صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







عزمي بشارة وبسطاء العرب:

خالد بن عبدالله الغليقة

 
بسم الله الرحمن الرحيم


لا يزال أمام العرب والمسلمين مشوارٌ طويلٌ لاكتشاف الطريق الصحيح لنهضتهم وعزتهم وقوتهم، ولا تزال أمامهم رحلة طويلة وشاقة، لتعديل بوصلة رؤيتهم ومسيرة نضالهم، تجاه عدوهم ومحتل أرضهم ومغتصب كرامتهم؛ ما داموا يضعون العملاء والمتصهينين قادةً في حربهم، ومناضلين في مسيرتهم السياسية والثقافية والفكرية.
ولم يتعدَّ مصطلح البسطاء، في زمن من أزمنة العرب والمسلمين القديمة، ولا في أي عصر من عصورهم الماضية، إلى غير الأمي والعاميّ، مثلما تعدّى في هذا العصر؛ فقد صار من الطرق الموصلة، والوسائل الصحيحة، في إعادة رسم الخريطة الفكرية والثقافية الصحيحة تجاه نهضة العرب والمسلمين ويقظتهم، وإعادة توجيه بوصلة السياسة الصحيحة، بأن يُضَمَّ كثير من المفكرين والمثقفين والأكاديميين إلى هذا المصطلح، ويُدْخَلون فيه من أوسع معانيه.
وما ذاك إلا بجعلهم عزمي بشارة عضو “الكنيست الإسرائيلي”، ونائب رئيس معهد “فان لير” الصهيوني، قائدًا سياسيًّا، ومنظّرًا فكريًّا، ومناضلًا مثقّفًا، ضدّ المحتلّ والمغتصب الإسرائيلي!
فيما يلي قراءة مجرّدة في كتاب صديق حميم لعزمي بشارة ورفيق دربه، عنوانه:
)تحت خط النار 48 عزمي بشارة وتخريب دور النخبة الثقافية)، الذي ألّفه الدكتور عادل سمارة، وصدر عن دار بيسان، ٢٠١٦م. ويتكوّن من ٢٠٤ صفحة.
وبغضّ النظر عن توجّهات المؤلف الفكرية والسياسية إلا أن المفيد في الكتاب أن مؤلفه ينطلق في كشف خيانة بشارة للقضية الفلسطينية، وعمالته للصهيونية، وتخريب بلدان العرب ونشر الفوضى فيها من الزاوية والخلفية ذاتها، ومن المنطلقات الفكرية والسياسية والنضالية نفسها التي يدعيها بشارة. وبعبارة البسطاء: “مطوّع الحنشل منهم”.
وهذه الإشارات لا تغني عن قراءة الكتاب. فهلمّوا بنا إليه!
ليس لكاتب المقدمة إلا الاختيار ووضع العناوين.
وقبل البدء أمهّد بتعريف ببعض المصطلحات التي سترد في النص اختصارًا على القارئ:
– آل شين بيت: بحسب ويكيبيديا هو: جهاز الشاباك (Shabak) (שב״כ), وهو جهاز الأمن الداخلي في إسرائيل، تابع لرئيس الحكومة، واسمه أحيانًا الشين بيت (ش ب)، اختصارًا لاسمه العبري (شيروت بيتحون كلالي)، الذي معناه جهاز الأمن العام.
– الكنيست: بحسب ويكيبيديا هو: الكنيست الإسرائيلي (بالعبرية: הכנסת، أي “المجمّع”)، وهو البرلمان الإسرائيلي، حيث يتركّز عمل التشريع ومراقبة الحكومة الإسرائيلية. عدد نواب الكنيست 120 نائبًا، ينتمي كل منهم إلى حزب مسجّل، ويعمل ممثّلًا لهذا الحزب.

