اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/khojah/47.htm?print_it=1

حزب الله يقاتل اليهود
محاولة للاستنتاج .. ولا تثريب

د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه

 
خريطة الموضوع :
1- مختصر الأحداث.
2- ما حزب الله ؟.
3- متى يقع الكفر على المعين ؟.
4- هل نؤيد حزب الله ؟.
5- مخطط فارسي، أم صيهوني ؟.
6- تراشق !!.
7- نقد لا يوقد حربا.


* * *


1- مختصر الأحداث.
حزب الله يقاتل اليهود.
حزب شيعي يتصدى لدولة إسرائيل.
يرميها بصواريخ الكاتيوشا، ذات التأثير الضعيف؛ حيث يطلق المائة، فلا تقتل إلا واحدا أو اثنين، وأحيانا لا شيء. وقد تتلف بعض الأبنية، وهي تثير الرعب في اليهود، وتشفي بعض ما في الصدور.
أما اليهود فإنهم دمروا لبنان، كما لم تدمر من قبل، وقتلوا المئات من: الأطفال، والنساء، والشيوخ، والضعفة، وشردوا مئات الآلاف من بلدانهم. والكل شاهد هذا.
فهذا القتال حقيقي، لا شك ولا ريب. والدليل: القتل، والدمار، والنزوح الجماعي.
اليهود يدعون أن قضيتهم عادلة؛ يقاتلون من أجل استرداد أسيرين أسرهما حزب الله.. بينما الوقائع تؤكد أنها حرب مبيتة، مخطط لها، ضحيتها شعب لبنان، وأرض لبنان، والمنطقة كلها.

وقف منها العالم مواقف:
- فمنهم المراقب المتفرج، الذي لا يأبه لما يحدث، فمنها دول كبرى، ومنها صغرى.
- ومنهم المشارك المعين، الممتنع والرافض إيقاف الحرب، المفشل لكل خطة في هذا الصدد.
- ومنهم المتأسف، يدعو لوقف الحرب، لكنه مكبل، لا يقدر على شيء.
- والمسلمون منصرفون عن الأمر، حتى إنهم لم يجتمعوا لأجل هذا البلد المسلم.
ثم إن كثيرا من أهل السنة، علماء وعوام، خرجوا مؤيدين، مساندين حزب الله، فكتبوا، وتظاهروا، ونددوا بالعدوان. وثمة منهم من أبدى رأيا معارضا في هذا الحزب؛ منع من تأييده، وحث على التنبيه على مخالفاته للإسلام والسنة، لاعتبارات: عقدية. تاريخية. واقعية.
هذه خلاصة هذا الحدث. وما يعنينا هنا هو: محاولة حسم هذا الخلاف، وتوضيح المواقف.
 

* * *


2- ما حزب الله ؟.
حزب الله طائفة شيعية:
- اثنا عشرية؛ نسبة إلى اثني عشر إماما من آل البيت، ينتسبون إليهم.
- إمامية؛ لقولهم بأن الإمامة ركن الدين.
- جعفرية؛ نسبة إلى الإمام جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين.
أهل السنة يسمونهم: رافضة. وهم يرفضون هذه التسمية.
فهم في الاعتقاد موافقون لشيعة إيران، والمعروف السائد: أنه صنيعة إيران، وهو الممول والموجه له.

وهذه نظرة لجملة من أصول الاعتقاد عند الشيعة الاثني عشرية، التي لا يزالون يؤمنون بها:

أولا: الإمامة ركن الدين الأعظم.
الإيمان بالإمام جزء من عقيدتهم، وركن أساس من أركان الدين، ومن أصبح بلا إمام فهو ضال.
ويرون بطلان إمامة من تقدم عليا رضي الله عنه، وأنه كان الأحق بها نصا، لولا أنها سلبت بمؤامرة دبرها أبو بكر، وعمر رضي الله عنهما. كذا قالوا .!!.

ثانيا: تصورهم للإمام ووظائفه.
يعتقدون في الأئمة أنهم أشخاص غير عاديين، كانوا قبل العالم، أنوارا، ولهم ولاية تكوينية.
فالإمام مهيمن على شؤون الكون، ومجرياته، والكل خاضع له، ويعلم أمور الغيب، وهو معصوم من الخطأ، في كل أفعاله، وأقواله، ونتيجة لذلك: فإنهم يسألونه حوائجهم، ويستغيثون به في الكرب.
فاعتقادهم هذا في الأئمة أوقعهم في أعمال شركية، في الدعاء، وعند القبور، كما في النجف وكربلاء، وكما سمع الناس وشاهدوا في القنوات الفضائية، من استغاثة عوام الشيعة المهجرين في لبنان بالحسين وزينب، من إجرام اليهود الصهاينة.
والشيعة لا يخفون هذا، بل ينظرون له، ويبررون له، كما حدث وشاهد وسمع الجميع في مناظرات المستقلة، التي كانت عن التجديد، بين الشيخ عدنان العرعور وحسين الأسدي؛ الذي كان يشرعن ويحسن دعاء الحسين والاستغاثة به من دون الله تعالى.

ثالثا: قولهم بالتقية.
التقية معناها عندهم: كتمان الحق، وستر الاعتقاد، ومكاتمة المخالفين؛ أي عدم الإفصاح لهم.
هذا المبدأ أساس علاقتهم بأهل السنة بالأخص، ويروون فيه آثارا منسوبة إلى جعفر الصادق، كقوله:
- "تسعة أعشار الدين في التقية".
- "لا دين لمن لا تقية له".
- "التقية ديني ودين آبائي".
- "من صلى وراء سني تقية، فكأنما صلى وراء نبي".

