صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الأدلة والبراهين على أن اليهود والنصارى من المشركين

د. مهران ماهر عثمان

 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين ، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد ؛
فلم يخطر بالبال –قبلُ- أنّ هذه المسألة –أعني بيان كفر اليهود والنصارى وأنهم في النار – ستحتاج إلى بيان ، ودفع شبه، وعناية من الدعاة إلى الله ؛ إذ أنَّ ذلك من المسلمات التي لا ينبغي أن يطرقها التشغيب .
ولكن لما كان هذا وجب البيان ؛ إظهاراً للعلم ، وإقامة للحجة ..

ولعلي أقتصر على ذكر الأدلة الموضحة لما سبق تقريره :
الدليل الأول :
قوله تعالى : { لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة : 17] .
هذا حكم من الله تعالى " بتكفير فرق النصارى من الملكية، واليعقوبية، والنسطورية، ممن قال منهم : بأن المسيح هو الله -تعالى الله عن قولهم وتنزه وتقدس- " [تفسير ابن كثر (2/111)] .

الدليل الثاني :

قوله تعالى :{ لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة :73] .
فهذا موضع آخر يحكم الله تعالى فيه بكفرهم .

الدليل الثالث :

قال تعالى :{ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} [آل عمران :19] .
والإسلام له معنيان ، معنى عام، يتناول إسلام كل أمة متبعة لنبي من الأنبياء قبل أن يُبعث محمد صلى الله عليه وسلم ، ولما بعث نبينا صلى الله عليه وسلم بقي هذا الاسم لدينه لا يُطلق على غيره ، والدليل قوله تعالى :{ وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [البقرة : 135] ، فالآية واضحة الدلالة على أن دينهم مغاير لملة إبراهيم بدليل الإضراب فيها ، وملة إبراهيم الإسلام ، قال تعالى :{ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ} [الحج:78] ، فدينهم ليس إسلاماً .
ومن الأدلة :{ وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} [البقرة:120] . فسمَّى الله ما هم عليه (هوى)، ولا يكون الهوى ديناً مقبولاً عند الله .

الدليل الرابع :

قوله تعالى :{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85] ، ووجه الدلالة منها ظاهر لا يخفى .

الدليل الخامس :

قوله تعالى :{ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:105] .
وجه الدلالة : أنّ نوحاً أول رسول ، قال تعالى :{ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ } [النساء :163] ، ولم يقل : من قبله ؛ لأنه أول رسول ، وفي حديث الشفاعة يقول الناس له يوم القيامة :" أنت أولُ الرسل إلى أهل الأرض"[صحيح البخاري ومسلم] ، ولما كذبه قوم جعل الله تكذيبهم له تكذيباً لجميع المرسلين .
وهذه الآية دليل من أدلة كثيرة على كفر النصارى الذين يقولون إن عيسى بشر وليس إلهاً –كشهود يهوه- فما داموا لا يؤمنون بنينا صلى الله عليه وسلم فلا شك في كفرهم .

الدليل السادس :

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ :((وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ))[صحيح مسلم] .
فهذه بعض الأدلة على أنه لا دين مقبول عند الله سوى الإسلام .
وكعادة المضللين، لا يهدأ بالهم، ولا تطيب نفوسُهم إلا بالتشويش في مثل هذه المسلَّمات؛ لتكون سيرتهم على الألسن باقية، وبقعةُ ضوء الشُّهرة لهم حاوية .. وهذا مسرد لبعض شبهاتهم الخاوية، متلوَّةٌ بالإجابات الماحية .

