صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







أهمية إنشاء أقسام الدراسات الروسية
في الجامعات السعودية لتطوير العلاقات بين البلدين
(نشرت في صحيفة الجزيرة بتاريخ 23 محرم 1428 العدد 12554)

د.مازن بن صلاح مطبقاني
‏@mazinmotabagani


من المهم أن ندرك أن تكوين علاقة ما بين أي طرفين يتطلب قيام اهتمام مشترك من كل طرف تجاه الآخر من كافة الجوانب؛ فمثلاً لتكوين علاقة قوية بين جارين لابد أن يسعى كل طرف لمعرفة الآخر لتحقيق علاقة يسودها الود والتفاهم والحرص على المصالح المشتركة. أما إن كان أحد الطرفين هو الذي يعرف الآخر فتكون العلاقة خاضعة لسيطرة طرف واحد وهو الطرف الذي سيحرص على خدمة مصالحه في غالب الأحيان لأنه الأقوى والمسيطر والمستفيد، وحين تكون المعرفة مفقودة بين الطرفين فسوف تتسم العلاقة بالعشوائية وغالباً ما تكون فاشلة.

هذا ويجب الاعتماد على المنطق نفسه لتكوين علاقات هادفة بين الدول حيث يجب أن يسود الاهتمام المشترك والمعرفة الحقيقية من كل طرف بالآخر وإن افتقدت العلاقة بين أي طرفين للمعرفة المتوازنة فإن الطرف الأقل معرفة سيكون الطرف المقود والخاضع، وهو ما يسود غالبا علاقة الدول العربية والإسلامية مع الدول الأخرى. وهذه النقطة من أهم ما دفعني للاهتمام بهذا الموضوع.

هذا وسوف نتناول هذا الموضوع من خلال ثلاثة أقسام هي:

1-حقيقة اهتمام العرب والمسلمين بغيرهم.
2-الاستشراق وجهوده في دراسة العالم العربي الإسلامي.
3 -أهمية إنشاء قسم أو أقسام الدراسات الروسية في الجامعات.

أولاً: حقيقة اهتمام العرب والمسلمين بغيرهم

يؤكد تاريخ العرب والمسلمين اهتمامهم بمعرفة الشعوب الأخرى منذ زمن طويل حيث كانوا يسافرون خارج الجزيرة العربية طلباً للتجارة، حتى أن أحد أجداد الرسول صلى الله عليه وسلم كان يزور غزة حتى سميت (غزة هاشم) وكانت لقريش رحلة الشتاء والصيف التي ورد ذكرها في القرآن الكريم {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ}، وقد عرفت الجزيرة العربية الهجرات طلباً للرزق مما يدل على معرفة بالأراضي المجاورة.

وجاء الإسلام بقوله تعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}. فحرص المسلمون على معرفة الشعوب الأخرى، فهاهو رسول الجيش الإسلامي إلى كسرى يجلس مع الملك الفارسي على عرشه ولما أرادوا أن يقيموه قال لهم تلك المقولة التي تدل على عمق معرفة بالسياسة وعمق معرفة بالفرس أيضاً: (كنا نظنكم أولي أحلام تتساوون فيما بينكم فإذ بكم يستعبد بعضكم بعضاً، إن قوماً هذا حالهم فمصيرهم إلى زوال(

وكان من أسباب حرص المسلمين على معرفة الشعوب الأخرى أنهم تسلموا قيادة البشرية، فكان بناء حضارتهم يتطلب معرفة بالشعوب الأخرى وإنجازاتها الحضارية والعلمية، وكذلك مسؤولية الدعوة التي يتحملها المسلمون جعلتهم يدركون أهمية أن يعرفوا الشعوب الأخرى حتى يستطيعوا أن يقدموا لهم الإسلام في أحسن صورة مستخدمين أكثر الوسائل إقناعاً.

ومن الأدلة على معرفة المسلمين بالشعوب الأخرى تلك الكلمات الرائعة التي قالها الصحابي الجليل والقائد السياسي المحنك عمرو بن العاص رضي الله عنه يصف بها الروم فكان مما قاله: (إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة، وأمنعهم من ظلم الملوك) (1).

