اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/khojah/53.htm?print_it=1

دراسة لفكرة التقريب بين السنة والشيعة
في تصريحات القرضاوي والزحيلي

د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه

 
الوحدة الإسلامية هدف مطلوب؛ ذلك لأن:
- فيها تحقيقا للأمر الإلهي بالاجتماع وعدم التفرق: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}.
- وبها تتزل الرحمة الإلهية على الناس، التي تحل بهم جزاء رضاه عنهم بهذه الطاعة.
- وبها يتراحم المسلمون، وتحدث لهم القوة، والعزة، والمنعة؛ فبدونها يتباغضون، ويذلون.
غير أن هذه الوحدة - وكأية وحدة أو صورة للاجتماع - لا بد لها أسس وشروط تقوم عليها، وهذا أمر لا يجادل فيه أحد؛ فعدم الأسس يعني عدم الوحدة، وكلام عن الوحدة من غير أسس صحيحة واضحة: خدعة، أو غفلة. لذا دائما ما يسعى المتوحدون إلى سرد الأسس التي يتفقون عليها، ويؤمنون بها، ويعملون؛ لأجل ترسيخ الوحدة، ومنع التفكك.
إذن، في شأن الوحدة الإسلامية، فلا بد أن تكون على أسس، يتفق عليها ولا يختلف فيها.
فمن أين تُستقى أسس الوحدة ؟.
بما أن الكلام على المسلمين، فأول وارد على الذهن، مما يظن أنه أساس هو: القرآن الكريم. يليه: السنة. فكلاهما وحي من الله تعالى، باللفظ والمعنى، وبالمعنى دون اللفظ.
فوحدة تقوم على هذين الأساسين هي الوحدة الإسلامية، وأي خلاف في أحدهما فهو إبطال للوحدة.
ثم إن فيهما التنبيه على أساس ثالث، هو منهما لا يخرج عنهما، لكنه يذكر ويخصص لفائدة، وحسما لفتنة. هو: اتباع الصحابة رضوان الله عليهم في مسائل الدين، والعمل بأقوالهم، ومذاهبهم، ثم التابعين، ثم من تبعهم، لتفضيلهم في النصوص، كقوله عليه الصلاة والسلام:
- (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم..).
فهذه أسس الوحدة الإسلامية بين المسلمين، بها تتحقق وحدتهم، وآثار هذه الوحدة.