موضوعات الكتاب:

أولًا: عزمي بشارة والبدايات الصهيونية:

يقول عادل سمارة:
‏عزمي بشارة .. فلسطيني من بلدة ترشيحا المحتلة ١٩٤٨من مواليد تموز عام ١٩٥٦. طبعا في بلد تملؤه التناقضات السياسية والصراع بألوانه وأنواعه نتيجة الاغتصاب الصهيوني لفلسطين عام ١٩٤٨م، تأثر بالحالة المحيطة به منذ دراسته الثانوية ومن خلال ‏مشاركته في تأسيس اتحاد الطلاب الثانويين العرب، حيث درس في المدرسة المعمدانية في الناصرة، وبعد التحاقه بالجامعة شارك في قيادة الحركة الطلابية الفلسطينية في الجامعات الصهيونية لسنوات، ثم التحق بالحزب الشيوعي الإسرائيلي ‏راكاح (وهي اختصار اسم الحزب بالعبرية – أي القائمة الشيوعية الجديدة)، حيث انشق عن الحزب الشيوعي الإسرائيلي القديم الذي كان يتزعمه حتى عام ١٩٥٦ ميكونيس . وراكاح ، بمعاييره يزعم أنه ليس صهيونيًّا! لكنه حزب مسجل ‏رسميًّا ويعترف بالكيان الصهيوني الإشكنازي، ويشارك في انتخابات برلمانه، وله أعضاء في هذا البرلمان، أقسموا يمين الولاء للكيان، وهو ما يشكل التمهيد (الطبيعي) لدخول بشارة الكنيست وحتى التفاخر بـ(بطولاته) هناك!) (ص١٤).
وينقل عادل سمارة في ذلك عن ديرقتر، حيث قال :
لقد قرأ بشارة كتابات المفكرين الصهاينة بمن فيهم جابوتنسكي، واكتشف أن هذه الحركة ليست كلية التناغم، أو أنها مستبدة الطابع بقصد كما تراها وجهة النظر العربية التقليدية…
ويقول بشارة نفسه:
تعودت أن أراها كحركة استعمارية بذاتها أو جوهريًّا، ولكن من خلال قراءاتي للأدبيات الصهيونية فأنا متأكد أنها أكثر تعقيدًا من ذلك، فهي تنظر لنفسها كحركة نهضة، كحركة تحرير، ولذلك فإنها كانت في حالة توتر بين تصوّرها لنفسها وبين ممارساتها.
ويعقب عادل سمارة على هذا الطرح من عزمي بشارة بقوله:
رغم أن مختلف الحركات الفاشية والعنصرية والاستعمارية (بما فيها الصهيونية) تولّدت في الغرب الرأسمالي، إلا أن أيًّا منها لم تقل عن نفسها أنها حركة عدوانية. كل حركة منها، بل فيها حتى حاضنتها الرئيسية (الرأسمالية) تطرح نفسها كحل لمشكل البشرية. المهم في أية نظرية، ولاحقًا حركة، كيف قامت بتنفيذ أفكارها وفلسفتها على الأرض وما هي النتائج؟ ولا أعتقد أن مشكلتنا نحن العرب أو نجد عذرًا للصهيونية لكونها أخطأت في ممارساتها. ولعل السبب هنا بسيط، فهي حركة استعمارية جنّدت الغيبيات في تشريد شعبنا وذبحه. إن المعادلة واضحة بما لا يسمح (لبلاغة) كلامية أو تخفيها. (ص٧٢).