واحتك المسلمون بالفرنجة من خلال الحروب الصليبية، حتى إن أسامة بن منقذ كتب كتابه (الاعتبار) الذي يعد بحق أول خطوة فعلية في مجال الاستغراب التي كان ينبغي ألا تتوقف عند ذلك الحد. فقد أظهر معرفة عميقة بأخلاق الفرنجة وطباعهم وصفاتهم.
واستمر الاهتمام في العالم الإسلامي بمعرفة الغرب، فظهر الرحالة الذين جابوا الدنيا وعرفوا خلالها عقائد الأمم الأخرى منها ما عرفوه من خلال القرآن الكريم، ومنها ما تعرفوا عليه مباشرة من خلال الاحتكاك بهذه الشعوب.

ثانياً: اهتمام الغرب بالعالم الإسلامي (الاستشراق


لا شك أن المطلع على مجال الاستشراق يدرك مدى الجهود التي بذلتها وتبذلها الأمم والشعوب والحكومات الأوروبية والأمريكية في دراسة الشعوب الأخرى. فمنذ أن بدأت أوروبا في الاستكشافات الجغرافية، والقوم هناك مهتمون بمعرفة الشعوب الأخرى يدرسون لغاتها ويتعرفون إلى أديانها وتاريخها وتراثها، ويحرصون على معرفة واقعها المعاصر، بل والتأثير أحياناً في هذا الواقع المعاصر من خلال المعرفة العميقة بهذه الشعوب، حتى إن باحثاً سعودياً ذكر أن الغرب يعرف عن العالم الإسلامي (التفاصيل وتفاصيل التفاصيل)

وقد تنبه الغرب إلى أهمية معرفة الشعوب الأخرى من النواحي العقدية والتاريخية والجغرافية واللغوية والثقافية، فأنشؤوا علم الاستشراق الذي انطلق من الاهتمام باللغة وفقه اللغة، ثم انطلق لمعرفة الأمم الأخرى، وبخاصة العالم الإسلامي في كل المجالات. فقد صدرت الأوامر البابوية في القرن الثالث عشر بإنشاء كراس لدراسة اللغة العربية في ست من المدن الأوروبية منها نابولي وروما وباريس وسالونيكا وباليرمو. وإن لم ينفذ القرار في حينه، ولكن أوروبا بدأت بالفعل تهتم بالعالم الإسلامي، ويدل على ذلك العدد الضخم من المؤلفات التي صدرت عن العالم الإسلامي. بل إنهم اهتموا بجمع المخطوطات العربية الإسلامية.

لقد بدأ الاهتمام في العالم العربي الإسلامي بأقسام الاستشراق منذ أكثر من مئتي عام من خلال البعثات العلمية التي انطلقت من عدة دول عربية وإسلامية، حتى إن طلابنا درسوا وما زالوا يدرسون شتى المعارف في الجامعات الغربية، وإن بعضهم التحق بالجامعات الغربية لإكمال الدراسات العليا في تلك الجامعات أو من خلال ما وصلنا من إنتاج هذه المعاهد والأقسام، إما بلغاته الأصلية وإما مترجماً إلى العربية، وإما إحدى اللغات الإسلامية.

ونحن اليوم بصدد التعرف على العلاقات العربية الروسية، فمن المناسب الدعوة إلى إنشاء أقسام الدراسات الروسية في الجامعات السعودية، فإن كنّا في الحجاز نعرف بعض أو معظم اللغات التي يتحدث بها المسلمون ومنها الروسية، لكننا بحاجة إلى أن يكون لدينا أقسام للدراسات الروسية تبدأ بإنشاء أقسام الدراسات الروسية يكون برنامجها متضمناً دراسة اللغة الروسية ثم التاريخ الروسي ثم الأوضاع الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية الروسية.

