صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







القرآن والصراع الحتمي

د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه

 
كان الصحابي أسيد بن حضير رضي الله عنه في ساحة بيته، يقرأ سورة البقرة، وفرسه مربوط عنده، وبينما هو كذلك إذ جالت الفرس، فسكت فسكنت، فقرأ فجالت، فسكت وسكت الفرس، ثم قرأ فجالت الفرس فانصرف، وكان ابنه يحي قريبا منها، فأشفق أن تصيبه، فلما اجترّه رفع رأسه إلى السماء، فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح، فعرجت حتى ما يراها، فلما أصبح حدث النبي فقال له:
( تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها، لا تتوارى عنهم) [رواه البخاري، فضائل القرآن، باب نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن 9/63]

- كيف كان هذا الصحابي يقرأ القرآن ؟..
- كيف كانت قراءته التي لها دنت الملائكة لتستمع، وكادت أن تشرف للناس في الطرقات لو مضى في قرآنه؟.


- هذه الحادثة لم تقع لأسيد وحده، بل وقعت لصحابي آخر كان يقرأ سورة الكهف، ووقعت لثابت بن قيس أيضا عندما كان يقرأ سورة البقرة. [انظر: الفتح 9/57] وربما وقعت لغيرهم، لكنهم ما أخبروا ولا نشروا. فما قصة هذا القرآن ؟!.

* * *

حياة القرآن

لعل في الأثر التالي ما يشرح لنا حقيقة الأمر:

أخرج أبو إسماعيل الهروي في [دلائل التوحيد]، عن محمد بن إسحاق، عن أبيه: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم:
- " اليوم فقدنا الوحي، ومن عند الله عز وجل الكلام". [انظر: حياة الصحابة 2/346 ]

ماذا يعني فقدان الوحي؟.

إنه يعني انقطاع تنزل الآيات القرآنية؟، وقد كان هذا الأمر شاقا على الصحابة، وألمهم وحزنهم لأجل ذلك أعظم ما يكون، وهو أعظم أسباب حزنهم على موت النبي صلى الله عليه وسلم، فعند البيهقي:

- قال أبو بكر بعد وفاة النبي لعمر: " انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها"، فلما انتهيا إليها بكت، فقالا لها:" مايبكيك؟، ما عند الله خير لرسوله"، قالت: "والله ما أبكي أن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسوله، ولكن أبكي أن الوحي انقطع من السماء"، فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان، وفي رواية أنها قالت: "أبكي على خبر السماء كان يأتي غضا جديدا كل يوم وليلة، فقد انقطع ورفع فعليه أبكي". [انظر: حياة الصحابة 2/346]

إن الصحابة كانوا يفهمون القرآن كما أنزل، يدركون القضية الكبرى التي تدور حولها الآيات، لأنهم عاشوا التنزيل لحظة بلحظة، كان القرآن ينزل بعد كل واقعة أو ملمة مبينا حكم الله، مصوبا أو مصححا لما قد يحصل من خطأ، مزيلا بذلك الحرج والقلق من نفوس المؤمنين، كما حدث ذلك في غزوة بدر وأحد والخندق وحنين وحادثة الإفك، كلها أحداث جرى ذكرها في القرآن.

كانت تلك الآيات تحكي للمؤمنين ما كان قد حصل منهم، وما كان ينبغي فعله، وهي في تلك الأثناء تبشرهم وتثبتهم، فتبث في قلوبهم الطمأنينة والشفاء، وتهديهم للتي هي أقوم..

والصحابة يعرفون أسباب نزول الآيات ومواضعها آية آية، كما ورد عن ابن مسعود وغيره؛ ومنه كان قرآنهم قرآنَ متمعنٍ مدركٍ لأحداث الآيات وواقع السور، فاهم للمقاصد..

كانوا إذا قرءوا تمثلت الأحداث أمام أعينهم، كأنها رأي العين، فهذه نزلت في وقعة كذا في يوم كذا لأجل كذا، وهذه في يوم كذا لأجل كذا، وهكذا؛ فإنهم حين يقرءون يشعرون بحقيقة الأحداث المرتبطة بالسور، ويشعرون بنعمة الله عليهم، إذ ما من محنة إلا وكان القرآن مخلصا منها بتوجيهاته وهدايته، فلولا هذا الوحي لهلك الناس؛ ومن هنا كان الصحابة يبكون عند قراءته:

- كان أبو بكر إذا أم الناس في الصلاة لم يتبين لهم ما يقرأ من اختلاط قراءته ببكائه.
- وكذا عمر يقرأ في الصلاة، فيبكي، كما ورد عن قراءته لسورة يوسف.

