اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/khojah/154.htm?print_it=1

منابع التغريب

د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه


بسم الله الرحمن الرحيم


خلاصة:
المطلوب من هذا الموضوع: تحديد منابع التغريب؛ موضوعا، وغاية.
والهدف من ذلك التحديد: التوصل إلى طرق إيقاف ومنع حركة التغريب.
والعلة لذلك: حفظ الدين، بقصد التقرب، والتخلص من موبقات التغريب.
 

* * *

في تحديد المنابع بدقة؛ بشمولية جامعة، مانعة: قطع لنصف المسافة تجاه الهدف.
أما النصف المتبقى ففي معرفة طرق إيقاف ومنع التغريب.
والإيقاف يكون بأمرين، هما: قطع الإمداد، وردم المتشكل القائم.
فهاهنا عمليتان:
الأولى: قطع الإمدادات عن العملية التغريبية.
الثانية: ردم كافة الأشكال القائمة منها.
فكيف ذلك ؟، ومن الذي يقدر ؟.
لنرجع أولاً إلى النصف الأول من المسافة؛ لتحديد المنابع: موضوعها، وغايتها.
 

* * *

1- المنابع.
المنابع هي النقاط التي ينطلق منها المشروع التغريبي، وهي نقاط حية. وفي العادة هي سلاح يصلح استعماله في الجانبين: النافع، الضار.
وهذه هي الفتنة ؟!!.. فبجانبها النافع يُلبّس ويُعمّى عن الضار ؟!!.
ويمكن حصر المنابع فيما يلي:
أولا: السياسة.
في صورة ضغوط سياسية، تمارسها القوى المهيمنة بواسطة أدواتها، كمجلس الأمن، وهيئة الأمم المتحدة، ولجانها المتعددة: على الدول الضعيفة – والإسلامية خصوصا منها – لتنفيذ خطط التغريب، تحت شعارات: الإصلاح، والديمقراطية، والتعددية، والليبرالية، وحقوق الإنسان (= المرأة بالأخص، والأقليات الدينية، والمذهبية، والعرقية).
وفي بعض الحالات تلجأ إلى الحروب المباشرة؛ لفرض التغريب بالقوة، كما حدث في احتلال أفغانستان والعراق، تحت ذريعة حرب الإرهاب.
ثانيا: الاقتصاد.
في هيئة تحولات اقتصادية كبرى، تهيء لخطط التغريب. هذه التحولات تتركز في صور:
التجارة الحرة، والتي تجيز كافة أنواع البيوع، حتى المحرمة عينها، ووسيلتها، من غير نظر إلى دين أو خلق سوى زيادة الأرباح.
توسيع دائرة عمل المرأة، ودخولها سوق العمل المختلط.. تحديدا، وقصدا، وتخطيطا؛ إذ هي نقطة رئيسة كبرى في العمل التغريبي، وعامل جذب في الجانب الاقتصادي.
وهذا العامل من أخطر الأدوات والمنابع؛ إذ الاقتصاد يتخلل كافة مفاصل الحياة، فصبغه بالشكل التغريبي يعني: امتداد تأثيره وشموله كل الأفراد والأسر.؟!!!.
فالتجارة – وهو نشاط عام لا يستغني عنه الأفراد والمجموعات - لا تتأتى إلا بالنظم الغربية، من: بنوك، وتأمينات، وبورصات، وأسواق أسهم، وكلها فيها ما فيها من المحرمات، والشبه، والمشتبهات.
وفي البدايات يتاح للمرأة أن تختار العمل في نشاط أنثوي منعزل، لكن مع سريان حمى الاختلاط في كل مكان: لن تجد إلا العمل المختلط، فتضطر للدخول في دائرة العملية التغريبة؛ كي تقتات وتعيش أسرتها، ولن تجد أسرتها إلا هذا الطريق لها.