هذه المعرفة بالشعوب الأخرى بنيت على أسس علمية، فقد قامت في البداية بأوامر بابوية واهتمام الكنيسة التي وجهت رجالها لمعرفة الإسلام من خلال ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة اللاتينية ثم وضعت الترجمات باللغات الأوروبية المعاصرة.
وفي الوقت نفسه كتبت عشرات الكتب عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن كانت هذه الكتابات اتسمت بالحقد والكراهية والتعصب المقيت ضد الإسلام ونبيه عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم. ثم تطور الاهتمام بالعالم العربي والإسلامي عندما ظهرت الثورة الصناعية الأوروبية واحتاجت أوروبا إلى مصادر للمواد الخام وأسواق تجارية لتصريف بضائعها، فجاءت إلى البلاد العربية الإسلامية محتلة مغتصبة بحجة تحضير هذه الشعوب، واحتاج هذا المجهود إلى معرفة العالم العربي الإسلامي معرفة وثيقة، فبدأت كراس اللغة العربية في أكسفورد وكامبردج عامي 1632 و1636م، وفي أواخر القرن الثامن عشر نشأت فرنسا (مدرسة اللغات الشرقية الحية) برئاسة سلفستر دي ساسي الذي أصبحت فرنسا في زمنه كعبة للمستشرقين. وبعد قليل من ذلك بدأت الجمعيات الأوروبية تتكون للدراسات آسيوية والإسلامية كالجمعية الملكية الآسيوية والجمعية الآسيوية (الفرنسية) والجمعية الاستشراقية الأمريكية وغيرها.

هذا الاهتمام انعكس في أواخر القرن التاسع على إنشاء أقسام علمية لدراسة العالم الإسلامي من جميع الجوانب العقدية والتاريخية والسياسية والاقتصادية والثقافية، وظلت هذه الأقسام تتطور حتى أصبحت تعد بالآلاف في أوروبا وأمريكا.
ومن المهم أن ينشأ في المملكة العربية السعودية هذا المجال المعرفي؛ لأن روسيا في السبعين سنة الماضية كانت تحكمها الشيوعية، وكانت المملكة العربية السعودية من أشد الدول محاربة للشيوعية حتى إنه لا يعرف عن أحد من السعودية درس في روسيا إبان الحكم الشيوعي، وإن كانت الشيوعية قد وصلت إلى السعودية، فقد وصلتها عن طريق ثالث؛ إما عن طريق إحدى الدول العربية أو عن طريق أمريكا أو أوروبا.
ولما كانت المعرفة الحقيقية بين الشعوب لا يمكن أن تتم إلا من خلال برامج علمية منظمة.. فلا بد لنا في المملكة العربية السعودية أن نفكر بطريقة منهجية لسد هذا النقص والانطلاق لتحقيق التعارف بين الشعوب وتقوية العلاقات بطريقة علمية منهجية.

ثالثاً: أهمية الدراسات الروسية لتطوير العلاقات بين البلدين


أمام هذا الجهد الممتاز لم يخط العالم العربي الإسلامي أي خطوات مشابهة لمعرفة الأمم والشعوب الأخرى، وإن وجدت مثل هذه الخطوات، فلم تصل بعد إلى أقسام وكليات تهتم بتفاصيل حياة الأمم الأخرى، ولا شك أن الجامعات المصرية سبقت غيرها من الجامعات العربية والإسلامية في دراسة الأمم الأخرى، ولكنها لم تصل بعد - فيما أعلم - إلى عمق التجربة الأوروبية والأمريكية في دراسة العالم العربي الإسلامي.
وها هي هذه المقالة تحاول أن تقدم تصوراً حول أهمية تطوير العلاقات بين المملكة العربية السعودية وروسيا من خلال إنشاء قسم أو أقسام للدراسات الروسية في المملكة العربية السعودية التي تحتل مكانة القلب في العالم الإسلامي لأنها تضم بلاد الحرمين الشريفين مكة المكرمة والمدينة المنورة ولأن بناء العلاقات بين الأمم والشعوب يجب أن يسبقه العلم ويتبعه العلم ويرافقه العلم. فمن دون العلم الحقيقي لا قيمة لأي علاقة بين أمة وأخرى. ومما يشجع على الدعوة إلى إقامة هذه الأقسام في المملكة العربية السعودية ما تملكه هذه البلاد من ثروات تجعل من الواجب إنفاقها في مجال حيوي كهذا ولتكون قدوة لغيرها من الدول.

