اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/majed-eslam/22.htm?print_it=1

 حكم بيع وشراء آثار المشاهير([1])

أبو أنس العراقي ماجد البنكاني

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد ،
من المؤسف حقاً أن نسمع أو نرى ما يفعله بعض الناس من إنفاق الأموال الطائلة في شراء أو بيع ما يسمونه المخلفات الأثرية لبعض الأشخاص المشاهير ، أو المعظمين، من ملابس، ومقتنيات كان يقتنيها أو يستعملها ذلك الشهير أو المعظم في حياته ، ويدفعون في مقابل الحصول على ذلك مبالغ طائلة قد تصل إلى الملايين، والطامة الكبرى أن يفعل هذا ممن ينتسبون لأهل السنة والجماعة بل ومن ينتسب لأهل العلم ؟

فلا شك أن هذا عمل محرم من وجوه :

الوجه الأول :
أن هذا العمل نوع من الوثنية ؛ لأنه يفضي إلى الشرك ، والتبرك بتلك الآثار ، والتعلق بأصحابها من دون الله عز وجل ، وما وقع الشرك في الأمم السابقة إلا بسبب تعظيم آثار عظمائهم وصالحيهم ، كما حصل لقوم نوح وغيرهم .

الوجه الثاني :
أن بذل الأموال في الحصول على تلك الآثار هو من أعظم الإسراف والتبذير ، اللذين حرمهما الله في محكم كتابه ، كما قال تعالى : (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) الإسراء/26، 27 ، وقال تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31 .

الوجه الثالث:
تحصيل المال والجاه بهذه الطرق المحرمة .

الوجه الرابع :
أنه قد جاء الشرع المطهر بوجوب الحجر على السفهاء والمبذرين لمنعهم من ذلك ، قال تعالى : (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا). النساء/5 .

فمن الأسباب التي أدت إلى انتشار الفتنة بآثار الأنبياء والصالحين هو الغلو في التعظيم ، وقد جاءت النصوص الكثيرة في التحذير من هذا الداء العضال على سبيل العموم سواء كان ذلك في جانب العقيدة أو العبادة ، يقول الله تعالى: ((قُلْ يَاأَهْلَ الكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الحَقِّ)) المائدة 77 ، وقوله سبحانه: ((يَا أَهْلَ الكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الحَقَّ)) النساء 171

فهاتان الآيتان وإن كان الخطاب موجه فيهما إلى أهل الكتاب فإن أمة محمد صلى الله عليه وسلم تدخل فيهما تبعاً.([2]) لأنها قد نُهيت عن اتخاذ سبيلهم والسير على منوالهم واتباع نهجهم ، وهذا واضح غاية الوضوح لمن تتبع الأدلة واستقرأها.([3])

وجاء في حديث الفضل بن العباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «ياكم والغلو في الدين ؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين».([4])

قال شيخ الإسلام رحمه الله : «وهذا عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال ، وسبب هذا اللفظ العام رمي الجمار وهو داخل فيه مثل الرمي بالحجارة بناءً على أنها أبلغ من الصغار ، ثم علله بما يقتضي مجانبة هديهم أي هدي من كان قبلنا إبعاداً عن الوقوع فيما هلكوا به ، وأن المشارك لهم في بعض هديهم يخاف عليه من الهلاك».([5])

وقد بين شيخ الإسلام رحمه الله تعالى أن سبب شرك بني آدم هو الغلو في تعظيم قبور الصالحين فقال : « والشرك في بني آدم أكثره عن أصلين : أولها : تعظيم قبور الصالحين ، وتصوير تماثيلهم للتبرك بها ، وهذا أول الأسباب التي بها ابتدع الآدميون ، وهو شرك قوم نوح ..». ([6])

وقد ذكر ابن القيم أن من أعظم مكائد الشيطان التي كاد بها أكثر الناس ، وما نجا منها إلا من لم يرد الله تعالى فتنته « ما أوحاه قديماً وحديثاً إلى حزبه وأوليائه من الفتنة بالقبور ، حتى آل الأمر فيها إلى أن عُبد أربابها من دون الله ، وعُبدت قبورهم ، واتخذت أوثاناً ، وبنيت عليها الهياكل وصورت صور أربابها فيها ، ثم جعلت تلك الصور أجساداً لها ظل، ثم جعلت أصناماً ، وعبدت مع الله تعالى ، وكان أول هذا الداء العظيم في قوم نوح ، كما أخبر سبحانه عنهم في كتابه ، حيث يقول : ((قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً * وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً * وَقَالُوا لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَداًّ وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً)) نوح 21-24.

قال غير واحد من السلف : «كان هؤلاء قوماً صالحين في قوم نوح عليه السلام ، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ، ثم صوروا تماثيلهم ، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم» .

فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين : فتنة القبور ، وفتنة التماثيل ، وهما الفتنتان اللتان أشار إليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته عن عائشة رضي الله عنها : «أن أم سلمة رضي الله عنها ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة ، يقال لها مارية ، فذكرت له ما رأت فيها من الصور ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح ، أو الرجل الصالح ، بنوا على قبره مسجداً ، وصوروا فيه تلك الصور ، أولئك شرار الخلق عند الله».([7])

 فجمع في هذا الحديث بين التماثيل والقبور ، وهذا كان سبب عبادة اللات ؛ فقد روى ابن جرير بإسناده عن سفيان عن منصور عن مجاهد ((أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى)) النجم 19 قال : «كان يلت لهم السويق فمات ، فعكفوا على قبره» .