ثانيًا: عزمي بشارة والقسم بالولاء لدولة إسرائيل بكل أمانة وإخلاص وصدق:

يقول عادل سمارة :
‏بدأ عزمي حياته السياسية في عضويته في الحزب الشيوعي، وربما كان ذلك بداية بتأثير والده الذي كان في الحزب نفسه، لعل المهم في هذا الأمر هو رؤية تأثير موقف الحزب فيه‏، من باب اعتبار الكيان الصهيوني أمرًا طبيعيًّا وليس مجرد أمر واقع. وهذا ما دفعه لتبرير الترشح لعضوية الكنيست الصهيوني، وتمهيدًا إلى ذلك في إحدى زياراته إلى عمان قبل عام ١٩٩٥، قبيل افتضاح نياته لدخول الكنيست، قدّم ورقة في المؤسسة التي يشرف عليها الأمير حسن وفي تلك الورقة كشف عن دعمه لدخول الكنيست، وتشجيع المشاركة في انتخابات مجلس أوسلو (التشريعي). وحين عودته زارني ‏في مكتب مجلة كنعان وناقشني في الأمر دون أن يعلن ذلك، حيث أوضحت له موقفي القاطع‏. كان هذا آخر عهدنا ببعضنا.
ولكي يعرف المواطن العربي ما هو نصّ الدخول للكنيست الذي على العضو أن ينطق به، فإنه هو القسم التالي: “أقسم أن يكون ولائي فقط لدولة إسرائيل، وأن أخدم بولاء الكنيست الإسرائيلي، أقسم أن يكون انتمائي وبكل أمانة لدولة إسرائيل، وأن اقوم وبكل أمانة بواجباتي في الكنيست الإسرائيلي” (ص٢٥).

ثالثًا: تلميع الصهاينة لعزمي بشارة وكيف تصنع إسرائيل العملاء:

يقول عادل سمارة:
‏كان بشارة ولا يزال ممن استثمروا مسألة حل الدولتين، ليتكئ على هذه الموضوعية في تبرير الاعتراف بالكيان كما لو كان طبيعيًّا. وهذه من المسائل التي وجدت من الضروري الرد عليها ونقضها (كنعان، العدد ٨٥، نيسان ١٩٩٧). هذا مع أن القارئ سيجد ‏دلائل في هذا الكتاب عن قفزات مثيرة لبشارة بين: مع دولة، دولتين… إلخ. هذا الرجل خبير في القفز السياسي الحرّ. لم يكن نقدي لبشارة بهدف تجميع كتاب عنه، ولا أعطي حالته تركيزًا خاصًّا. ولكن زياراته المتكررة للشام وبيروت ‏كانت لافتة للنظر، ليس لمجرد الذهاب إلى هناك؛ بل استقباله في أوساط المقاومة والممانعة. كما واصلت الكتابة ضده بشكل خاص بعد خروجه الطوعي من الأرض المحتلة، وادعائه بأنه نفي من قبل سلطات الكيان. (ص١٣).
مع إدانتنا لاستقباله في مطلق الأحوال ‏في زيارته للشام وبيروت حصل جدل طويل بين الصهاينة، كان في أكثره مظهريًّا تنظيفيًّا وتلميعيًّا لبشارة، وتم ما يسمى (التحقيق معه) وتسليمه لائحة ادّعاء… إلخ، ولكن لم تتم المحاكمة قط، وواصل بشارة زياراته إلى الشام وبيروت عبر الأردن، بمعنى أنه لم يحاكم، كما أنه ‏لم يمنع من الخروج! قول الصحفي الصهيوني (unknown (أمنون ابراموفيتش) للقناة الصهيونية الأولى في يناير 2001: إن بشارة يقوم بتنفيذ مهمات لصالح الحكومة الصهيونية عند زيارته لسوريا، عزمي بشارة كان يلتقي مع رئيس الوزراء إيهود باراك قبل كل زيارة لدمشق، وكذلك مع رئيس جهاز الموساد داني ياتوم، وقد ‏تعوّد أن يقوم بتقديم تقارير لياتوم عند كل زيارة إلى سورية، وبالطبع، لم ينكر ولم يؤيد بشارة هذه المزاعم. هذا مع أن بوسعه حسب (ديمقراطية الكيان) أن يقيم دعوى ضد من يتّهمه بهذا الدور، اللهم إلا إذا كان مقتنعًا في دخيلته بما قيل عنه أو نسب إليه. ويزيد على ذلك أن سكرتير الحكومة إسحاق هيرتصوغ صرّح بأن كل زيارة يقوم بها بشارة إلى سوريا يتم إصدار أمر خاص غير رسمي من الحكومة لهذه الزيارة. وهذا ما ينفي وجود أي قرار جدّي لمحاكمة بشارة على زياراته للشام وبيروت، ومن ثم محاكمته. ولذا لم يقدَّم للمحاكمة ولم يجرّم.
في تلك الفترة كتبت مقالتي عن استخدام بشارة لحزب الله في (التطبيع معكوسًا: عزمي بشارة إلى الكنسيت على أكتاف حزب الله – مجلة كنعان، العدد ١٠٧، ص١٢٥- ١٣٥، تشرين أول ٢٠٠١).
وللمقارنة، ففي عام ٢٠٠٦ زار نواب عرب في الكنيست الصهيوني سوريا، على أثرها بدأت الحكومة الصهيونية تتهمهم بالتعاون مع عدو الكيان، ولكن بالمقابل، في العام نفسه قرر رئيس المحكمة العليا أهرون باراك أن حصانة بشارة تمكّنه من إلقاء الخطابات السياسية، مهما كانت قوّتها وقسوتها، وكتب باراك في القرار: “يمكن أن نرى خطاب بشارة كدعم لتنظيم إرهابي، ولكن ليس فيه دعم للكفاح المسلح لمنظمة إرهابية).
وأبعد من هذا، فقد وظف الكيان حرب ٢٠٠٦ لكي يخرج مسرحية بشارة بأفضل السبل، حيث اتّهمه بالتخابر مع حزب الله. وهنا رفع بشارة إلى (قمة المجد) بأنه يخدم المقاومة أو أشرف الناس.
وهنا يصبح شرعيًّا إثارة السؤال التالي: هل اغتنم – بشارة – هذه اللحظة وقرر الخروج من فلسطين. أم أن مسرحية تمجيده اكتملت وصار لا بد من إرساله في مهمة كبيرة؟
وللتغطية على دوافع وهدف خروجه أثار شائعات بأنه منفيّ، وشائعات أخرى بأنه هرب من أيدي الكيان. ولم تكن أي من الروايتين صحيحة كما أنهما متناقضتان. كما تورّط حزبه في البداية بالتأكيد بأنه خرج مؤقتًا، وسيعود ليكمل دوره الوطني، ما يؤكد أنه لم يكن منفيًّا. ولاحقًا اضطر حزبه للزعم بأنه منفيّ. فمن جهة لو كانت عليه قضية جرمية حقيقية لما سمح له بالخروج، وبالطبع لا يمكنه الهروب من أيدي نظام صارم كما هو الكيان الصهيوني. كما أن الكيان لم يعلن قط أنه نفى عزمي بشارة ولن يخجل من إعلان ذلك لو حصل … تجدر الإشارة إلى أن الخروج من الكيان أمر ليس مفتوحًا تمامًا لفلسطينيي ١٩٤٨، فكثير ما منع مناضلون من ذلك، بل حتى مواطنين عاديين. (ص٢٢).
يخلص عادل سمارة تجاه هذه القضية إلى ثلاثة أمور تتطلّب من عزمي بشارة الإجابة عنها:
– لم يعتذر بشارة حتى اليوم عن عضويته في الكنيست حيث أقسم يمين الولاء للدولة اليهودية؟
– لم يقدم تفسيرًا لمعنى وإمكانية الجمع بين موقف قومي عربي وبين عضوية الكنيست الصهيوني؟
– لم يتخلّ عن الجنسية الإسرائيلية؟

