صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







المؤتمر العالمي الأول حول الإسلام والقرن الواحد والعشرين
ليدن - هولندا
17إلى20محرم 1417 هـ
الموافق 3 إلى 7 يونيو 1996م
جامعة ليدن بالتعاون مع وزارة الشؤون الدينية الإندونيسية

د.مازن بن صلاح مطبقاني

 
مقدمة
تلقيت في البريد معلومات عن هذا المؤتمر مرسلة من قبل الدكتور قاسم السامرائي الذي يعمل أستاذاً بجامعة لايدن. فأسرعت إلى إرسال فكرة عن موضوع أرغب المشاركة فيه في المؤتمر وبعثته إلى اللجنة المنظمة، وبعد أيام تلقيت موافقة اللجنة على الموضوع وترحيبهم بي. وشرعت في إعـداد البحث ريثما أحصل على الموافقة، وأحمد الله أنني حصلت على الموافقة، وتشرفت بتمثيل المملكة في هذا المؤتمر فيسرني أن أتقدم بالشكر لكل من معالي وزير التعليم العالي ومعالي مدير الجامعة وعميد كلية الدعوة بالمدينة المنورة.

بدأ المؤتمر يوم الاثنين الثالث من يونيه 1996م بقيام المشاركين بتسجيل أسمائهم، وتأكيد حضورهم، وكذلك تقديم نسخ من بحوثهم ليتم توزيعها على المشاركين. وفي عصر ذلك اليوم أقيمت حفلة تعارف على شرف المشاركين.

وفي صبيحة يوم الثلاثاء على الساعة العاشرة صباحاً افتتح المؤتمر رسمياً بعدد من الخطب ألقاها كل من رئيس جامعة لايدن البروفسور إل. ليرتوور L.Leertouwer الذي ذكر في خطابه اهتمامه بدراسة الأديان وأنه كان عضواً في قسم الأديان بالجامعة. وأشار إلى اهتمام هولندا بالإسلام وأشاد بجهود المستشرقين الهولنديين في الدراسات الإسلامية ومن أبرزهم المستشرق سنوك هورخرونيه الذي أمضى بعض الوقت في مكة متخفيا باسم الحاج عبد الغفار، ،وكانت رسالته للدكتوراه حول الحج، وكتب كتاباً عن تاريخ مكة المكرمة. ثم تحدث وزير الشؤون الدينية الاندونيسي الدكتور طاهر ترمذي، ودعا إلى عقد المؤتمر الثاني في اندونيسيا بعد سنتين. ثم تلاهما وزير الشؤون الدينية المغربي السيد عبد الكبير علوي مدغري الذي أعلن اهتمام بلاده بهذا المؤتمر وأنها تدعو إلى عقد حلقته الثالثة في المغرب، وأشار إلى أن النظام العالمي الجديد يجب أن يتضمن التعايش بين مختلف الشعوب، ودعا إلى التخلص من الصور النمطية والمشوهة للإسلام والمسلمين. وتحدث أيضاً ممثل لوزارة التعليم والثقافة والتعاون الهولندية وأشاد بفكرة المؤتمر وما يمثله من تعاون علمي.
وتضمنت الجلسة الافتتاحية المحاضرة الرئيسة في المؤتمر وكانت هذه المرة للدكتورة رفعت حسن الباكستانية الجنسية التي تعمل في جامعة لويفيل الأمريكية بولاية كنتكي Kentucky. وكانت محاضرتها بعنوان "ماذا يعـني أن أكون مسلماً عشية القرن الواحد والعشرين؟" بدأتها بالحديث عن تعجبها من اختيارها لإلقاء المحاضرة الرئيسة كونها امرأة، وأشادت بجامعة لايدن وأن هذا لا يحصل إلاّ في هذه الجامعة، وهي لذلك تشعر بالفخر والاعتزاز. وقد أشارت في محاضرتها إلى قضايا كثيرة بدأتها بمعنى الإسلام ودعوته إلى الطريق المستقيم، والعمل وفقاً للشريعة الإسلامية وذكرت الصورة النمطية التي انتشـرت في الغرب للإسلام والمسلمين، ودعت إلى حوار بنّاء بين الإسلام والغـرب. وذكرت ما جاء في الإسلام حول السلوك القويم الذي يتضمن مراعاة كل من "حقوق الله" و"حقوق العباد" وتركيز القرآن الكريم على ذلك، وأن سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم هي التطبيق العملي لذلك.

