اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/khalid/13.htm?print_it=1

الكتابات عن (الملك عبدالعزيز) بين الواقعية والنتائج

خالد بن عبدالله الغليقة

 
إنَّ بعضًا ممن يكتب عن الملك عبدالعزيز، وبعضًا ممن يحاضر عنه - رحمه الله - يجب أن يختبروا ويقدموا للامتحان ؛لأننا نسمع لهؤلاء المحاضرين عن الملك عبدالعزيز، ونقرأ لأولئك الكُتّاب الإشادة بمنجزاته العظيمة، والثناء الكبير على تجربته الثرية، والإطراء لحكمته الحكيمة،لكن... بعد ما تنتهي هذه المناسبة الملكية، وتخلص الأمسية الأميرية الكاتب يكتب داعيًا لمشروع يخالف توجهات الملك عبدالعزيز، والمحاضر يحاضر مناديًا لبرنامج يعاكس سياسة الملك عبدالعزيز، إما في المجال السياسي أو الاقتصادي، والأكثر في المجال الاجتماعي، وتعزيز الهوية، وتقوية الشخصية السعودية القائمة على المذهب الحق، والقائمة على المنهج السليم، والمسيرة المجربة، والذي به استطاع - رحمه الله - إعادة ملك آبائه وأجداده، وبه استطاع توحيد الجزيرة، وبه قدر على توفير الأمن والأمان والسلامة والوئام.

فكل مراقب لهذه التناقضات بين الكُتّاب والمحاضرين، وتوجهاتهم ودعاويهم، وكل راصد لهذه الازدواجية لدى هؤلاء لسان حاله يدعو ويطالب أن يقدم هؤلاء للاختبار والامتحان، وذلك بعرض ثنائهم على دعاويهم، ومقابلة إشادتهم بآرائهم، ومواجهة مديحهم، وإطرائهم بأفكارهم، حتى يتبين مَنْ هو الكاتب الصادق في انتمائه لهذا المنهج؟

ومَنْ هو المحاضر المخلص لهذا الكيان؟!
ومن هو الشاعر النزيه في مقصده ؟ وبهذا الاختبار، وذاك الامتحان سيبرز التِّبر من التََّبرِ، ويظهر الذهب من النحاس.
وأكثر أهمية أن تتضح لنا الأرضية الصلبة التي يمكن الاعتماد عليها إذا ادلهمَّ الأمر، والتي يمكن الاعتماد عليها وقت الشدائد والتي يمكن أن تكون أرضيات صلبة صادقة يضع من سار على منهج الملك عبد العزيز من أبنائه أقدامهم عليها في زمن بحث الأعداء وزمن بحث الخصوم عن أرضيات هشة ولينة ينفقون منها.
ولا يمكن أن ينفق الأعداء كما ينفق اليربوع من الأرضية الهشة إلا عن طريق منافق عليم اللسان، كما قال صلى الله عليه وسلم : [أخوف ما أخاف على أمتي منافق عليم اللسان] (1).

ولم تُبْتَل دول الإسلام الصادقة، وحكوماتها الرشيدة إلا عن طريق هذه الأرضيات الهشة، فقد سقطت دولة بني العباس بخيانة وزير من وزرائها، كان يمدح الخليفة ليل نهار، ويثني عليه في كل محفل، ويشيد به في كل مناسبة لكنه كان منافقًا، ولهذا امتدحه وأشاد به وبخيانته وتقيته بعض زعماء أعداء الدولة السعودية السُّنَّية المعاصرة، وامتدح معه نصير الدين الطوسي وزير هولاكو؛ لأنهما قضيا على دولة السنة.
وإذا كان هؤلاء الوزراء يظهرون الولاء والانتماء لدولة بني العباس السنية من جهة الصحابة، وتوحيد الألوهية؛ ويبطنون الزندقة من جهة الصحابة والشرك في توحيد الألوهية - فهناك وزراء وكتاب، ومحاضرون، وشعراء من نوع آخر يظهرون الإشادة بالملك عبدالعزيز، ويثنون على تجربته الملكية، ويشيدون بنظام التعيين والاختيار، ومن طرف خفي يدعون للديمقراطية والانتخاب !