رابعًا: عضوية عزمي بشارة في معهد فان لير اليهودي،
المعروف بتوجهاته الصهيونية الخطيرة تجاه القضية الفلسطينية خاصة، وقضايا العرب عامة؛ كنشر عوامل الفرقة والفوضى والتشتت بينهم. وما فوضى وخراب ودمار ما يسمى (بالربيع العربي)، ودور عزمي بشارة الخطير عن توجهات هذا المعهد ببعيدة، بل كانت حذو القذّة بالقذّة:
يقول عادل سمارة:
لا يمكن قراءة مواقفه – عزمي بشارة – هذه من باب التذبذب الفكري أو الفلسفي، بل من باب مهمة وعلاقات معينة بالكيان الصهيوني. تبقى القراءة ناقصة إن لم نشر إلى أنه مختلف العرب، الذين استقبلوا بشارة، سواء أكانوا أنظمة أو أحزابًا أو حتى جامعات ومراكز أبحاث (مثلًا كان تبرير مركز دراسات الوحدة العربية لاستقبال بشارة بالقول: نستقبله ‏كفيلسوف وليس كعضو كنيست). إن هؤلاء جميعًا تغاضوا، ليس فقط عن عضويته في الكنيست؛ بل كذلك عن العمل البحثي الذي قام به في الكيان الصهيوني وما كتبه عن الكيان. شغل بشارة منصب نائب رئيس معهد فان لير في القدس (من سنة ١٩٩٠ حتى سنة ١٩٩٦م) ‏المعهد الذي يعمل فيه بشارة، قبل وخلال حصوله على عضوية الكنيست الصهيوني، وهو معهد متخصص في الواقع الصهيوني ومستقبله، ورسم السياسات ودراسات الهوية وقضايا المجتمع. تأسس معهد فان لير الصهيوني عام ١٩٥٩ من قبل أسرة فان لير، ويسير المعهد برسالته على خطى ورؤية عائلة فان لير ‏التي ترى فلسطين وطنًا للشعب اليهودي. والمعهد -وقبل تولي بشارة ذلك المنصب بعامين تمامًا – أصدر دراسة شهيرة بعنوان (إسرائيل على مشارف القرن الواحد والعشرين) حدّدت الغايات والأهداف القومية للكيان الصهيوني. هذه الدراسة حددت مجموعة كبيرة من الأهداف فائقة الخطورة اقتصاديًّا ‏وعسكريًّا واجتماعيًّا…إلخ. الخطر في هذا المعهد هو في تناوله للمستوى الإيديولوجي العربي، حيث ورد في ديباجته: العمل على زرع ونشر عوامل الفرقة والتشتت والتحزب الفكري في البلدان العربية، وبما يؤدي إلى زيادة التطرف الديني والطائفي والعرقي، والقضاء على فكرتي القومية العربية والتضامن الإسلامي، وإحلالهما‏ بفكرة التعاون الإقليمي الشرق أوسطي، وتوظيف الأصولية الإسلامية وأيديولوجيات الأقليات في المنطقة لصالح إسرائيل) (ص٢٦).
ويكشف عادل سمارة عن فكرة طرحها عزمي بشارة في أثناء عضويته في هذا المعهد تدلّل على خيانته للقضية الفلسطينية والفلسطينيين. يقول:
فخلال فترة وجوده في معهد فان لير وجامعة بيرزيت، طرح فكرة الحكم الذاتي الثقافي لفلسطينيي ١٩٤٨، وهي فكرة تقوم على حق (الأقلية الفلسطينية في المحتل
١٩٤٨) في حكم ذاتي ثقافي لا يقاتل ولا ينازع على الأرض. وهذا ما يكشف بلا مواربة تعمّق الإيديولوجيا الصهيونية فيه. فحين لا يرى فلسطيني أن الصراع مع الصهيونية ليس جغرافيًّا، ليس على الوطن وإنما في نطاق الحقوق المدنية، فهو يسلم بأن فلسطين هي أرض الكيان الصهيوني. (ص٢٨).
بل إن سمارة يرى أن عزمي بشارة صار (صهيونيًّا)! في مقابل بعض المؤرخين والمفكرين اليهود فهو يقول تعليقًا على الموقف السابق، وهو فكرة الحكم الذاتي الثقافي:
هو موقف يتقاطع تمامًا، مع الفكر الليبرالي الغربي الذي ينطلق من الرواية التوراتية وليس التاريخية للمسألة اليهودية. ومن الطرافة بمكان أن مفكرين ومؤرخين يهودًا، توصّلوا علميًّا إلى نقض الرواية التاريخية، ومن ثم الأدلجة الصهيونية المبنية عليها، وفي طريق هذا النقض ينهار بالطبع كل الضخّ الإيديولوجي الرأسمالي الغربي عن كون فلسطين أرض خراب وبلا شعب… إلى آخر هذا الترهات التي تستخفّ بالتاريخ نفسه. (ص٢٨).

