء في أمور العبادة، أو العلاقات الاجتماعية، أو حياتك الخاصة من أكل وشرب ومشي ورياضة وما إلى ذلك.
كما تأمل معي رعاك الله - إلى فقه سلمان الفارسي رضي لله عنه في توازنه في حياته، فقد زار سلمانُ ـ رضي الله عنه ـ أخاه أبا الدرداء رضي الله عنه، فرأى أمَّ الدرداء متبذِّلة ، فقال لها: ما شأنك؟ قالت : أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا ، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعامًا ، فقال له : كُل . قال : فإني صائم . قال : ما أنا بآكل حتى تأكل . قال : فأكل ، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم ، قال: نَم. فنام ، ثم ذهب يقوم ، فقال : نَم. فلما كان من آخر الليل قال سلمان : قُم الآن ، فَصَلَّيَا، فقال لـه سلمان : إن لربك عليك حقًّـا ، ولنفسك عليك حقًّـا ، ولأهلك عليك حقًّـا، فأعطِ كل ذي حق حقّه، فأتى النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فذكر ذلك له، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (( صَدَقَ سلمان) والحديث في صحيح البخاري.
إذا يا أخي إن لنفسك عليك حقا، ولبدنك عليك حقا، ولزوجك عليك حقا، ولزوارك عليك حقا، ولرأسك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه، وأنا متأكد أنَّك ستعشر بعدها بالارتياح والسعادة لأنك أديت الواجبات وقمت بها حق قيام، سواء الواجبات الدينية أو الدنيوية وكلها من الدين لأنَّها عبادة ترضي رب العالمين.
أخي الكريم الانشغال بحياتك المادية إن كان في حدود المباح ، وهو كذلك بإذن الله ـ لن يؤثر على عباداتك، فلقد قارن الله تعالى بين المجاهد في سبيل الله وبين من يطلب الرزق ويتاجر ويعمل في حياته الدنيوية فقال:(وآخرين يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرين يجاهدون في سبيل الله) وكل هؤلاء على خير، فلا منافاة يا أخي بين العبادة والعمل، بل إنَ العمل هو لب العبادة لأنَّ العبادة قائمة على الحركة والانتقال والسير والمشي والحج والصلاة وكلها أعمال فهنالك أعمال شعائر تعبدية، وهنالك أعمال دنيوية تعبدية، وفي كل خير.
فوازن بين الأمور كلها، فدين الإسلام دين رحب شامل متوازن، وكما قال صلى الله عيه وسلم( ولن يشاد أحد هذا الدين إلا غلبه، فأوغلوا فيه برفق ، فإنَّ المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى) وفقك الله ويسر أمرك.

س4) السائل محمد يقول في سؤاله: مشكلتي أنني أعامل الناس بطريقتي، ولا أعرف للحقد مكانا، لكنني في نفس الوقت أنكوي منهم دائما، إما بالتنكيل أو المواقف المحرجة بغرض أخذهم لمكاني، هل أتعامل مع الناس بكراهية واستعداء؟ أم ماذا أفعل؟


