اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/khabab/f42.htm?print_it=1

هل يصح وقت نزول الماء من السماء أن نُطلق عليه لفظ المطر، أم الغيث؟!

خبَّاب بن مروان الحمد


هل يصح وقت نزول الماء من السماء أن نُطلق عليه لفظ المطر، أم الغيث؟!
جواباً على هذا السؤال:
فإنّ المطر ذُكِرَ في القرآن على سبيل العذاب.
وذُكِرَ الغيث على سبيل الرحمة.
قال الإمام سفيان بن عيينة : " ما سمى الله المطر في القرآن إلا عذاباً، وتسميه العرب الغيث" [الإتقان للسيوطي: 1/ 145]
وقال الإمام أبو هلال العسكري في الفروق اللغوية:
"الفرق بين الغيث والمطر: الغيث: المطر الذي يغيث من الجدب، وكان نافعا في وقته.والمطر: قد يكون نافعا وقد يكون ضارا في وقته، وفي غير وقته".[ الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري: 391]
وتأمل الآيات في ذلك:
{ فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ }
{ وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا }
{ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ }
{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}.
ونجد أنّ في السنّة ما يُشير إلى كون المطر ليس من شرطه انتفاع الأرض؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ليست السنة بأن لا تمطروا ، ولكن السنة أن تمطروا وتمطروا ولا تنبت الأرض شيئا " أخرجه مسلم .
وأما آيات الغيث:
{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ}
{إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}
ثمّ إنّ الغيث مأخوذ من "غاث" وهذا فيه معنى الخير، ولا يوصف بالعذاب إلا تهكماً، كما قال تعالى : {وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه}.
ولم يرد في أدعية رسول الله صلى الله عليه وسلّم قوله: اللهم أمطرنا!
بل يقول : اللهم اسقنا الغيث...
لكن إن نزل الغيث شكر الله على نعمته.
لكن أهل العلم قالوا بجواز إطلاق لفظ المطر مُقيَداً كقول: مطرنا بفضل الله ورحمته.
فقد وردت أحاديث في جواز إطلاق المطر، فقد روى الإمام البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم : صلى صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال (هل تدرون ماذا قال ربكم) قالوا الله ورسوله أعلم قال: (قال الله أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ، فأما من قال مطرنا بفضل الله وبرحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب ) .
وكذلك جاء على ألسنة الصحابة وصفه بالمطر؛ فقد روى الإمام البخاري عن عائشة -رضي الله عنها - قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى المطر قال : "اللهم صيبا نافعا "
وروى الإمام مسلم عن أنس - رضي الله عنه - قال: أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر، قال : فحسر ثوبه حتى أصابه من المطر ، فقلنا : لم صنعت هذا ؟ قال : لأنه حديث عهد بربه )
وعليه فيظهر أنّ الأقعد حسب الأدلّة المتوافرة تسميته غيثاً خاصّة في مجال سؤال الرب - تبارك وتعالى - أن يُنزل الغيث؛ لانتفاع الأرض ببركة ماء السماء؛ أمّا وصفه أثناء تساقطه بالمطر فلا شيء يمنع على عدم جوازِ إطلاقه...
وما دمنا نتّفق على كون المطر قد يكون مطر عذاب؛ فإنّ الاختلاف في المسألة ليس من الضروري توسعته خاصّة إذا كان مجاله من قبيل الاختلاف اللفظي/ الظاهري لا الجوهري/ المعنوي.
وقد قرر العلماء أن المناقشة في الألفاظ بعد فهم معناها ليست من شأن المحققين، وربما قالوا: المُحصّلين، أو الفضلاء بدل المحققين، بل شأنهم بيان محاملها الصحيحة، ولا يشتغلون بذلك إلا على سبيل التبعية، تدريباً للمتعلمين وإرشاداً للطالبين، كما بيّن عبد الله العلوي الشنقيطي في نشر البنود على مراقي السعود..
والله تعالى أعلم..


 

خباب الحمد