ولكنها حين تحدثت عن الشريعة الإسلامية ومصادرها توقفت عند الحديث النبوي الشريف، وكررت مزاعم بعض المستشرقين عن الوضع في الحديث والتشكيك بالتالي في معظم الحديث، واستشهدت بقول أحد الباحثين المسلمين في جامعة شيكاغو وهو فضل الرحمن. وزعمت أن الحديث في نظرها مشكلة.

ودار نقاش في نهاية المحاضرة حول من يحق له التحدث باسم الإسلام ومن يحق له تفسير النصوص الإسلامية، وتحدث بعض العلماء بأن الذي يتحدث باسم الإسلام ينبغي أن يكون مسلحاً بالمعرفة الصحيحة فلا يقبل من أي أحد أن يفسر النصوص ما لم يكن مؤهلاً لذلك. ولكن المحاضِرة أصرت أنها لو أخذت أربعة أحاديث من صحيح البخاري وأرادت أن تناقش سندها ومتنها لاعترض البعض على ذلك قائلين بأنك امرأة وغير عربية. والعجيب أن أحداً لم يناقشها في هذه الفقرة أو في تشكيكها في الحديث الشريف. وقد ترددت في الرد عليها لأن هذا أول مؤتمر عالمي أحضره وكانت القاعة مزدحمة . والرد عليها بسيط ذلك أن الجهود التي بذلها العلماء المسلمون في دراسة الحديث لم تعرفها أمة من أمم الأرض حتى الآن، أما أن تنقد أحاديث في صحيح البخاري فقد سبقها علماء أجلة فحصوا هذا الكتاب بدقة كبيرة وقد قبلت الأمة هذا الكتـاب على أنه أصح كتاب بعد كتاب الله عز وجل. وأمّا كونها امرأة فكم من النساء في التاريخ الإسلامي قديماً وحديثاً نبغوا في علم الحديث. ولترجع إلى الحديث الشريف لترى عدد من روى الحديث من النساء. أمّا كونها غير عربية فهل كان البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم من العرب؟

وبدأت الجلسات العلمية من بعد ظهر يوم الثلاثاء حيث كانت تعقد ثلاث جلسات في آن واحد فكان من الصعب متابعة كل جلسات المؤتمر. وفيما يأتي أبرز المحاضرات التي استمعت إليها:

الثلاثاء
- الإسلام والتحديث : محاضرة قدمها نصر حامد أبو زيد -أستاذ زائر بجامعة لايدن- تناول فيها تعريف التحديث، وتحدث عن التحديث الذي جاء به الإسلام للمجتمع الجاهلي، ثم تحدث عن حركات تحديث أخرى في التاريخ الإسلامي مثل الخوارج والمعتزلة وغيرها. وتحدث بتوسع عن المجتمع الجاهلي وسيطرة العصبية القبلية فيه وكيف جاء الإسلام بنظام عقدي وسياسي واقتصادي.
وأتيحت لي الفرصة لمناقشته بأن الإسلام لم يأت للعرب وحدهم فهو رسالة للعالم أجمع، وفيه إصلاح لأوضاع العالم في القديم والحديث فقد تناول القرآن بني إسرائيل وانحرافاتهم المختلفة في المجالات العقدية، والسياسية، والاقتصادية والاجتماعية، كما ذكر القرآن قوم شعيب وانحرافهم العقدي والاقتصادي، وذكر فرعون وانحرافه العقدي والسياسي.

- "الباكستان : نقد مفهوم الحداثة" بحث قدمه لوكاس فرث Lukas Werth الأستاذ بجامعة برلين الحرة -معهد الدراسات الأنثروبولوجية. وذكر في محاضرته ما يعنيه مصطلح " التحديث" للغربيين وأن هذه المعاني ليست مقبولة لدى الباكستانيين وبخاصة في البنجاب حيث ما يزال المجتمع متمسكاً بالثوابت الإسلامية وبخاصة فيما يتعلق بالصلات الاجتماعية.