ج4) أخي الحبيب السائل محمد سمع الله لمحامدك وحفظك من بين يديك ومن خلفك.
هذه الدنيا تمور بأهلها وفيهم الصالح والطالح، والحسن والقبيح، والصادق والفاسق، وقد جبل الله تعالى من يعيش في هذه الدنيا على ذلك، كما قال الشاعر:
طبعت على كدر وانت تريدها *** صفوا من الأقذاء والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها *** متطلب في الماء جذوة نار
بيد أنَّ المؤمن العاقل يتعامل مع الناس بحذر ورفق وأناة وتؤدة، ويخالط الناس ويصبر على أذاهم، فخير له من أن يعتزل الناس ، ولهذا جاء في الحديث الصحيح كما في جامع الترمذي قوله صلى الله عليه وسلم:(المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذهم).
فتحمل يا أخي مصاعب الناس ومتاعبهم وكن رفيقا بهم حليما ودودا، ولكنك مع هذا فكن فطنا حذرا كيسا، والناس أقسام منهم الصالح المصلح فهذا خالطه، ومنهم الفاسق فهذا خالطه بقدر حاجتك منه فمثلا قد يكون في عملك أناس فسقة لا يؤدون حقوق الله ومخالطتك لهم لابد لازمة فخالطهم ولكن بالقدر اللازم بدون إضافة على ذلك، ولقد قال بعض الأدباء: لولا الوسواس لما جالست الناس، وكلامه صحيح فإنَّ العزلة والوحدة كذلك لها سلبياتها، وكذلك مخالطة الناس لها سلبياتها، ولكنَّك تستطيع أن تقنن جلوسك مع من تراه صالحا ولو كان في نفسه، أفضل من أن تجلس لمن لا يكون أهلا للطاعة، ولقد قال صلى الله عليه وسلم:(لا تجالس إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي) والمخالطة الوثيقة لمن لا يدلك على الطاعة أو يحذرك من المعصية سيعود عليك بالضرر، كما قال الشاعر:
ولا تجلس إلى أهل الدنيايا * فإنَّ خلائق السفهاء تعدي
فالأصل إذا أن تتعامل مع الناس باحترام ورفق ولين(فإن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف) و( ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه) كما قال صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فاعلم أنَّ النفوس مختلفة فمنها نفوس حاقدة ومنها حاسدة ومنها من لا يريد الخير لك ، فانصح لهؤلاء إن استطعت وبين لهم ذلك بأسلوب خير وكلام لين، فإن استجابوا فبها ونعمت، وإلا فعليك بنفسك واختر لك أصحابا يعينوك على الطاعة.
وأخيرا أخي الحبيب: أوصيك بحسن الظن مع الناس، ولا تحمل كلامهم وأفعالهم ما لا تحتمل إن كان لهم سائغا، فربما قد يكون لديك حساسية قد تحول بينك وبين تعاملك مع الناس، والله يرعاك ويحفظك، وأسال الله أن يقيك شر كل ذي شر، وأن يحميك ويعصمك .

س5) الأخت هنادى نجيب من لبنان تسأل بقولها: سؤالي له علاقة وثيقة بفصل الصيف حيث تتراخى الهمم وتتراجع العزائم ويتفشى الكسل خاصة بين صفوف الشباب:كيف نستطيع أن نستثمر قدرات وطاقات ومواهب الشباب للنهوض بهم وتعزيز ثقتهم بأنفسهم والارتقاء بأدائهم الديني والاجتماعي والعلمي والعملي؟

