صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







مقاطعة المنتجات الأمريكية

خالد بن عبدالله الغليقة

 
صدرت فتوى من أحد العلماء تحث الناس على مقاطعة المنتجات الأمريكية، وصدر تعقيب بعد ذلك على الفتوى ممن لا يدرك أبعاد الأمور مع ضيق أفق فقال: إذا أردنا أن نقاطعَ أمريكا فلا نبيع بترولنا لها، وهذا مستحيل إذا طبقت المقاطعة في ظنه.
وقال آخر: لو قاطعنا المنتجات الأمريكية لصرنا من أضعف الدول في باب التسلح.
وقال ثالث: لتأخرنا في مجال التكنولوجيا.
وقال رابع: هذه المقاطعة ليست بسلاح، ولا لغة للتهديد.
والذي يظهر لي أن كلام هؤلاء خطأ، وسبب الخطأ عدم فهمهم للفتوى، لأن الفتوى جاءت مطلقة، ومعلوم لدى أقل طلبة العلم علمًا أن أركان الإسلام (مبنية) على قوله تعالى: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16].
وقال الله تعالى في الحج: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران: 97]، والعبادات مبنية على قوله I: [ما أمرتكم بشيء فأتوا به ما استطعتم ...](1) فمن باب أولى أن تبنى غير العبادات المنصوص عليها على الاستطاعة.
فلم يقل المفتي ولا أحد طلبة العلم بطرد المقاطعة في كل شيء حتى ما فيه مصلحة الناس، ولا يمكن أن يقول أحد منهم بأن المقصود بالمقاطعة شامل حتى ما في مقاطعته ضرر على الحكومة الإسلامية، أو على جمهور المسلمين، ولو علم المفتي جهل هؤلاء بدخول فتواه تحت قوله تعالى: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] لفصل القول، وقال بعدم جواز مقاطعتهم فيما يضعف الدولة الإسلامية، ويضر بالمسلمين كالتقنية، والتكنولوجيا، والتسلح.
إن بعض العلماء يحسن الظن بعقول بعض الناس فلا يفصل التفصيل المطول ظنًّا منه بسعة أفق الجميع.
فمتى استطاع المجتمع المسلم مقاطعة المنتجات الأمريكية، ومحاربتها فيؤجر أفراده على هذه النية، ويحمدون على تلك الهمة، وتدخل مقاطعتهم في قوله تعالى: { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ } [الأنفال: 60].
فسلاح المقاطعة الواقع الدولي يشهد بقوته، ونفوذه، ولغة تهدد بها الدول بعضها البعض.
أما من يقول: إن الناس بمقاطعتهم لا يستطيعون تحريك المياه الراكدة، ولا يحسب لمقاطعتهم أي حساب، وليس للمقاطعة أثر في التغيير والتبديل، فهذا لم يطلع على الرقم الفلكي الذي خسرته إسرائيل بسبب المقاطعة العربية لمنتجاتها، ولا يعرف مدى وطنية اليابانيين في رفع الاقتصاد الياباني، ويلزم من الوطنية مقاطعة خفية لمنتجات الآخرين، ولا يفهم مدى تأثير الشركات الأمريكية على السياسة الأمريكية.

قد يقول قائل: هذا إغراق في التخيل، وخيال سابح ؟
 
** فالجواب عن ذلك:
مثال واقعي على نجاحات المقاطعة الشعبية، وقدرتها على تغيير الواقع القوي، وتبديل الحال المستحيل عند اليائسين، ومَنْ قلَّ يقينهم.
قال مدير بنك النقد الدولي: "إن البنوك الإسلامية أكثر استقرارًا من البنوك الربوية".
وقال أنجوكارستن الخبير في البنك الدولي: "إن المعلومات عن مستوى أداء المصارف الإسلامية قليلة فـي الواقع إلا أنها تشير إلى أن المصارف الإسلامية قادرة على مزاحمة المصارف التقليدية".
قال الشيخ صالح الحصين: (إن هذا القول قاله أنجو كارستن ولم يكن بين يديه في ذلك الوقت إلا معلومات عن حوالي عشرين مصرفًا)(2).
وحدثني نائب المدير العام لأحد البنوك الإسلامية في بلادنا أن ما يقارب أربعمائة ألف موظف يقومون بتحويل رواتبهم شهريًا من بنوك أخرى إلى هذا البنك.
في يقيني أن نجاح هذا البنك، وبقية البنوك الإسلامية، وكون الاستثمارات الإسلامية فرضت وجودها في قلوب البنوك الربوية العالمية، ولو كان في بعضها شكلـيًّا دليل قوي على التغيير، وبرهان على أن المسلمين باستطاعتهم التبديل بإذن الله من دون اتفاقات دولية، وبقدرتهم على ذلك من دون مفاوضات حكومية، فتحويل المسلمين أموالهم من البنوك الربوية إلى البنوك الإسلامية هي (مقاطعة) نظام مفروض على الواقع بقوة هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى هي (محاولة إبراز أو تقوية) نظام ضعيف، ومع مرور الوقت استطاع المسلمون تقوية الضعيف وفرضه على القوي كما هو واقع الآن.
فلولا الله ثم عامل (المقاطعة) و(الزمن) لما كان للبنوك الإسلامية حضور، ولما جاملت البنوك الربوية المسلمين باستثمارات إسلامية.
هنا قضية مهمة، هذا الحضور القوي لهذه البنوك الإسلامية قام بالفتاوى التي تحرم الفائدة الربوية، وأن التعامل مع البنوك الربوية محاربة لله، وعلى الفتاوى التي تحث على مقاطعة تلك البنوك بقدر الاستطاعة.
ولم تقم هذه البنوك الإسلامية على الفتاوى التي تجيز أخذ الفائدة الربوية، ولم تفرض هذه البنوك نفسها بفتاوى لا ترى مقاطعة البنوك الربوية، وسبب هذه الفتاوى هو اليأس من تغيير الواقع بعامل المقاطعة والزمن، ونقص يقين من هؤلاء اليائسين بأن المقاطعة سلاح، ولغة تهديد.
فإذا كانت (مقاطعة) البنوك الربوية على صعوبتها نجحت، فمقاطعة المنتجات الأمريكية ستكون أكثر نجاحًا لسهولتها، فمنافسة الآخرين لها قوية من جهة الجودة، والكفاءة، وكذلك عدم توقف الناس عليها من جهة أخرى.


----------------------------------------------
(1) أخرجه البخاري (7288)، ومسلم (1337).
(2) مجلة البحوث الإسلامية (عدد23، 1408هـ ص132).
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
خالد الغليقة
  • مقالات
  • الصفحة الرئيسية