رابعا: تحريف القرآن.
المعروف عنهم قولهم: أن القرآن محرف، أسقطت منه بعض السور، وكثير من الآيات في فضائل آل البيت، والأمر باتباعهم. وقد اتهموا الصحابة بفعل ذلك. وأن القرآن لم يجمعه كله إلا الأئمة، وأنه مثل هذا القرآن ثلاث مرات، ليس فيه منه حرف واحد. وقد ألف حسين بن محمد النور الطبرسي كتابا سماه: "فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب".
هناك فئة نفت التحريف منذ فترة مبكرة، في القرن الرابع والخامس، وهذا ما يردده المعاصرون، إلا أنهم لا يقولون بكفر من يقول بالتحريف؛ أعني كفر الفعل لا الفاعل. وهذا ما حمل جمعا من السنة على تلقي هذا النفي بكثير من الحذر، بل وعدم الاطمئنان في أحيان عديدة.

خامسا: تكفير الصحابة، ورد السنة.
ادعوا على الصحابة: أنهم اغتصبوا الإمامة من علي رضي الله عنه. وعليه فقد نصوا على تكفيرهم إلا جماعة، منهم: علي، وأبو ذر، وسلمان.
وطائفة من المعاصرين يجتنبون تكفيرهم، لكن يضللونهم. ففي كل حال عندهم: الصحابة ضالين.
وعليه: فإنهم يردون السنة؛ كونها جاءت من طريق الصحابة رضوان الله عليهم.

سادسا: مخالفتهم لأهل السنة.
هذه المخالفة مسطرة في كتبهم، ويكفي دليلا على أن المخالفة بين السنة والشيعة عقدية، أصلية:
- اتخاذ الشيعة بيوتا للعبادة غير المساجد، سموها بالحسينيات، يضاهون بها بيوت الله تعالى.
- واتخاذهم بقعا كالنجف وكربلاء، ضاهوا بها البيت الحرام حرمة، وشرفا، بل زادت، يحجون إليها، ويتخذونها أعيادا، ومناسك.
فهذه جملة من الأصول التي يخالف فيها الشيعة - وحزب الله من هذه الطائفة - أهل السنة.
وبها يتضح أن الخلاف كبير، وفي الأصول، وعلماء السنة متفقون على:
- أن القول بتحريف القرآن، كفر مخرج من الملة.
- وأن دعاء غير الله تعالى شيئا لا يقدر عليه إلا الله تعالى، كفر مخرج من الملة.
- ونسبة تصريف الكون وتدبيره إلى مخلوق، كفر مخرج من الملة.
- وادعاء أن أحدا يعلم الغيب المطلق، كفر مخرج من الملة.

كما أنهم متفقون على:
- الترضي عن الصحابة جميعا، وتعديلهم، وأنهم خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
- وأنه لا بيوت للعبادة غير المساجد، ولا يحج ولا يعظم سوى مكة، ثم المدينة والأقصى.
فهؤلاء إذن وقعوا في أعمال تخرج من الإسلام بالكلية، لكن المسألة المهمة هنا، هو:
- هل الشيعة كلهم وقعوا في هذه الأمور ؟.
- وهل الذين وقعوا أقيمت عليهم الحجة، حتى يكفروا بأعيانهم ؟.
 

* * *


3- متى يقع الكفر؟.
أما عن الأول:
فمن الصعب أن يقال: كل شيعي، هو يعتقد تلك المعتقدات.
إن ذلك لا يثبت إلا بمعرفة ما لدى كل شيعي:
- فالشيعة طوائف، قد تختلف فيما بينها، وإن اشتركت في أكثر الأصول.
- وأكثر الشيعة أخذوا تشيعهم وراثة. لا يدركون كثيرا من أصوله، وتفاصيله.
- ومن الشيعة من لا يؤمن بتلك المعتقدات أصلا، أو بكثير منها، إما فطرة، وإما لاطلاعه على فسادها، ومعرفته بالحق، لكنه يكتم إيمانه، خشية وخوفا.
ولذا فلا تثبت هذه المعتقدات لأحد منهم، إلا بإثباته على نفسه؛ بتصريح منطوق، أو مكتوب.
وبما أنه لم يحصل مثل هذا الإثبات والإقرار لكل فرد شيعي، فالقول الموافق لأصول الحكم على الآخرين: عدم الحكم على كل شيعي بنسبة تلك المعتقدات إليه، بمجرد انتسابه إلى طائفة الشيعة.
والموافق للأصول أيضا: الحكم على: الأفكار، والمعتقدات، والحزب والطائفة. من خلال: المؤلفات، والتصريحات، ونحو ذلك. التي تبين المذهب والاتجاه. فيقال: هؤلاء المنتمون لهذا الحزب، أو المنضوون تحت هذا اللواء.. هذه معتقداتهم.
فيكون حكما عاما، أما الخاص فيحتاج إلى زيادة فحص ودراسة. فالحكم على الأعيان بحكم ما: كالكفر، أو البدعة، أو الفسوق. لا يكون إلا بعد إقامة الحجة؛ بإثبات الشروط وانتفاء الموانع.