- بحث "الإسلام والديموقراطية في تايلاند: حالة الإدارة الإسلامية عام 1993م". قدّمه امتياز يوسف من جامعة أمير سونجكلا، كلية الدراسات الإسلامية. تحدث في محاضرته عن التغيرات الاجتماعية السيـاسية التي تمر بها دول جنوب شرق آسيا ومنها تايلاند. واهتم الباحث بالمشروع الذي طُـرِح عام 1993م لإجراء إصلاحات في الهيكل الإداري للمركز الإسلامي وهو الهيئة الرئيسة التي تهتم بشؤون المسلمين في تايلاند.
-بحث "دور الإفتاء في السياسة الخارجية المصرية من عام 1977-1992م" قدمه الأستاذ عبد العزيز شادي المدرس المساعد بجامعة القاهرة، كلية العلوم السياسية ، وطالب الدكتوراه بجامعة لايدن.(1)
تناول شادي في محاضرته بعض التساؤلات حول دور الإفتاء وهل كان مؤيداً دائماً للسياسة الخارجية؟ وما الحالات التي كان الإفتاء مؤيداً للسلطة؟ وما الحالات التي أعطى فيها الشرعية للسياسة الخارجية أو نزع الشرعية عن تلك السياسات. وقد خلص الأستاذ شادي إلى أن تبعية دار الإفتاء للحكومة المصرية يجعلها في كثير من الأحيان تابعة في فتاويها للسلطة الحكومية.

الأربعاء :
- عبد الحميد بن باديس ونظرته إلى التنمية : د.مازن صلاح مطبقاني ، قسم الاستشراق كلية الدعوة بالمدينة المنورة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.(2 (تناولت المحاضرة في مقدمتها اتهام بعض الغربيين الإسلام بأنه ضد التحديث، ويسوقون هذه الاتهـامات في معرض حديثهم عن الحركات الإسلامية التي يطلقون عليها (الأصولية) أو (الإسلام السياسي). وقد حاول الباحث أن يوضح أن الإسلام دين حضارة وعمران من خلال دراسة كتابات عبد الحميد بن باديس العالم الجزائري الذي كان يقدم دروساً في تفسير القرآن الكريم، ومن الآيات التي توقف عندها قول الله تعالى{أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون} وتناول كلمة مصانع وأنها ليس كما فهمها المفسرون التقليديون بأنها مجاري المياه أو القصور وإن كانت تدل على العمران، لكن ابن باديس يرى أنها تدل على المصانع الضرورية للعمران والحضارة.
وأشارت المحاضرة إلى أن المسلمين في بداية عهدهم درسوا الحضارات الأخرى وأخذوا منها وأضافوا الكثير إلى ما أخذوا، ولم ينظروا باحتقار إلى أي حضارة أخرى، وقدموا نتاج حضارتهم إلى الأمم الأخرى وممن أخذ عنها أوروبا .

- وسائل التطور الإسلامي في ماليزيا: محمد شكري صالح .جامعة سينز الماليزية، ماليزيا. تناولت الورقة الوسائل المختلفة لتحقيق التنمية الإسلامية في ماليزيا. وقد قسم الباحث ورقته إلى قسمين الوسائل التي اتخذتها الحكومة الماليزية والقسم الثاني الوسائل التي اتخذتها الجهات غير الحكومية. واهتمت المحاضرة بالوسائل التي اتخذتها الحركة الإسلامية المحظورة (دار الأرقم) والحركة الإسلامية المعارضة (الحزب الإسلامي الماليزي) كما تناولت اتجاه الأسلمة الذي تسير فيه الحكومة الماليزية.

- صرخات الشعراء الماليزيين حول التطور الاجتماعي الاقتصادي: عبد الوهاب علي. تناول البـاحث في محاضرته معاناة المسلمين من النواحي الاجتماعية والاقتصادية، وكيف أن الأقليات من الأعراق الأخرى يتمتعون بمزايا كثيرة، ولذلك توجه الشعراء إلى الدولة يستنهضونها لعمل شيء ما لتحسين أوضاع المسلمين. وذكر أن بعض هؤلاء الشعراء أعطي مناصب مهمة في الدولة.

