صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







أهانوا المصحف..؟

د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه

 
في "غوانتنامو" أهانوا المصحف..!!.
رموه في المرحاض..!!.
يستفزون به إيمان السجناء.!!.
تحدٍ في خصومة غير عادلة..؟!.
من قبل أهانوا بلاد المسلمين: احتلوها حربا، أذلوها قسرا.
أبادوا خلقا: صغارا، وشيوخا، ونساءا..
دمروا: بيوتا، طرقا، مدارس، مستشفيات، قرى، مدنًا..
حرقوا: شجرا، وبشرا، وأرضا، ورجالا..
دنسوا المساجد، قصفوها، وهدموها، وقتلوا من لجأ إليها: ضعيفا، كسيرا، شيخا كبيرا..
كل ذلك فعلوه أمام أعين جميع المسلمين، ولما لم يجدوا ردا، بل سكوتا، رعبا وخوفا، واسترضاء وحبا: طغوا، وعتوا عتوا كبيرا؛ فأهانوا المسلم، والمسلمة. واعتدوا على نفسيهما.. على عرضيهما، على المحرم منهما: عروا هذا، واستخفوا به، فصوروه كذلك.. وتلك اقتحموا بيتها، خدرها..جروها من يدها، ورجلها، ثم سجنوها واغتصبوها.
فعلوا ذلك كله، فما رأوا ؟!!..
ما رأوا إلا خيرا..!!.. لم يروا من الشر شيئا.
فاجترءوا على أكبر من ذلك: اجترءوا على أعظم مقدس.. على كتاب الله.. على كلام الله.. على القرآن الكريم.. على القرآن العظيم.. المجيد.. على السبع المثاني..؟!!.
أهانوا البلاد، ثم سكانها، ثم مقدساتها، ثم إيمانها، ثم قرآنها.. فماذا بقي ؟.
حتى نبيها صلى الله عليه وسلم سبوه، وشتموه، وقالوا فيه القول الأكبر، فماذا بقي..؟.
بقي مسجد الكعبة، ومسجد المدينة، والمرقد الشريف..!!.

* * *

ليس غريبا على محارب للإسلام أن يهين المصحف، فإن المحاربين هكذا يفعلون، كما قال تعالى:
- {إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون * وإذا مروا بهم يتغامزون * وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين * وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون}.
وفي غزوة تبوك استهزأ جمع من المنافقين بالقراء، فقالوا: (ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء: أرغب بطونا، وأكذب ألسنا، وأجبن عند اللقاء)، فأنزل الله تعالى قوله:
- {يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبؤهم بما في قلوبهم قل استهزءوا إن الله مخرج ما تحذرون* ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبا الله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين}.
فالمستهزء بشعائر الله تعالى، كالقرآن العظيم، إما محارب، وإما منافق، وكلاهما مجرم، وقد نهى الله تعالى المؤمنين عن ولاء الكافرين، وكان مما علل به حكمه هذا: أنهم يستهزءون بدين المسلمين. فقال:
- { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين * وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون}.
فهذا اختبار.. صدق الانتماء، يضاد الرضى بالانتقاص.
فكل من انتمى لفكر، أو لعقيدة، أو مذهب، أو دولة، أو جنس..كل رابط جامع. وكان صادق الانتماء، فلا يرضى أبدا، في أي حال من الأحوال: أن يمس جانب هذا الانتماء بأي شيء فيه: انتقاص، أو سخرية، أو استهزاء، أو إهانة. فإن رضي بشيء من ذلك، فذلك علامة انحلال الرابط، وبطلان الانتماء. فلا يمكن الجمع بين الانتماء إلى رابط، والرضى بانتقاص ذلك الرابط.
وهذا أمر متفق عليه بين جميع العقلاء، فكل جماعة وأمة تنبذ من يقبل الانتقاص من شعائرها، وعلامتها:
- إن كان من أبنائها، حاسبته، وعاقبته.
- وإن كان من أعدائها، تبرأت منه، فإن قدرت أعلنت عليه الحرب.
هذا لأنها في نظرها مقدسة، المساس بها يضر الجماعة كلها، يضر بقاءها، ووجودها، فإنه مشروط بسلامة شعائرها، التي تميزها، فإذا انتهكت الشعائر، انحل وبطل الرابط، فبطلت الجماعة والأمة.
وإذا صحت هذه القاعدة في سائر الروابط، التي يخترعها بنوا البشر: فإنها في الرابطة التي شرعها الله تعالى أصح وأوجب؛ لأن الحامل عليها داعيان، أحدهما أقوى وأشد من الآخر:
- الأول: الجبلة البشرية، التي تحب الاجتماع؛ فلأجله تبحث عن شيء تجتمع عليه.
- الثاني: الأمر الإلهي، الواجب اتباعه، الآمر بالاجتماع على شعائره.
فالدين رابط يحل محل كل الروابط، وهو أقوى منها كلها، ويغني عنها، ويتفق مع جبلة البشر في حب الالتفاف حول رابطة، وبهذا يجتمع الداعيان.
فالله تعالى خاطب المؤمنين فنهاهم أن يتخذوا اليهود والنصارى والكفار أولياء، وعلل أمره هذا بعلل، منها:
أنهم ينتهكون رابطتهم، بالاستهزاء، واللعب بشعائرهم.
وغايتهم من هذا الاستهزاء والسخرية أمران:
- الأول: تهوين شعائر الدين في نفوس المسلمين.
- الثاني: التنفيس عما يعتلجه صدورهم من الغيظ والكراهية تجاه الإسلام.
والأول مقنن مقصود، يراد به صرف المسلمين عن دينهم، فإن الشيء المنتقص المهان لا وزن له ولا قدر؛ لذا كان من الخطر الكبير السكوت، إذ يفضي إلى انحلال الرابطة، التي هي الدين، لو تهاون المؤمنون، فلم يتخذوا إجراء حاسما:
- أصله وأوله: البراء منهم؛ بمعنى بغض دينهم، وبغض المحاربين منهم، وعدم نصرتهم على المسلمين.
- وفرعه: الرد عليهم بما يناسب حالهم، من إقامة الحد على من كان منهم تحت المسلمين، أو عدّه محاربا.
إذ قبل التهوين والانتقاص يفضي إلى تسلل المسلمين إلى روابط أخرى، ولن تكون إلا روابط جاهلية.
إن تأمل هذا المعنى يفيد جدا في فهم: لم كان البراء من الكافرين أهم أمور الدين..؟.