ثالثا: الثقافة.
هي ثقافة بديلة، تنّظر وترسّخ التغريب، تقوم على فكرة الحرية الفكرية، وإبطال كل الموانع، بدعاوى الإبداع والفن، تستعمل فيها: الصحف، والمجلات، والروايات، والكتب، والقصص.
وصورة التغريب هنا هي: اختراق كافة النقاط المحرمة في الدين والأخلاق والقيم.
بالكلام في: الذات الإلهية، والمقام النبوي، والدين، والتراث, والسلف. بكلام غير مقدِّس، ولا معظِّم، وفيه كثير من الجرأة والتنقص.
وطَرْق الأفكار الإباحية بشكل علني مكشوف غير مستتر.
وفي مقابل هذا الحطّ للثقافة الإسلامية، هناك رفع من شأن الثقافة الغربية ورموزها !!.
رابعا: الإعلام.
وهي: أدوات مرئية، ومكتوبة، ومسموعة. تستعمل بكثافة في الدعاية لكافة أشكال وصور التغريب، حتى ترسخ هذه الأحوال الجديدة في الأمة والمجتمع، فتغدو مألوفة، هي الأساس.
فوسائل الإعلام قناة لإيصال ما ينتج عن منابع التغريب، وتقريبها وعرضها في صورة مقبولة غير مرفوضة، تستعمل كل أنواع الإغراء والجذب ناحية الغرب.
خامسا: المجتمع (المرأة).
بتغيير مفاهيم المجتمع حيال العلاقة بين المرأة والرجل، من: التكامل، والتمايز، والتفاضل إلى المساواة.!!. لينتج عن ذلك: دفع المرأة إلى خارج البيت، وتوطينها في الأعمال الرجالية.
وهذه الخطوة ستؤدي حتما إلى تناقص الزيجات، وتآكل الأسر، والتجارب السابقة (= في الغرب، والشرق) شاهدة، مع انتشار المحرمات الأخلاقية، وفق الصورة الحاصلة في الغرب.
وهذا العامل من أخطرها؛ إذ تعداد النساء يوازي تعداد الرجال، فإخراج نصف المجتمع إلى الميادين يفرض عملية التغريب بقوة، وفي مدة وجيزة؛ إذ من أساسيات التغريب: التحلل الخلقي. وبالأكيد ذلك حاصل مع اجتماع الرجل والمرأة في مكان واحد.
سادسا: البعثات.
نوع من البعثات، لا يراعى فيها تحديد العلوم الضرورية للمسلمين، التي تضطرهم إلى الابتعاث: هو المعدود من منابع التغريب، لا كلها. وذلك حين:
تفتح البعثات في كافة العلوم، حتى المتوفرة في بلاد المسلمين، والعلوم التي لا فائدة منها.
ابتعاث حداث الأسنان من طلاب الثانوية، والطالبات. فإن في انفتاح هذه الفئة على أمم ودول تمارس الإباحية والتفسخ الفكري والخلقي بكل حرية: مضر بها، ويتسبب في صنع جماعات منها، تحمل همّ التغريب، كما قد حصل.
ابتعاث الفتيات؟!!.. فجانبهن ألين، وتأثرهن أكبر.. ومن الكوارت التي ألمت بالأمة في هذا الوقت: دفع المرأة المسلمة لتقيم بين ظهراني أهل ملة لا تدين بالإسلام، وكثيرا ما تكون وحيدة.!!.. المرأة التي أمرنا بصونها وهي بين ظهرانينا، صرنا نرميها بين ظهراني قوم، نهي الرجال عن الإقامة الدائمة بين ظهرانيهم، إلا لعذر شرعي.. وأين هذا العذر في هذا الابتعاث؟!. ولولا وجود جاليات مسلمة هناك، وأناس لهم جهد في الدعوة: لكانت الطامة كبرى.
 