الشبهة الأولى :
نعت الله اليهود والنصارى بالكفر ، ولم ينعتهم بالشرك .
والجواب عن هذا الجهل المركب يكون بطريقين ، بالمنع والتسليم .
أما المنع فلأنَّ وَصْفَهم بالشرك ثابتٌ في القرآنِ والسنة والآثارِ الصحيحة .
أما القرآن ففي موضعين ..
الأول : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [المائدة:72] .
قال الإمام الطبري :" يقول الله تعالى ذكره : فلما اختبرتهم وابتليتهم بما ابتليتهم به أشركوا بي ،وقالوا لخلق من خلقي وعبد مثلهم من عبيدي وبشر نحوهم معروف نسبه وأصله مولود من البشر يدعوهم إلى توحيدي ويأمرهم بعبادتي وطاعتي ويقر لهم بأني ربه وربهم وينهاهم عن أن يشركوا بي شيئاً : هو إلههم ؛جهلاً منهم بالله، وكفراً به" [تفسير الطبري(4/652)] .فالشرك كما يكون في العبادة يكون بصرف الصفات التي لا تكون إلا لله لغير الله [تفسير البيضاوي (1/352)] ، ولهذا حُكم عليهم بالشرك .
الموضع الثاني :{ اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة :31] .
فهذا نعت لهم بالشرك ، قال الإمام الطبري مبيِّناً المراد بهؤلاء المشركين :" القائلون :{عزير ابن الله} ، والقائلون :{المسيح ابن الله } ، المتخذون أحبارهم أرباباً من دون الله" [جامع البيان (6/353)] .
عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ :((يَا عَدِيُّ اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الْوَثَنَ))، وَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِي سُورَةِ بَرَاءَة :ٌ {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ}، قَالَ :((أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ)) [الترمذي] ، وللطبراني والبيهقي : قال عدي : إنَّا لسنا نعبدهم ! فقال : ((أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، و يحلون ما حرم الله فتستحلونه))؟ قلت : بلى. قال : ((فتلك عبادتهم)).
وأما السنة فالأدلة كثيرة أختزل منها الحديث التالي : عن أُمِّ سَلَمَةَ قالت: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ يَوْمَ السَّبْتِ وَيَوْمَ الْأَحَدِ أَكْثَرَ مِمَّا يَصُومُ مِنْ الْأَيَّامِ وَيَقُولُ :((إِنَّهُمَا عِيدَا الْمُشْرِكِينَ ؛ فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أُخَالِفَهُمْ)) [أخرجه أحمد وقوَّاه ابن تيمية] .
ومن الآثار التي نعتت النَّصارى بالشرك ما ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه :" لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم ؛ فإن السخطة تنزل عليهم)) [سنن البيهقي، ومصنف عبد الرزَّاق] .
وأما التسليم فلو سلمنا بأنَّ الله لم ينعتهم بالشرك –وهذا باطل ، وإنما هو تسليم جدلي محض لبيان باطلهم- أقول : لو سلمنا بذلك فقد نعتهم بالكفر ، وكفرهم أكبر ، والشرك نوع من أنواعه ؛ لذا قال الله تعالى في قصة الجنتين:{ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلً} [الكهف: 37]، قال له {أكفرت} ، ثم قال عن نفسه :{ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدً} [الكهف :42] .
ومنشأ هذه الشبهة اعتقاد أصحابها أنّ الكفر محصور في الكفر الأصغر ، وهذا خلط وجهل ، فالكفر فيه الأصغر والأكبر، والشرك كذلك .

الشبهة الثانية :
استدلالهم بقول الله تعالى :{ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى} [المائدة :82] .
والجواب : أنَّ من يقف عند هذا الحد من الآية كمن يقف على المصلين في قوله تعالى : { فويل للمصلين} ، لأنك لو استرسلت في قراءة الآية الكريمة فستجد بها قوله تعالى :{ ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } ، فالآية في النصارى الذين آمنوا ، وليست في الذين أصروا على كفرهم من الذين جاء وعيدهم في آخر الآيات البينات .

الشبهة الثالثة :
قال أحدهم : من قال اليهود ليسوا على شيء فقد شابه النصارى ، ومن قال النصارى ليسوا على شيء شابه اليهود ، والله أنكر على الطائفتين بقوله :{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ} [البقرة :113] .
والجواب : الآية تذمهم ؛لاختلافهم مع أنَّ مرجعيتهم واحدة.
وإلا فما تقول في قوله تعالى :{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ} [المائدة:68] . ولو أقاموا ذلك لآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى :{ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ} [الأعراف :157] .