أما عن الثاني:
فالذي يمكن قوله: أنه ليس كل شيعي أقيمت عليه الحجة، لأسباب، منها:
1- تقصير أهل السنة في إيصال الحق إليهم.
2- تجهيل رؤوس ومشايخ الشيعة لعوامهم، وضرب نوع من الحصار العلمي عليهم.
3- تربية العامي منهم منذ الصغر على كره أهل السنة، حتى يتطبع به، بعد أن يفهّم زورا وافتراء أن أهل السنة يكرهون أهل البيت، ويعادونهم.
4- ربط المذهب الشيعي بتكتلات قبلية، أو اجتماعية، أو أسرية؛ ليتعذر على من عرف بطلانه الخروج عنه، خشية من منافرة تلك التكلات، وهذا لا يقوى عليه كل أحد، مما يولّد أناسا يبطنون السنة، ويظهرون التشيع.
فهم في الأعذار بين: جاهل جُهّل عمدا، ومن لبّس عليه فلم يعرف الحق، ومكره يكتم إيمانه.
وفي هذا الحال من الظلم تكفير كل واحد منهم، قبل معرفة ما لديه من قول وعذر.
فهم مسلمون من حيث العموم؛ لأنهم يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويصلون إلى القبلة، ويؤمنون بأركان الإسلام، والإيمان في الجملة ابتداء. فيثبت لهم بها اسم الإسلام.
أما ما يقعون فيه من الشركيات والكفريات، فقد يعذرون للموانع الآنفة، فالله تعالى رحيم لا يؤاخذ الناس بما جهلوا، أو ضلوا فيه عن غير عمد، أو أكرهوا عليه.
ومن أوجب الواجبات على أهل السنة: تبصيرهم بالحق، ونقض الشبهات التي تزرع في عقولهم، وإزالة تشويه السنة من نفوسهم.
 

* * *


4- هل نؤيد حزب الله ؟.
هذا السؤال لم يكن ليطرح لولا التباين بين السنة والشيعة في: المعتقد، والتاريخ، والمصالح.
والقسمة المتوقعة والواقعة هنا هي: التأييد، وعدم التأييد.
- فالقول بالتأييد يرتكز على مبررات:
o الأول: أنها أرض إسلامية اعتدي عليها. والدفاع عن الأرض واجب.
o الثاني: أنهم مسلمون؛ فهم يشهدون الشهادتين، وأهل قبلة. والمسلم له النصرة.
o الثالث: أنهم ظلموا بالعدوان الإسرائيلي. والسعي في إزالة الظلم واجب.
o الرابع: أنهم يقاتلون أكبر أعداء الإسلام والمسلمين. والتنكيل بالعدو مطلب.
o الخامس: إفشال المخطط الصهيوني بإيقاع حروب بين أبناء المنطقة، بقصد الهيمنة.

- والقول بعدم التأييد يرتكز كذلك على مبررات:
o الأول: التباين العقدي.
o الثاني: صون دماء أهل السنة وأموالهم من عدوان الشيعة، إذا ما قدروا عليهم.
o الثالث: إفشال المخطط الفارسي الصفوي للهيمنة على المنطقة.
وقبل الخوض في دراسة هذه المبررات واختبار ثبوتها من عدمه، من المطلوب تحديد مفهوم التأييد.

التأييد هو الدعم والمساندة، فالمعاني المحتملة للتأييد يمكن تقسيمها حسب ما يلي:
- أولا: التأييد الدفاعي. وذلك برفض العدوان، والسعي في إيقافه، وغوث المنكوبين.
- ثانيا: التأييد الصامت. وذلك بالسكوت عن المخالفات العقدية، والتجاوزات العملية.
- ثالثا: التأييد المثالي. وذلك بتمني انتصارهم، والدعاء لهم، ومدهم بالمال، والقتال معهم.
وبالنظر إلى هذه المعاني، فلو أخذنا مبررات المؤيدين، فإنها بمجردها، مسوغة، لا بل موجبة؛ فلا يطلب للتأييد أكثر من كون المؤَيد:
- مسلما، مظلوما، يقاتل عدوا للإسلام والمسلمين ينكل به، ويشفي صدور المجروحين.
- والأرض المعتدى عليها إسلامية خالصة.
- والمقصود إفشال خطط الصهيونية للهيمنة الكاملة على المنطقة.
وكل هذه المبررات موجودة في حرب حزب الله لليهود. فإذا حكمنا بالنظر إلى هذه المبررات مجردة، فالتأييد واجب.
ولو أخذنا مبررات المعارضين، فإنها أيضا بمجردها صحيحة، مسوغة، لا بل موجبة لعدم التأييد، فأي فائدة من تأييد يفضي إلى: التلبيس على الحق، وتشيع السنة، وتسلط الشيعة الفرس.
فأولها التباين العقدي، وهو ثابت كما تقدم بيانه، ومن قال غير هذا، فيحتاج أن يدرس كتب الشيعة والسنة عبر القرون، ومواقف بعضهم من بعض، ولوضوح التباين، فلا نحتاج أن نشغل أنفسنا بالرد على المنكرين؛ إذ إنكارهم الواضحات أمر معيب !!.
فالتباين العقدي مع التأييد يفضي إلى: التعمية عن الحق، وتشيع السنة؛ إذ التأييد والحالة هذه، قد يفهمه كثير من الناس على: أنه تصويب وشهادة بحسن المعتقدات. وربما جرهم ذلك إلى التشيع، خصوصا مع حالة الإعجاب ببطولات الحزب في قتاله اليهود.
وهذا منزع صحيح لعدم التأييد؛ إذ يجب بيان الحق، وصون السنة من التشيع.

