اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/khojah/180.htm?print_it=1

تفجير المدينة والدولة الآمنة

د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه
@khojah10


بسم الله الرحمن الرحيم


لم يجرؤ إنس ولا جن على استحلال الدم في البلد الحرام، إلا أن يكون في مكتوبا في أم الكتاب شقيا، أو يتوب عليه، فالله جل شأنه حرم الظلم على نفسه، وجعله حراما بين خلقه، واشتد في حرمته في بلده وحرمه، فقال جل شأنه: {إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم}. فمن أراد الإلحاد فيه، أذاقه الله تعالى العذاب الأليم ولو كان في بلد بأقصى الأرض حينا من الدهر، وقد كان الرجل في الجاهلية يلقى قاتل فيه في جنبات مكة، فلا ينهزه الثأر حتى يغادرها آمنة، لكن نشأ في الإسلام أقوام هم أشد جاهلية من كفار الجاهلية، فما عادوا يرعون: إلاّ، ولاذمة، ولاحرما، ولا والدا وولدا، ولا رحما أو قرابة. فاستحلوا الدماء المعصومة، وهم في كل ذلك يحسبون أنهم يحسنون صنعا، فما أصدق كلام الله تعالى فيهم لما قال: {قل هل ننبؤكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}.

وأي جاهلية أكبر من قوم يقتلون أنفسهم ليقتلوا بها أهل الإسلام، في البلد الحرام وعند مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أولياء الله الذين استجابوا لله وللرسول في: ظلال الطاعة، على مائدة الصوم، في شهر رمضان. لا تحسبهم إلا صادقين، ما فعلوه إلا عن إيمان، وبين أيديهم رجال نذورا أنفسهم للقيام على أمنهم زوار البيت وراحتهم بأجسادهم وأرواحهم والكلمة الطيبة لا بالعصي ولا السلاح، ثم لم يجد وغد أن يكافئهم بشيء بمثل أن يقتلهم غدرا بنفسه الآثمة بين يدي الرحمن مقبلين على مائدته، ممتثلين أمره ونهيه، فيا بعد المجرمين القاتلين عن باب الله إلا من تاب: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما}. ليس فعل هؤلاء القتلة إلا الغدر والخيانة والجبن، وهي أوصاف يأنف عنها الأبي ولو كافرا، والإباء والعزة والشيمة من سمات المسلم، لكن الذي عليه هؤلاء القتلة ومن يمدهم ليس إلا صفات المنافقين، فإنهم كما أخبر الصادق المصدوق عنهم: (إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر). فاسمع لهؤلاء الدواعش وراقب أفعالهم، ومن ورائهم حكماؤهم الروافض الصفوية، ومن ورائهم قادتهم الصهاينة، تجد أوصاف المنافقين فيهم متجددة متجذرة، وما تنديد إيران وحزب الله بالتفجير الأخير عند المسجد النبوي إلا مثل لذلك؛ فكم انتهك هؤلاء حرمة البيت الحرام جهارا نهارا في مواسم الحج سنة 1406، 1411هـ وغيرها، وكم هددوا بمثلها، حتى بات معروفا للقاصي والداني خلقهم ودينهم أنه القتل، فما دمر العراق وسوريا إلا هؤلاء، فلم يعد لدى أحد شك: أن كل هذه التفجيرات، إنما يقف خلفها جهات رافضية صفوية، مدعومة من جهات صهونية لخلخلة أمن البلد الحرام، وتفكيك وحدته وكيانه!، وهم من أيام قريبة قليلة كانوا يتوعدون بضرب السعودية، وهاهم يفعلون لا أقام الله نفسا ولا بدنا، ثم مع كل هذه الخزايا يأتي معزيا، أبعد الله قوما ليست لهم إلا أخلاق الشياطين.

هذا وإن أمما كافرة وملحدة مجرمة، لتحسد هذه الدولة الآمنة المطمئنة على ما بها من نعمتي الأمن والشبع التي امتن الله بهما: {فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف}. فلها مكر بالليل والنهار لسلبها نعمها وإيمانها حتى تكفر بالله وتجوع وتعرى، وما عادت خافية ولا عن الأعين مستترة، بعدما ظهر مكرها الكبار في صور شتى، ليس تجنيد الأغرار والفجار لزعزعة أمن البلد الحرام إلا إحدى ثمارها المتساقطة من شجرتها الخبيثة.

إن هذه الدولة الآمنة المطمئنة، بما رزقها الله تعالى من حكمة في ولاتها، وعلم صالح في علمائها، وصدق نية وعمل خير في أبنائها، وما هي فيه من التدين، وإعلان الشريعة حاكما لأفعال العباد، ونصرة التوحيد والسنة، والقيام بأعباء المسلمين في كل مكان، مع ما تفجر في أرضها من ينابيع البركة والرزق لتكون من أغنى البلاد، وقبل هذا كله هي مأرز الإيمان، وبلد الله الحرام؛ حيث الكعبة البيت الحرام قياما للناس، والهدي والقلائد، ومسجد النبي وقبره، وقبور الصحابة وأمهات المؤمنين، لهي بكل هذا موضع حسد وكفر من كثير، على رأسهم الرافضة والصفوية منهم خاصة، والغرب والصهاينة منهم خاصة، وإن لهم أملا وعملا لمحو كل هذه الخيرات الدينية والدنيوية، والاستيلاء عليها، والسيطرة على شعائرها بالكفر والبدعة، والقضاء على التوحيد، والسنة، والشريعة، والعفاف والحجاب.