وهذه المبادئ تخرم أساس ملكية الملك عبدالعزيز، وتقوض سيادة حكومته.
وبهذا نعرف العلاقة الحميمة بين هذه التوجهات المقصودة - أو التي عن غفلة وبلاهة وبلادة - وبين توجهات وزارة الخارجية، والاستخبارات الأمريكية.
وبهذا نفسر محاولة هؤلاء إبعاد وإقصاء العلماء والمشايخ عن السياسة وتوجيه القرار ؛لأن تاريخهم مع الدولة السعودية يشهد لهم في دعم وتثبيت الحكم السعودي، ومن ذلك تحريمهم لمبدأ الديمقراطية الغربية، والانتخاب على الطريقة الغربية.
وليس معنى هذا عدم توجيه النصح والإرشاد لهم، وخاصة في الفساد المالي والإداري، والحث على مبدأ الشورى، وجعل الكفاءة والخبرة معيار التعيين والتنصيب، لكن ليس من ذلك الدعوة إلى الخروج على الحاكم.

وبهذه التوجهات من هؤلاء والتقائها بتوجهات غربية نفهم أحد بنود «بروتوكولات حكماء صهيون»، والذي ينص على أنه لا يمكن السيطرة على شعب ما، ولا التحكم في مجتمع ما إلا بإقصاء العلماء، وإضعاف نفوذهم لدى الشعب، والمجتمع، والحكومة.
وهناك أرضيات أخرى هشة ولينة، فمن يدعو إلى الامتيازات الأجنبية - دينية كانت أم اجتماعية - فهو يدعو إلى تقويض نفوذ الحكومة السعودية، وينادي بتقليص هيمنة الدولة، فضلاً عن إضعاف الهوية والانتماء لدى الشعب وأفراد المجتمع، وإن أشاد بالملك عبدالعزيز، وأثنى على أنجاله فقد خالفهم وعارضهم.
ومن ذلك قول الملك عبد العزيز - رحمه الله - مما يدل على بعد نظره تجاه هذه الامتيازات: " إنَّ من نعم الله على هذه البلاد المقدسة أن رفع الله فيها منارَ الدعوة إليه، وحفظها وصانها من أي تدخل أجنبي، بحيث أصبحت حرة مستقلة في داخليتها وخارجيتها، وليس لأجنبي فيها امتياز على غيره، فكل مَنْ دخلَ هذه البلاد فهو خاضع لا لجبروتنا وقوتنا، وإنما خاضع لجبروت الشريعة وحدها، أما التجديد الذي يحاول البعض إغراء الناس به بدعوى أنه ينجينا من آلامنا فهو لا يوصلنا إلى الغاية القصوى، إننا لا نبغي هذا التجديد الذي يفقدنا عقيدتنا، وديننا"(2).

فهذا النص من الملك عبدالعزيز يدل على أن في زمنه من يدعو أو ينادي بالامتيازات الأجنبية تحت اسم التطور والتجديد والتحديث.
وقد وصف شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - هؤلاء الدعاة وأولئك المنادين بإما منافق أو رجل غافل جاهل فقال: "ولا يشير على ولي أمر المسلمين بما فيه إظهار شعائرهم - اليهود والنصارى - في بلاد الإسلام، أو تقوية أمرهم بوجه من الوجوه إلا رجل منافق له غرض فاسد، مثل أن يكونوا برطلوه، ودخلوا عليه برغبة أو رهبة، أو رجل جاهل في غاية الجهل لا يعرف السياسة الشرعية الإلهية التي تنصر سلطان المسلمين على أعدائه وأعداء الدين، و إلا فمن كان عارفًا ناصحًا له أشار عليه بما يوجب نصره، وثباته ومحبتهم له، ودعاء الناس له في مشارق الأرض ومغاربها، وهذا كله إنما يكون بإعزاز دين الله وإظهار كلمة الله وإذلال أعداء الله"(3).  نعود إلى كلام الملك عبدالعزيز السابق فنقول:
وهذا النص من كلام الملك عبدالعزيز تجاه الامتيازات الأجنبية يجعلنا نفهم خيبة أمل المعتمد البريطاني في الخليج حين قال للشيخ مبارك بن صباح لما علم بخروج عبدالعزيز إلى نجد قال:
"إنَّ هذا الشاب لن يكون عميلاً ؛ لأن له عقيدة، وله دولة تاريخية، سنضع العقبات في طريقه"(4).

