اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/mashal/98.htm?print_it=1

حدث في رمضان (7)

د.مشعل بن عبدالعزيز الفلاحي
@Malfala7i


بسم الله الرحمن الرحيم

هموم المربين
حدّثت الرّبيع بنت معوّذ رضي الله تعالى عنها فقالت : (كنا نصوم ونصوّم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك حتى يكون عند الإفطار ) تأمل هذا الحدث الرمضاني الذي تحكي فيه الربيّع قصة مجتمع وثوران القيم فيه للدرجة التي صارت هي المحرّك لشؤونهم وشجونهم وحكاية الثقافة السائدة في تلك الحقبة من التاريخ . كانت التربية تشغلهم للدرجة التي تسيطر على همومهم وأوقاتهم ويصرفون لها جزءاً كبيراً من تفكيرهم ويبذلون لها الوسائل الممكنة لنضجها وتحقيق ثمارها . إنهم لا يكتفون بتعليم أبنائهم أصول دينهم وحثهم على اعتناق مبادئه ، كلا ! وإنما يجهدون في تمثّلهم له للدرجة التي يتفرغون لهم ويمنحونهم الأوقات ويبقون معهم يمارسون أنشطة تسلّيهم عن الجوع والألم حتى يتم الواحد منهم يومه في الصيام . لم يفرض الصوم بعد على هؤلاء الصبية ولكن ذلك الجيل كان يؤمن بأثر التربية ودورها الكبير في تنشئة جيل قادر على استيعاب مضامين تلك المفاهيم والحياة بها في مستقبل الأيام ، ويدرك تماماً أن كل جهد مبذول في أيام الصغر أعود ما يكون على أصحابه مع الزمن . تأملت هذا الحدث وقارنته بحال بعض أسر المسلمين التي لا تقيم أبناءها لصلاة الفريضة أصلاً ، وقد ترى هؤلاء الأبناء ينامون عن أعظم فرائض الله تعالى في الأرض ثم لا يُحرك لهم هذا المشهد ساكناً فضلاً أن يشعروا بمسؤليتهم تجاه أول سؤال يُسألونه بين يدي الله تعالى يوم القيامة ، ولو أمعنت قليلاً في المقارنة لرأيت فارقاً بين أسر تشغلها التربية وتسيطر على همومها كما تحكي الربيّع وأسر تشتري لأبنائها صنوف التقنية المدمّرة لأخلاقها وقيمها ومبادئها ولم تتجاوز بعد سن السابعة أو الثامنة ثم لا تكلّف نفسها السؤال عن مآلات هذه الجوانب وآثارها القيمية . وأسر أخرى لا تعتني بالحجاب لبناتها وتقارب البنت البلوغ وهي لا تعرف الحجاب أو لم تشعر بأهميته في أوساط الأسرة وكبرت فشعرت بضيقه ولم تأنس به وعاشت في صراع دائم معه فلا هي التي وصلها مفهومه الشرعي ولا هي التي تربت على قيمه ومبادئه من البدايات . إن المسألة ضخمة جداً ويستحق هذا الحدث القراءة الممعنة في مضامينه ومالم تتحوّل التربية إلى هموم مشتركة من قبل البيت والأسرة والمدرسة والمحاضن التربوية التي تنشد هذه المعاني وإلا سيتولى الله تعالى دينه كما قال : ( وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) إننا بحاجة ماسة جداً إلى وعي بأثر التربية وخطر التخلي عنها وفقه الوسائل الداعمة لتأصيلها في نفوس الأجيال وعلينا أن نؤمن في المقابل أن في مجتمعاتنا رؤى وأفكار وتجارب واقعية لتلك الأحلام فالأسر التي عنيت بأبنائها لحفظ كتاب الله تعالى ورابطت على هذا المعنى حتى تحقق لها ما تريد ، أو الأسر التي شعرت بقلق التقنية ومساحاتها السلبية فرشدت استخدامها داخل البيوت ، وانشغلت بتأصيل القيم والمبادئ في نفوس أبنائها ، وهذه التجارب والمحاولات بحاجة إلى قراءة وتوسيع بالقدر الذي يدفع بهموم التربية إلى مساحاتها الممكنة مع مرور الأيام .إن الأمة اليوم تواجه تحدياً كبيراً مع عدوها وأبناؤها هم عتادها وقوتها ونهضتها ومالم تستشعر الأسر والبيوت دورها وأثرها في هذا الشأن وإلا ستكون الخسارة كبيرة في حق أمة يُنتظر منها أن تكون في حاضرها ومستقبلها كل شيء .


الاثنين ١٤٣٧/٩/٨
د/ مشعل عبد العزيز الفلاحي

 

مشعل الفلاحي
  • الكتب والبحوث
  • رسائل موسمية
  • رسائل
  • تنمية الذات
  • للتواصل مع الشيخ
  • الصفحة الرئيسية