* * *

هذه المنابع ستجعل المسلمين نسخة لشعوب أوربا وأمريكا؛ في حرية الفكر، والسلوك، والإباحية، والإلحاد، والتفسخ، والتدين..!!.
فالمقصود من العملية التغريبية: قلب أوضاع البلد الإسلامي لتكون صورة طبق الأصل عن أوربا وأمريكا في نواحي الضعف، لا نواحي القوة: السياسية، والاقتصادية، والثقافية.!!؛ أي إنها ستجلب إلى البلاد الإسلامية كل مشكلات وبلايا الحضارة الغربية، دون الحسنات والمحاسن.
ودعاة التغريب أكثر جهدهم يرتكز في هذا الاتجاه، ولو انتقدوا بهذا لقالوا: لا تتأتى حسنات هذه الحضارة ولن نحصل على محاسنها، من غير أن نتذوق سلبياتها، ومخاطرها..!!!.
ها قد ذاقت الدول الإسلامية (= تركيا، مصر، الشام، والمغرب العربي) التي داخلها التغريب، سلبيات وسيئات الحضارة منذ خمسين سنة، إلى مائة سنة، فأين هي عن حسناتها إلى اليوم ؟!!.
وأبرز ما قد يحتج به المعترض: المثال الماليزي في التقدم الصناعي، والنهضة التجارية.
لكنها تبقى دون الغرب بمراحل حتى في هذا الجانب، مع ضعفها السياسي والعسكري الواضح.
فهذا حال أمثلها طريقة، فما بالك بما دونها ؟.
 

* * *

2- تغريب.. لكن بيد من ؟.
بهذه الكلمات نكون قد قطعنا نصف الطريق.. ويبقى النصف الباقي.
كيف يمكن وقف إمداد الحركة التغريبية ؟.
وكيف يمكن إزالة كافة أشكالها القائمة ؟.
يبدو أننا نصارع إعصارا، أو بركانا، أو زلزالا.. لا يقف أمامه حتى المحتاط، فليس له إلا الفرار والنجاة بما تيسر، دع عنك الغافل !!!.
هل في هذا وهن أو يأس ؟.
كلا، بل ليعلم: أن النصر الإلهي لا يأتي إلا في ظروف كهذه مشابهة، قال تعالى:
{حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين}.
لكن بشروطه المذكورة في قوله:
{وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط}.
فمهما بلغوا من القوة والحيلة، فإنه بالصبر والتقوى تنقلب الأمور، فإذا بقيت فلبقية من حظ النفس بقيت، أعاقت تحقق الشرطين كليهما، أو أحدهما.
وهذه هي المعضلة الكبرى ؟!!.
ليست المعضلة في أن مكرهم لتزول منه الجبال.. أو أنهم علوا في الأرض، وجعلوا أهلها شيعا، يستضعفون طائفة؛ يقتلون أبناءهم، ويستحيون نساءهم.
وليست المعضلة أنها فتن كقطع الليل المظلم، يظل فيها الحليم حيرانا.
ليس لأن في الأمة مفتونون، وأصحاب مصالح خاصة.. هم وقود هذا التغريب.
كلا، فلن يستحل البيت إلا أهله.. ولن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.. قل هو من عند أنفسكم.
فالوعد الإلهي لن يتخلف: {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا}.
فإذا فقد الصبر والتقوى: دارت عجلة التغريب، وسارت بالسرعة التي تتباطئ إزاءها عجلة الصبر والتقوى.
والحقيقة الموجعة: أن جمعا من المعارضين للتغريب، هم اليوم يقدمون دعما مجانيا لهذه العملية، وهم لايشعرون..؟!!!.
وفي محكم العقل والتنزيل: غير محال أن تصدر الإساءة بقصد الإحسان.
وعلة هذا الدعم: فقد الصبر والتقوى.. فكل من فقدهما صار وقودا للتغريب هو أيضا.
 