* * *


ثم إنه، ومنذ آونة من الزمن، والشيعة يدعون إلى الوحدة بين المسلمين؛ السنة والشيعة. وإلى التقارب بين الطائفتين. وهي دعوة تتوافق مع روح الإسلام، وتطلعات المسلمين..
لكن هل تفتقر إلى الأسس الصحيحة لبناء الوحدة الإسلامية ؟.
منذ البدء، اختلف علماء السنة في هذه الدعوة الشيعية، فتوجست منها طائفة، وأقبلت عليها طائفة، وكان الفريقان على الضد بل النقيض، حتى آل بهم الحال إلى التشنيع:
- فالمتوجسون قالوا في المقبلين: إنهم غافلون لا يعرفون حقيقة الشيعة، ولا حقيقة الدعوة إلى التقارب. فما هي إلا تقية، فهي حيلة لتشييع السنة، وتضييع السنة، ليغدو الشيعة أكثرية، بينما هم اليوم أقلية لا تتجاوز 15% من المسلمين. فأكثروا فيهم وقالوا ما قالوا.
- والمقبلون قالوا عن المتوجسين: إنهم مخدعون، مثقلون بالتاريخ، يسيئون الظن بكل شيء، ويسلطون اليهود والنصارى، ويشتتون الأمة، ويفرقونها.
وهكذا هم منذ بدأت فكرة التقارب وإلى اليوم.
والملاحظة الجديرة بالنظر والعناية: أن جمعا من الذين ذهبوا مع فكرة التقارب زمنا، عادوا يخبرون بفشل هذه الفكرة، ويحملون الشيعة هذه التبعة:
أنهم لا يبتغون التقارب والاجتماع، إنما يريدون مكاسب طائفية، يحقق لهم التمكن بين السنة.؟!!!.
وكان آخر هؤلاء عالمين من أعلام التقارب، هما: الدكتور يوسف القرضاوي، والدكتور وهبة الزحيلي.
فأما الدكتور القرضاوي فقد أعلنها صريحة في نقابة الصحفيين المصريين قبل أشهر: أن أغلب الشيعة يؤمنون بأن القرآن ناقص، وأنهم لا زالوا يتقربون إلى الله بسب ولعن الصحابة رضوان الله عليهم.
في خطوة لم تكن متوقعة، من عالم ما فتئ يدعو بإخلاص إلى اجتماع السنة والشيعة، ويرفض نقد الشيعة وبيان مخالفتهم للسنة. وكان الذي دعاه إلى هذا التصريح: ما حصل من اختراق شيعي لمصر. كما صرح الشيخ نفسه، الأمر الذي أغضبه، وطالبهم ألا يبشر أحد بمذهبه في البلاد الخالصة في المذهب الآخر.
قام بعدها أمين عام الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الدكتور: محمد سليم العوا. بمحاولة تعديل سياق هذا التصريح، والتخفيف من حدته، وتبرع بتفسير كلام الشيخ القرضاوي، الواضح أصلا !!، لكن بطريقة تبطل المعنى الواضح، وتجبر على قبول المعنى الذي أراده العوا وليس القرضاوي..؟!!.
غير أن الشيخ أعاد التصريح بطريقة أخرى، مستنكرا موقف الشيعة من الاختراق، في ندوة حضرها في جامعة أم القرى منذ أسابيع قريبة، كان يعلق فيها على مداخلة من الدكتور وهبة الزحيلي، الذي حذر فيها - هو أيضا - من اختراق الشيعة لسوريا، ونعت فكرة التقارب بأنها:
ذر الرماد في العيون. وأن مقصودها تشييع السنة.
وأن هذا هو ما خرج به من نتيجة، بعد عشرة أعوام في لجان التقريب بين السنة والشيع.
فوافقه على ذلك الشيخ القرضاوي، وزاد أن الدكتور وهبة كان قد دعي إلى إيران، وأعطي جائزة.
وأخبار الاختراق الشيعة لمناطق السنة في تزايد، آخرها ما أعلنته الحركات الإسلامية في السودان: أنصار السنة المحمدية، والإخوان، وغيرهم.. أن الشيعة يعملون على تشييع القرى، وبناء الحسينيات والمراكز.


* * *


هذه المعركة الدينية والفكرية بين السنة والشيعة تحمل على طرح السؤال التالي:
إذا كانت الوحدة الإسلامية مطلبا، والشيعة يعلنون هذا المطلب، وينادون به، ويحرصون عليه، وأنهم والسنة سواء مسلمون، متحدون، لا خلاف بينهم في الأصول، إنما في الفروع، ويتهمون من يتكلم فيهم بالطائفية، وبالعداء للوحدة الإسلامية.. فنشاطهم في تشييع أهل السنة على ماذا يدل ؟!.

إن الذي يدرس كتب السنة وكتب الشيعة، ليخرج بحقيقة لا مفر منها: أن الفريقين يختلفان في الأصول:
- فالشيعة يقررون أن القرآن محرف، ومن تلطف منهم قال: إنه ناقص. ليس بكامل. وإعلانهم بأن هذا افتراء عليهم، غير مفيد في دفع هذا الظن بهم، لأمور ظاهرة منها:
o أن المتقاربين معهم شهدوا عليهم بمثل هذا، كما مر معنا في تصريح القرضاوي.
o ومنها: أنهم لا يعدون القول بتحريف القرآن كفرا. مع مصادمته للوعد الإلهي بحفظه.
- وهم يكفرون عامة الصحابة، وفي مقدمهم أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، ويرمونها بالفاحشة، ولا يتقون في هذه القضية تقيتهم في قضية القرآن، وهم بذلك يسقطون السنة عن الاحتجاج.
وقد تقدم أن أساس الوحدة الإسلامية هو: القرآن، والسنة. ثم فهم الصحابة لهما.
وكل هذه الأسس يخالف فيها الشيعة، وغيرها كثير، مثل اعتقاداتهم في الأئمة: أنهم يعلمون الغيب، ويدبرون الكون، وأنهم معصومون عن مجرد الخطأ.. فكيف إذن تتحقق الوحدة ؟!.
هم يعرفون هذه الحقيقة؛ لذا مدوا في الظاهر أيديهم للتقارب، وتكلموا بألسنتهم، لكن من وراء ذلك يخططون لتشييع أهل السنة، وما ذاك إلا لعلمهم أنه لا اجتماع بين الفريقين إلا في حالة واحدة هي عندهم: إذا تشيع أهل السنة.
وكذلك هو عند أهل السنة، لكن بالنقيض: لا وحدة إلا إذا تسنن أهل التشيع.
ومن هنا: فإن فكرة التقريب فاشلة، والشيعة يعرفون هذا أكثر من السنة، الذين يدفعهم حب الوحدة بصدق وإخلاص إلى عدم فحص القضايا بالدقة والنظر، ليقعوا في فخاخ تصنع لهم، فيخسرون، ويضرون أهل السنة؛ فهل كان الشيعة قادرين على تشييع بعض السنة، لو لم يحيدوا هذه الطائفة من العلماء، فاستغلوا سكوتهم عن نقد التشيع، لا بل دفاعهم عنه باسم الوحدة، فانطلقوا مخترقين ؟.