- الإسلام في أواسط آسيا وفي روسيا: التثقيف مقابل التسييس : فيتالي نؤمكين المركز الروسي للبحوث الإستراتيجية والدراسات الدولية.
تحدث المحاضر عن أوضاع الإسلام والمسلمين في الاتحاد السوفيتي منذ حركة البروستريكا وما حدث بعدها من انهيار الاتحاد السوفيتي وتطور أوضاع المسلمين و دخولها في أوضاع عاصفة من النمو والتوسع والتمزق. وأوضح أن أهم ملامح هذه الفترة السعي نحو التعليم الإسلامي حيث بدأت نشاطات واسعة في هذا المجال وبمساعدات من الهيئات والمنظمات الإسلامية الدولية. ومع ذلك فقد حدث شيء من الانقسام بين العلماء التقليديين والعلماء الجدد.
وأشار المتحدث إلى بعض المحاولات لتحويل الإسلام إلى قوة سياسية في معظم الدول الإسلامية التي استقلت حديثاً في أواسط آسيا. وقد ظهرت أحزاب إسلامية معارضة. ويتوقع المتحدث أن لا يكون هناك رابح في المعركة بين الإسلام السياسي والإسلام التعليمي ولكن سوف تظهر قوة تجمع بين الاثنين.
-فشل البديل الليبرالي :يوهانس يانسن Johannes Jansen جامعة لايدن. تناول المحاضر موضوع البديل الليبرالي للمشروع الإسلامي الذي تطرحه الحركات الإسلامية أو (الأصولية). ويقصد بالبديل الليبرالي المشروع الذي تطرحه (النخبة) العلمانية لتحديث المجتمع المصري وبخاصة في مواجهة المشروع (الأصولي) أو مشروع (الإسلام السياسي)، وذكر في محاضرته جهود كل من مصطفى أمين، ومحمد سعيد العشماوي، ونوال السعداوي، وفؤاد زكريا وسعد الدين إبراهيم . وأشار إلى أن كتابات هؤلاء تطبع المرة تلو المرة ولكنها مع ذلك فشلت في تحريك الجماهير ليكون لهذا المشروع قوة تواجه قوة التوجه الديني. وأوضح أن أسباب فشلهم قد تعود إلى أنهم لا يعيشون هموم المواطن العادي أو إنهم يعيشون في بروج عاجية. ومشروعهم بلا شك هو المشـروع التغريبي. وتحدث عن كتاب فؤاد علاّم (الإخوان وأنا: من المنشية إلى المنصة) وأشـار إلى أن فؤاد علاّم قدّم بعض الروايات الغريبة للأحداث التي جرت في مصر منذ محاولة قتل عبد الناصر التي اتُهم فيها الإخوان المسلمون إلى مقتل السادات. وأشار إلى أن بعض الروايات تخالف الروايات المعروفة فربما كان علاّم بارعاً في الكذب.
وأتيحت لي الفرصة للتعقيب على المحاضرة فأبديت له إعجابي بعنوان محاضرته، وأضفت بأن العنوان يتضمن حُكْماً على هذا المشروع وهو حكم صحيح وأنا أؤيده في هذا الحكم. وبحكم تخصصي في الاستشراق وفي التاريخ الحديث فقد توقفت عند مصطلح النخبة الذي استخدمه الباحث فذكرت له إن الذين ذكرهم (فؤاد زكريا، وسعد الدين إبراهيم وغيرهما) على أنهم النخبة إنما هم نخبة زائفة لأنها مصنوعة في الخارج. وقد لاحظت أن مثل هذه المجموعة موجودة في معظم البلاد العربية الإسلامية، وأضفت علينا أن نحدد معاني المصطلحات التي نختارها. وأجاب بأنه لم يقصد ما فهمت من العنوان، وأما بالنسبة للنخبة فهو يرى أن هؤلاء هم النخبة سواءً وافقت أم لم أوافق ثم أضاف: "مصطفى أمين من النخبة وإن لم يكن مصطفى أمين نخبة فليس هناك نخبة !"
ولو كان في الوقت متسع لأوضحت له أننا نطلق على النخبة في العالم الإسلامي على العلماء العاملين أو العلماء الربانيين؛ لأن هؤلاء هم الذين يعملون على إسعاد غيرهم ويعيشون هموم شعوبهم ولا ينعزلون في بروجهم العاجية.