كان القرآن يفتيهم في كل ما يعرض لهم، ينزل غضا طريا كالماء البارد على الظامئ ..

لكن بانقطاع الوحي صار الأمر إلى اجتهاد البشر، وتأويلاتهم للأحداث، ومن ثم اختلافهم، نعم هنالك أصول وقواعد شرعية ثابتة، لكن العقول تتباين في فهم النص وتفسيره، ومن هنا فالخلاف حتم لا مفر منه.. أما حين كان الوحي ينزل للحكم في مسألة ما، مختلف فيها، فإنه كان يقضي على الخلاف، ويجتثه من أصله.

لقد كان انقطاع الوحي مصيبة كبرى، لم يشعر بها إلا الصحابة، الذين عاشوا تنزل الوحي من أوله حتى آخره، وذاقوا حلاوته، وشفاءه للصدور، ورحمته للعالمين.

* * *

- لكن قد يقول قائل: هؤلاء الصحابة خشعوا للقرآن لأنهم عاشوا تنزله، أما نحن فكيف لنا أن نخشع، ونحن لم نشهد ذلك؟.

وللجواب نقول:

إن القرآن لم ينزل لزمن محدودة، أو مكان محدود، بل هو هاد للبشرية جمعاء إلى قيام الساعة..

إنه يحكي حقيقة الحياة الدنيا، كما أنه يخبر عن حقيقة الآخرة، القرآن يحدثنا عن قضية واحدة لا غير، قضية عليها قامت السموات والأرض، وهي:

- العبودية الله تعالى أو العبودية للشيطان، والصراع الذي لا ينتهي بين الحق والباطل والإيمان والكفر.

فمن كان يعيش هذا الصراع الدائم، الواقع في كل أرض، وفي كل زمان، يحس به ويتمثله في نفسه، وفيمن حوله فسوف ينعم بالقرآن ويحيا معه، ومن كان يعيش بعيدا عن هذا الصراع، لا يدركه، ولا يدري به، يعيش لنفسه ولشهواته، فلن يفهم القرآن، ولن يدرك الغاية من تنزيله.

إن الصحابة وكل من خشع للقرآن، ما خشعوا إلا لأنهم فهموا حقيقته، وامتثلوا أمره، فهموا:

- أنه أنزل ليبين للناس: أن الدنيا موضع اجتمع فيه الشر والخير، والإيمان والكفر وأهلهما، فهم في حرب دائم لا ينقطع، تارة يظهر وتارة يتبطن، وأن الدولة والنصر لأهل الحق والإيمان، وأن الخسارة والهزيمة لأهل الباطل والكفر: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار}.

- عرفوا أنهم إن أرادوا أن يعيشوا هذا القرآن، فإنه يجب عليهم أن يعيشوا الحياة كما يصورها، ويقررها القرآن، فيتمثلوا الصراع في أنفسهم، وفيمن حولهم، ويستشعروا كيد الأعداء ومكرهم، ويعملوا على صده والوقوف في وجهه، وبدون ذلك لن يكون لهم إلى معرفة معاني القرآن سبيل.

فلذا انطلقوا في الأرض دعاة مجاهدين، فبذلوا كل وقتهم وأنفسهم في سبيل نصرة الحق ودفع الباطل، ومن حين ذلك صار القرآن ربيع قلوبهم، ونور صدورهم، وجلاء أحزانهم، وذهاب همومهم وغمومهم، وذلك أنهم كانوا يلقون كثيرا من: الأسى، والفتن، والأذى، والقتل. على يد أعداء الحق، فلا يجدون النصير ولا المعين ولا المسلي، فإذا رجعوا إلى قرآنهم، ونظروا فيه وتلوا آياته، رأوا فيه: النصر، والتفريج للكرب، والتسلية من الأحزان.

- فمن آسى لإعراض قومه وجد من الآيات ما يذهب أساه كقوله: { أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون}.

- ومن لقي تكذيبا وجد الدواء في قوله: {قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون * ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولامبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين}.

- ومن لقي الأذى والطرد والتشريد تعزى بقوله تعالى:{ والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوءنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ‎}.

- ومن هدد بالقتل في سبيل الله تعالى تسلى بقوله: { والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين * ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم}.