* * *

الاستعجال يتجلى في ثلاث صور، هي:
أولا: اليأس والانعزال.ينتج عن قلة الصبر مع تنزيل نصوص العزلة على الوقت.
وبهذا يُخدم التغريب؛ إذ لو فرض أن الأمة بكاملها قامت وجه التغريب، لكان عليها بذل جهد غير محدود.. فكيف والذي يقوم في هذا قلة قليلة أقل من النادر نفسه، ثم جاء من هؤلاء من آثر العزلة ؟.
إنه كمن ترك ثغرا، لينفذ منه العدو وقت حرب.. أليس قد أعانه بذلك ؟.
ثانيا: استعمال العنف.للشعور بالضغط المتنامي، والخسائر المتوالية في المباديء والقيم والإيمان؛ بغية إحراز نصر قريب، فتُستحل الدماء والأموال المحرمة بأدنى شبهة.؟!!.
هذا الفعل يخدم التغريب؛ إذ يضعف المسلمين أولاً، فيجعلهم رهن الضغوط الغربية، وتهديدها، فيضطرون لتقديم كثير من التنازلات لصالح التغريب، وتقل وتضعف لديهم الممانعة، وهذا ظهر بوضوح بعد أحداث 11 سبتمبر، لمن قارن بين ما قبل وبعد هذه الواقعة.
ثالثا: تغيّر المواقف الشرعية. لبعض المنتسبين للدعوة والعلم، في قضايا محورية تتعلق بالسياسة، والاقتصاد، والفرق، والأديان، والمرأة.
والباعث على هذا أحد أمرين: محاولة مسايرة العصر، وإعمال فقه المقاصد.
فأما الآخذ بالأول (= مسايرة العصر) فأحد رجلين:
الأول: رجل ملّ الصبر والثبات، فطلب الراحة بالمسايرة والموافقة، وأعجبه أن يجد من الأقوال السابقة والمعاصرة ما يبرر هذا التغير شريعة، فقال به، وصار التفتيش عن الآراء المخالفة مبدأ له.
الثاني: رجل عمل بمبدأ: "الضرورة تبيح المحظورة"، فرأى الوقت يجيز التخفف والترخص واستعمال الأعذار الشرعية، ولو إلى حين، ريثما تصلح الأحوال.
وأن المصلحة تطلب ذلك، حتى لا تعظم المفسدة، فيبغض الناس دينهم.
وأما الآخذ بالباعث الثاني (= فقه المقاصد)، فهو رجل ظن أن كثيرا من الآراء والمواقف السابقة لم تتبلور عن تحقيق علمي، إنما عن عاطفة وتقليد وخضوع مطلق، وقد آن الوقت لمراجعة ذلك، واتخاذ المواقف عن بصيرة وعلم محقق.
فنرى في تغير المواقف أصنافا ثلاثة:
فمتبع الهوى، يستبدل الأدنى بالذي هو خير بتخففه، وتحلله من حدود الشريعة.
مجتهد في اتباع المصلحة ودفع المضرة، بارتكاب أدنى المفسدتين.
قاصد تحقيق المسائل، وتمحيص المواقف بعد مدة من التسليم المطلق.
 