تأتي أهمية الدعوة إلى إنشاء أقسام للدراسات الروسية في الجامعات السعودية إلى خصوصية العلاقات بين الدولتين، فروسيا لها تاريخ طويل وعريق مع العالم الإسلامي، وكان المسلمون جزءاً من تكوين الدولة الروسية، وهؤلاء المسلمون تربطهم وشائج قوية مع المملكة العربية السعودية التي تضم الحرمين الشريفين. ومما يؤكد على أهمية هذه العلاقة أن روسيا من أقرب الدول الأوروبية إلى الجزيرة العربية. وكذلك فإن الزعامة الروحية والمكانة السامية التي تحتلها المملكة بين دول العالم يقابلها مكانة مهمة لروسيا في عالم النصرانية حيث الكنيسة الشرقية وزعامتها في روسيا. كما أن القدرات الاقتصادية للدولتين تتطلب وجود تعاون مثمر بينهما لاستغلال الثروات الطبيعية في المملكة العربية السعودية وإن النهضة التي تشهدها المملكة العربية السعودية تجعلها بحاجة إلى معرفة تجارب الأمم الأخرى في المجالات المختلفة.

إذا كنا ندعو في هذه الورقة إلى قيام أقسام للدراسات الروسية في الجامعات السعودية فلا بد أن نذكر بإيجاز أن الاستشراق الروسي له جذور قديمة كما ذكر ذلك نجيب العقيقي حيث يذكر أنه على الرغم من أن العلاقات بين العالم الإسلامي وروسيا بحدودها الواسعة بدأت منذ الخلافة العباسية إلا أن الدراسات الاستشراقية كفرع معرفي مستقل لم يبدأ إلا في بداية القرن التاسع عشر - هذا إذا استثنينا بعض النشاطات الفردية - فيذكر العقيقي أن أول كراسي لدراسة اللغة العربية قد أنشئت كراسي للغة العربية في الجامعات الروسية في العام 1804 في جامعة خاركوف (العقيقي ج3، ص 53) ومن الجامعات التي ظهرت فيها هذه الدراسات جامعة قازان وجامعة موسكو وكلية لازاريف وجامعة بطرسبرج وغيرها. وكانت اهتمامات الاستشراق الروسي تتركز على اللغة العربية وتراثها والتاريخ الإسلامي.

ولم يكن قيام النظام الشيوعي ليوقف الاهتمام الروسي بالعالم الإسلامي بل استمر هذا الأمر حيث يمكننا أن نشير بإيجاز إلى بعض الخطوات العملية التي اتخذتها حكومة الاتحاد السوفيتي (سابقاً) لدراسة العالم الإسلامي ومنها على سبيل المثال لا الحصر إنشاء المعهد المركزي للغات الشرقية الحية في موسكو عام 1920 وكذلك إصدار مجلة الشرق الجديد عام 1922 بتعاون العديد من المؤسسات الاستشراقية الروسية.

أما معرفة روسيا في المملكة العربية السعودية فكانت عن طريقين أحدهما المسلمون الذين هربوا من مواجهة المد الشيوعي وما نقلوه من تجاربهم الشخصية بالإضافة إلى جهود المملكة العربية السعودية في مواجهة المد الشيوعي من خلال ما صدر من مؤلفات عن الشيوعية وبخاصة في عهد الملك فيصل -رحمه الله- حتى إن بعض هذه الكتب كانت توزع مجاناً في موسم الحج، وبعض هذه الكتب تزيد صفحاته عن الثلاثمائة ومنه على سبيل المثال كتاب (حقيقة موقف الشيوعية من خلق إسرائيل واستمرارها) للدكتور عمر حليّق (الدار السعودية للنشر بجدة)، أو من خلال بعض العرب والمسلمين ممن كانوا يعتنقون الشيوعية وكانوا يعملون في القطاعات المختلفة في المملكة وبخاصة في حقل التدريس أو من خلال دراسة بعض أبناء المملكة في الدول الغربية حيث اعتنق بعضهم المبادئ الشيوعية والاشتراكية وتحمسوا للتجربة الشيوعية في روسيا.

