اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/khojah/25.htm?print_it=1

الصراع للسلم

د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه

 
قال القائل: الإسلام رحمة، ودين سلام. ، قال تعالى:
{وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}.
{يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة}
.

فكيف يتلاءم هذا الأصل، مع ما تقرر في القرآن من حتمية الصراع بين المسلمين والكافرين ؟!.

فالجواب: نعم الإسلام رحمة، ودين سلام.

لكن ذلك لا يتنافى مع حتمية الصراع؛ فإن الصراع على نوعين: سلمي، وحربي.

والمطلوب بيانه:

أن الصراع السلمي لا ينافي السلام، بل منه؛ فالصراع السلمي هو الفكري، وهو الجاري في دائرة القول (= النقاش، والمحاورة)، الذي لم يتجاوز إلى دائرة الفعل (= الإكراه على الدين).

والإسلام لا يمنعه، بل يحث عليه:
{أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}.
{ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم}.


ولا أحد من العقلاء يصنف هذا النوع من الصراع ضمن: ما يعارض السلام أو يضاده؛ لأن الواقع يقرر إمكانية التعايش بسلام بين أصحاب الأفكار المتباينة. كما عاش اليهود وفرقهم، والنصارى وفرقهم، والهندوس، والبوذية، والمجوس، والصابئة في بلاد المسلمين بسلام، دون إكراه على الدين.

فأما الصراع الحربي فهو صراع عملي، لكنه على قسمين:

الأول: صراع لأجل تحقق العدل، والأمن، والرخاء. فهذا لا ينافي السلام، بل هو لأجله؛ لتحقيقه في أمة انتفى فيها العدل، والأمن، والرخاء. وقديما قالت العرب: "القتل أنفى القتل"، والله تعالى قال: {ولكم في القصاص حياة}، فليس كل حرب تشن، فبالضرورة أن تكون عدوانا، بل قد تكون سعيا لرد العدوان، كمن دفع محتلا، أو أغاث مستضعفا. فهذا سعي في تحقيق السلام.

الثاني: صراع لأجل نشر الظلم، والخوف، والجوع. فهذا الذي ينافي السلام؛ وما الصراع الأول إلا لردع هذا النوع، وإبطاله، ويحمل لواءه غير المسلمين، وقد أمر المسلمون بكفهم، ومنعهم، بأمرهم بالجهاد.

فهذا الصراع الحربي بقسميه حتمي، بالواقع وبالنص، لا يمكن التخلص منه، خلافا لمن ادعى أنه يمكن نفيه والانتهاء منه؟.

فإن الواقع يقرر:

أن الدنيا في كافة المراحل، مليئة بعبيد الشهوات والمصالح الخاصة، المستجيبين لتعاليم الشيطان، وهؤلاء يسعون دوما لتحصيل الرياسة، وكل ما يتيح التسلط والهيمنة.

فالشر يملكهم، ويجرهم إلى العدوان، الذي يعطل العدل، والأمن، والرخاء، [ ولا يمكن الادعاء أن هذا الصنف غير موجود، إلا إذا صح الادعاء بأن الشيطان غير موجود..!!.] فإذا حصل العدوان، ترتب عليه دفعه، وبذلك يتقابل القسمان: الذي يقاتل للعدل، والذي يقاتل للعدوان في صراع حتمي، قال تعالى: {الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا}.

والنص يقرر أن طائفة من الكافرين لن يدعوا المسلمين لينعموا بدينهم بسلام، قال تعالى:
{ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا}.
{ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم}.
{ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء}
.

ويأمر بالرد وكف العدوان، فالصراع بهذا المعنى مقرر في القرآن، بالحث والتحريض؛ لأنه عدل وخير باتفاق العقلاء، لما فيه من إعادة الأشياء إلى نصابها؛ برد الحقوق، واستنقاذ الضعفاء، قال تعالى:
{وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين * واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين * فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم* وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين}.

{وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا}
.

{فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا}.

ولولا صراع الحق والخير للباطل والشر، لتعطلت المصالح، ولظهرت المفاسد، وهو صراع ألجأ إليه عدوان المعتدي، ولولاه لما اضطر إليه:
{ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا}. {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}.

* * *

فالصراع الحتمي إذن على ثلاثة أنواع:

1- صراع سلمي هو الفكري. وهذا يأمر الإسلام به، ويحث عليه؛ لأن فيه بيان الحق، وهداية الخلق.
2- صراع حربي لأجل العدل. وهذا أيضا يأمر الإسلام به، ويحث عليه؛ لأن فيه حفظ الحق، وكف الظلم.
3- صراع حربي لأجل الظلم. فهذا الذي ينهى عنه الإسلام؛ لأن فيه هدر الحقوق.

فإذا تبينت الأنواع والمراتب، فحينئذ لا يصح نفي الصراع بالكلية، ولا إثباته بالكلية، من جهة الشريعة، بل يثبت الصراع الذي يتفق العقلاء على تقبله والتسليم به:

الصراع السلمي الفكري.
والصراع الحربي لتحقيق العدل، ودفع العدوان.
وينفي ويرفض الصراع الذي يتفق العقلاء على استنكاره، واستهجانه:
الصراع بقصد العدوان.

* * *

وبهذا نفهم: أن الإسلام دين الرحمة والسلام؛ لأنه يرفض العدوان، الذي هو ضد السلام.

فالأصل فيه: الموعظة، والمجادلة بالتي هي أحسن. وإذا اضطر لحرب فلأجل السلام: لإعادته، وإنعاشه، وإنمائه. بردع وكف الظالم، حيث لا سبيل إلا هذا الطريق.

فصراعه لأجل السلم:
إن كان صراعا فكريا؛ فلأجل تعميق السلم.
وإن كان حربيا؛ فلأجل إحلال السلم.

فالإسلام هو السلم:
{يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة}.

يتناسب مع روحه وأساسه الذي بني عليه: الرحمة، واليسرى:
{وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}.
{ونيسرك لليسرى}.

فالرحمة سلم، واليسرى سلم؛ لأن الحرب الذي هو ضد السلم: عذاب، وعسر.

 

د.لطف الله خوجة
  • محمد صلى الله عليه وسلم
  • المرأة
  • التصوف
  • الرقاق
  • الآخر
  • معالجة
  • وصية
  • قطرة من الروح
  • الصفحة الرئيسية