* * *

وبما أننا بصدد بيان الفئات التي تعين على العملية التغريبية:
فإن هذا المتبع الهوىلا ريب هو معين؛ فإنه متخذ مبدأ: أن كل خلاف هو مسوغ ومبيح للأخذ به، ولو كان خلافا بدعيا أو شاذا.
وبهذا سيجد لكثير من قضايا التغريب وموضوعاته دعما وسندا من هذه الأقوال، لتنسب إلى الشريعة، فيظن الناس: أن الشريعة لا تمانع من الأمور التي ينادي بها أهل التغريب !!.
أما المتخذ مبدأ الضرورةفإنه إن توسع، فلم يضبط مذهبه، ولم يبين للناس علة ما ذهب إليه من التخفف، وأنها حالة استثنائية، كأكل الميتة للمضطر، ليست دائمة ولا أصل: وإلا فهو معين.
فدعوته تقوم على تجويز وتسويغ ارتكاب طائفة من المحرمات لغيرها، بداعي الضرورة والحاجة، وليس التغريب إلا ارتكاب المحرمات لذاتها ولغيرها، لكن بالدوام والاستمرار.
وأما القاصد تحقيق المسائل، فعمله جليل، فالتقليد الأعمى مذموم، وكل عالم وطالب علم يدرك أن ثمة مسائل هنا، المواقف فيها لم تخل من خطأ: كالموقف من المخالف: الكافر، والمبتدع، والعاصي، ومن يظهر منه نفاق. حيث البراءة التامة، الخالية من أي نوع من البر والإحسان.!!.
من دون التفريق بين الكافر المحارب وغير المحارب.. والداعي إلى بدعة، والمنتسب إليها..!.
وإهمال المنهج النبوي في التعامل مع الذي يظهر منه نوع نفاق.. والتشديد في بعض مسائل الفقه، كالمنع المطلق من الأخذ من اللحية، أو تحريم كافة أنواع التصوير.. إلخ.
فالمراجعة لتحقيق المسائل أمر مطلوب، ليقع المسلم على حكم ربه بيقين أكثر..
غير أن المحذور هو الدخول في المسائل لا بطلب تحقيقها، بل لاستخراج أقوال أخرى غير ما هو سائد، مع استصحاب دعوى التحقيق العلمي تسترا، وليكون سيفا مصلتا على المعارض.
ومحذور آخر هو: الدخول بقصد التحقيق، لكن في هوى النفس: أن لو استطاع إبطال ما خالف رأيه من الأقوال السائدة.
في هاتين الحالتين تنقلب العملية كلها من هدف نبيل، وجهد مبارك، إلى عون للتغريب..!!. فكل عمل لم يخلص فيه لله تعالى فداخله الهوى، فإنه غير موفق، وصاحبه إلى الزلات أقرب، والزلات أحلى صيود أهل التغريب.
 

* * *

وبالعموم، في كل الحالات الثلاثة: وجدنا إعانة للتغريب.
فالأول إعانته خالصة، والثاني والثالث فيهما إعانة؛ في حالة إساءة استعمال القواعد الأصولية، أو عدم تنقية النفس من هواها وحظها.
وهكذا، فبعد أن كانت الحرب الفكرة مستعرّة حول قضايا التغريب: إذا بهذه القضايا عينها تغدو من مفردات المناهضين للتغريب؛ ينظّرون لها شرعا وعقلا. مثل: الديمقراطية، والتعددية الدينية والمذهبية، والحرية، وعمل المرأة مع الرجل ؟!!..
نعم هناك فرق.. لكنه فرق لا يميزه إلا المختص والمدقق، أما غيرهم فلا يرون إلا التشابه والتوافق؛ إذ يستعمل الفريقان المصطلحات نفسها، واللغة نفسها.
وأهل التغريب يفصحون عن مرادهم، عكس خصومهم بالأمس؛ فكلامهم غير مبين، من أراد أن يفهمه في سياق التغريب فله ذلك، ومن أراد أن يفهمه في سياق ضد ذلك فيمكنه ذلك.!!.
فالخطأ الذي يعين على التغريب:
عدم تحديد حدود الضرورة التي تبيح المحظورة.
وما الأصل في الأحكام، وما الاستثناء ؟..
وما الأمور التي يجوز فيها النظر والاجتهاد، والذي لا يجوز ؟.
هذا هو محل الفقه، والحاجة إليه ماسة ؟.
ومن دون تحديده سيظل التغريب يجد مستندا ودعما، ممن يفترض فيه أنه مناهض؛ ولا أثر للقصد من عدمه؛ لأنه في نهاية الأمر هو دعمٌ كيفما كان.
كمن يدعو إلى خروج المرأة لتشارك الرجل عمله، يستدل بما تشابه من النصوص، ويترك المحكمات، وعلى رأسها الحجاب؛ فلا معنى له كليا إذا صارت المرأة قرينة الرجل، وصديقته في العمل، والمدرسة، والسوق، والشارع.
فهذا الموقف أكبر دعم لهذه العملية، التي ترتكز بشكل أساس على تغريب المرأة المسلمة.. فعدد النساء في المجتمع يتجاوز النصف، وذلك يعني تسارع التغريب، إذا ما خرجت المرأة.
كيف يدعو إلى شيء لا يملك زمامه ولا خطامه.. فهو إنما يهيء للتغريب ؟!!.
ومثل آخر: لقد خدمت بعض الفتاوى والمواقف التغريب في الاقتصاد، حتى دخل الناس بأموالهم في أسواق أقرب ما تكون إلى المقامرة منها إلى البيع الحلال، فخسر الألوف مليارات الدولارات في أيام...
وكان المؤمل إنشاء مصارف إسلامية، تريح الناس من جشع البنوك الربوية، وامتصاصها لأموال الناس، فإذا بهذه المصارف لا تقل شراهة، ولا تختلف هيكلتها وأساليب تعاملاتها كثيرا عن البنوك، سوى أنها لا تأخذ الربا، ولا تعطيه. فلم تقدم خدمة حقيقية للمجتمع، تنفي عنه الفقر والعوز، وترفع من مستوى الدخل، بل كرست النظام الرأسمالي الغربي، فكانت أداة في تغريب اقتصاد الأمة، ومكملة لما بدأته البنوك في هذا الباب.
ضاع الأمل في اقتصاد إسلامي، بل سرعان ما انقلبت بعض البنوك إسلامية، بعد أن وجدت أن طريقها وهدفها الأول والأخير، وهو الربح المستمر، المضمون، المتزايد، الخالي من أية مخاطرة: يمكن تحقيقه من طريق الفتاوى الشرعية.
وهو طريق مهما قيل عن شرعيته، فإن متسبب في تكدس المال في يد فئة، ونزعه من أيدي الناس، ليضطروا إلى التسول ..!!.
لقد اختلط عدم الصبر بعدم التقوى، فمنهم من جمع بينهما، فتناول مسائل مهمة بكثير من الجرأة، وقليل من التقوى.. والنتيجة هي التي رأينا.
 