* * *

لقد جاء استنكار المسلمين متأخرا، فحوادث إهانة المصحف لم تكن وليدة الأيام الأخيرة، بل منذ سنة وزيادة، حكى ذلك السجناء في: أبو غريب، وغوانتنامو، وأفغانستان. والذي حصل أن الخبر هذه المرة جاء في مجلة نيوزويك الأمريكية المرموقة، فكان هذا إقرار منهم بصدق الحادثة، فأهاج المسلمين، وما تحرك الخواص إلا بعد أن تحرك العوام، الذين خرجوا غاضبين لكتاب ربهم، فقتل منهم من قتل، حينذاك تحرك من كان يجب أن يتحرك أولا.!!. مما ينبؤك أن الداء الذي بالمسلمين ليس في العوام فحسب، بل الخواص كذلك، فإنه في مواقف كثيرة يكون للعوام مواقف نصرة وعزة للإسلام أكثر مما للخواص..!!.
العوام تأخذهم العاطفة بصدق الإيمان، بينما الخواص يحبسهم العقل بقيد الوهم والخطأ في الحسبان.. ومنه يعلم أن العاطفة ليست مذمومة في كل حال، كما أن العقلانية قد تكون سبب البلاء والخذلان.
بادرت المجلة إلى التراجع عن الخبر، وادعاء أنها أخطأت، وأن الخبر ليس بصحيح..!!.
هكذا قالوا: لكن الخبر توارد من مصادر عديدة، ورأينا ذلك عند اقتحام الجنود المساجد المطهرة في العراق.. وإننا هنا لنسجل موقفا للإسلام، كيف يتعامل مع مخالفيه؛ فإنه لم يعهد عن المسلمين أن أهانوا توراة اليهود ولا إنجيل النصارى.. وما سمعنا، ولا بلغنا أن المجاهدين: رموا بالكتاب المقدس في القمامة أو المراحيض.
فتحوا بلدانا كثيرة، فلم يتعرضوا لأديان أهلها بإساءة، ولا لمعابدهم بتخريب أو هدم، إنما تركوا لهم حرية أن يتعبدوا كيفما شاءوا، بشرط ألا يعلنوا بها في بلاد الإسلام.
هذا مع أن الإسلام يقرر بطلان كل تلك الأديان، بما فيها اليهودية والنصرانية، وأنها قد حرفت، وبدلت، يقر مع ذلك حسن رعاية أهلها، وكتابهم، ومعابدهم..
فانظر كيف نعاملهم، وكيف يعاملوننا، مع أن ديننا هو الحق، ودينهم هو الباطل ..!!.
ألا يقدم هذا دليلا على صحة الإسلام وبطلان اليهودية والنصرانية؛ إذ الإسلام لما كان من عند الله عصم أتباعه من الظلم، ولما كانت اليهودية والنصرانية محرفتين، عبث بها الأحبار والرهبان، ملئت بالهوى، فأطلقت أيدي أبنائها ظلما، وعتوا.. فكنا نحن وهم كما قال الشاعر:

ملكنا فكان العفو منا سجية *** فلما ملكتم سال بالدمّ أبطح
فحسبكم هذا التفاوت بيننا *** وكل إناء بالذي فيه ينضح

فالمسلمون رحمة، وغيرهم عذاب ونقمة، قال تعالى: { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}.
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د.لطف الله خوجة
  • محمد صلى الله عليه وسلم
  • المرأة
  • التصوف
  • الرقاق
  • الآخر
  • معالجة
  • وصية
  • قطرة من الروح
  • الصفحة الرئيسية