ولكننا في الوقت الحاضر أشد ما نكون حاجة إلى معرفة روسيا من جميع الجوانب وحتى بعض موظفي السفارة السعودية في روسيا يمكن للمرء أن يتساءل وكم يعرفون عن روسيا أم أن هؤلاء يلجؤون إلى المترجمين أو إلى اللغة الإنجليزية للتفاهم مع الروس؟
وقد أدركت قيادة المملكة العربية السعودية أهمية العلاقات بين الدولتين فكان اختيار الدكتور عبدالعزيز خوجة كأول سفير سعودي في روسيا، وقد أنشأت المملكة العربية السعودية كرسي الأمير نايف للدراسات الإسلامية وقدمت له دعماً مهماً، وهناك جهود كبيرة من أجل تحسين العلاقات بين البلدين.

ولكننا على الرغم من كل تلك الجهود فنحن بحاجة ماسة لإنشاء أقسام الدراسات الروسية لأن المعرفة الحقيقية المبنية على أسس موضوعية وعلمية هي السبيل الوحيد والأمثل للمعرفة الحقيقية التي لابد أن تقود إلى تفاهم حقيقي وإلى تعاون. كما أننا في الوقت نفسه مطالبون بأن نعرف ما يدور في أقسام الدراسات العربية والإسلامية في روسيا لتصحيح بعض المفاهيم التي توارثت منذ القرون الوسطى في أوروبا عن الإسلام والمسلمين أو ما يمكن أن تنقله الدراسات الحديثة التي قد تحكم على الإسلام من خلال واقع المسلمين وتصرفاتهم وهو أمر غاية في الخطأ.

وهذه المعرفة يمكن استثمارها في تقوية العلاقات بين الطرفين من خلال فهم عميق للغة الطرف الآخر وآدابه وتاريخه وتراثه وعقائده وواقعه المعاصر. قد يلجأ السعوديون في كثيرٍ من الأحيان بل ربما معظم الأحيان إلى الاستقاء من مصادر أخرى أوروبية أو أمريكية للتعرف على ما روسيا وما يدور فيها بدلاً من أن يكون ذلك بصورة مباشرة.

ومما يؤكد أهمية الدراسات الروسية أننا نستطيع أن نطبق بعض توصيات واستنتاجات اللجنتين البريطانيتين: لجنة سكاربورو (1947م) ولجنة سكايتر 1961م اللتان أكدتا أن الدراسات العربية الإسلامية ضرورية للإمبراطورية البريطانية في المجالات الآتية:

1- السياسة والدبلوماسية.

2-الاقتصاد والتجارة.

3-الإعلام بوسائله المختلفة من إذاعة وصحافة وتلفاز فكم عدد المراسلين السعوديين في روسيا الذين يتقنون اللغة الروسية أو الذين يتقنون لغات البلاد الأخرى بدلاً من اللجوء إلى بعض الأشخاص المقيمين في تلك الدول الذين ربما تأثرت آرائهم بسبب طول إقامتهم في تلك البلاد.

4-الجامعات.

ويمكننا أن نضيف أن معرفة روسيا مفيدة في مجال ربما لم تذكره اللجنة البريطانية ولكنه موجود لدى الطرفين وهو الدعوة عندنا والتنصير عندهم. فكيف للداعية أن يعرف الطريقة المثلى لنقل رسالة الإسلام دون أن يعرف لغة المدعوين وتاريخهم وتراثهم وآمالهم وآلامهم؟