خامسًا: خداع عزمي بشارة للفلسطينيين والعرب برفع شعار القومية العربية والنضال الفلسطيني وهو الابن الشرعي للمؤسسة الصهيونية:

‏يقول عادل سمارة:
فهو الشخص نفسه الذي أعلن معارضته اتفاق أوسلو، ثم عاد وصوّت على إعادة الانتشار في الخليل الذي كرس الاستيطان في قلب المدينة، بتوقيع رئيس حكومة الليكود بنيامين نتنياهو. وهو الشخص القومي العربي نفسه الذي دخل الكنيست ‏ورشّح نفسه لرئاسة الحكومة في الكيان؛ مما أضفى على الكيان صبغة ديمقراطية خاصة، ومن ثم تنازل عن ترشيح نفسه لرئاسة الحكومة، كيلا يضرّ باحتمالات فوز إيهود باراك الصهيوني المتطرف ‏في انتخابات ١٩٩٨، وباراك هو نفسه الذي في برنامجه الانتخابي كتب عن قتل الشهيد أبو يوسف النجار عام ١٩٧٣: “واصلت إطلاق الرصاص عليه حتى تطاير بياض عينيه على سترتي” (ص٢٣).
وقال: ‏ينسى الناخب البسيط، الذي يحلم بالبطل، أن عزمي بشارة ليس عبدالناصر حتى لو وضع صورة ناصر ‏في مكتبه في الكنيست. بل المشكلة هي أن بشارة في الكنيست! وينسى المواطن أن بشارة هو الذي رشّح نفسه (لرئاسة الوزراء الصهيونية)، ‏والتنازل لصالح باراك دعمًا منه كما قال (لليسار ضد اليمين). فإذا كان باراك يسارًا، فلا بد أن تكون الكعبة الشريفة في البيت ‏الأبيض! بيت القصيد أن عزمي هنا يلعب لعبة الانتخابات والتنازل لهذا مقابل ذاك، بيت القصيد أنه ابن المؤسسات الصهيونية. (ص٩٤).
وينقل المؤلف عادل سمارة عن تصريح للصحفي الإسرائيلي أمنون أبراموفيتش للقناة رقم واحد للتلفزيون الإسرائيلي يوم 16/ 6/ 2001، حيث كشف أن: (‏عزمي بشارة كان يلتقي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك قبل كل زيارة إلى دمشق، ومع الجنرال احتياط داني ياتوم رئيس جهاز الموساد السابق، وتعود على تقديم ‏تقارير إلى ياتوم عن زيارته إلى سوريا. أما إسحق هيرتسوغ السكرتير الصحفي لرئاسة الوزراء الإسرائيلية وابن رئيس الدولة العبرية الأسبق فقد أجرى مقابلة مع رئيس ‏هذه الدولة حاليًّا موشيه كتساف، الذي قال: يتم في كل زيارة يقوم بها عزمي بشارة إلى سوريا استصدار تصريح خاص غير رسمي له من قبل الحكومة. وهذا ما يكشف حقيقة زياراته في سوريا.
نحن لا نوجه لعزمي ‏بشارة هنا تهمة الخيانة ، ولكن ما عليه إلا أن يرفع قضية للقضاء العبري يطلب فيها نفي هذه الأقوال ومحاكمة متهميه!) (ص٩٥).
لعل حجر الزاوية هو: إن ما يريده عزمي بشارة هو أن تصبح إسرائيل دولة لكل مواطنيها. هذا يعني بوضوح أن مواطنيها هم الموجودون فيها، أي أن اللاجئين لا علاقة لهم ‏بالأرض التي تقوم عليها هذه الـ(إسرائيل). ولكن كل يهودي يتم استقدامه إليها بموجب (قانون العودة) يصبح من (مواطنيها). وبغضّ النظر في ما إذا كان بوسعها أن تكون لكل ‏مواطنيها أم لا، فإن المسألة ليست في حدود دمقرطة دولة الكيان أم لا. المسألة ليست مشكلة حقوق إنسان، المشكلة قومية بوضوح. ومن هنا، فإن شعار “دولة لكل مواطنيها” هو ‏شعار ينسجم تمامًا مع المشروع الصهيوني. ومن يرفع الشعار يكون في الحقيقة صهيونيًّا، وليس إسرائيليًّا. فـ”الأسرلة” جنسية، أمّا “الصهينة” فاعتقاد عقائدي ‏يتجاوز القوميات. والسيد بشارة نفسه الذي أكده في غير موقف وموقع أن: ما يريد هو لفلسطينيي ١٩٤٨ ليس الأرض، وإنما حقوقًا مدنيةً) ص؟؟؟؟).
‏أما موقع “حق العودة” عند بشارة، فيصبح بالضرورة مجرد موقف (اعتراف أخلاقي) إسرائيلي بهذا الحق! فأهلًا بالأخلاق في عالم القوة والإمبريالية ورأس المال‏! حينما ينتهي أي عربي إلى المطالبة بحق العودة (أخلاقيًّا)، لا تعود هناك خطورة لتصريحاته مهما ارتفع صوته وتقعّر باللغة. لن تكون أية استعراضات سوى مساحيق ودهانات لتلميع الشخصية ‏وخداع البسطاء، وهم كثر) (ص٩١).