* * *


وأخيرا:فإن من أخطر ما يعين على التغريب: التفرق والاختلاف. قال تعالى:
{ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين}.
هذه الآفة أكلت منا وشربت.. وقد كان الناس زمنا يفرح أحدهم برجل عليه آثار السنة، واليوم زال الفرح وساد محله التوجس والحذر، وسوء الظن ؟!!.. وكثر الشقاق والانشقاق.. وانشطرت الجماعة شيعا وأحزابا، كل بما لديهم فرحون.
ويأخذك العجب، أن بعضهم يسلق بعضا بألسنة حداد، أشحة على الخير..كلهم يدعي حرب الضلالة.. فتتساءل: أهؤلاء إخوة في الإسلام ؟!!.
تخلت عنهم الرحمة، وزرعت بينهم العداوة والبغضاء، حتى إنهم لم يتعلموا نهج النبي صلى الله عليه وسلم في معاملة المخالفين، من مبتدعة وعصاة.

* * *

قد جرى الكلام في تحديد منابع التغريب، كما هو المطلوب عنوانا، بالقدر الذي سمحت به هذه الفرصة، وفي التحديد بيان لطرق منع إمداد التغريب، وردم المتشكل منه بالإجمال؛ أي باجتناب الخطأ الواقع في كل حقل ونشاط سبق ذكره.
أما البيان المفصل، فذلك جهد آخر، يحتاج إلى فرصة أخرى. وإن الثقة كاملة في الذين يقرءون هذا الموضوع: أنهم مؤهلون لمعرفة وإدراك تفاصيل المدافعة.


* * *

 

د.لطف الله خوجة
  • محمد صلى الله عليه وسلم
  • المرأة
  • التصوف
  • الرقاق
  • الآخر
  • معالجة
  • وصية
  • قطرة من الروح
  • الصفحة الرئيسية