- النموذج الديموقراطي الغربي والإسلام السياسي في الشرق الأوسط: الجزء الأول، هالة مصطـفى من مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. والجزء الثاني قدّمه نبيل عبد الفتاح قسم الدراسات الدينية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية:
يرى الباحثان أن الساحة الدولية تشهد في الوقت الحاضر صوراً جديدة للصراع بين الدول تختلف عما كان الحال عليه خلال الحرب الباردة. فالتنمية الفعلية سارت في مسار مختلف تماماً عن المسار المتوقع من حيث إيجاد جو من السلام والأمن بنهاية الحرب الباردة. فقد ظهرت الحروب القومية في أنحاء العالم ومن أخطرها تلك التي انفجرت بسبب التناقضات الثقافية والعرقية والدينية.
ومما أضاف إلى التباين الواضح بين الدول المتطورة والدول النامية في مجالات التقنية والقيم والثروة قد أضاف إلى شدة الصراع بالإضافة إلى أشكال الصراع الجديدة التي ظهرت مؤخراً. ومما يزيد في حدة هذه التناقضات الصراعات بين الثقافات والحضارات الذي ظهر مؤخراً في مجالات التاريخ واللغة والثقافة والعادات والدين. ومما يزيد الوعي بهذه الصراعات الاحتكاك بين الثقافات المختلفة.
وأشار الباحثان إلى أن عملية التحديث أدت إلى انفصال الشعوب المختلفة من هوياتها القديمة، وبالتالي فإن أزمة الهوية وبالتالي يظهر الدين لملء الفراغ ليصبح مصدر الهوية وهذا ما تمثله الحركات الأصولية الدينية.
والدور المزدوج الذي يقوم به الغرب يؤدي إلى تصعيد هذه الأزمات بسبب اختلال التوازن بين الغرب والدول غير الغربية في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة، ويزيد في إحساس غير الغربيين بالهزيمة في مواجهة القوى الغربية العظمى. وبالتالي تدفع تلك الشعوب للبحث عن جذورها الثقافية.
وأشار الباحثان إلى الاختلاف بين القيم الغربية وقيم الثقافات الأخرى مثل: الليبرالية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، والعلمانية وهي التي تشكل الأسس للدولة القومية الحديثة.
وفي هذا السياق فإن تقديم نموذج النظام الغربي الديموقراطي في دول غير غربية مع الأخذ في الاعتبار القيم التي ذكرت سالفاً يعد من أصعب المشكلات التي تشغل قطاعاً مهماً من الصراع الفكري في العالم الإسلامي والشرق الأوسط. وإن ظهور الحركات الإسلامية من خلال النظام الديموقراطي هو أهم تحد في هذا المجال.
وقدم الباحثان بعد ذلك وجهة نظرهما تجاه الحركات الإسلامية ومدى إمكان اندماجها وتأقلمها مع النظام الديموقراطي الغربي، فأكدا على أنه من الصعب على هذه الحركات القبول بالقيم الغربية في مجال التعددية الذي هو الأساس للنظام الديموقراطي وهذا في نظر هالة مصطفى يناقض جوهر التعددية ويهدم مبادئ التنافس الحر بين القوى المختلفة في المجتمع.
ومما انتقدته هالة مصطفى على الحركات الإسلامية موقفها من الحريات العامة والخاصة والتي تتمسك الحركات الإسلامية بمفهوم واحد تجاهها. وترى أن الحركات الإسلامية تحد من هذه الحريات بالاستناد إلى الأقوال الدينية المختلقة التي تناقض مفهوم حرية الفكر والرأي والاعتقاد المعروفة في النظم الديموقراطية والتي صرحت بها مواثيق حقوق الإنسان العالمية.
وواصل الباحث الثاني نبيل عبد الفتاح الحديث عن الحركات الإسلامية وعلاقتها بالديموقراطية الغربية، والمواقف المختلفة التي تتخذها الدول الغربية من هذه الحركات. وعموماً لم يخرج عبد الفتاح عن الرؤية التي قدمتها هالة مصطفى لهذه الحركات.
وعندما أتيحت لي الفرصة أن أعقب طلبت من رئيس الجلسة أنني أريد أن أبعث رسالة إلى رئاسة المؤتمر بأن الحركات الإسلامية غير ممثلة في هذا المؤتمر، وأن ما نسمعه من تشويه لصورتها وطعـن في فكرها دون تفريق بين الحركات الإسلامية المعتدلة وغيرها أمر يحتاج إلى رد وتوضيح، ولذلك فينبغي في المستقبل أن يمثل الطرف الآخر حتى يكون ثمة توازن في عرض وجهات النظر. وحاول رئيس الجلسة أن يقلل من خطورة الأمر بأن قال "إن الانتقاد الذي قدمته أو الرسالة التي وجهتها لا تعني أن هذين البحثين ليسا موضوعيين أو علميين". ولم أرد أن أرد عليه فقد أدركت أن رسالتي قد وصلت.