ج5) حياك الله وبياك يا أخت هنادي وبارك كذلك في جهودكم الكبيرة التي تخدمون بها هذا الدين.
في الحقيقة الجواب المباشر يستدعي أن نذكر بعض النقاط ولو على وجه السرعة، فاللهم يسر وأعن يا كريم.
أختاه هنادي حفظها الله ورعاها وسدد على درب الهدى خطاها
الشباب فيهم طاقات كامنة، أو قوة مخبوءة ، ينبغي البحث عنها وعن كل شاب وما يستطيع أن يقدمه من مهارات وفعاليات، ولا بدَّ للدعاة إلى الله أن يستدعوا دورهم، وأن ينتبهوا لمخاطر الهجمات الشرسة على الشباب المسلم.
وجدير بمن يعدون أنفسهم في عالمنا الإسلامي بأنَّهم الرؤوس العلمية والنخب الفكرية والمثقفة، أن يكون لهم دور كبير في حماية الشباب ، واحتوائهم فيكونوا على ثغر كبير من ثغور الحماية لأرواح الشباب ومهجهم من الوقوع في ما لا يحمد عقباه ، ومن هنا فإنِّي أزعم بأنَّ هناك ثلاثي خطير، أؤكد على ضرورة توجيه عقول الشباب نحوه، حتى لا يتقنصهم أهل الشر والفساد لإضلالهم، وهي:
1ـ معرفة الشباب لمصادر التلقي وتحصين العقول بها.
2ـ الولاء لدين الإسلام وتطويع الولاء لخدمة هذا الدين.
3ـ تشجيع الشباب على حبِّ العلم والعمل معاً والنيل من معين المعرفة، فإنَّ الشباب بحاجة إلى عناية ورعاية ، واستثمار طاقاتهم وتوجيهها للإنتاج ، وحثهم على السعي والدأب لمواصلة السير في طريق العلم ، والنهل من معين المعرفة ، وضخّ ما تعلَّموه في قنوات الإصلاح ، وطرق الخير، لينتشر العلم والعمل معاً على أيدي الشباب.
هذه ثلاثيَّة عامَّة أجد ـ بإذن الله تعالى ـ أنَّ التركيز عليها ، سيثمر أرضيَّة خصبَّة ، نجني منها ثماراً يانعة ، وعملاً بُنِيَ على قواعد إسلاميَّة خالصة.
كما أنه من الضروري أن يكون لدينا عدة أمور لكي نرفع فيها حالات الوعي عند الشباب بأهمية دورهم وخطورته وضرورته، وخصوصا أنَّ الشباب المسلم والفتيات المسلمات هم الأكثرية في عالمنا العربي والإسلامي ولله الحمد.
ولهذا فحبذا لو حصلت هنالك ندوات ومؤتمرات ومحاضرات تناقش سبل الارتقاء بالشباب المسلم ، ومناقشة تطلعاته وآفاقه، والسعي في تقديم الدور الأمثل لكي يستطيع الشباب أن يقدموا ما لديهم من طاقات، وأن يعلمون أنهم في زمن ووقت شبابي سيندمون إن لم يستغلموه بما ينفع، كما قال الشاعر:
وما أقبح التفريط في زمن الصبا *** فكيف به والشيب للرأس شاغل
ترحل من الدنيا بزاد من التقى *** فعمرك أيام وهنَّ قلائل
أو كما قال الآخر:
فبادر إذا ما دام في العمر فسحة *** وعقلك مقبول وطرفك قيم
وجدَّ وسارع واغتنم زمن الصبا *** ففي زمن الإمكان تسعى وتغنم
ومن الجميل أن ننبه الشباب لأهمية استثمار المهارات التي لديهم والطاقات الفاعلة، وليكن كل شاب يسل نفسه إن أراد أن يستفيد من مهاراته فليسأل نفسه عدَّة أسئلةٍ قبل البَدْءِ بذلك:
1ـ هل اكتشفنا المهاراتِ التي في داخلنا؟
2ـ هل نريد أن نحرك مهاراتِنا ونستخدمها في مجريات حياتنا؟
3ـ ما السبيلُ الصحيح لاستخدام هذه المهارات؟
ومن الضروري أن يكون لدى الشباب وعي بأهمية الوقت وضرورة استغلاله بالمفيد، ولقد حدَّث الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أن الشيخ جمال القاسمي ـ عليه رحمة الله ـ أنَّه مرَّ بشباب يلهون ويضيعون أوقاتهم بالحرام فقال : ليت أنَّ الوقت يباع ويشترى لاشتريت منهم أوقاتهم !!
لكي يعلم أولئك الشباب أهمية الوقت وضرورة استغلاله بالنافع، ومن ثمَّ فإنَّهم سيبدعون وستكون حياتهم من صنع أفكارهم الجميلة بناء على هذا الدين القويم، وما دام أنَّهم عرفوا المفتاح للبداية في هذه الأمور، فستجدين ملاحم شبابية جميلة من التفاني في خدمة الدين واقتحام العقبة الكؤود التي تحول بينهم وبين خدمة دينهم في وقت سابق.
وأخيرا من المهم أن تكون لدينا أفكار جميلة في خدمة الشباب واستقطابهم ولقد كنت في أحدى البلدان الخليجية جالسا في منطقة نائية أنا وبعض أصحابي وبعد برهة من الزمن قصيرة رأيت شباباً في العشرين من عمرهم من الصالحين ـ هكذا أحسبهم ـ قد قدموا بثلاث سيَّارات وأتوا بجهاز الحاسب الآلي و جهاز(البروجيكتر) ، ونظَّموا المجالس والمقاعد، ثم بدؤوا يهتفون عبر الميكرفونات وينادون الشباب : هيا يا شباب إلى المسابقات الجميلة ! هيا إلى الإبداعات ! هيَّا إلى المسابقات ! وبدأ هؤلاء الشباب بالتقاطر والتحلُّق في المكان الذي تُقدَّمُ فيه برامج هؤلاء الإخوة الملتزمين ، حتَّى أنَّه بعد ساعة أحصيت نحو ما يقارب 50 سيَّارة ، وأكثر من مائة شاب ، قد جلسوا وكأنَّ على رؤوسهم الطير ، وهم يشاركون مبتهجين بهذه البرامج والمسابقات بشدَّة تفاعل، وابتسامات تعلو محيَّاهم .
فالله المستعان أختي هنادي، ينبغي علينا أن نحاسب أنفسنا في تقصيرنا في حفظ الشباب وصيانة حقوقهم، وأنا متأكد لو بذل كل داعية جهده لأثر تأثيرا كبيرا، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم( أن الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيهم راحلة)
وفقني الله وإياك لخدمة ديننا، وصبَّ علينا من شآبيب بره، والله المستعان