* * *


إن خوف الطائفية؛ أي الاقتتال، تحمل بعض علماء السنة على محاولة جمع الكلمة بين الشيعة والسنة.
وهو هدف نبيل، لكن ههنا أمر مهم، هو:
أن منع قتال كل من ثبت له اسم الإسلام؛ بشهادته أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وبصلاته قبل الكعبة صلاة المسلمين، وأكله لذبائح المسلمين: أمر واجب محتم. لقوله صلى الله عليه وسلم:
- (من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم، له ما لنا، وعليه ما علينا).
فعامة الشيعة خصوصا العوام منهم، ومن كان منهم لا يقبل بهذه الأفكار المنحرفة في القرآن والصحابة هم من المسلمين؛ لأنهم محققون لشروط الإسلام الآنفة، مع ما هم فيه، مما يخالفون فيه السنة.
فمثل هذا كيف يقاتل ؟.
ثم الذين غلوا بمثل المقالات الآنفة، فإنهم لا يقاتلون كذلك، بل يجادلون بالتي هي أحسن لعلهم يهتدون.
فلا يجوز إذن قتالهم تحت دعوى الطائفية، بل إن الكافر الأصلي لا يقاتل حتى يحارب ويعتدي.
إذن، فإن بيان اختلاف الشيعة عن السنة في الأصول لا يلزم منه قتالهم، أو العدوان بين الفريقين، كما لايلزم من بيان كفر اليهود والنصارى، قتالهم والعدوان عليهم. فبيان الحق له سبب، والقتال له سبب.
بيان الحق سببه أمرٌ أمر الله تعالى به عباده العالمين: أن يبينوا للناس الحق ولا يكتمونه، وأن يعملوا على هداية الضالين عن السبيل.
والقتال سببه العدوان والظلم، أُذن للمسلمين أن يدفعوا عن أنفسهم إذا هم ظلموا.
فإذا بان وظهر اختلاف الأمرين، وأنه لا رابط بينهما: بطل زعم من ظن أن الكلام في الشيعة نقدا يورث فتنة طائفية، وقتالا. كلا، بل لا يزال أهل السنة منذ ظهر التشيع في القرن الأول، وهم يكتبون ويحذرون من هذه البدعة الغالية، ولم نسمع أحدا قال منهم: قاتلوهم، وعذبوهم.
منهج أهل السنة مع المخالفين: بيان خلافهم للسنة، وخروجهم عن الحق الذي كان عليه الصحابة. وعند هذا الحد يقفون. لا يوقدون حربا من أجل أن أمة قد: تشيعت، أو تصوفت، أو تمشعرت. بل جهادهم في هذا القلم واللسان، وليس السيف والحراب. يدعون من أخطأ ومن ضل بالكلمة، والموعظة الحسنة.
ومع هذا الوضوح في المواقف، فلا وجه للسكوت على مخالفة الشيعة للكتاب والسنة.؟!!.
ففي السكوت فرصة لتجهيل المسلمين عن هذا الواقع، وهو الذي سهل ويسهل تشييعهم..!!
فما أسهله من طريق؛ أن يُغرى المسلم العامي الموحد المحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولآل البيت: بأن التشيع هو المذهب الحق؛ لأنه مذهب آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.!!.
لتكون الخطوة التالية: الطعن في الصحابة بأنهم أعداء آل البيت، وأنهم حرموهم حقهم في الخلافة، وآذوا فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها.!!.
وهكذا يخرج أهل السنة بهذه الفرية، من السنة إلى التشيع..!!.
وإذا ما استمر سكوت العلماء، خصوصا الذين عرفوا حقيقة الدعوة إلى التقارب، عن بيان حقيقة التشيع. وإذا ما تمسك بعضهم بموقفه من تحسين مواقف الشيعة، والإصرار أنه لا فرق بين الفريقين:
فإنه يوشك أن تنقلب النسبة ليكون أهل السنة أقلية.؟!!.
وليست المشكلة في الأقلية أو الأكثرية: إنما في أن يعم ويسود الأمة:
- اعتقاد تحريف القرآن، والقول بنقصانه. إن يفضي حتما إلى إهماله والإعراض عنه.
- تكفير الصحابة، واتهام أمهات المؤمنين بالفاحشة. ليعلن لعنهم على المنابر.
فهل يطيق مسلم هذا ؟!.


