صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







من هو السني؟

د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه
@khojah10


بسم الله الرحمن الرحيم


عندما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس بالرسالة جاء بنعت واحد، هو: الإسلام. وسمى من تبعه باسم واحد، هو: المسلمين. كما فعل إخوانه الأنبياء من قبل: {ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل}. فالمسلم هو الذي: شهد الشهادتين، وأقام أركان الإسلام على الطاقة، وآمن بأركان الإيمان الستة على الإجمال. فلا يخرج منه إلا بفعل ناقض، فدائرة الإسلام تحوي كل من لم يتدين بدين آخر غيره، حتى ولو قصر في اتباع تعاليمه، لا يشترط في تحليه بالإسلام الكمال والتمام في القيام به.
غير أنه عليه الصلاة والسلام أخبرنا، بأن أمته ستفترق وتختلف اختلافا كثيرا، إلى فرق عدتها ثلاث وسبعون فرقة، كلها هالكة في النار ألا واحدة في الجنة؛ لأنها غيرت وبدلت فابتدعت في الدين ما لم يأذن به الله تعالى فاستحقت الوعيد، ما عدا الناجية التي التزمت الشريعة كما نزل باتباعها نهج الصحابة، مع ذلك فهذه الفرق كلها تستظل بظلال الإسلام، ما دامت على الإقرار بأركان الإسلام والإيمان ولو ظاهرا، ولم تأت بناقض، ولها في الوقت ذاته اسم آخر تميزت به بسبب بدعتها، وبهذا جمعت بين اسمين: الإسلام، والاسم المبتدع. كالشيعة، والخوارج، والقدرية، والمرجئة، والمعتزلة، والصوفية، والأشعرية، والماتريدية.

وكل فرقة من هذه الفرق تدعي تمثيل الإسلام، مع حملها لهذا الاسم المبتدع، فالشيعي يقول: الإسلام هو التشيع. والخارجي مثل ذلك، والصوفي والأشعري أيضا، كلهم يقول عن نفسه: إنه الإسلام. ومن خالفه إما مبتدع ناقص، أو كافر خارج. فهذه الفرقة الوحيدة الناجية، أو المنصورة، والتي هي الجماعة، وما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ما موقعها من الإسلام بين كل هذه الفرق التي تحاول أن تستأثر به؟

لاريب أنها الممثل الصادق للإسلام؛ لاتباعها الصحابة والقرون المفضلة كما أمرنا بذلك، والنصوص جاءت منوهة بها، دالة على أنها على الحق، لكن اكتفاءها بالانتساب للإسلام لا يهدي إليها الحيارى مع كثرة المنتسبين؛ فالذي يحوم حول الإسلام يريد أن يدخل فيه، سيجد أمامه أبوابا ثلاثا وسبعين، كل باب يقول: الإسلام من قبلي. كلهم يرفع راية الإسلام، فلو قال المتبعون للسلف الصالح: ليس لنا إلا اسم الإسلام فحسب، وهذا بابه، فليدخل الناس منه. فإن الآخرين من المبتدعة سيقولون مثله، ولن يرفعوا شعار آخر غير الإسلام، فيظن الداخل أنها أبواب صالحة كلها، يتخير منها ما يشاء، لكن:

- إذا ما دخل الإسلام من طريق التشيع، فلن يكون إلا شيعيا، يسب أبا بكر وعمر.
- وإذا ما دخل من باب الخوارج فسيسلك سبيلهم، بالتكفير واستباحة الأموال الدماء.
- وإذا دخل من طريق أشعري، فلن يقبل بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوى أنها آحاد، ويرفض الآية والحديث إذا ما شعر أنه يناقض عقله.
- وإذا ما دخل من طريق صوفي، صار ديدنه الهز والرقص والدوران بدعوى الذكر!
حتى العامة من أهل الإسلام، إذا لم يتميز لهم طريق الفرقة الناجية باسم ورسم، يوشك أن تتخطفهم الفرق الأخرى بذات الدعوى: أنهم على الإسلام. كما تخطفت الشيعة طوائف من المسلمين بدعوى: الوحدة الإسلامية، والأخوة، وحب آل البيت، وأن الخلاف في الفروع. إلى آخر الدعاوى الكاذبة، التي بها اقتطعوا من المسلمين، حتى انقلبوا شيعة رافضة، ولو أنهم عرفوا بداية أنهم سنة، وأن السنة هي الطائفة التي حققت الإسلام كما نزل، وأن ما عداها فيها من الباطل بقدرها ما فيها: ما اتخذوا الشيعة أولياء، وما اتبعوا سبيلهم. لكن غرهم مزاعم زعمت أن جميع هذه الفرق على الإسلام حقا، وأنها أشبه بمذاهب فقهية، وأنه لا بأس بالتدين بـ: المذهب الجعفري، أو الظاهري، أو الإباضي، أو الزيدي كما المذاهب السنية الأربعة.
فلأجل حفظ الملة من التحريف والمحرفين، والتضليل والمضللين، كان من الواجب تميز الفرقة المتبعة للصدر الأول في الإسلام، باسم يميزها عن الفرق الأخرى المبتدعة الهالكة، وكان على أتباعها وضع شعار لهم، ليقولوا: هذا هو الإسلام بشعاره هذا. كما رفع الآخرون راياتهم، وادعوا أنهم الإسلام. فبه تقوم الحجة، وتبرء الذمة، ويعرف الناس ما الإسلام.
فإذا ما عرفنا بالمنطق والعقل: الحاجة إلى مسمى آخر مع الإسلام؛ لتمييز الحق المستقر في الإسلام من الدخيل عليه. جاءت المهمة التالية، وهي تحديد هذا المسمى، وهو أمر تكفل به الصدر الأول، منذ عهد الصحابة، فعرفونا به، واستعملوه، فالناس بعد ذلك لهم تبع فيه، وهذا يعطي الثقة والاطمئنان بهذا الاسم؛ حيث إنه نشأ واستعمل في زمن القرون المفضلة، التي هي زمن الاحتجاج في الدين، وتوافر أهل الحجة والإيمان.
والاسم معروف، ورد ذكره في النصوص النبوية، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي). فمن هذا نشأ هذا الاسم: السنة.
ومن قوله صلى الله عليه وسلم: (وعليكم بالجماعة). صار الاسم: أهل السنة والجماعة.