س6) السائلة مبتلاة تقول: شيخنا الكريم انا مبتلاه واعرف ان فضل ربى على كبير فقد اكرمنى بنعمه التى لا تعد ولا تحصى ولكنى مازلت لم اتزوج وانا الان فى منتصف العشرينات واجد فى نفسى مشقه كبيره على دفع شهواتي انا بحمد الله وفضله علي لا امارس المحرمات وارتدى الحجاب الشرعى ولا اصادق الفتيان رغم انتشار كل هذا فى بلادى ولكن الحمد لله على فضله، واريد منكم نصيحه لاختكم فى الله كيف يمكننى التغلب على رغباتى وكيف احصل الاستعفاف علما بان رغباتى هذه ملحه جدا وتصل احيانا لدرجه انى ابكى مما اجده فانا ليس لدى زوج يعفنى عن الحرام هل يمكن لشئ ان يلغى هذه الافكار عنى او يخفف من حدة رغباتى علما بانى اريد زوجا متدينا عطوفا لانى لا اجد الحب ولا العطف فى اسرتى مع جفاء والدتى وانشغال صديقاتي؟


ج6) الأخت الكريمة مبتلاه رفع الله بلواها ويسر الله مرادها
لقد قرأت سؤالك بعين الاهتمام ، وأرجو من الله تعالى أن يعينني على خدمتك
أختي الكريمة مبلاة
المرأة في الحقيقة تكون مطلوبة لا طالبة، ولهذا الحياء قرين للمرأة الصالحة، ولكنَّ المرأة يمكنها أن تكثر من اللهج الصادق والدعاء المنبثق من القلب بأن يرزقها الله زوجا صالحا، فكل فتاة صالحة صادقة ترغب أن يعفها الله وأن يهب لها زوجا صالحا يعينها إن نسيت، ويحفظ عليها دينها وعرضها ونسلها ومالها.
ولا تيأسي يا أختاه فأنت كما ذكرت في رسالتك أنَّك في منتصف العشرينيات وهذا سن مناسب للزواج فلست عانسا، او كبيرة في السن لأن تأتيك الخواطر والوساوس قائلة لك: لقد فاتك القطار، بل لا زال القطار جاري على قدم وساق، ولعل الله تعالى أخر زواجك لكي يرزقك زوجا متدينا حنونا عطوفا صادقا بإيمانه.
المهم أن تعفي نفسك عن الحرام وأن تبتعدي عن أماكن الشيطان، وأن تكثري من اللهج بالذكر والاستغفار، وأن تتوقي مواطن الفتنة، وأبشري بخير فقد جعل الله لكل شيء قدرا.
وبخصوص والدتك فحاولي التقرب لها وبرها والعطف عليها فقد يكون هناك ما يزعجها وقد تكون هي نفسها تتمنى من الله أن يرزقك زوجا محافظا على دينه وخلقه، فالله الله ببر والدتك والإحسان إليها، لعل دعوة منها صادقة لك الى الله تعالى تقرع بها أبواب السماء يستجيب الله تعالى لها ويرزقك بسبب دعوتها ما كنت ترغبينه.
يسر الله أمورك وحقق لك امانيك الصالحة يا أختنا الصالحة.

س7) الأخت هالة من مصر تقول: أخاف على ايمانى وثباتى لعدم تزوجي حتى الان فالفتن كثيره امامى وهى اسهل ما يكون، كيف احافظ على نفسى وعلى ديني علما باني لى شهور احاول ختم سورة النساء ولكنى افشل لا استطيع حفظ باقى السوره حتى صرت متعبه من هذا وكذلك فانا بسبب ضعف بنيتى لا اصوم الا ثلاثه ايام فى الشهر اريد ان ازيد من اعمالى ولكن فى نفس الوقت اخاف على نفسى من الفتن ومن الانتكاسه وخاصه لسهولتها مثل سماع الاغانى او النظر والتحدث مع الرجال الاغراب واسألكم الدعاء لى بالثبات والتوفيق وان يرزقنى الله الزوج الصالح؟