ومما يبين تاريخ هذه الأرضيات في إضعاف الدول بالامتيازات الأجنبية قول الأستاذ محمد عطية خميس في بحثه "الشريعة الإسلامية، والأجانب في دار الإسلام"(5) تحت عنوان «روكسلانا الروسية»: سليمان القانوني الذي فتح كل هذه الفتوح، ووصل إلى هذا المجد العظيم... كان متزوجًا من امرأة روسية تدعى (روكسلانا) ملكت عليه عقله وقلبه، وكانت صاحبة تأثير كبير عليه، حتى إنها أوغرت صدره على أبنائه لتزيحهم من طريق ابنها (سليم)... امرأة بلغ تأثيرها على سليمان القانوني هذا الحد لا يستبعد أن تكون قد لعبت دورًا رئيسيًّا من وراء ستار في التأثير عليه لمنح الامتيازات الأجنبية فيما بعد. فقد استن سنة ترك الحكم للوزراء... وكان الوزراء في أغلب الأحوال من عناصر غير إسلامية الأصل اعتنقت الإسلام،أو تظاهرت باعتناقه عن غير عقيدة أو إيمان، فكان لهم أسوأ الأثر في تسييردفة الدولة ".

ولهذا نعرف حرص خصوم الدولة الإسلامية ومن يخطط لكيدها أو السيطرة عليها على الامتيازات الأجنبية، فهي من أنجح الوسائل وأقوى الأسباب. يقول (مستر شلدون ايموس) - وكان مستشارًا قضائيًا إنجليزيًا يعمل في خدمة الحكومة المصرية -: " إن الامتيازات الأجنبية - بعد الكنيسة - أنجح مؤسسة دولية في التاريخ"(6).

وها هي نقابة المحامين المختلطة (في مصر)لم تتورع أن تقول في بيان لها بمناسبة إنشاء المحاكم المختلطة: (إن الامتيازات الأجنبية بين الشرق والغرب تهب أبناء الغرب وضعًا قانونيًا خارج الدين المسيحي للاحتفاظ لهم بأوضاعهم الخاصة وبالطابع الدولي)، أي إنَّ القوانين الوضعية التي جاءت بها الامتيازات التي تحميها المحاكم المختلطة تحقق ما ينشده هؤلاء الصليبيون، دون حاجة إلى الزج بالدين المسيحي"(7).
وبهذا نعرف فضل العلماء على الدولة الإسلامية، وميزتهم، وذلك بتحذيرهم من هذه الامتيازات، وتنبُّئهم بمستقبلها المظلم، ودورها في إضعاف الدولة وتقليص نفوذها.

يقول الأستاذ محمد أبو زهرة - رحمه الله - في معرض رده على أبي حنيفة: "هذا نظر أبي حنيفة، وتلك وجهته، ومهما يكن لها من بيان عقلي أو منطقي فهي من الناحية العلمية غير سليمة، وذلك كما قررنا من قبل أن هذه الحدود شرعت لرفع الفساد في الأرض، وأن من يدخل ديار الإسلام يلتزم بدفع الفساد، وأنه لغريب كل الغرابة أن يدخل، ويسرق، ويزني، ولا يعاقب، ولكن يظهر أن أبا حنيفة انساق وراء نزعته في الحرية الدينية التي يقررها لغير المسلمين وراء ما أسماه السيادة الحكمية والفعلية للدولة، وقد طبقت الدولة العثمانية رأي أبي حنيفة، فكانت غلاً في عنق هذه الدولة ثم في أعناق الأقاليم التي كانت تابعة لها،حتى أنقذها الله تعالى منها "(8).

ويقول الأستاذ عبدالقادر عوده - رحمه الله - تعليقًا على رأي أبي حنيفة: "هذه هي نظرية أبي حنيفة في سريان الشريعة الإسلامية على المكان، وقد كان لرأيه في عدم سريان الشريعة على المستأمنين أثر سيئ على البلاد الإسلامية؛ لأن رأيه اتخذ أساسًا وسندًا في فتح الامتيازات الأجنبية للمستأمنين، أي من نسميهم اليوم بالأجانب، وكلنا يعلم مدى ما قاسته البلاد الإسلامية، وما تزال تقاسيه من آثار هذه الامتيازات التي منحت للأجانب، وقت ضعفهم وقوة المسلمين، لتشجيع الأجانب على دخول دار الإسلام، وتؤمنهم على أنفسهم، وعلى أموالهم، فأصبحت بعد ضعف المسلمين، سببًا لاستغلال المسلمين، وتضييع حقوقهم، واستعلاء الأجانب عليهم"(9).