الخميس:

- الإسلام في فرنسا: كاثارين ويتهول دي وندن Catherine Wihtol de Wenden من المركز القومي الفرنسي للبحث العلمي. تناولت الباحثة أوضاع المسلمين في فرنسا فأشارت إلى أن معظمهم من الطبقات الفقيرة وأنهم يعيشون أوضاعاً صعبة، كما تناولت قضية اندماجهم في المجتمع الفرنسي. وأشارت إلى أنها غير متخصصة في الإسلام ولكنها باحثة في علم الاجتماع. وأشارت إلى سياسات الحكومات الفرنسية تجاه المسلمين في فرنسا. ودار نقاش جيد بعد المحاضرة شارك فيه كل من الباحث الفرنسي أوليفير كاريه والدكتور علي الكتاني رئيس جامعة ابن رشد الإسلامية في قرطبة حيث أشار المتحدثان إلى القرارات الفرنسية الموجهة ضد ممارسة المسلمين شعائر دينهم في فرنسا. وتعجب الدكتور علي الكتاني من المعاملة القاسية التي يلقاها المسلمون في فرنسـا مع أن فرنسا تزعم أنها علمانية، وتساءل وما ذا يضايق الفرنسيين في مسألة الحجاب. كما أكد وجود أعداد كبيرة من المسلمين من أصل فرنسي.

-الإسلام هل هو عامل مساعد أو معرقل في وجه تطور المرأة؟ :رفعت حسن الباحثة من جامعة لويفيل. وتناولت الباحثة موقف الإسلام من المرأة من خلال ثلاثة مسائل:
1- كيف خُلِقت المرأة؟
2- هل كانت المرأة مسؤولة عن سقوط الرجل؟
3- لماذا خُلِقت المرأة؟
واهتمت رفعت حسن ببيان موقف الأديان المختلفة من هذه القضايا مع التركيز على موقف الإسلام، وأشارت إلى أنها بدأت تدرس العقيدة الإسلامية منذ عام 1974م، ومن النقاط الطريفة في بحثها توقفها عند بعض الأحاديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم حول خلق المرأة من ضلع الرجل، والتوجيه النبوي الكريم بالإحسان إلى المرأة فشككت في صحة هذه الأحاديث حيث إنها لم تجد أية إشارة في القرآن الكريم حول موضوع خلق المرأة.
وكما ذكرت في الحديث عن هذه الباحثة في المحاضرة الرئيسة في المؤتمر في الجلسة الافتتاحية، فهي من دعاة التغريب والانتقال بالمرأة إلى الصورة الغربية بالرغم من انتقادها للدراسات الغربية التي تشوه صورة الإسلام في الغرب.

الجمعة:

- بحث "العلاقات الإسلامية-النصرانية في القرن الواحد والعشرين" قدمه علوي شهاب، مركز دراسات أديان العالم بجامعة هارفارد. تناول المحاضر العلاقات التاريخية بين المسلمين والنصارى ابتداءً من الحروب الصليبية ثم الحملات الإمبريالية التي استهدفت العالم الإسلامي. ولكن المحاضر أشـار إلى أن أوروبا والغرب اقتنع باستقلال الدول وأن العلاقات الإسلامية النصرانية بدأت تدخـل في طور جديد من التعايش والقبول. وقد حاول أن يفسر كثيراً من النصوص التي تشير إلى العلاقات بين المسلمين والنصارى. وقد زعم المحاضر أن له الحق في الاجتهاد في فهم بعض النصوص القرآنية التي تتناول العلاقات بين المسلمين والنصارى فهو من العلماء كما يرى نفسه.
وقد بدا لي أن الباحث بحكم موقعه في جامعة هارفارد حاول لي أعناق النصوص ليناسب دعوته إلى قبول النصارى وإبعاد حقيقة مواقفهم من الإسلام والمسلمين.