الخطوات العملية لإنشاء القسم أو الأقسام


أعرف جيداً أن التفكير في إنشاء قسم للدراسات الروسية أو أقساماً للدراسات الروسية ونحن لم ننشئ بعد أقساماً للدراسات الأمريكية والأوروبية أو حتى أقساماً لدراسات بعض البلاد العربية أمر صعب أو مستحيل. فمن الغريب أن يكون في المملكة العربية السعودية عشرات الآلاف الذين يتقنون اللغة الأردية مثلاً ويتكلمونها في بيوتهم وفي الأسواق ومع ذلك لمّا احتاجت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية متخصصاً في اللغة الأردية تعاقدت مع أستاذ مصري. وقد يقال الأمر نفسه عن لغات إسلامية أخرى كالتركية فأنا أعرف كثيرين يتكلمون هذه اللغة بطلاقة ولكنهم اكتسبوها من والديهم أو اكتسبها البعض من العمل مع الحجاج، ولكن هل أصبحت هذه اللغة أداة للعمل الأكاديمي فهو الأمر الذي لم نعرفه.

ومع كل هذا فهذه الورقة تطالب بإنشاء قسم للدراسات الروسية يتضمن في البداية تعليم اللغة الروسية وآدابها على أن يتطور هذا القسم إلى عدة أقسام فيما بعد لدراسة روسيا من جميع النواحي العقدية والتاريخية والاجتماعية والقانونية، والثقافية وغيرها. ولنأخذ هذه الأقسام قسماً قسماً:

معهد اللغة الروسية


يمكن لهذا المعهد أن يبدأ بمعونة من بعض الجامعات الروسية بتوفير أساتذة يتقنون العربية ولديهم القدرة على تدريس اللغة الروسية كلغة أجنبية فتعليم اللغات الأجنبية أصبح علماً متخصصاً، كما يمكن الاستعانة بعدد من الأساتذة العرب الذين عاشوا في روسيا ردحاً من الزمن وأتقنوا اللغة الروسية. وأدعو إلى أن يكون عدد الطلاب في هذا القسم لا يقل عن عشرة طلاب. وحبذا لو كان هؤلاء الطلاب من ذوي الأصول الروسية الذين هاجر أهاليهم إلى المملكة منذ عشرات السنين واستقروا بها فهؤلاء أقدر على فهم الروسية وكذلك العقلية الروسية مما يجعلهم مؤهلين لدعم العلاقات بين الدولتين. وقد لاحظت أن عدداً من طلاب برامج دراسات الشرق الأوسط هم من أبناء الجيل الثاني أو الثالث من المهاجرين العرب والمسلمين إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

ويجب أن نبدأ في الوقت نفسه بتكوين مكتبة أو مكتبات تضم أبرز ما كتب في اللغة الروسية في مجال اللغة والأدب حتى يستطيع الطالب أن يقرأ باللغة الروسية مباشرة.
معهد الدراسات الروسية أو قسم الدراسات الروسية

منذ سنوات قامت الجامعات الأمريكية بتوزيع الاهتمام بالعالم العربي والإسلامي على مختلف الأقسام وجعلت من قسم دراسات الشرق الأوسط كما في جامعة برنستون مثلاً أو معهد الشرق الأوسط كما في جامعة كولمبيا أو جامعة كاليفورنيا بمدينة بيركلي وهذا القسم والمعهد يقومان بالتنسيق بين قسم دراسات الشرق الأوسط والأقسام العلمية المختلفة، فهناك طالب متخصص في الاجتماع ويرغب في تطبيق ما تعلمه في هذا العلم على بلاد الشرق الأوسط وكذلك الأمر في علم الاقتصاد أو علم الإنسان وغيرهما من العلوم.

أرجو أن يجد هذا الاقتراح آذاناً صاغية في العالم العربي الإسلامي الذي ينقصه الكثير في المجال الأكاديمي وحتى يمكن أن يكون لنا مشاركات أكثر فاعلية في المؤتمرات الدولية حول العالم العربي والإسلام
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د. مازن  مطبقاني
  • الكتب والبحوث
  • المقالات
  • مقالات حول الاستشراق
  • تقارير المؤتمرات
  • دراسات الغرب - الاستغراب
  • للتواصل مع الدكتور
  • الصفحة الرئيسية