وثانيا: عدوان الشيعة على السنة، كلما تمكنوا:
- كما يحصل في العراق، وهو معروف.
- وحصل في لبنان، لما حاصرت حركة أمل الشيعية، فقتلت آلاف الفلسطينيين في المخيمات.
- وكذلك اضطهاد السنة في إيران.
ويلحق بهذا المبرر مبرر آخر هو: المخطط الفارسي للهيمنة على المنطقة.
ففي مثل هذا الحال، المنطق والعقل يقول: ليس من الحكمة تأييد من إذا قدر عليك، لم يرع فيك حرمة نفس، ولا مال، ولا دين، ولا أرض، كما حصل للسنة بعد الثورة الإيرانية.
فمن المهم إفشال هذه الخطط للتسلط الفارسي، صونا للسنة في نفوسهم، وأموالهم، وديارهم.
وهذا أيضا منزع صحيح لرفض التأييد؛ لأنه من الإعانة على النفس، وذلك لا يجوز.

* * *

وهكذا هي المبررات صحيحة في نفسها. فإذا تقابلت تعارضت، فكيف العمل حينئذ ؟.
لا تحسم القضية إلا بالمقابلة، ثم الموازنة، ثم الترجيح. فإما أن يظهر قول على الآخر، فيكون هو الصواب، أو يتساويا، فحينئذ فالمسألة محل النظر والاجتهاد، لا يلام من نظر فاجتهد، فاختار أحدهما. فهذا حكم الترجيح؛ إذ الترجيح يكون بين الأقوال المتقاربة.
والسؤال المهم هنا؛ لمعرفة الراجح من القولين، هو: هل الأحوال المرتبطة بهذه الحادثة بعينها، تحقق مبررات المؤيدين أم المعارضين ؟.
- هل تأييد حزب الله يتسبب في: التلبيس على الحق، وتشيع السنة، وتسلط الفرس ؟.
- أم عدم التأييد هو المتسبب في: احتراب داخلي، يساعد على المخطط الصهيوني في المنطقة ؟.
للوقوف على الجواب، نرجع إلى مفهوم التأييد، ونستعرض أنواعه، ونسلط عليها أدوات الفحص والدراسة، لنرى ماذا يمكن أن تحقق من المصالح، وما يمكن أن تجلب من المفاسد ؟.
النوع الأول: التأييد الدفاعي.
أي الدفاع عن الضعفاء. فالتأييد بهذا المعنى هل سيفضي إلى شيء من المفاسد التي حذر منها المعارضون ؟.
هذا النوع يتضمن: رفض العدوان، والسعي في إيقافه، وغوث المنكوبين. وهذه أمور لا يختلف أحد على أنها حق لكل إنسان، مظلوم، حتى لو لم يكن مسلما. والظالم نفسه إذا عاد مظلوما فله النصرة، ولا يكون ظلمه مانعا، لقوله تعالى:
{ولا يجرمنكم شنئآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله..}.
فتأييدهم بهذا المعنى هو المصلحة لا ريب، وهو الدعوة، والحكمة، والموعظة الحسنة. فنخرجها إذن من دائرة الخلاف، ونضعها في دائرة الاتفاق، ولننتقل إلى النوع الثاني.
النوع الثاني: التأييد الصامت.
وهو بمعنى السكوت عن معتقداتهم، وعن فعالهم بالسنة، والسكوت على قسمين: دائم، ومؤقت.
فأما السكوت الدائم، فهو تضليل عن الحق؛ فمتى يبين الحق مع سكوت دائم؟.
وقد أخذ الله العهد والميثاق على أهل العلم: أن يبينوا الحق للناس، وإلا عذبهم، فقال تعالى:
- {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون}.
- {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون * إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم..}.
فهذا خلصنا منه، وهو منزع صحيح لرفض التأييد؛ إذ كان مداره عليه. فما القول في القسم الثاني؟.
القسم الثاني: السكوت المؤقت. وهو لمراعاة المصلحة، إن ترجحت بالسكوت.
ولا نظن في أحد من أهل العلم والفقه والرأي إلا موافقته على: أن السكوت المؤقت يحتاج إليه في بعض الأحيان، حتى مع الكفار. والنصوص في هذا المعنى كثيرة لا تخفى، قال تعالى:
- {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة}.
- {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم}.
وفي ضوء ثبوت شرعية السكوت المؤقت عن بيان الحق، من حيث الأصل: فمن الجائز السكوت المؤقت عن أخطاء الشيعة، وأفعالهم، إذا ترتب عليه مصلحة تعود على المسلمين (= منع الاقتتال بينهم. كف العدوان. النيل من العدو اليهودي، تحرير الأرض الإسلامية، إفشال المخطط الصهيوني). أما إن ترتب عليه ضرر (= تضيع الحق، تشيع السنة، تسلط الفرس الشيعة) فقد يقال: لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. وحينئذ نرجع إلى تعارض الأدلة وتقابلها، لكن والحالة هذه:
هل يمكن أن يترتب ضرر على السكوت المؤقت ؟.
هذا سكوت غير مطلق، ولا دائم، فما يخشى من التعمية عن الحق منفي؛ إذ النقد لمعتقدات وأعمال الشيعة قائم قبل وبعد الحدث، وحتى في الأثناء، لمن ابتغى البحث في المظان من المؤلفات في الفرق والعقيدة. وبهذا يضمن بيان الحق، وصيانة السنة. مع التنبيه حين التأييد:
إلى أنه بالإجمال ثمة خلاف جذري عقدي بين الفريقين، ليس الوقت ملائم لتفصيله؛ إذ هناك ما هو أهم، وهو: كف العدوان، وإحباط مخطط تفتيت المنطقة.
وهكذا تصبح المسألة من هذا الوجه محل النظر والاجتهاد، بحسب ما يتأتى من مصلحة.
فالتأييد بهذا المعنى فيه مصلحة، وهو الأقرب، ومفسدته بعيدة نوعا ما، فلنخرج هذا النوع أيضا من دائرة الخلاف، إلى دائرة الاتفاق، ولننتقل إلى النوع الثالث.