- توازن الحضارات: سيناريوهات للإسلام : مارتن كريمر مدير مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا -تل أبيب.
تناول الباحث في ورقته سبب اهتمامه بالصحوة الإسلامية التي نالت اهتماماً كبيراً في الغرب في العشر سنوات الأخيرة، وفشل التوقعات حول مستقبل هذه الحركات. وحتى يقدم الباحث صورة الإسلام في القرن الواحد والعشرين وجد أن من المفيد الرجوع إلى أوضاع العالم الإسلامي في بدايـة القرن العشرين وبخاصة حينما سألت إحدى المجلات عدداً من المستشرقين عن آرائهم في مستقبل العالم الإسلامي في القرن العشرين.
ومن الطريف أن الباحث وجد أن الأوضاع في بداية القرن العشرين تشبه إلى حد كبير الأوضاع الحالية؛ يسود أوروبا الآن حالة من السلام وسيطرة قوة واحدة هي الولايات المتحدة التي تسعى إلى وصول النفط إلى الغرب، وأن تكون الضامن لبقاء الأوضاع كما هي في الشرق الأوسط. وعندما تعرض وصول البترول إليه للخطر أسرعت الولايات المتحدة للتدخل عندما غزت العراق الكويت. وذكر الباحث أن الولايات المتحدة تقوم بعملياتها الحربية من قواعدها ولا ترى ضرورة للاحتلال طويل الأمد.
وتناول الباحث أوضاع العالم العربي الحالية واستمرار بعض الحكام لفترات طويلة وضرب المثل بالملك حسين، (مات بعد ذلك) والرئيس السوري(مات هو أيضاً) والعراقي (غزت أمريكا العراق فخلعته) والرئيس الليبي (مازال في الحكم)(فهو قد استسلم وأعطاهم ما يريدونه). وزعم أن هذا لا يدل على الاستقرار، وهو أمر يرى أنه يشبه الأوضاع التي كان عليها العالم الإسلامي في بداية القرن العشرين.
واهتم كريمر بإثارة قضية الحركات الإسلامية التي يطلق عليها "المسلحة" وأنها الخطر الذي يهدد استقرار المنطقة.-وهذا هو دأب الباحثين والسياسيين اليهود في تخويف الغرب من الإسلام-وأشار إلى أن العالم الإسلامي كان يشهد صحوة تشبه الصحوة الموجودة حالياً. وزعم أن الحركات الإسلامية في بداية القرن العشرين تم السيطرة عليها وتساءل هل سيتم السيطرة على الحركات الإسلامية في بداية القرن الواحد والعشرين.
وقد قدّم الباحث بعض الحقائق عن أوضاع العالم الإسلامي من النواحي الاقتصادية واستمرار اعتماد المسلمين على الاستيراد في المواد الغذائية وغيرها، كما أشار إلى قضية الديون التي تثقل كاهل كثير من الدول العربية الإسلامية.
وتناول الباحث أيضاً مقالة صموئيل هتنقتون حول صراع الحضارات وما أثارته من ردود فعل واسعة في العالم العربي الإسلامي، وتعجب كيف أن كتاب فوكوياما عن (نهاية التاريخ) والتي تعرض للمسلمين بأشد مما ذكره هتنقتون لم تثر ردود فعل واسعة في العالم الإسلامي مع إن ما قاله فوكوياما أشد مما قاله هتنقتون.
لا شك أن الورقة تتضمن كثيراً من المغالطات التي تحتاج إلى الرد عليها، ولكن رأيت أن أترك الرد عليه حتى أتمكن من قراءة بحثه قراءة دقيقة.(3)

نظرة إجمالية إلى المؤتمر:
لقد كان هذا المؤتمر مناسبة ممتازة للتعرف على بعض الرؤى الغربية للعالم الإسلامي في مطلع القرن الواحد والعشرين والتي يمكن إجمالها في النقاط الآتية:
- الحديث عن التنمية أمر مهم جداً بالرغم من أنه موضوع تكرر كثيراً منذ بداية القرن العشرين ومـا قاله الشيخ محمد عبده وغيره من العلماء المسلمين حول موقف الإسلام من المدنية والحضارة. ولكن يبدو أن التركيز على النموذج الغربي للتنمية مازالت قضية مهمة لدى الغربيين أو أبناء المسلمين المتأثرين بالفكر الغربي.