الشبهة الرابعة :
الاستدلال بالآيات المبينة لنجاة اليهود والنصارى ، كمثل قوله تعالى :{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة :62] .
والجواب : أنّ هذه الآيات فيمن مات على الإسلام قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، أو أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به ، وهذا بلا خلاف.

الشبهة الخامسة :

الاستدلال بقوله تعالى :{ وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ} [المائدة : 43] .
والجواب : ما قاله شيخ المفسرين الإمام الطبري :" كيف تقرون أيها اليهود بحكم نبيي محمد صلى الله عليه وسلم مع جحودكم نبوته، وتكذيبكم إياه، وأنتم تتركون حكمي الذي تقرون به أنه حق عليكم واجب، جاءكم به موسى من عند الله ؟ يقول : فإذ كنتم تتركون حكمي الذي جاءكم به موسى الذي تقرون بنبوته في كتابي، فأنتم بترك حكمي الذي يخبركم به نبيي محمد أنه حكمي أحرى مع جحودكم نبوته " [جامع البيان (4/587)] .

الشبهة السادسة :

أباح الله ذبيحتهم وحرَّم ذبيحة المشركين ، وأباح الله النكاح من نسائهم وحرم نكاح المشركات ، فهذا يدل على أنَّهم ليسوا بمشركين .
الجواب :نصوص الشرع لا يناقض بعضها بعضاً ، قال تعالى :{ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرً} [النساء :82] .
فأهل الكتاب اختُصوا ببعض الأحكام، ولا يلزم هذا أنهم ناجون من الشرك الذي نُعتوا به في القرآن والسنة . فالدليل الخاص لا يبطل العام، وإنما يخصص بعض أفراده . ألا ترى أن الله حكم بقطع يد السارق بقوله :{ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَ} [المائدة :38] فالآية تعم كل سارق، من سرق ربع دينار أو أقل، ولكن جاءت الأدلة المخصِّصة التي تدل على أنه لا قطع إلا في ربع دينار فصاعداً .

الشبهة السابعة :

الاستدلال بقوله تعالى :{ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [يونس :94] .
قال الإمام القرطبي المالكي :" الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد غيره ... أي : قل يا محمد للكافر : فإن كنتَ في شك مما أنزلنا إليك {فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك } أي : يا عابد الوثن إن كنت في شك من القرآن فاسأل من أسلم من اليهود يعني عبد الله بن سلام وأمثاله " [الجامع لأحكام القرآن (8/339)] .

في الختام :
مما تجدر الإشارة إليه أنَّ من القواعد العلمية المقررة عند علمائنا : أنَّ من لم يكفر الكافر ، أو صحَّح مذهبه، أو شكَّ في كفره، فهو كافر مثله .
هذا فيمن شكَّ ، فكيف بمن شّكَّك .
وهذه فائدة أختم بها :
قال البغوي رحمه الله في تفسيره المعالم (1/255) :" فإن قيل: كيف أطلقتم اسم الشرك على من لا ينكر إلا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال أبو الحسن بن فارس لأن من يقول القرآن كلام غير الله فقد أشرك مع الله غيره".
وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .



تفسير البغوي - (ج 1 / ص 255)
{ وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ } (1) .
وقيل: الآية منسوخة في حق الكتابيات بقوله تعالى "والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم"( 5-المائدة ) فإن قيل: كيف أطلقتم اسم الشرك على من لا ينكر إلا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال أبو الحسن بن فارس لأن من يقول القرآن كلام غير الله فقد أشرك مع الله غيره،

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د. مهران ماهر
  • الخطب المنبرية
  • المقالات
  • البحوث
  • الردود
  • برامج إذاعية
  • المواعظ والدروس
  • الصفحة الرئيسية