فالقرآن زاد وغذاء لكل مسلم حمل هم الآخرة، وهم الدعوة والإصلاح، إنه يعده ويمينه ويرغبه ويثبته، إنه يعلق قلبه بمولاه لاغير، يريه حقيقة الدنيا والآخرة رأي العين، فالدعاة لا يملونه، ولا يسأمونه، بل يهرعون إليه عند كل هم أو غم، فلو لم يكن للدعوة إلى الله فضل إلا التلذذ والخشوع بقراءة القرآن، وفهم معانيه، وإيثاره على غيره لكان جديرا أن يحرص عليها، كيف وللدعوة إلى سبيل الله فضائل أخرى لا تحصى ولا تعد:
- { ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين}.

* * *

إن القرآن بقي بين أيدي الناس محفوظا هاديا ومعينا وشافيا بما فيه من الإيمان والأصول والأحكام، ومع ذلك فقليل من يخشع له..

إن أكثر الناس لا يلتذون بقراءة القرآن، فضلا أن يحركوا القلوب به، دع عنك أن يجلبوا به الملائكة لتشرف للناس في الطرقات.

أكثر الناس إذا قرءوا القرآن إنما يقرؤونه بألسنتهم فحسب، فقد جعلوا القرآن للزينة، والمآتم، وافتتاح البرامج واختتامها، والحفلات، ورمضان، كل ذلك لأجل البركة لا لشيء آخر..!!.

فكيف لهم أن يدركوا معاني القرآن أو يقفوا على حقيقة أحداثه؟.

كيف لهم أن يلتذو به، أو أن يسترشدوا بأوامره وتوجيهاته؟.

كيف لهم أن يخشعوا عند قراءته؟.

حقا إننا لبؤساء ؟!!.

نملك كنزا عظيما، ورصيدا ضخما، قمن بإزالة كل ما يعترض طريقنا، ولا نستثني مشكلة، بل كلها، سواء كانت أخلاقية، أو إعتقادية، أو بدنية، أو نفسية، أو اقتصادية، أو اجتماعية، أو ثقافية، أو سياسية، ثم مع ذلك لا ندري أين الطريق الموصل إلى حل تلك المشاكل؟!.

إن القرآن أنزل ليعمل به، فهو حي بيننا لم يرفع إلى اليوم، فالذي يفهم قضيته الكبرى: العبادة لله والعبادة لغيره والصراع بينهما، يعيش حياة طيبة معه، ومن لم يفهم ذلك لم ينفعه أن يتناول بعض الآيات أو السور بالقراءة أو النظر أو الحفظ، قال تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا}.

* * *

الصراع الحتمي.

قال القائل: الإسلام رحمة، ودين سلام. ، قال تعالى:
- {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}.
- {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة}.

فكيف يتلاءم هذا الأصل، مع ما قررته من حتمية الصراع بين المسلمين والكافرين، من خلال القرآن ؟!.

فالجواب: نعم الإسلام رحمة، ودين سلام.

لكن ذلك لا يتنافى مع حتمية الصراع؛ فإن الصراع على نوعين: سلمي، وحربي. والتقرير السابق عن حتمية الصراع في القران، لم يخص الصراع في نوع واحد، بل فيه تقرير للنوعين: السلمي، والحربي. فالحزن والأسى على إعراض المعرضين: يندرج تحت الصراع السلمي. والجهاد والقتال: هو الصراع الحربي. والمطلوب بيانه:

أن الصراع السلمي لا ينافي السلام، بل منه؛ فالصراع السلمي هو الفكري، وهو الجاري في دائرة القول (= النقاش، والمحاورة)، الذي لم يتجاوز إلى دائرة الفعل (= الإكراه على الدين). والإسلام لا يمنعه، بل يحث عليه:

- {أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}.
- {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم}.

ولا أحد من العقلاء يصنف هذا النوع من الصراع ضمن: ما يعارض السلام أو يضاده؛ لأن الواقع يقرر إمكانية التعايش بسلام بين أصحاب الأفكار المتباينة. كما عاش اليهود وفرقهم، والنصارى وفرقهم، والهندوس، والبوذية، والمجوس، والصابئة في بلاد المسلمين بسلام، دون إكراه على الدين.

فأما الصراع الحربي فهو صراع عملي، لكنه على قسمين:

- الأول: صراع لأجل تحقق العدل، والأمن، والرخاء. فهذا لا ينافي السلام، بل هو لأجله؛ لتحقيقه في أمة انتفى فيها العدل، والأمن، والرخاء. وقديما قالت العرب: "القتل أنفى القتل"، والله تعالى قال: {ولكم في القصاص حياة}، فليس كل حرب تشن، فبالضرورة أن تكون عدوانا، بل قد تكون سعيا لرد العدوان، كمن دفع محتلا، أو أغاث مستضعفا. فهذا سعي في تحقيق السلام.