سادسًا: عزمي بشارة والشخصية المركبة بين التمويل الصهيوني والقومية العربية والتمويل الأمريكي:

يقول عادل سمارة:
وعليه فإن د. بشارة ‏الذي كان عضوًا في حزب راكاح (الحزب الشيوعي الإسرائيلي)، الذي يعترف بإسرائيل بكل فخر، وتاليًا فهو حزب غير قومي بغضّ النظر عن وجود عناصر كثيرة طيبة في أوساطه. لكن بشارة غادر هذا الحزب ليولد من جديد (كقومي) متحمّس! ولكنه قوميّ من طراز عضوية الكنيست التي تقسم الولاء لدولة اليهود، وتظل (قومية) تطالبنا بالتصفيق لها! وشخصية د. بشارة نفسها هي التي تجمع بين الأكاديميا وبين العلاقة الخاصة بأنظمة الحكم، سواء الصهيوني الدمويّ أو السوري الدكتاتوري‏، وبين قيادة حزب وعضوية البرلمان. وفوق هذا وذاك يرأس بشارة نفسه منظمة (مواطن) في رام الله، وهي منظمة غير حكومية مموّلة من الإدارة الأمريكية وحكومة ألمانيا. وليس هنا مجال لمناقشة خطورة المنظمات غير الحكومية، ولكن من المهم الإشارة إلى أنها أدوات تطبيع مع الكيان وتسويق الهيمنة الإمبريالية في الوطن العربي.
وهكذا يجمع د. بشار بين التمويل الصهيوني لحزبه، كونه عضو كنيست، وبين القومية العربية، والتمويل الأمريكي، وتقديم تقارير عن الوساطة بين حكومة إسرائيل والنظام السوري، ‏والمنظمات غير الحكومية والصداقة مع الأسديين السوريين. وهذا يكفي. (ص١٠١).