- موضوع التربية والتعليم من الموضوعات المهمة ويهم الغرب أن يعرف كيف يفكر المسلمون في هـذا الموضوع كما يرغبون في إيصال نظراتهم ونظرياتهم إلينا من خلال هذه المؤتمرات وبخاصة أن هذا المؤتمر كان له جانب سياسي بحضور بعض المسؤولين من اندونيسيا ومصر وهولندا الذي مازالت الدراسات العربية والإسلامية فيها لها جانب سياسي واضح.

- الإسلام والمجتمع العالمي، يريد منظمو المؤتمر التوصل إلى معرفة كيف يفكر المسلمون في التعايش مع المجتمع العالمي أو الكوني .

من الملاحظات على هذا المؤتمر الطابع العلماني في طرح بعض القضايا مثل قضايا الحركات الإسلامية، وموضوع المرأة الذي تزعمته الباحثة الباكستانية التي تفخر بمؤتمر السكان الذي عقد في القاهرة على مقربة من الأزهر ليسمع صوت المرأة في قضاياها. وكذلك غاب عن المؤتمر ممثلين للحركات الإسلامية المعتدلة في العالم الإسلامي وبخاصة من مصر الذي انفرد ممثلو مؤسسة الأهرام أو التيار العلماني(الليبرالي) بالحديث عن هذا الموضوع.
أثار انتقادي غياب التمثيل المتوازن في موضوع الحركات الإسلامية اهتمام الباحث الهولندي يوهانس يانسين حتى إنه أشار إليه في الجلسة الختامية ووعد أن يتم النظر في هذا الأمر في المستقبل.

ملحوظة: لقد لفت انتباهي عدم اتصال أي مسؤول من السفارة السعودية بي في أثناء المؤتمر على الرغم من أنهم بُلِّغوا بحضوري وأنني ممثل المملكة. فهل هذا إهمال مقصود؟ أو تقصير في أداء العمل؟ وقد أعجبني اهتمام السفير المصري بحضور بعض فعاليات المؤتمر كالجلسة الافتتاحية والجلسة الختامية، وكذلك استمرار اتصاله بالشخصيات التي مثّلت مصر في المؤتمر. ولكن اتصل بي أثناء المؤتمر سفيان سيرجار من المركز الثقافي الإسلامي بمدينة لاهاي، وهو على صلة بالسفارة وأخبرني بأنه أبلغ السفارة بوجودي، وهو لم يكن بحاجة لهذا لأن رئاسة المؤتمر تعلم حضوري ممثلاً للمملكة عن طريق السفارة، فكيف كانوا لا يعلمون؟؟!!

------------------------------------------
- الحواشي :
1- دارت بيني وبينه مراسلات قدم لي من خلالها معلومات قيمة عن الدراسات العربية والإسلامية في هولندا، وقد نقوم بعمل مشترك عن هذه الدراسات في الجامعات الغربية.
2-أود أن أشكر كل من الدكتور عبيد خيري والدكتور قاسم السامرائي على مساعدتهما القيمة في ترجمة هذا البحث من اللغة العربية إلى الإنجليزية.
3 - حصلت على معلومات جيدة من المحاضر حول مركز موشيه ديان ونشاطاته الاستشراقية، وقد أفادني بمعلومات مهمة حول أستاذه برنارد لويس وعلاقته بإسرائيل ، كما أرسل لي بعض المنشورات من المركز عن ندوة بمناسبة مرور ثمانين سنة على ولادة لويس.
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د. مازن  مطبقاني
  • الكتب والبحوث
  • المقالات
  • مقالات حول الاستشراق
  • تقارير المؤتمرات
  • دراسات الغرب - الاستغراب
  • للتواصل مع الدكتور
  • الصفحة الرئيسية