اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/khojah/82.htm?print_it=1

التكفير واللا تكفير في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه

 
لست أبحث في إثبات هذه القضية أو نفيها، فكل ملة ونحلة ودين -كان سماويا أو وضعيا- فإنه متضمن مبدأ التكفير؛ الذي معناه: الإبعاد من الملة لكل من ناقضه. وإلا لم تتشكل له صورة، ولم تتحدد له معالم يتميز بها عن غيره.
فكل ملة إنما تشكلت من خلال مبادئ وأصول، والمعقول والمنطقي: أن مخالفة هذه الأصول والمبادئ بما ينفيها هو قضاء للملة من أصلها. ومن ثم فلا بد من حوطها بسياج التكفير للمناقض؛ لتعرف وتتحدد معالمها، وليعرف كل من كان داخل السياج الحد المسموح للحركة.
إنما غير المنطقي الإقرار بأن هذه ملة ونحلة متميزة عن غيرها، ثم المنع من تضمنها مبدأ التكفير، فهذا ضرب من المحال العقلي والعرفي والديني. فهذا الذي انتمى لهذه الملة بالتزامه أصولها، هو قد انتمى وانتسب، لكن لو خالفها وعارضها ونقضها عامدا قاصدا، فحينئذ هل يصح انتسابه ؟.
والإسلام لم يكن بدعا من الديانات والملل في هذه الأمر، فالنصوص التي تكفِّر من ناقض أصوله معلومة، وآيات الردة شاهدة، والتي تتكلم عن الذين آمنوا ثم كفروا في سورة آل عمران والنساء كذلك شاهدة.
إذن ليس طعنا في الإسلام تضمنه تكفيرا لمن ناقض أصوله، وكل دعوة تجديدية لمعالم الإسلام كما أنزل فلا بد من تضمنها هذا المبدأ، وإلا كانت مختلة جذريا. وليس هذا فرح بالتكفير، وإنما ذكر لحقيقة طالما أزعجت أناسا، فأرادوا مخالفة العقل والنقل.
ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لو تضمنت التكفير لمن ناقض أصول الإسلام لم تكن بذلك معابة ولا خاطئة؛ لأنها في ذلك تكون قد جرت على خط الإسلام الأصيل.
إذن متى يكون الخطأ ؟.
يكون الخطأ في مسألة التكفير، إما في الموضوع، أو في التطبيق:
- فأما الموضوع، فهو التكفير بمسألة لم تبلغ حد الكفر بدليل قاطع محكم، بل بظني متشابه.
- وأما التطبيق، فهو أن تكون المسألة مكفرة بدليل قاطع، لكن يُساء التطبيق، وذلك بتنزيل حكم الفعل على الفاعل بمجرد الفعل، دون معرفة الموانع والشروط (= إقامة الحجة).
فأين الخطأ في دعوة الشيخ بحسب أقوال المنتقدين ؟.
هل ثبت فيها التكفير بمسائل ليس فيها نص قاطع، فكان التكفير بالظني ؟.
أو أن التكفير وقع بمسائل فيها نص قاطع، لكن أنزل الحكم بأقوام دون إقامة الحجة ؟.
هذان هما السؤالان المحوران في القضية المثارة على الدوام (دعوة الشيخ ابن عبد الوهاب) ، والمطلوب ممن انتقدها: إثبات وقوع هذين النوعين، أو أحدهما ليصح نقده، أما الاعتراض بوجود تكفير فيها فهو انتقاد للإسلام نفسه؛ إذ تضمن تكفيرا:
- "لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم" [ المائدة-17].
- "ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة" [البقرة:217].
- "إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون" [آل عمران:90].
القضية المهمة هنا أيضا هي:
لو فرض وجود شيء من المثالين الآنفين خطأ في التكفير موضوعا، أو تطبيقا. في هذه الدعوة التي عرف عنها واشتهر وشهد لها بكونها راعية لمذهب السلف، فهل ذلك مسوغ لمن عرف بانتسابه إليها، أن ينقدها ويطالب الأتباع بالتصحيح، وقت حرب ضد كل ما هو سلفي؟.