ج7) أختي الكريمة الفاضلة هالة يسر الله أمرها وتمَّم لها رضاه
في الحقيقة كل مرء تحصل لديه حالات منافسة في الخيرات واستزادة من الطاعات ، وكذلك حالات في الفتور والضعف، ولكنَّ الأصل أن يكون هذا الفتور أو الضعف في العبادة ليس معينا على معصية الله، بل حافزا للنفس على تحقيق طاعة الله ولو بالقليل فقليل دائم خير من كثير منقطع، وكما وصفت عائشة رضي الله عنها رسول الله بأنَّه عليه الصلاة والسلام كان عمله ديمة، كما أخرج البخاري في صحيحه، وأنَّ أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّت، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن( أحب الدين إلى الله ما داوم عليه صاحبه) كما في صحيح مسلم.
وصيامك في الشهر ثلاثة أيام هو تطبيق للسنة لما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام من توصيته لأبي هريرة رضي الله عنه بأن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، فأنت بارك الله فيك وتقبل منك طاعتك تدوامين على البر وعلى نحو ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبخصوص حفظك للقرآن أو سورة النساء بالخصوص فحاولي قدر الإمكان أن تضعي لنفسك وردا يوميا ولو لنصف صفحة من القرآن تقرأي فيها هذه السورة وتحفظيها وتحاولي قدر الإمكان قراءة تفسيرها لكي تتوعي بما في الآيات من أحكام ودروس وفوائد، وحاولي أن تجعلي ذلك في ساعة هادئة لا يختلط فيها ذلك الورد اليومي بوقت عمل أو أكل أو دراسة أو أعباء، وكما قال الشاعر:
وقل من جد في أمر يحاوله *** واستسهل الصبر إلا فاز بالظفر
والصبر يا أخي نصف الإيمان ، بل ذكر الله تعالى أكثر من 90 موضعا لآيات الصبر بالقرآن دلالة على أهيمتها، فاصبري واصابري والهجي بالدعاء والله لن يخيب أملك ولا رجاءك به سبحانه وتعالى.
أهم شيء أختي لا تكثري على نفسك بل وزاني في أعمالك، وابتعدي عن كل ما يغضب الله، واحفظي القرآن على معلمة ضابطة للقرآن لتكون معينة لك ومربية لك، وصاحبي الصديقات الصالحات القانتات التائبات وداومي على حلق الذكر ودروس العلم، وأبشري بخير، فإنَّ الله عز وجلَّ كريم معطاء سخي جواد عز وجل، وفقك الله للتقوى، وجنَّبك السوء والهوى، ورزقك زوجا صالحا يقر عينك ويكون خيرا عليك في حياتك كلها، والله يبارك في أعمالك وخطواتك.

س8) أخت رمزت لنفسها بـss تقول:انني ممن يحسب عليهم انهم يعلمون القران وناشطة في هذا المجال، والمشكلة انني كثيرا وللأسف اضيع صلاتي خاصة الصبح والعشاء حيث لا يمر اسبوع الا وضيعت على الاقل صلاة طبعا انا اقضيها ولكنني اشعر باسى كبير لهذه المشكلة لا اضيعها تهاونا غالبا بسبب النوم او اقول انام واستيقظ واصلي العشاء ويتنكد كل نهاري الذي اضيع فيه الصلاة هل صحيح ان الصلاة لا تذهب الا بذنب كبير، واجلس افكر اذا كنت انا من من شرفني الله بمهمة تعليم القران هكذا فمن اين النصر ومن اين التغيير ادعو الله لي في ظهر الغيب علما انني محبة لديني ولنبيي من كل قلبي لكن هذا كسل؟