* * *


لا يكفي مجرد التحذير من الاختراق..!!.
ما قيمة هذا التحذير، في مقابل القول: بأنا أمة واحدة، لا خلاف بيننا وبينهم، إلا في الفروع ؟!.
فإذا كان الأمر كذلك حقا، فلم الانزعاج من تحول السنة إلى التشيع ؟!.
إذا كانوا أمة واحدة لا فرق ولا خلاف، فهذا المتشيع ما زاد على أن انتقل من طرف إلى طرف، ضمن الدائرة نفسها، كما ينتقل من مذهب فقهي إلى آخر.
هكذا يفهم المسلم السني العامي، خصوصا إذا رأى علماءه وقادته يزينون التشيع بمثل هذه الطريقة، وقد يعجب من تحذيرهم اليوم، ولا يراه منسجما مع دعاوى الوحدة، والأمة الواحدة.
ليس من طريق لمنع هذا الاختراق إلا ببيان الأمر على ما هو عليه: من يكون الشيعة، وما هي معتقداتهم، وموقفهم من السنة تحديدا، فإن لهم من السنة موقفا، أقل ما فيه يقال: إنهم يبغضونهم، ويفسقونهم .!!.
وهؤلاء العلماء لم يحذروا من هذا الاختراق أخيرا، إلا لعلمهم بالتناقض الفكري والعقدي العميق بين الفريقين، فعليهم إذن أن يبينوا هذا التناقض لعموم الناس، ولا يسكتوا، فإن سكوتهم مضر؛ إذ كانوا ينطقون بالتقريب والثناء على الشيعة والتوحد معهم زمنا، فلما تبين لهم صدق قول من حذر ونصح: ما زادوا على التحذير ؟!!.
فالناس لهم حق أن يتساءلوا عن سبب هذا التحذير من الاختراق الشيعي لمصر، وسوريا، والسودان ..؟.
فإن لم يبينوا لهم أن ذلك لأجل التناقض العقدي، ومخالفة الشيعة للإسلام في أصول كبرى: فإن السؤال يبقى عالقا، ولا ينفع التحذير.
الشيعة مخالفون لأصول كبرى. نعم، ومع ذلك فإن عامتهم مسلمون؛ ذلك لأن منهم من لا يدرك حقيقة هذه المخالفة، فمعذور بالجهل، وبالإكراه، وبالتأويل. وعندهم ما يثبت لهم أصل الإسلام، كما تقدم. ومن الشيعة من هو بريء من كثير من هذه المخالفات الغالية. غير أن الذين يخترقون هم الغالون منهم.
 

د.لطف الله خوجة
  • محمد صلى الله عليه وسلم
  • المرأة
  • التصوف
  • الرقاق
  • الآخر
  • معالجة
  • وصية
  • قطرة من الروح
  • الصفحة الرئيسية