سابعًا: عزمي بشارة و‏‏تجنيد المثقفين وأشباههم للتطبيع مع المحتل الإسرائيلي،
وبعض ملامح علاقة عزمي بدولة قطر، والتي تبين أن عزمي يؤدي دورًا موجهًا من خارج قطر، وما قطر إلا مكتبًا لإدارة ذلك الدور في تطبيع المثقفين مع الكيان الصهيوني، ونشر الفوضى في العالم العربي:

يقول عادل سمارة:
‏يمكننا تقسيم مراحل ‏استثمار الـ(شين – بيت)، ومن ثم الموساد، في عزمي بشارة، إلى أربع حتى الآن:
أولًا: استخدامه في المحتل ١٩٤٨ لإقامة تيار (قومي) يعترف في الكيان، ويشكل جواز سفر له إلى الفكر القومي والواقع العربي؛ وهذه قمة التناقض، لكنها نجحت.
ثانيًا: الطواف في الأرض العربية قبل رحيله وبعد رحيله، حيث استضافته ‏مختلف العواصم العربية كمفكر قومي، الأول والوحيد، وبالطبع دان له الكثير من المثقفين العرب كأمير الثقافة القومية، دون أن يجرؤ هؤلاء على مجرد التفكير في جمع تناقض (الريادة القومية مع الاعتراف في الكيان)، من بين هؤلاء مؤيدو المحرقة الذين كانوا يستمعون له كمريدين.
ثالثًا: الصعود إلى الفضاء بالطواف عبر الفضائيات العربية للتأثير ‏على المواطن العربي، أينما كان، وهذه المراحل الثلاث في خدمة الـ(شين – بيت).
رابعًا: بعد أن فضحته مذبحة سوريا، وكان بالطبع قد انتقل إلى الخارج، ما يعني تحويله إلى كادر الموساد، أخذ خطوة إلى الوراء لكي يشتغل على تطبيع المثقفين العرب، وذلك أساسًا عبر شراء أكبر عدد ممكن منهم بالمال، ليصبحوا في خدمة استراتيجية تخريب قومي متوارية وراء الأبحاث، فليس من المنطقي لباحث جادّ يحترم عقله أن يقوم ببحث جادّ وعلميّ لينشره مجانًا من خلال قطر…، فالأمر هو التمويل القطري…

كيف يذهب المثقفون إلى هناك دون التورّط في تعاقد؟! لا ندري، إن كان غير المال، ما هو وراء ذلك؟
في سياق ترتيبات عزمي بشارة لشراء المثقفين، يواصل بشارة ربط من كانوا به قبل رحيله في الأرض المحتلة بشقيها ١٩٤٨ و١٩٦٧، ويضيف مراكز أبحاث في الوطن العربي ترتضي العمل لصالحه وباحثين أفرادًا جددًا، ولاسيما معلنين في جامعة بيرزيت ومع موظفي/ ات الأنجزة للعمل لصالح المركز الذي أقامته له سلطات إمارة قطر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. (ص١٦٨).
ويذكر سمارة أن المؤتمر الأول لمركز الأبحاث كان بعنوان (الثورات العربية والتغيرات الجيوستراتيجية) في ٢٠١٢، وبمشاركة أكثر من ٧٠ مركز بحث عربي، وأكثر من ٥٥ باحثًا وأكاديميًّا من المنطقة. (ص١٦٩).

هذه بعض ملامح ذلك الدور الإجرامي لعزمي وقطر، وإلا فإن الكلام في هذا الموضوع أكثر وأوضح مما ذكره المؤلف، لكن عذره أنه لم يكون هذا هو موضوع كتابه.
والسلام،،،

وكتبه: خالد بن عبدالله الغليقة

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
خالد الغليقة
  • مقالات
  • الصفحة الرئيسية