النوع الثالث: التأييد المثالي.
وهو أعلى أنواع التأييد. فهل هذا النوع يفضي إلى شيء من المفاسد ؟.
هذا النوع يكون: بإعلان المساندة، وبالدعم المالي، وتمني النصرة والدعاء، والقتال. وإذا تذكرنا:
- أنهم مسلمون، وهم مظلومون، يقاتلون عدوا ينكلون به.
- والأرض إسلامية خالصة، والدفاع عنها واجب، بكل ما يستطاع.
- وثمة هدف لإيقاع المنطقة في حرب أهلية، ودينية، بقصد الهيمنة.
فكل هذه أسباب مشروعة للتأييد المثالي.
وقتال السنة إلى جنب الشيعة عدوا مشتركا ليس بجديد على التاريخ الإسلامي، فقد كان سيف الدولة الحمداني يقود الجيوش الإسلامية في حرب الروم، وهو شيعي إمامي. فالقتال هنا ليس لحساب جهة ما، إنما لأجل الأرض أنها إسلامية، حصل العدوان عليها. فلنذكر هذا جيدا !!.
وأما المفاسد التي يخشى منها، وهي: التلبيس على الحق، وتشيع السنة. فذلك يمكن الاحتماء منها بالطريقة التي ذكرت سابقا، وهو البلاغ، البيان، والدعوة. فهذه لا تنقطع أبدا، ولو توقفت لوقت.

وأما عن المخطط الفارسي، فهذا إن ثبت صلته بهذا الحدث (= الحرب بين حزب الله وإسرائيل)، فكذلك يدفع بالبيان، والبلاغ، وإيضاح الأمور بحقائقها؛ أي يكون العمل على أصعدة:
- تأييد المقاومة، لأنها تحمل كثيرا من أسباب التأييد.
- فضح المخطط الفارسي، وعدم السكوت عنه، وتحذير المسلمين منه.
- العمل المضاد؛ لإفشال هذا المخطط، مثل دعوة الدول السنية الكبرى أن يكون لها دور موازٍ للدور الإيراني؛ تأثيرا، وتخطيطا، ومنعة.
 

* * *


5- مخطط فارسي، أم صهيوني ؟.
وجود مخطط فارسي للهيمنة في المنطقة أمر معروف لكل: مراقب، ومحلل، وسياسي.
فالإشارات والعلامات لا تخفى:
- بدءا باحتلال الجزر الإماراتية الثلاثة.
- ثم السعي لامتلاك السلاح النووي.
- إلى التدخل في العراق، ومحاولة صياغتها لتكون مقاطعة تابعة.
- واختراق سوريا ونشر التشيع فيها بشكل غير مسبوق.
- والقدرة على تحريك السلم والحرب في لبنان.
- ثم مناوراتها الاستعراضية في الخليج العربي.
كما لا يخفى على متابع، الخطة الخمسينية، التي صدرت عن الدوائر الإيرانية؛ للهيمنة والتسلط على منطقة الشرق الأوسط، وكل ما حدث بعد ذلك من تحركات إيرانية ، إنما تصب في صالح هذه الخطة وتنفيذها. فالثورة في حالة تصدير حتى هذا الوقت، لكن في صورة مغايرة للبدايات، حيث الشعارات الثورية، والحروب، والإثارة. هي اليوم تمضي في خطى أكثر تأثيرا، بعد أن تعلم قادة الثورة من الدرس، فقلبوا المعركة من نطاق الثورة إلى الفكر، والسياسة، والتخطيط البطيء الطويل.

والمخطط الصهيوني كذلك ثابت، لا يجهله أحد، فهو معلن بالقول وبالفعل:
- فدعوات الشرق الأوسط الكبير، والجديد.
- واحتلال أفغانستان والعراق تحت ذريعة الحرب على الإرهاب.
- وتهديد سوريا المستمر، ومحاولة إخضاعها بالقوة.
- وضرب المقاومة في فلسطين ولبنان.
أمور يتبين ما وراءها، فالصهيونية لها غرض الهيمنة المطلقة على المنطقة.
فالمخططان ثابتان، والسنة العرب بالأخص معنيون بهذه المخططات، التي تحاك ضدهم.
وليس المهم سرد تفاصيلهما، إنما معرفة أيهما المرتبط بهذا الحدث؛ الحرب بين حزب الله واليهود ؟.
فإذا أخذنا في الاعتبار سرعة رد إسرائيل، ودخوله الحرب مباشرة بعد أسر الجنديين، وتلقيه من الدعم التام والمساندة التامة من الولايات المتحدة الأمريكية، ودخول الأخيرة الحرب بصورة واضحة هذه المرة، بإفشالها كل المساعي لوقف إطلاق النار، كما حدث في مؤتمر روما ومجلس الأمن، بل وإصرارها العلني على مواصلة الحرب. ومهما كان من انحيازها لإسرائيل في السابق، إلا أنها لم تبلغ هذه الدرجة، فقد كانت هذه المرة في صورة الذي يقود المعركة، ويحرك الآلة العسكرية الإسرائيلية.
كل هذه دلالات على أن الحرب مبيتة، مخطط لها سابقا، اختير لها هذا التوقيت، واتخذت حادثة أسر الجنديين كذريعة مبررة.
وإذا أضيف لها الحرب التي سبقت ضد الفلسطينيين، بالذريعة ذاتها؛ تخليص الجندي الأسير، فبها يعلم أن المقصود هو: القضاء على كل أشكال المقاومة ضد إسرائيل، ووضع نهاية لها. لترتيب المنطقة من جديد، ضمن مشروع هيمنة صهيونية مطلقة.

