صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







حدث في رمضان (10)

د.مشعل بن عبدالعزيز الفلاحي
@Malfala7i


بسم الله الرحمن الرحيم


غزوة بدر
في السابع عشر من شهر رمضان كانت قصة البداية وملحمة التاريخ وشروق شمس الربيع ونُقلة الأمة المستضعفة من زاوية ضيقة في الأرض إلى بساط الدنيا الفسيح ! بدر أول معركة يخوضها الإسلام برجاله الجدد ، وأول ميدان يتم فيه تطبيق المفاهيم والقيم التي تعلمها ذلك الجيل على أرض الواقع . بدر في بدايتها رسالة ضخمة مفادها أن الله تعالى يجري أقداره لحكم يريدها ومشاهد يعرفها ولحظات يسوقها دون إدراك الإنسان لشيء منها . خرج الصحابة لقافلة قريش ولم يكن في حسبانهم خوض رحى معركة في شهر رمضان وقد قال الله تعالى : ( كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون .... إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق ويقطع دابر الكافرين ) وكان ما أراد الله تعالى فحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ). ما أضعفنا لولا لطف الله تعالى بنا ! يسوقهم الله تعالى لأرباح الدارين ويتوقفون في الطريق مراراً . من نحن لولا الله ! يارب سألتك في شهر مبارك ألا تكلنا لأنفسنا ! لله حكمة يسوقهم إليها هي ذاتها التي عاشوا لها أعمارهم لكنهم أضعف من أن يعرفوا مصالحهم لولا توفيق الله لهم . نجت قافلة قريش بما فيها وأثار الله الموقف في نفوس قريش ليكون سبباً للخروج فلم يتخلّف منهم أحد إلا أبا لهب فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم صحابته وكل قال برأيه حتى جاء المقداد بن عمرو فقال : يارسول الله امض لما أراك الله فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى ( اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون . ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه ) وقام سعد بن معاذ رضي الله عنه فقال : فامض يارسول الله لما أردت فنحن معك فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلّف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً ، إنا لصبر في الحرب ، صدق في اللقاء لعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر على بركة الله ) واشوقاه للرجال ! ما الأمة إلا بأفرادها ! وما التاريخ كله دون هذه الهمم ! وما الحياة إذا لم تكن الحرية بهذه المعاني ! تطمّن القائد على جاهزية أفراده وقوة صفه وصمود رجاله فبقي توفيق الله ! استقبل القبلة ومد أكف الضراعة وشكى إليه الحال ( اللهم إن تهلك هذه الفئة لا تعبد ) فلم يبق شيء من أدوات النصر لم تدق طبوله في الحرب بعد ! لم يبق إلا غمار المعركة ومشاهد القتال وبريق السيوف وصدق اللقاء ، ثلاث مئة مقاتل وتسعة عشر رجلاً من المسلمين مقابل ألفاً من المشركين . وتنّزلت مباهج الدعاء ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم ) يا الله ما أجوجنا للدعاء ! وما أحوجنا للصدق فيه والإلحاح على الله وتكرار همومنا أمام فيض الكبير المتعال ! وفجّر صلى الله عليه وسلم قنبلة مدوّية في بداية المعركة قائلاً : (قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض ) وكذلك يصنع الكبار يملكون طاقة كافية ويملكون في ذات الوقت فن دق جرسها في نفوس غيرهم في الوقت المناسب ، وثارت مشاعر عمير بن الحمام ورمى بتمرات في يده قائلاً : والله إنها لحياة طويلة حتى آكل هذا التمرات واستقبل رحى المعركة ولم يخرج منها حتى عانق الجنان ! ما قتل الأمة اليوم شيء ماقتلها التواني وحساب التكاليف والعوائد والتردد في مشاريع نتائجها كالشمس في رابعة النهار ! عمير هنا يقدم درساً بالمجان وينتهي مشهد الدنيا كله في لحظة ويقدم روحه فداء هذا الدين ، والأمة اليوم قد لا تحتاج كثيرين في معاركها التي تدار في الواقع وإنما تحتاج من يضحي من أجل مشروع أو فكرة ناهضة أو رسالة مثيرة ويدفع بأمته لآمالها الكبار . فقط يا أيها القراء ارعوا المساحات الممكنة وبثوا فيها أشواق الحياة ، واكتبوا للأمة أن همومكم الفاعلة في مساحاتكم الممكنة فحسب فذلك الذي تتمناه ! بدأت المعركة والتقى الصفان ، صف الإيمان وصف الكفر الأرواح التي تشتاق للآخرة والأجساد التي تعيش للعاجلة ونزلت الملائكة من السماء تخوض المعركة وتجالد مع أهل الحق في ذات الله تعالى . انتهت المعركة بعد أن قُتل من المشركين سبعون وأسر سبعون وفر الباقون لا يلون عنقاً على شيء ! وذهب الكبر أمام صدق القلوب ، وتلاشت قوى الكثرة أمام صمود القلة وصار كل واحد من هؤلاء يبحث عن حياة بأي صورة ومعنى ! انتهت بدر وبدأت دولة الإسلام تأخذ حظها من المكان والزمان وكان الدرس لقادة قريش صفعة لا يمحيها الزمان والذين شُغل النبي صلى الله عليه وسلم بتربيتهم في مكة زمناً طويلاً جاؤوا يصنعون حكايات مثيرة من البذل والعطاء والتضحية ! هذه بدر إطلالة التاريخ على العز تذكرنا بأن رمضان شهر التضحية والبذل ، وأن رايات الجهاد هي جزء من تاريخ الأمم ، هذا تاريخنا وهؤلاء أسلافنا وهذه ذكريات مجدنا ومن حقنا أن نتغنى بالذكريات ، والأمة اليوم علاها غبش المفاهيم فإذا سمعوك تتحدث عن الجهاد عز الأمة وتاريخها تلفتوا وجلين وتبدت لهم صور داعش وجماعات التكفير وتحول بهذا تاريخنا من عز وشرف إلى تهمة صنعها العدو وألبسنا قميصها وجعلها حرباً حتى على مفاهيمنا الشرعية ! أين صور داعش والتكفير من الجهاد الشرعي الذي كان يخيّر عدوه ما بين الإسلام أو الجزية قبل بداية أي معركة ! أين هذه الصور التي تتناقلها وسائل الإعلام من الإسلام الذي يحذّر من قتل النساء والصبيان والشيوخ في كل معركة ! أين الجهاد الشرعي الحقيقي الذي يخاصم فيه النبي صلى الله عليه وسلم صاحبه وحبه أسامة لأنه قتل رجلاً لاذ منه ونطق الشهادة فقال له صلى الله عليه وسلم : أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ! قال : إنما قالها متعوذاً يارسول الله ! فقال صلى الله عليه وسلم : ( هلا شققت عن قلبه ..! )
بلغ من خطورة عدونا أنه جنّدنا لحرب ديننا بعضنا يسفك الدم دون أدني عذر ، وبعضنا يشوّه صور مفاهيمنا بقلمه ولسانه ، وبعضنا اكتفى منه العدو بأن خلق في قلبه القلق من تلك المفاهيم . وعز الأمة وفخرها وسؤددها بأن تقرأ شريعتها قراءة واضحة ، وتفقه مساحات دينها كما أراد الله تعالى لها ، وتفاخر بكل مصطلح جاءت به الشريعة ، وحلول مشكلاتنا يجب أن ينطلق من الوحي كقاعدة حتى يصل لمقصوده لا إن يشكك في مفاهيمه ويجهد في تشويه قيمه ومبادئه .


د / مشعل عبد العزيزالفلاحي
الخميس ١٤٣٧/٩/١١
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
مشعل الفلاحي
  • الكتب والبحوث
  • رسائل موسمية
  • رسائل
  • تنمية الذات
  • للتواصل مع الشيخ
  • الصفحة الرئيسية