ج8) أختي الكريمة التي رمزت لنفسها بـss أسأل الله تعالى لك لسانا ذاكرا، وقلبا صابرا.
لا أكتمك سرا أنَّ كثيراً ممن هم في حالتك من الصالحين قد يبتلون بمثل ذلك من التقصير في طاعة الله.
وأتأمل أحيانا في ذلك فأقول لعل الله تعالى يريد من عباده أن يبقوا في حالة الدعاء والخضوع له عز وجل وفي حالة الانطراح على عتبة عبوديته، لكي يشعر العبد بالذنب فيتؤوب ويؤوب إلى علام الغيوب سبحانه وتعالى.
المشكلة اختي وبصراحة أننا أحيانا قد ننشغل بالدعوة إلى الله أو بما تمليه عليه أنفسنا لخدمة الإسلام والمسلمين ولكنَّنا لا نعلم ما هي فقه الأولويات وما هو الأهم فالأهم.
فمثلا قد يكون تقصيرك في حق الله بخصوص صلاة الفجر وفواتها عليك أنك تسهرين كثيرا ولو بطاعة الله أو لدعوة إليه، ولا شك أنَّ هذا وفي عرف الفقهاء والأصولين انشغال بالمهم عن الأهم ، وخصوصا من كان يعرف في رأسه ثقلا بالنوم ويصعب أن يقوم للصلاة.
وقد يكون هذا يا أختي بلاء بك وأنت أدرى بحالك وكما قال تعلى( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا) فقد يكون سبب عدم قيامك لصلاة الفجر تهاون او تقصير منك فحري بك ان تحاسبي نفسك وتضبطي وقتك لكي لا يكون هنالك اداء لسنن أو مستحبات أو واجبات كفائة وتفويت واجبات عينية مفروضة عليك.
وقد يكون تأخيرك لصلاة الفجر بسبب داء أو مرض فيك أو بلاء ابتلاه الله بك ممَّا يؤدي إلى صعوبة القيام لصلاة الفجر، وقد حصل هذا من بعض الصحابة في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنَّهم كانوا معروفين بأنَّ فيهم ثقلا في النوم وليس تهاونا أو تكاسلا.
فأنت أختي الكريمة أدري بنفسك، واستعيني بالدعاء، وأكثري من التصدق، واطلبي الدعاء من الخيار ممن تعرفين لعل الله تعالى يعينك على ذكره، وأكثري من قولك (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث) ومن أدمن هذا الدعاء فقد رزقه الله حياة القلب فلا يموت كما ذكر ابن القيم، وادعي الله بقولك(اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك).
وقد يكون من أسباب تأخرك او تهاونك عن الصلاة ذنب او خطيئة فاستغفري الله وتوبي إليه، فإنّهَ غافر الذنب قابل التوب، وهنيئا لك نفسك اللوامة فقد أقسم الله تعالى بها، فإنَّ من نعمة الله عليك أن جعل نفسك لوامة تلومة على تقصيرك ، وخير ذلك من أن تكون نفسك أمارة بالسوء ولا تذكرك بخير، ولعل هذا من علامات قبول الله لك، فتقومي بالزيادة من الطاعة وأداء حقوق الله في وقتها كما أمر تعالى وكما يجب عيك.
أسأل الله تعالى لك الإعانة على البر والخير، وأن يقيك شر نفسك، وأن يتوب علينا وعليك.

س9) الأخ أحمد عبد الله يسأل ويقول: كيف لي أن أبر والدتي وأنا أسكن بعيداً عنها مع زوجتى وأزورها كل يوم خميس وجمعة مع العلم أنها تسكن بمفردها .. وأنا أسكن بجوار مكان عملى .. هل يجب أن أغير مكان إقامتى لأسكن بجوارها أم ماذا؟


ج9) الأخ الحبيب أحمد عبد الله
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا على تواصلك مع هذا الموقع الكريم.
في الحقيقة لا يدل سؤالك إلا على القلب الحي والضمير المتوقد ـ بإذن الله ـ على حب الله وحب رضاه ورضا والدتك، جزاك الله خيرا.
سؤالكم الكريم داخل في إطار مسائل فقه بر الوالدين، والذي أراه يا أخي الحبيب أن ذلك راجع لرأي أمك، أي بناء على ما ترغبه أمك، فإن كانت والدتك ترى أنَّ من مصلحتك ومصلحتها القرب منها فلا ريب أن الأفضل بل المؤكد أن تكون قريبا منها، والحقيقة يا أخي الحبيب قد لا تقول لك ذلك والدتك، ولكنك تستطيع أن تجس نبضها أو تتفهم منها رأيها ولو من طرف خفي، لأنَّ الأم في العادة قد تستثقل السؤال من ابنها خصوصا إذا تزوج، فحاول أن ترى رأيها، بل استنطقها واسألها، فإن رغبت أن تكون بجابنها فهنيئا لك ، والله تعالى سيأجرك الأجر العظيم الوارد في الآيات والأحاديث في بر الوالدين، وإن كانت والدتك ترى أنَّ من الحكمة والمصلحة أن تكون بجانب عملك فلا بأس بذلك، مع توخي الاتصال عليها وافتقادها يوميا بالسؤال عنها بالهاتف، وتوصية من تعرفه من أقاربك للاهتمام بها، وكذلك يا أخي الكريم لا بأس أن تغير عليها وعليك الجو لكي تأتيها في يوم الإثنين أو الثلاثاء مثلا حتَّى لا تكون تلك الزيارات بيوم الخميس والجميعة روتينية، وحتما ستفرح الوالدك بقدومك عندها وبرها.

شكر الله لك ، ورزقك بر أمك، ورضاها عنك، ويسر الله لك الخير أينما كان.


----------------------------
ملاحظة: الحوار منشور على هذا الرابط:
http://www.islamonline.net/livefatwa/arabic/Browse.asp?hGuestID=kONvQr

 

خباب الحمد