- الثاني: صراع لأجل نشر الظلم، والخوف، والجوع. فهذا الذي ينافي السلام؛ وما الصراع الأول إلا لردع هذا النوع، وإبطاله، ويحمل لواءه غير المسلمين، وقد أمر المسلمون بكفهم، ومنعهم، بأمرهم بالجهاد.

فهذا الصراع الحربي بقسميه حتمي، بالواقع وبالنص، لا يمكن التخلص منه، خلافا لمن ادعى أنه يمكن نفيه والانتهاء منه ؟!!.

- فإن الواقع يقرر: أن الدنيا في كافة المراحل، مليئة بعبيد الشهوات والمصالح الخاصة، المستجيبين لتعاليم الشيطان، وهؤلاء يسعون دوما لتحصيل الرياسة، وكل ما يتيح التسلط والهيمنة. فالشر يملكهم، ويجرهم إلى العدوان، الذي يعطل العدل، والأمن، والرخاء، [ ولا يمكن الادعاء أن هذا الصنف غير موجود، إلا إذا صح الادعاء بأن الشيطان غير موجود..!!.] فإذا حصل العدوان، ترتب عليه دفعه، وبذلك يتقابل القسمان: الذي يقاتل للعدل، والذي يقاتل للعدوان في صراع حتمي، قال تعالى:

- {الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا}.

- والنص يقرر أن طائفة من الكافرين لن يدعوا المسلمين لينعموا بدينهم بسلام، قال تعالى:
- {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا}.
- {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم}.
- {ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء}.

ويأمر بالرد وكف العدوان، فالصراع بهذا المعنى مقرر في القرآن، بالحث والتحريض؛ لأنه عدل وخير باتفاق العقلاء، لما فيه من إعادة الأشياء إلى نصابها؛ برد الحقوق، واستنقاذ الضعفاء، قال تعالى:

- {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين * واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين * فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم* وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين}.

- {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا}.
- {فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا}.

ولولا صراع الحق والخير للباطل والشر، لتعطلت المصالح، ولظهرت المفاسد..!!.

وهو صراع ألجأ إليه عدوان المعتدي، ولولاه لما اضطر إليه:
- {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا}.
- {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}.

* * *

فالصراع الحتمي إذن على ثلاثة أنواع:

1- صراع سلمي هو الفكري. وهذا يأمر الإسلام به، ويحث عليه؛ لأن فيه بيان الحق، وهداية الخلق.

2- صراع حربي لأجل العدل. وهذا أيضا يأمر الإسلام به، ويحث عليه؛ لأن فيه حفظ الحق، وكف الظلم.

3- صراع حربي لأجل الظلم. فهذا الذي ينهى عنه الإسلام؛ لأن فيه هدر الحقوق.

فإذا تبينت الأنواع والمراتب، فحينئذ لا يصح نفي الصراع بالكلية، ولا إثباته بالكلية، من جهة الشريعة، بل يثبت الصراع الذي يتفق العقلاء على تقبله والتسليم به:

- الصراع السلمي الفكري.
- والصراع الحربي لتحقيق العدل، ودفع العدوان.

وينفي ويرفض الصراع الذي يتفق العقلاء على استنكاره، واستهجانه:
- الصراع بقصد العدوان.

* * *

وبهذا نفهم: أن الإسلام دين الرحمة والسلام؛ لأنه يرفض العدوان، الذي هو ضد السلام.

فالأصل فيه: الموعظة، والمجادلة بالتي هي أحسن. وإذا اضطر لحرب فلأجل السلام: لإعادته، وإنعاشه، وإنمائه. بردع وكف الظالم، حيث لا سبيل إلا هذا الطريق.

فصراعه لأجل السلم:
- إن كان صراعا فكريا؛ فلأجل تعميق السلم.
- وإن كان حربيا؛ فلأجل إحلال السلم.

فالإسلام هو السلم:
- {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة}.

يتناسب مع روحه وأساسه الذي بني عليه: الرحمة، واليسرى:
- {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}.
- {ونيسرك لليسرى}.

فالرحمة سلم، واليسرى سلم؛ لأن الحرب الذي هو ضد السلم: عذاب، وعسر.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د.لطف الله خوجة
  • محمد صلى الله عليه وسلم
  • المرأة
  • التصوف
  • الرقاق
  • الآخر
  • معالجة
  • وصية
  • قطرة من الروح
  • الصفحة الرئيسية