وقد اجتهدوا على ذلك زمنا طويلا من طريق ما سمي بالتغريب والغزو الفكري والبدعي، لكن يبدو أنهم استطالوا الطريق بعدما طال عليهم بالفعل، فوجدوا شعبا على الفطرة ينصر: التوحيد، والسنة، والأخوةة، والعفاف. فهم اليوم يريدونها زلازل وانهيارات سريعة، تقصي هذه الدولة من موقع الريادة، بل تفكك أجزاءها، ليتسلق سدتها رافضة صفوية، يعاونهم مبتدعة وليبرالية، فتعود البلاد مسرحا لكل مجرم قاتل، ونفعي متسلق كما هو الحال في العراق.

وما هؤلاء الدواعش إلا أحد أدواتهم لتنفيذ هذه المكر الكبير لحرب دين الله تعالى، وأمة الإسلام الأصيلة، فهم لايحاربون دولة آمنة مطمئنة فحسب، ولا حكامها وأمراءها، بل يحاربون أمة مسلمة، وكعبة، ومسجدا، وشعائر، وتوحيدا، وسنة، وموالاة للصحابة، وعفافا وحجابا: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز * الذين إن مكناهم الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور}.**

وهم وإن فعلوا ما فعلوا، ومكروا كما مكروا، فلن ينالوا من أمتنا ما دمنا مستمسكين صدقا بوصايا الرب تعالى لنا، المانعة من علو الكافرين علينا، وقد قال تعالى فيها: {إن تمسسكم حسنة تسؤكم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط}. فالصبر على القيام بالدين، والصبر في الاحتساب على فعالهم المشينة، وتقوى الله تعالى ذلك بالقيام بما أمر، والانتهاء عما نهى عنه وزجر، وأعلى منه مرتبة: (أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر). كما ورد به الأثر. هذه مانعة محصنة من أذاهم بوعد الله تعالى، ووصية ثالثة من رب رحيم في هذا، قوله: {ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}. وهو أننا مهما اختلفنا مع ولاتنا وأمرائنا وعلمائنا فسبيلنا لحل الخلاف هو التوافق لا التنازع، والتقارب لا التباعد، والتناصح والصبر والأمل والرجاء، فإننا لن نكون قوة صلبة صامدة في وجه كل من أراد الفتنة بنا إلا ونحن على اتحاد وحبل الله يجمعنا ويعصمنا.

هذا وإن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن يعفو بعضنا عن بعض، ونتجاوز ونتسامح ونتواد ونتراحم ونتعاطف فيما بيننا أفرادا، ويرغب في ذلك بأجور عظيمة، حفظا لذات البين، وسلامة الصدر، كيما نعيش سعداء، فكيف إذا ما تعلق الأمر بمصير الأمة، فكان التنازع والشقاق سببا في زوال الدولة وانحلال عقدتها، وذهاب مقاليدها، وما يكون من وراء ذلك من بلايا رأيناها عيانا بيانا اليوم في دول عدة كالعراق وليبيا، وقع التنازع بين شعوبها وحكامها، فلم يحسنوا إصلاح ذلك بما يحفظ كيان الدولة، فسعوا في اتساع الخصومة والعداوة حتى عادت وبال على الجميع، فتلاشت الدولة كما تلاشى حكامها، وشرد شعبها وقتلوا، وسامهم المجرمون سوء العذاب، بما تمنوا معه أن لو عادوا كما في سابق عهدهم، ولو العلقم طعامهم، فقد بان أنه خير من الزقوم.

وقد امتن الله تعالى عباده أهل بلد الحرام يومها، ولا زالت المنة عليهم إلى اليوم، فقال:{أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة يكفرون}.

وإن من شكر النعمة أن لايسعى الناس في زوالها بشقاق وخصام مع ولاة أمرهم، فإنهم بشر وهم أحوج إلى النصح والتذكير من التأليب عليهم، والدعوة إلى الشقاق والخروج، ولو بطرق تبدوا عصرية؛ كالدعوة إلى الديمقراطية وتداول السلطة، فهذا طرائق نذر شر على الأمة، فالمتربصون كثيرون الذين يتحينون هذه الفرص للانقضاض على زمام الأمر، وهم مستعدون لذلك بكل الوسائل، سباقون لمواقع الحكم والسلطة، ومن ثم يحل ما حل بدول أخرى، وما العراق عنا ببعيد، بما وقع فيه من كوارث لم يعرفها طيلة قرون طوال عمت الجميع، وخصت السنة بمزيد بلاء؛ إذ صار المتحكم هم الرافضة الصفوية، فأرادوها مقاطعة إيرانية، يستعيدون بها أمجاد فارس وكسرى وعبادة النار.

فالنظر إلى المآلات من الحكمة البينة، وإن أية مقارنة بين دولتنا المباركة وأخرى في العلاقة الطيبة بين الولاة والرعية، والعطف المتبادل، لتكشف مقدار الخسارة الكبرى لوما تبدلت الأمور كما يشتهي من لا يضمر خيرا، فليتق الله قوم استخفهم الذين لا يوقنون، فما عادت لهم وسيلة للإصلاح إلا أن يكونوا يدا لعدو من خارج، ونعوذ بالله من تبدل نعمة الله تعالى، ومن قوم هذا حالهم: {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار ا لبوار * جنهم يصلونا وبئس القرار* وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار}.

 

د.لطف الله خوجة
  • محمد صلى الله عليه وسلم
  • المرأة
  • التصوف
  • الرقاق
  • الآخر
  • معالجة
  • وصية
  • قطرة من الروح
  • الصفحة الرئيسية