اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/mehran/12-12.htm?print_it=1

قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم (12)

د. مهران ماهر عثمان

 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
المستمعون  الأكارم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعدَ الله أوقاتكم بكل خير .
هذا هو اللقاء الثاني عشر ، وقصة اليوم هي قصة الإسراء والمعراج ، ولكني سأقف مع عبرها دون سرد أحداثها ، لأن وقتَ هذا البرنامج لا يفي لسرد وقائعها ، وهي معلومة لدى الجميع .
هذه الآية التي أيّد الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم اشتملت على دروس عديدة .. منها :
أولاً :كان الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ، والحكمة في ذلك والعلم عند الله أنّ الأنبياء السابقين كان بيت المقدس مهاجرهم ، فأسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ليُجمع له بين أشتاتا الفضائل .
ثانياً : كان الذهاب بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ليلاً لأنه زمن يأنس فيه المسلم بالله منقطعاً عن الدنيا وشواغلها.
ثالثاً : اختلف العلماء في تأريخ الإسراء والمعراج اختلافاً عظيماً ، فذكر السيوطي –رحمه الله- في مصنفه الآية الكبرى في شرح قصة الإسرا لذلك خمسة عشر قولاً .
وهذه فائدة تتفرع عنها الفائدة التالية ، وهي  الرابعة :
أنه لا يُشرع للإنسان أن يخصَّ ليلة المعراج بقيام من بين الليالي ، ولا نهارها بصيام من بين الأيام ؛ إذ لو كان ذلك من الشرع في شيء لما اختُلف في تحديدها هذا الاختلاف ، إذ كيف تُشرع عبادة في ليلة لا نصَّ في تحديدها ألبتة ، وإنما هي أقوال دون إثباتها خرط القتاد !! قال ابن رجب الحنبلي :" و أما الإسراء فقيل : كان في رجب ، و ضعفه غير واحد".
ويجب علينا أيها الأحبة في الله أن نُفرِّق بين فعل العبادة ، وبين تخصيصها بزمان أو مكان ، فالذي اعتاد أن يصوم صوماً لو وافق صومه ليلة المعراج –لو فرضنا أنَّ تأريخها معلوم- فله أن يصومها ، لا لكونها ليلة المعراج ، وإنما لكون صومه وافق ذلك . وهكذا قل في شأن القيام . أما أن يخص الإنسان ليلةً أو يوماً بقيام أو صيام لم يدل الشرع على تخصيصها فهذا مما لا يُشرع . ومن الأدلة على التفريق بين فعل العبادة وبين تخصيصها بزمانٍ أو مكان قول النبي صلى الله عليه وسلم عند مسلم:(( لَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي ، وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ )). فالنبي صلى الله عليه وسلم لا ينهى عن عبادة الصيام والقيام ، وإنما ينهى عن تخصيص العبادة بيوم لم يشهد له الشرع باعتبار ، ونحن لا ننهى عن الصيام والقيام، وإنما ننهى عن تخصيص ليلة السابع والعشرين من شهر رجب بذلك .
خامساً : أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنّ الإسراء به كان بالبراق ، وهو دون الحمار ، يضع حافره عند منتهى طرفه ، وأخبر في صحيح مسلم بأن قريشاً كذبته ، وهذان أمران دالان على أنّ الإسراء والمعراج كان بجسد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بروحه فقط ، وإلا لما احتاج غلى ركوب البراق ، ولا تنكر عقول المشركين أن الروح تجوب الآفاق في ساعة من زمان .
سادساً :أن أفضلَ الأنبياء نبيُّنا صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه تقدم عليهم وصلَّى بهم ، وبلغ في المعراج مبلغاً لم يبلغه أحد منهم. وهذا مما لا ينازع فيه أحد .
سابعاً : بعض الناس –هداهم الله- يحتفلون بليلة الإسراء والمعراج ، وقد اصطلحوا على أنَّها ليلة السابع والعشرين من رجب ! وفي تقديري أنه لو كان لابد من إبداء المشاعر لكان إبداء مشاعر الحزن أولى من إظهار الابتهاج والفرح ؛ ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أُسري به إلى بيت المقدس .. فأين بيت المقدس الآن ؟؟ ثم إنَّا نستسمح المحتفلين أن نسألَ سؤالاً : هل احتفل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بهذا الليلة ؟؟ فإن قالوا : نعم . قلنا : } هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{ .  وإن قالوا : لا . قلنا : ((أحسن الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم» . فليسعْنا ما وسِع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابَه .
ثامناً : لقي النبي صلى الله عليه وسلم  في السماء الأولى : آدم ، وفي الثانية : عيسى ويحيى ، وفي الثالثة : يوسف ، وفي الرابعة: إدريس ، وفي الخامسة : هارون ، وفي السادسة : موسى ، وفي السابعة : إبراهيم –عليهم صلوات الله وتسليماته- كما صحّ عنه صلى الله عليه وسلم عندما حدث أصحابه بتفاصيل هذه القصة .
والحكمة في اختيار هؤلاء الأنبياء –والله أعلم- أنه بمقابلة آدم –عليه السلام- يتذكر أنه أُخرج من موطنه وعاد إليه ، فيتسلى بذلك إذا أخرجه قومه من موطنه . وأما عيسى ويحيى –عليهما السلام- فلما لاقاهما من شدة عداوة اليهود ، وهذا أمر سيلقاه النبيصلى الله عليه وسلم في مدينته . وأما يوسف فلما أصابه من ظلم إخوته له ، فصبر عليهم ، وقد طَرد أهلُ مكة النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأرادوا قتله. وأما إدريس فلرفعة مكانه التي تشحذ الهمة لنيل أعلى الدرجات عند رب السماوات . وأما هارون فلأن قومه عادوه ثم عادوا لمحبته . وأما موسى فلشدة ما أُوذي به من قومه ، حتى إن نبينا صلى الله عليه وسلم قال في ذلك :((يَرْحَمُ اللَّهُ أَخِي مُوسَى ؛ قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ)) . وفي ملاقاة إبراهيم –عليه السلام- في آخر السماوات مسنداً ظهره للبيت المعمور إشعار بأنه صلى الله عليه وسلم سيختم عمره الشريف بحج البيت العتيق .
تاسعاً : وفي قصة المعراج أنَّ جبريل كان يستفتح أبواب السماء ، فيقال له : "من"؟ فيقول :"جبريل". ففيه دليل على أنَّ المستأذن إذا قيل له : من ؟ سمَّى نفسه بما يُعرفُ به ، ولا يقول : أنا . لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أتيت النبي  صلى الله عليه وسلم في دين كان على أبي فدققت الباب ، فقال :((من ذا)) ؟ فقلت : أنا . فقال :((أنا أنا))!!  كأنه كرهها .
تاسعاً : حديث المعراج دليل من مئات الأدلة التي تدل على علو الله تعالى على جميع مخلوقاته ؛ فقد رأى النبيصلى الله عليه وسلم حجابه بعد السماء السابعة .
عاشراً : وجد النبي صلى الله عليه وسلم أبواب السماء مغلقة وكانت تُفتح لهما ، وفي هذا من الإكرام له ما لا يخفى ؛ "لأنه لو رآها مفتحة لظنَّ أنَّها كذلك " .
حادي عشر : تعلمنا منها سوء عاقبة الغيبة ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :((لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ ، فَقُلْتُ : مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ )).
ثاني عشر : الحادثة بجملتها فيها تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم بعدما امتلأت جوانب حياته بسحائب الكآبة والأحزان ، فكانت هذه الحادثة التي اضمحلت أمامها تلال الغموم الناتجة من ازدراء قومه له وتكذيبهم به . إنَّ المرء إذا أراد أن يُقنع الناس بمبدأ معينٍ وتصدى أهله وعشيرته لتكذيبه والنيل منه بسبب ذلك واجه من الأحزان قدراً لا يحيط به إلا الله تعالى ؛ لأن باقي الناس ممن ليسوا بأهله أولى بتكذيبه واستهجان طرحه ..
وظلمُ ذوي القربى أشد مضاضةً    ***   على المرء من وقع الحسام المهنَّد
ومن هذا يُستفاد : أن مع العسر يسراً ، وأن من الضيق فرجاً ، وبالشدة رخاءً.
ومن دروسها عظيم مكانة الصلاة فإن الله فرضها بلا واسطة ، وبركة النصيحة ، فبنصيحة موسى خففها الله غلى خمسين صلاة .
وختام هذه الوقفات : أنَّ الله تعالى كلَّم نبينا صلى الله عليه وسلم كما كلَّم موسى عليه السلام ، والذي يقف على الخصائص المحمدية –على صاحبها أزكى صلاة وأتم سلام- يعلم أنه ما من نبي أيده الله بآية إلا وأيد نبينا صلى الله عليه وسلم بمثلها أو أفضل منها. لقد ايد الله سليمان عليه السلام بما قال حكاية عنه :} علمنا منطق الطير{ ، ولقد علم تكلم بعير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكا إليه قلة العلف وكثرة العمل . وزادج على سليمان عليه السلام أن الله أنطق الجماد له ، فقد قال عليه الصلاة والسلام :« إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ»، وحنّ الجذع إليه ولم يسكن إلا بعدما التزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فاعرفوا قدر نبيكم ، وسلوا الله الاجتماع به يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
أكتفي بهذا القدر ، وأترككم في حفظ الله، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على نبينا وسيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
 
 
 

د. مهران ماهر
  • الخطب المنبرية
  • المقالات
  • البحوث
  • الردود
  • برامج إذاعية
  • المواعظ والدروس
  • الصفحة الرئيسية