واستعمله الصحابة والتابعون ومن بعدهم:

- فهذا أبي بن كعب يقول: "عليكم بالسبيل والسنة".
- والحسن البصري يقول: " يا أهل السنة ترفقوا رحمكم الله".
- وسعيد بن جبير يقول عن الاستقامة: "لزوم السنة والجماعة".
- وابن سيرين قال: "كانوا لا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة، قالوا: سَمُّوا لنا رجالكم، فيُنْظر إلى أهل السنة فُيؤخذ حديثهم، ويُنْظر إلى أهل البدعة فيُردّ حديثهم".
فاستقر الاسم لمن يمثل الإسلام بحق على يد هؤلاء الأئمة في الصدر، فصار لازما لكل من أراد أن يتميز بإسلامه عن إسلام أهل البدع فلا يختلط بهم، حتى ينقي دينه من الشوائب والنقص، فهو اسم شرعي، مورده الشرع، واستعمله من لهم اليد الطولى في الدين.
إن في ذلك لجوابا لمن استنكف عن الانتماء لفئة أهل السنة، حتى يكون في ظل أهل السنة والجماعة، وظن أنه يحقق الانتماء الصحيح بمجرد الانتماء للإسلام، كلا، فلو كان يكفي لما تكلف السلف الصالح ببعث هذا الاسم، والدعوة للتميز به، وهم أعلم الناس وأفهمهم لمراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، لكن من فتح الله بصيرته وأعمل عقله بعيدا عن الهوى، علم وأدرك حاجة المسلم أن يتميز باسم السنة عن الشيعة، وعن الخوارج وغيرهم.

تلك قضية شائكة وقد حلت، وأخرى يتنازعها الريب والتشويش، وهي: تعريف السني. متى يكون المسلم سنيا، وهل ثمة شروط ونواقض في هذا؟
ونحن نقول: إن السني هو المسلم، لا فرق. وهم سواد المسلمين وجمهورهم، فهؤلاء سنة من حيث الأصل؛ فكل من شهد الشهادتين، وأتى بما كلف به من أركان الإسلام، وآمن بأركان الإيمان، واتبع الصحابة الكرام وفضلهم، فقد صار مسلما ثم سنيا، لأن السنة هي الإسلام، فمن أتى بتلك الجمل الآنفة، فقد جاء بالإسلام حقا، فهو سني تبعا لذلك حتما. ولا يطالب العامي بأكثر من هذا، ولا يؤمر بمعرفة تفاصيل العقيدة، فلم يأمر النبي عليه السلام بذلك. ولا يخرج من سنيته التي اكتسبها بإسلامه تلقائيا، إلا بأن يأتي بناقض للسنة، وذلك بأن:

- ينتسب لفرقة باطنية كالقرامطة والفلاسفة، فإنهم يظهرون الإسلام، ويبطنون الكفر.
- أو ينتسب لفرقة تتبرأ من السنة أصلا، كـ: الشيعة، والخوارج، والمعتزلة.
- أو يتبنى منهجيا بدعيا، كالذي يقدم العقل على النقل، أو الكشف على الشرع.

إذا سلم من هذه الثلاثة، فهو من السنة، ولو انتسب للتصوف، أو الأشعرية، أو الماتريدية، فليس كل من انتسب لهذه الفرق، فهو على نهجهم وقواعدهم، بل أكثرهم يتبعهم تقليدا، ولا يعرف حقيقة تلك المذاهب، فيعامل إذن بأصل حاله: أنه مسلم سني. فلا يخرج من سنيته إلا بيقين، كما لا يخرج من الإسلام إلا بيقين. وهكذا نرى أن سواد وعامتهم المسلمين ولو انتسبوا لفرقة ما، فإنهم من أهل السنة والجماعة، حتى يأتوا بناقض للسنة عن علم وفهم إدراك.
وعلى هذا فالفرقة الناجية هم الأكثرون عددا، فمنهم: العلماء، والدعاة، والحكام، والأمراء، والجند، والتجار، والزراع، والعمال. بخلاف المبتدعة فإنهم شرذمة قليلون.
فهذا هو التعريف للسني؛ ليقيس الإنسان نفسه عليه، حتى يعلم أين هو من الإسلام، وكذلك لحفظ الإسلام من التحريف والتبديل، لم يوضع ليكون سيفا مسلطا على الرقاب، ولا للاستئثار به، بل هو كالإسلام، فالإسلام ليس بالأماني، من أراد أن يكون مسلما، فطريقه معلوم لا يمنع منه أحد، كذلك من أراد السنة فطريقها معلوم، ليس لأحد وصاية عليه، بل الدلالة والإرشاد فحسب، ثم بعد ذلك {بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره}.


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د.لطف الله خوجة
  • محمد صلى الله عليه وسلم
  • المرأة
  • التصوف
  • الرقاق
  • الآخر
  • معالجة
  • وصية
  • قطرة من الروح
  • الصفحة الرئيسية