وإذا انتقلنا إلى المقابل، فالسؤال الذي يرد هنا:
لم بادر حزب الله إلى أسر الجنديين في وقت، كانت فيه إيران تواجه معضلة إحالة ملفها النووي إلى مجلس الأمن، لتواجه عقوبات الحصار الاقتصادي، والسياسي، والعسكري..؟.
هل كان لأجل صرف الأنظار عن هذا المشروع زمنا، تستطيع فيه إيران إتمام مشروعها؛ ليصبح واقعا، تضطر الدول الكبرى للتعامل معه على هذا الأساس؛ لتعطى الوصاية على المنطقة، مقابل ضمانها مصالح الولايات المتحدة الأمريكية.
إن لإيران الدور الأول في بروز هذا الحزب، وبقائه. فهي الممد له بالعون والمال، والعتاد، والرجال أيضا، والحزب يرجع إليها، ويعتد بمرجعيتها.
ودخوله في هذا الحرب، مع ملكه لهذا الكم الهائل من الصواريخ، الجاهزة، فيه دلالة على استعداده لحرب قريبة، فهل كان على علم بأن إسرائيل ستبادر إلى الهجوم والقتال، ليعد عدته، أم كان يعد العدة ليجرها إلى حرب مشغلة ؟.
فالحدث قد يرتبط بهذا أو ذاك، وارتباطه بالأول أظهر، لعلانية التصريحات، ووضوح المواقف الأمريكية الإسرائيلية. وارتباطه بالثاني أخفى؛ لغموض الموقف الإيراني وحزب الله وعدم تصريحهم بطبيعة العلاقة بينهما في هذا الحرب.
وفي هذا المقام، يستحضر المعارضون الثورة الإيرانية، وما وقع فيها من نكث الشيعة بوعودهم للسنة، بعدما شاركوهم الثورة، وما تلاه من اضطهاد السنة، حتى إن طهران لا يوجد فيها مسجد واحد إلى اليوم. وقد فرح كثير من السنة بالثورة وأيدوها، قبل أن تتبين لهم أهدافها الثورية الفارسية.
وهم يخشون أن يكون هذا الحدث، وهذا التأييد تكرارا للصورة نفسها، دون اعتبار ولا اتعاظ.

والذي يبدو أن الحدثين مختلفين:
- فالثورة كانت انقلابا على الحكم، وأي مساندة للانقلابيين فإنها تعني تمكينهم من الحكم والسلطة، وهذا ما حدث بعد ذلك.
- أما هذا الحدث فليس انقلابا، بل أرض إسلامية اعتدى عليها الكافر، فدمرها وقتل المسلمين فيها، وهجر مئات الآلاف.
فاختلفت الصورتان، فلا يصح قياس هذا على هذا إذن.
فالتأييد غايته: غوث المظلوم، ودفع الظلم، والنكاية بالعدو، وإفشال المخطط الصهيوني، وتحرير الأرض. وهذا الهدف واضح، والمصلحة ظاهرة. أما التسلط الفارسي، فهو وإن لم يكن خافيا على أحد، فربطه بهذا الحدث خفي غير جلي، ويمكن تلافي المفاسد بخطوات أخرى، غير منع التأييد، كما مر سابقا.
وهكذا من خلال هذا التحليل والدراسة، نجد الجواب لكل دليل معارض:
- فالتأييد الدفاعي لا يختلف عليه أحد.
- والتأييد الصامت، يمكن بالصمت المؤقت.
- والتأييد المثالي، فلأجل الأرض الإسلامية، والمسلمين الضعفاء.
وما يخاف من المفاسد، فيمكن دفعها بالعمل المضاد، ليس فقط بالامتناع عن التأييد، فهذا هو المنهج العملي في مثل هذه القضايا، وهذه هي المرونة في الحركة، والعمل، والإصلاح.
 

* * *


6- تراشق !!.
اختلف الناس في هذه القضية، وقال كل رأيه، ثم بدأ التراشق بين الطرفين ؟!!.
فالمؤيدون نعتوا المخالفين لهم: بأنهم في أوهام، لا يدركون أبعاد السياسة، مستغرقون في التحليل العقدي، لديهم تأزم نفسي، ينظرون بمنظار ضيق غير شمولي، يلجئون إلى التاريخ، لا يرون العالم إلا من خلال عقائدهم، وأنهم وحدهم على الحق.
وغير المؤيدين ينعتون المخالفين: بأنهم ما وعوا الدرس، ولم يتعظوا بما سبق، وما يحدث في العراق، وأن هذا من تمييع الحق، وتمكين الأعداء. وأنه كان الأولى بهم السكوت إذ لم يدركوا أبعاد المؤامرة.
ولو تريث الفريقان، لوجدوا المبررات صحيحة من الطرفين.
وهي متقابلة، تحتاج إلى موازنة؛ لترجيح الصواب منها، وطرح الأخرى.!!!.
وحقيقة المشكلة لدينا: أن الترجيح يأتي دائما بالظن، لا بالدراسة، والتتبع، والفحص!!
ومن حاول الدراسة، فدراسته فردية، لا تقوم بها مؤسسات مختصة بالشئون السياسية، وهذا أمر يفتقر إليه أهل السنة، فلو كانت لديهم لجان ومؤسسات مختصة بدراسة السياسة الإيرانية خصوصا، والشيعة عموما؛ لأسعفت بدارساتها، حيال هذه الأحداث، الباحثين والعلماء، مما يمكّنهم أن يبنوا عليها حكما شرعيا مؤصلا، قريبا من الصواب، إن لم يكن الصواب نفسه.
لكن في مثل هذه الأوضاع المختلطة التي نعيشها، من غياب الهوية السنية، الجامعة لنشاطات السنة، المحققة لمصالحهم، فإن الجهود الفردية ستحل محلها. ترافقها مشكلة أخرى هي: عدوان الخائضين بعضهم على بعض، بالتسفيه، والطعن، والاستهجان، والاستخفاف، وكل ذلك ينافي أخوة الإسلام. وهكذا تجدنا في كل مسألة نازلة طارئة، نختلف اختلاف الخصوم والأعداء.