ويقول الشيخ محمد رشيد رضا - رحمه الله -: "ومن المثلات والعبر في هذا أن المسلمين أباحوا في حال عزتهم وسلطانهم لأهل الملل الأخرى حرية واسعة في دينهم، ومعاملاتهم في بلاد الإسلام عادت على المسلمين ودولهم بأشد المضار والمصائب في طور ضعفهم، كامتياز الكنائس، ورؤساء الأديان التي جعلت كل طائفة منهم ذات حكومة مستقلة في داخل الحكومة الإسلامية، ومن ذلك ما يسمونه في هذا العصر بالامتيازات الأجنبية التي كانت فضلاً وإحسانًا من ملوك المسلمين فصارت امتيازات عليهم، ومذلة لهم، ومفضلة للأجنبي عليهم في عقر دارهم،حتى إن الصعلوك من أولئك الأجانب أعز من أكابر أمرائهم، وعلمائهم "(10).

أما عن علمائنا - علماء السعودية - ودورهم في أخذ الحيطة من أحفاد المستعمر ومن أسباط دعاة الامتيازات الأجنبية ففي رسالة الشيخ محمد بن عبداللطيف إلى الملك عبدالعزيز - رحمهما الله جميعًا - يقول "...كذلك - سلمك الله - دوجان - أي تجوال هؤلاء ؛ يقصد الأجانب الغير مسلمين - في نجد تشمئز منه نفوس كل من كان في قلبه رائحة إيمان، والمعهود من أوائلكم - رحمه الله - الإمام فيصل ومن كان قبله أئمة هذه الدعوة إذا قدم عليهم أجانب تحفظوا منهم، وجعلوا في كل مكان عندهم خدامًا، ولا يدوجون في البلد ولا غيرها ولا يدخل عليهم أحد)(11).

ويقول الشيخ بكر أبو زيد عن المدارس العالمية الأجنبية الاستعمارية وهي من أكبر الامتيازات الأجنبية: (إنها حركة لهدم الماضي المُشْرق العريق، والمستقبل المضيء باسم (تجديد البناء)، ومن آثارها: كسر حاجز النفرة من الكفر والكافرين، ومنها أنه لن يقال للكافر: يا كافر! بعد الآن.
إنها تعطينا التفاتة لكتاب عبد الودود شلبي «الزحف إلى مكة»، وفيه يقول عن المنصَّر الأمريكي (روبرت ماكس): "لن تتوقف جهودنا، وسعينا في تنصير المسلمين حتى يرتفع الصليب في سماء مكة، ويقام قداس الأحد في المدينة"(12).

ولن يرفع الصليب أو يقام القداس إلا عن طريق الامتيازات الأجنبية والتي يمهد لها وينفذ أبعادها إما منافق عليم اللسان يحاضر عن الملك عبدالعزيز في النهار، ويقدح فيه، وفي منهجه، وتجربته، وسياسته في الليل! وإما مغفل جاهل بليد يكتب عن الملك عبدالعزيز داعيًا الله أن يديم ملكه، وقبل أن يجف قلمه يكتب في تأييد برنامج يقضي على ملك من دعا له !
فهل نتعرف على هؤلاء فنحاسب المنافق على نفاقه، ونعاقب المزدوج على ازدواجيته، ونوقف الجاهل المغفل على خطئه، وغفلته، أم ننتظر محسنين الظن، ومغلبين جانب السلامة حتى نكون عبرة لمن بعدنا، وعظة لمن سيأتي على أنقاضنا كما كانت دولة بني العباس عبرة وعظة لم تتعظ وتعتبر بها دولة بني عثمان ؟!

9/12/1423هـ

----------------------------------------------
(1) أخرجه أحمد في المسند (1/22) من رواية عمر بن الخطاب.
(2) كتاب «لسراة الليل هتف الصباح» عبدالعزيز التويجري (ص 23).
(3) "الفتاوى "28/635.
(4) كتاب «لسراة الليل هتف الصباح» (ص 579).
(5) نفس المصدر صفحة (32).
(6) «الشريعة الإسلامية والأجانب في دار الإسلام» محمد عطية خميس (ص 33).
(7) «الشريعة الإسلامية» (ص 32).
(8) «الشريعة الإسلامية» (ص 49).
(9) «الشريعة الإسلامية» (ص 49).
(10) «تفسير المنار» (10/98 ) بواسطة رسالة "تسامح الغرب مع المسلمين" عبداللطيف الحسين (ص375).
(11) من كتاب «لسراة الليل هتف الصباح» (ص 381).
(12) كتاب «المدارس العالمية» الشيخ بكر أبو زيد (ص 16).
 

خالد الغليقة
  • مقالات
  • الصفحة الرئيسية