صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







فكيف بصيام رمضان ؟؟

مشعل بن عبدالعزيز الفلاحي

 
تأملت هذا الشهر الكريم كثيراً ، ودار في خلدي وأنا أتأمل هذه الأيام تلك البشائر الكبيرة التي جاءت تصحب هلاله ... وأمعنت النظر في قول الله تعالى في الحديث القدسي : كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ( متفق عليه ) وتفسير أبو عبيد القاسم بن سلاّم : الأعمال كلها لا تكون إلا بالحركات ، إلا الصوم خاصة فإنما هو بالنيّة التي خفيت على الناس وهذا وجه الحديث عندي . اهـ وقلت في نفسي وأنا أعيش هذه الفرحة ، إذا صام الإنسان لوجه الله تعالى ، وأضحى ضامراً لفقد الماء والطعام ، يراه بين يديه ، ويخلو به عن أنظار الناس ، ثم لا يستطيع أن يمد يديه إلى شيء من ذلك رغبة في ما عند الله تبارك وتعالى . كيف يكون جزاؤه بين يدي الله تعالى يوم القيامة ؟ وتذكرت وأنا أعيش في ذلك الحدث موقفين :

الموقف الأول : موقف فرعون الطاغية ، والذي وصل حد الإسراف والطغيان في مجابهة دين الله تعالى في الأرض ، وظل طيلة حياته مناوئاً لهذه الرسالة ، وخصماً لدوداً لدين الله تعالى ، ووقف بين الناس وبين هداية السماء ، وصل به حاله إلى أن قال وبأعلى صوته : ( أنا ربكم الأعلى ) ووقف في يوم آخر ليعلن رسالته للناس في الأرض : (أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي ) ووقف في يوم ثالث ليوجه رسالة أسوأ من تلك الرسالتين يقول فيها : ( يا همن ابني لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب ، أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين ) حين أدركته النهاية ، وأطبق الله تعالى عليه البحر ، قال الله تعالى حاكياً ضعفه : ( حتى إذا أدركه الغرق ، قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين * آلئن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ) لك أن تتصوّر أخي القارئ الكريم ، بعد كل هذه الرحلة من العداء ، ومحاربة دين الله تعالى ، والبغي والطغيان ، روي الإمام أحمد رحمه الله تعالى من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال فرعون : (قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل ) قال : قال لي جبريل : لو رأيتني وقد أخذت حالاً من حال البحر ، فدسسته في فيه مخافة أن تناله رحمة الله . ( رواه الترمذي وصححه أحمد شاكر ) لك أن تتصوّر كيف أن هذا الرجل استجاش عداؤه في قلوب الملائكة ، ولعلم جبريل عليه السلام بعظيم رحمة الله تعالى ، خشي أن تنال هذا الطاغية فراح يمارس بعضاً من جهده ليمنع وصولها إليه . وكأن الحديث يعرض استقرار عظيم رحمة الله في نفس جبريل لدرجة أنها يمكن أن تنال حتى الطغاة ، وتمسح آثار طغيانهم في لحظة من اللحظات ، وتكتب عليهم سعادة لا يشقون بعدها أبداً . فإذا كانت رحمة الله تعالى لهذه الدرجة التي كادت أن تلتحف هذا الطاغية مع كل ما قدّم ، فكيف تتصوّر يارعاك الله وأنت تحمل هذا الإسلام ديناً ، وتعظّم ربك فتتعبّد له بهذه العباد العظيمة ، لدرجة أنك تتحمّل في سبيله كل لأواء ، بل تقدّم مرضاته على شهوات نفسك ، وتجهد في سبيل طاعته . كيف تتصوّر جزاؤه لك غداً في عرصات القيامة ؟ إن الحال أعظم من أن يصفه مقال ، فقط أترك لك تصوّر ذلك .

الموقف الثاني :
موقف الطاغية الآخر أبو لهب ، الاسم الذي أراد الله تعالى أن نردده في كتابه الكريم على وجه الذم والتشهير به ، أبو لهب الرجل الذي ظل يركض في سبيل إلغاء دعوة الله تعالى ، الرجل الذي وقف في وجه نبينا صلى الله عليه وسلم ، وظل يطارده في بقاع مكة صاداً له عن تبليغ الرسالة ، هذا الرجل أعتق ثويبة مولاته ، وهذه المرأة أرضعت نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فانظر كيف صنع الله تعالى بهذا المعروف لأبي لهب ، في البخاري أنا أبا لهب لما توفاه الله تعالى رآه بعض أهله في المنام فقالوا له ماذا لقيت بعدنا ؟ فقال : لم أجد بعدكم رخاء أو قال : راحة غير أني سُقيت من هذه ـ وأشار إلى النقرة التي بين السبابة والإبهام ـ لإعتاقي ثويبة . فإذا كان الله تعالى أوفى هذا الرجل ، وحفظ له هذا الجميل ، وكافأه عليه مع أنه لم يرجو به وجهه تعالى ، إلا لما صار به أثر على الإسلام ، فقل لي بربك أيها الصائم الكريم وأنت بهذه الطاعة ، وهذا الحرص في شهر رمضان على الخير ، تجهد من أجل الله تعالى ، وتنفّذ أمره ، وتحرص على طاعته كيف يكون جزاؤك بين يديه غداً في عرصات القيامة ؟

إن المؤمل على الله تعالى عظيم ، والمرجو منه كبير ، ولن تضيع بإذن الله تعالى روائع الطاعة منك أيها الحبيب . فأنت تتعبّد لله تعالى ، وترجو ما وعدك في كتابه ، فلتعلم أن الرحمة التي كادت تلتحف فرعون مع طغيانه ، والعدل الذي أوفى به الله تعالى أبا لهب مع شدة عدائه أقرب إلى إيفائك حقك اليوم في عرصات الدنيا بالتوفيق والسداد ، وغداً في عرصات القيامة لا تسأل عن الكرامات . وفقني الله وإياك لطاعته .. وجعلنا الله تعالى من أوليائه . وتقبل الله صيامكم وقيامك .


أخوك : مشعل بن عبد العزيز الفلاحي
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
مشعل الفلاحي
  • الكتب والبحوث
  • رسائل موسمية
  • رسائل
  • تنمية الذات
  • للتواصل مع الشيخ
  • الصفحة الرئيسية