فلو أننا إذ فاتنا العمل والنشاط المؤسسي، تراحمنا فيما بيننا، فأظهرنا جدلا محترما:
- يتبع أصول الحوار وآدابه، بطرح الأدلة، وتتبع المستندات، ودراستها، وتحليلها، واعتبار ما يمكن اعتباره، وطرح ما يمكن طرحه.
- مستخدمين في ذلك أدوات الترجيح بمنهجية علمية، من: ثبوت دليل، وصحة دلالة، ومناسبة للواقعة، وقياس صحيح. واعتبار الزوايا الأخرى، من: سياسية، واقتصادية، وتاريخية..
- وكل داخل في الجدل لديه القدرة والاستعداد على إعادة النظر في رأيه. لا، بل الرجاء في أن يجد الحق عند صاحبه؛ ليعمل به.
لكان في هذا تعويضا عن الفراغ الكبير، الذي تركه العمل المؤسسي في بنية الحركة السنية، ولكان فيه بديلا عن العمل الجماعي، لكننا أبينا إلا أن نجعلها كما قال القائل: "حشفا وسوء كيلة". ؟!!. فكل معجب برأيه، ولا يملك لأخيه إلا لسانا شديدا، شحيحا على الخير ؟!!.
نحتاج إلى أن تعلم أصول الحوار، والبحث، والمناظرة، والجدل بالحكمة، والموعظة الحسنة. ولا أكاد أستنثي. فالكل، إلا القليل، وقع في هذا الخطأ؛ الطرفان كلاهما.

* * *

- إذا أتى المؤيد بمبرر فيه: أنهم مسلمون. قال المعارض: لكنهم مخالفون في أصول من العقيدة.
- وإذا قال الأول: إنهم مظلومون. قال الآخر: لكنهم يعتدون ويظلمون السنة.
- وإذا قال: إنهم ينكلون باليهود. قال: لكن لهم مخطط للهيمنة.
وهكذا كل يذكر قضية صحيحة، يقابلها الآخر بأخرى مثلها. وليست نقطة الخلاف في هذه الأمور، إنما في المقابلة بينها، والموازنة، ثم الترجيح. فإن ثبت: أن تأييدهم ينفع فما المانع من تأييدهم ؟.
وإذا ثبت العكس: أن تأييدهم يضر، فلم نؤيد عملا فيه ضرر علينا ؟.
فكما رأينا المسألة، ليست محسومة ابتداء، كما جهد الفريقان على تصويره، بل هي مشروطة، والفقه كل الفقه، في إدراك هذا الشرط، إثباتا أو نفيا. فمتى ثبت الشرط، أو انتفى فعلى المخالف التراجع.
وهذا الكلام متعلق بهذا الحدث، وحكم الحدث المعين لا يعمم، وإن كانت أطراف الصراع هي نفسها، فإن وحدة الأطراف لا يلزم منها وحدة الحكم، وإلا لما جاز للمسلمين أن يحاربوا الكافرين تارة، ويصالحوهم تارة، ويهادنوهم تارة.
والحقيقة أن ترجيح أحد القولين على الآخر، فيه كثير من المغامرة، لغموض جوانب من القضية، وعدم توفر المعلومات الصحيحة، بصورة واضحة، لأسئلة حاسمة في الموضوع.

فلو أخذنا قضية الهيمنة الفارسية، وهي حقيقة في أصلها، وإنما البحث في ارتباطها بهذا الحدث، ففي ارتباطها تتعارض الأدلة وتتقابل؛ فالتأييد يقوم على نفي الارتباط، وأدلته ما يلي:
1- أنهم مسلمون، مظلومون، يقاتلون عدوا للإسلام والمسلمين.
2- أن الحزب والشيعة لم يكونوا يتوقعون هذا الرد من إسرائيل، ولو عرفوا ما أسروا؛ لتكون عقوبتهم: تدمير قراهم بالكامل، وتهجير أتباعهم كلهم إلا قليلا.
3- أنه من الواضح من إصرار أمريكا على استمرار إسرائيل في القصف والعدوان: أنها حرب مبيتة؛ لخلق منطقة جديدة، سموها شرق أوسط جديد.
فهذه إشارات وعلامات تنفي: أن تكون مخططا فارسيا. ومن ثم فلا خوف من أطماع إيرانية شيعية، وإن كان من مبررات عدم التأييد ما هو قائم (= تضيع الحق، وتشيع السنة؛ إعجابا ببطولات حزب الله). فيبقى مبرر، ويسقط مبرر، ويمكن علاج المبرر القائم ببيان الحق بلطف وترفق، بالتأييد مع الأشعار أنه لأجل منع الظلم، ومنع الاحتراب بين السنة والشيعة، وليست شهادة على حسن المعتقدات، أو الثقة الكاملة.