ألا يجعل ذلك من هذا السلفي المشرب مصطفا إلى جانب أعداء مذهب السلف، ومعلوم كم هو عزيز هذا المذهب، كونه يمثل الإسلام في صورته الصحيحة؟.
من يفرح بهذا، ومن يحزن؟.
نحن مع النقد والتصحيح في كل حال، فكل من بعد السلف، وهم أهل القرون الثلاثة المفضلة، هم تحت النقد، لسنا متعبدين بطريقة أحد، وكل الدعوات حتى السلفية منها يجب أن تكون تحت النقد؛ حتى نعرف مدى صدق سلفيتها.. لكن السؤال: متى يكون، وكيف يكون؟.
التوقيت مهم، وقت الرخاء والأمن ليس كوقت الشدة والحرب.. فأخطاء أهل البيت الواحد تعالج داخل البيت لا خارجه؛ لأن معالجته خارجا ذريعة للمتربص، فإذا كانت الدولة له نال ما يريد. وقد أخطأ بعض الصحابة خطأ بقتل ونحوه، فلم يكن حله إلا بطريق خاص، دون إثارة ولا إشهار. وجاء في الأثر النهي عن إقامة الحدود في أرض العدو في الحرب.
ثم إن لدينا وسائل وطرقاً كثيرة لحل ما نراه خطأ، مخالفا لمذهب السلف، دون أن نظهر مصطفين إلى جانب من يبحث عن الثغرات والزلات، فبحث المسألة المستهدفة علميا ومنهجيا، دون إثارة إعلامية، طريقة مفيدة في إيصال الصوت إلى المعنيين بتلطف، دون أن يجد المتربصون ما يفرحون به.
لكن إن كان بنظر هذا المنتقد أن هذه الأخطاء الموضوعية والتطبيقية أورثت وأخرجت أناسا متعطشين للتكفير، وما يجر وراءه من سفك الدماء المحرمة .. فهو المسوغ للتصريح والإعلان بالنقد.
فهؤلاء الذين غلوا في التكفير هم علماء، أم إنهم لا يبلغون حتى مرتبة طالب علم؟.
هم عوام في الشريعة، والعلماء بعيدون عن هذا المسلك تماما، ألا يدل هذا على أن علة غلوهم أمر آخر غير ما ظنه الناقد، وإلا فهل يعقل ألا يوجد معهم أو بينهم عالم واحد.. هل كل العلماء علماء سوء باعوا آخرتهم بدنياهم. فأين حفظ الله تعالى دينه، وكيف يحفظه لو فسد سائر العلماء ؟.
فهذا الظن فيه قدر لا بأس به من التهويل..
إن بين هذه الدعوة ونقدها مفاوز، لما لها من أثر حسن، وتصحيح للاعتقاد شهد به كثيرون، وأرى أن الذين سارعوا بالنقد لم يتهيئوا لقطعها بما يجب، فأوقعهم ذلك في التيه، فمن ذلك:
العلم والإثبات بوجود مبدأ التكفير في كل ملة ودعوة للعلة المتقدم ذكرها. فمن كان نقده متجها لأصل الوجود فهذا قد وقع في خلل عقدي كبير، وتاه في مفازة.
ثم إذا كان يثبت هذا المبدأ والأصل فعليه: إثبات مسألة صحيحة وقع تكفير بها ليس فيها نص قاطع، وكانت الدعوة فيها جانحة عن السبيل، وإلا فقد تجنى وتاه في مفازة أخرى.
فإذا كان يثبت أن المسألة صحيحة، والتكفير بها حق، فعليه إثبات أن أئمة الدعوة أوقعوا الحكم بالكفر دون إثبات شروط ولا انتفاء موانع، وإلا فهو يسير في الطريق الخطأ.
ثم بعد كل هذا؛ أي لو فرض أنه أصاب فيما سبق جميعه، بقي عليه التوقيت، والطريقة..
فهل الذين نقدوا راعوا كل هذه الشروط؟.
أم أن لهم نظرة أخرى في الشروط نفسها أو بعضها؟.

 

د.لطف الله خوجة
  • محمد صلى الله عليه وسلم
  • المرأة
  • التصوف
  • الرقاق
  • الآخر
  • معالجة
  • وصية
  • قطرة من الروح
  • الصفحة الرئيسية