وكذلك قال أبو الجوزاء عن ابن عباس رضي الله عنهما : «كان يلت السويق للحاج، فقد رأيتَ أن سبب عبادة وَدّ ، ويغوث ويعوق ونسر واللات ، إنما كانت من تعظيم قبورهم ، ثم اتخذوا لها التماثيل وعبدوهم كما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم ..». ([8])

فلم نعلم عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم أنهم كانوا يعظمون هذه الآثار بل كانوا يحاولون إخفاءها .

قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: ومعلوم أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أعلم الناس بدين الله وأحب الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأكملهم نصحاً لله ولعباده ولم يحيوا هذه الآثار ، ولم يعظموها ، ولم يدعوا إلى إحيائها .. ولو كان إحياؤها أو زيارتها أمراً مشروعاً لفعله النبي صلى الله عليه وسلم في مكة وبعد الهجرة أو أمر بذلك أو فعله أصحابه أو أرشدوا إليه.اهـ. مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (3/ 338- 339) .


ومما يدل على ذلك :

1 -
موقفهم من الآثار الموجودة في مكة والمدينة وبيت المقدس ، فلم يعرف أن أحداً منهم زار تلك الآثار أو تتبعها وأمر بتشييدها ، بل كانوا يسدون هذا الباب ؛ فإن المسلمين لما فتحوا تُستَر ، وجدوا هناك سرير ميت باق ذكروا أنه (دانيال) ووجدوا عنده كتاباً فيه ذكر الحوادث ، وكان أهل تلك الناحية يستسقون به ، فكتب في ذلك أبو موسى الأشعري إلى عمر ، فكتب إليه أن يحفر بالنهار ثلاثة عشر قبراً ، ثم يُدفَن بالليل في واحد منها ويعفَّى قبره ؛ لئلا يفتتن الناس به.

ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : لم تَدَعِ الصحابة في الإسلام قبراً ظاهراً من قبور الأنبياء يفتتن به الناس ؛ ولا يسافرون إليه ولا يدعونه ، ولا يتخذونه مسجداً ؛ بل قبر نبينا صلى الله عليه وسلم حجبوه في الحجرة ، ومنعوا الناس منه بحسب الإمكان ، وغيره من القبور عفوه بحسب الإمكان ؛ إن كان الناس يفتتنون به ، وإن كانوا لا يفتتنون به فلا يضر معرفة قبره.اهـ. مجموع الفتاوى (27/271) .

وكذلك من الأسباب التي تدفعهم لهذه الأمور الحرص على تحصيل المال والجاه :

فمن أسباب الاهتمام بآثار الأنبياء والصالحين ونحوها الحرص على الحصول على الأموال والجاه والشرف والمكانة بين الناس ؛ فمن ذلك ما ذكره عبد القدوس الأنصاري أن الحجر الذي جلس عليه النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد بني ظفر([9]) رآه في خزانة زجاجية عالية بمدخل دار الكتب المصرية ، وعلم من المدير العام لها أن شخصاً من أهل المدينة نقله إلى مصر فيما بعد وباعه إلى الدار بثمن كبير ! ! !. ([10])

قالت اللجنة الدائمة
: فالواجب على ولاة الأمور وضع حد لمثل هذا التصرف المشين ، والتوجيه بصرف هذه المبالغ في سبيل الله عز وجل ، من كفالة الأيتام وإطعام الفقراء والمساكين وسد عوز المعوزين ، وتمويل المشاريع الخيرية العامة . وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد ."فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/125) .
اللهم اعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين .


وكتب ماجد بن خنجر البنكاني
أبو أنس العراقي


---------------------------------
([1]) انظر الإسلام سؤال وجواب، ومقال في شبكة نور الإسلام.
([2]) فقد بوب البخاري - رحمه الله - في صحيحه باب (ما يكره من التعمق والتنازع والغلوّ في الدين والبدع لقوله - تعالى - : [ قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الحَقِّ ] (المائدة : 77) : « واستدلاله أي البخاري بالآية ينبني على أن لفظ أهل الكتاب للتعميم ليتناول غير اليهود والنصارى ، أو يحتمل على أن تناولها من عدا اليهود والنصارى بالإلحاق) ، وانظر مقاصد الشريعة الإسلامية ، ص60 ، لمحمد الطاهر عاشور .
([3]) انظر في ذكر الأدلة التي تأمر بمخالفة الكفار والنهي عن التشبه بهم اقتضاء الصراط المستقيم ، ص 12 ، وما بعده ..
([4]) أخرجه النسائي ، ورقمه (3057) ، و ابن ماجه (3029) ، وأحمد (1/215 ، 347) ، و الحاكم (1/466) ، وابن خزيمة (4/274) ، و ابن حبان ، ورقمه (1011) ، والحديث صححه الحاكم وابن خزيمة وابن حبان وشيخ الإسلام ابن تيمية ، كما في الاقتضاء ص 106 ، وقال : « هذا إسناد صحيح على شرط مسلم » ، وصححه من المعاصرين العلامة الألباني في السلسة الصحيحة ، ورقمه (1282) .
([5]) نقلاً من تيسير العزيز الحميد ، ص 275 ، ويوجد نحوه في الاقتضاء (1/289) .
([6]) الرد على المنطقيين ، ص 285 ، الفتاوى (17/460) .
([7])أخرجه البخاري في كتاب الصلاة ، ح/ 434 ، مسلم في كتاب المساجد ، ح/ 528 .
([8]) انظر : إغاثة اللهفان (1/183 184) بتصرف واختصار وانظر زاد المعاد (3/458) .
([9]) ولا يعني هذا التسليم بصحة أن هذا الحجر هو الذي جلس عليه النبي صلى الله عليه وسلم .
([10]) آثار المدينة المنورة ، ص 131 ..


 

أبوأنس العراقي
  • الكتب
  • مقالات ورسائل
  • الصفحة الرئيسية