وفي المقابل تقوم فكرة المعارض على تأكيد الترابط بينهما، وأدلته ما يليب:
1- أن الحزب والشيعة نالوا ثقة الناس، وإعجابهم، وهذا مكسب كبير لهم، فهذه الحرب أفادتهم كثيرا، ويمكن لهم أن يسخروه في مخططاتهم.
2- أن هذه الحرب صرفت الأنظار زمنا عن مشروع إيران النووي، التي هي ماضية فيه.
3- أنها فتحت جبهة جديدة، وثغرة في جدار دولة إسرائيل، وقد تضطر معها أمريكا لاحقا إلى التفاوض مع إيران وحزب الله لإيقاف الحرب؛ الذي دمر اقتصاد إسرائيل، وهجر كثيرا من شعبها، وفق صفقة يكسب منها حزب الله موقعا أقوى في لبنان، وإيران موقعا أقوى في المنطقة، وهذا غير مستبعد في عالم لا يعرف إلا لغة القوة، وفي السياسة لا مانع من خضوع قوة كبرى لأخرى أضعف منها، إذا أدركت أن لها مصالح لا تتحقق إلا بنوع من الخضوع المؤقت، والولايات المتحدة تميل إلى الشيعة أكثر من ميلها إلى السنة، ولا يستبعد مثل هذا الحدث.
فهذه إشارات وعلامات تثبت مخاوف المعارضين للتأييد، وهي ليست محض خيال، فعلى المؤيدين أن يتأملوها مليا، ويدرسوها جليا.
والمهم هنا ليس الترجيح وحده، إنما أيضا التأكيد: على أن كل فريق عليه أن يفيد من الآخر، فالواضح أن كلا عنده شيء، ليس عند الآخر، فمن جمع جمع، ومن فرق تفرق.
 

* * *


7- نقد لا يوقد حربا.
بقيت الإشارة إلى مسألة طرقت ضمن أهداف المؤيدين التأييد، هي: أن بالتأييد نمنع الشحن الطائفي، والاحتراب بين المسلمين.
وبعيدا عن هذا الحدث الذي نحن بصدده، فهذه المسألة تحتاج إلى نظر وتأمل؛ فالمفهوم الواضح، الذي لا يراد غيره: أن نقد الشيعة وبيان مخالفاتهم، وأفعالهم يفضي حتما إلى احتراب بين السنة والشيعة.
وهذه نتيجة لا يسلم بها..!!.
فلو كان كل نقد عقدي يفضي إلى احتراب، لوجدتَ كافة فرق النصارى محتربة، وكافة فرق اليهود كذلك، وديانات الهند، وكذا الدول المتعددة الديانات. لكن ذلك لم يكن لازما، وإن كان حدث في وقت من الأوقات، إلا أنه لم يكن لمجرد الاختلاف، بل لأن هنالك عناصر كانت تحرض على الاقتتال. فعلم من ذلك: أن النقد العقدي والفكري المجرد من دون تحريض، سيقف عند مجرد النقد، والتخطئة، بل والتضليل. لكن لا يصل إلى الاقتتال والاحتراب، ما لم ينشأ عنصر يحرض على ذلك.
وهذا ما نريد قوله: نقد وتخطئة، لكن من دون تحريض على عنف، حتى ما دون القتل. فليس ثمة طريق للإصلاح، سوى البلاغ، قال تعالى: {وما على الرسول إلا البلاغ المبين}.
ومن العجيب: أن الذين يطالبون بالكف عن الكلام في معتقدات الشيعة نقدا، أو غيرهم، بدعوى الكف عن الشحن الطائفي، والاحتراب. تجدهم في مقام آخر: مدافعين عن حرية الرأي، وإبداء وجهة النظر في أفعال الآخرين، تصويبا أو تخطئة، بل وتضليلا، ما دام أنه لم يتجاوز إلى العنف.
يقولون هذا في كافة الأمور، فإذا ما جاءوا إلى الاعتقاد والدين، طالبوا بالكف، حتى لا تحدث فتنة، وكأن الفتنة لا تكون إلا مع النقد الديني، دون سائر النقود ؟!!.
والحق: أن الإنسان، والمسلم والسني من باب أولى، لا يحب القتل والقتال، والعنف والعدوان، ويدفعه ما استطاع، بكل الحيل والوسائل، كما أن كل مؤمن يحب الله تعالى، فهو لا يرضى أن يسكت عن ضلال الناس، بعد أمر الله تعالى له أن يبلغ الناس الحق، الذي تعلمه، وهو سائله عنه.
فهو يعمل على الجمع بين الأمرين: تبليغ الحق الذي معه، وإن أغضب ناسا وأسخطهم، رحمة بهم، وقياما بالحق الذي أوجبه الله عليه؛ وفي الوقت نفسه لا يتخذ هذا التبليغ والتصويب لأخطاء الآخرين ذريعة إلى التحريض على الاحتراب والقتال.
كلا، بل قدوته في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يبلغ: الأمم، والأقوام، والأفراد دين الله تعالى، دون عدوان، أو قتال، إلا إن اعتدي عليه.
 

* * *


إن هذه المسألة شائكة، وقد جاء الخوض فيها بقصد الوصول إلى جواب، فكان هذا البحث المختصر، وعسى أن يكون قد أصاب، وتلك منة الرحمن على عبده، وإلا فالخطأ من الإنسان ومن الشيطان، والله تعالى ورسوله برئيان من هذا القول، ويكفي أنه قد تقرر فيه:
أنه لا تثريب على من رجح الرأي الآخر، وقال به.
والله أعلم.
 

* * *


 

د.لطف الله خوجة
  • محمد صلى الله عليه وسلم
  • المرأة
  • التصوف
  • الرقاق
  • الآخر
  • معالجة
  • وصية
  • قطرة من الروح
  • الصفحة الرئيسية