صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







وقفات مع محاولة التخريب

د. مهران ماهر عثمان

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خير المرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد ؛
في يوم السبت السادس من جمادى الأولى لعام 1429هـ الموافق : 10/5/2008م أحبطت الدولة محاولة بائسة لتنظيم بائس (العدل والمساواة) حيث لا عدل ، ولا دينَ ، ولا خلق ! بعد أن أرسلوا قواتٍ أجنبية عن هذه البلاد إلى أطراف أمدرمان ..

ولي مع هذا الحدث عشر وقفات :


الأولى :

الشكر موصول إلى قواتنا المسلحة ، وقوات دفاعنا الشعبي ، وأجهزة الأمن والمخابرات ، والشرطة الذين أحبطوا هذه المحاولة ، والشكر موصول لكل مواطن غيور ساهم في ذلك بالإفصاح عن أماكن تواجدهم ، وإني إذ أبعث بالشكر إلى ساحة هؤلاء أعلم أنّ هذا من واجب الجميع ، ولكن لابد مع ذلك من ذلك ؛ لقول نبينا صلى الله عليه وسلم في جامع الإمام الترمذي :« مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ لَا يَشْكُرُ اللَّهَ» .

ثانياً :
تمرُّ هذه الأزمة وتخلف وراءها دروساً بليغة من أهمها : أن يتعرف الناس على نعمة الأمن ، هذه النعمة من أعظم النعم ؛ فإن من حُظي في حياته بصحة وعافية وسعة رزق وحُرم من نعمة الأمن لم يجد لذة ما هو فيه من خير وآلاء .. وهذه النعمة أُذكِّر بها هنا لأنّ الله تعالى أمر بتذكُّر نعمه وبالتذكير بها بقوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [المائدة : 11] ، وقال :{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [فاطر : 3] .

ثالثاً :
أنّ الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ..
ولذا مما أكد عليه أهل السنة في مصنفاتهم وجوب طاعة الولاة ، وتحريم الخروج عليهم ومنابذتهم ونصحهم علانية ؛ لأن ذلك يفضي إلى إضعاف شوكتهم ونشر الفتنة والفوضى .. إن أهل السنة لما حرروا هذا الأصل في جميع مصنفاتهم العقدية ما كانوا يرجون من حاكمٍ جزاء ولا شكوراً ، ولكنه دين الله الذي جاء بما فيه خير العباد والبلاد.
لقد بان لنا جميعاً ماذا يعني أن تتحلى الدولة بقوتها وكامل هيبتها ، وما في ذلك من أثر جليٍّ في تحقيق أمننا .

رابعاً :
كنت أودُّ أن تُحيا سنة قنوت النازلة في صلوات ذلك اليوم والأيام التالية له ، ومما يؤسف له أنّ هذا القنوت الذي استفاضت أحاديثه في كتب السنة لا يعمل به إلا قليل من الناس .. كان علينا أن نقنت في جميع صلواتنا بالنصر لقواتنا ، وباستتباب أمننا ، وبأن يجعل من هذه الشرذمة عبرة لمن لا يعتبر من أعدائنا !!
ففي الصحيحين ومسند الإمام أحمد : أَنَّ رِعْلاً وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ابْعَثْ مَعَنَا رِجَالًا يُعَلِّمُونَا الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ ، قال أنس رضي الله عنه : كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ فِي زَمَانِهِمْ ، كَانُوا يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ، ويَجِيئُونَ بِالْمَاءِ فَيَضَعُونَهُ فِي الْمَسْجِدِ ، يبيعون الحطب وَيَشْتَرُونَ بِهِ الطَّعَامَ لِأَهْلِ الصُّفَّةِ وَلِلْفُقَرَاءِ، حَتَّى كَانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قَتَلُوهُمْ وَغَدَرُوا بِهِمْ ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فحزن حزناً عظيماً - قال أنس : ما رأيته حزن أشدَّ منه - فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو - في الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء ، إذا قال: سمع الله لمن حمده في الركعة الأخيرة - عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ، يلعنهم ، قَالَ أَنَسٌ : فَقَرَأْنَا فِيهِمْ قُرْآنًا ، ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ رُفِعَ : بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا .
فأين هذه السنة من واقع حياتنا ؟!

خامساً :
من آكد الواجبات علينا : أن نقف جميعاً في صف واحد ؛ لنحقق كلَّ ما فيه صلاح هذه البلاد ، والواجب علينا جميعاً أن نرمي من أراد النيل منها بقوس واحد من خندق واحد ، قال ربنا لنا :{ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال :46] .

سادساً :

أحسن القائمون على أمر (التلفاز) صنعاً مساء يوم الاثنين لما كرروا بثَّ صور جثث أولئك الخونة ، فلقد أذهب الله برؤية هذه الصور غيظَ قلوبٍ مؤمنة بالله ، متشوقة للجهاد في سبيله .

سابعاً :
لابد من إيقاع أقسى أنواع العقوبة على من بقي حياً من هؤلاء التعساء .. وانظر كيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم من مع سولت له نفسه أن يعبث بأمن بلاده .. ففي الصحيحين أنّ أعراباً قدِموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فَاجْتَوَوْهَا . فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :«إِنْ شِئْتُمْ أَنْ تَخْرُجُوا إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَتَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا» . فَفَعَلُوا ، فَصَحُّوا ، ثُمَّ مَالُوا عَلَى الرُّعَاةِ فَقَتَلُوهُمْ ، وَارْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَامِ ، وَسَاقُوا ذَوْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَبَعَثَ فِي أَثَرِهِمْ ، فَأُتِيَ بِهِمْ ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وسمّل أَعْيُنَهُمْ وَتَرَكَهُمْ فِي الْحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا.
سمَّل أعينهم : أذهب ما بها . وفي رواية : سمَّر ، وفي ثالثة : سمَر : أي جاء بمساميرَ محميةٍ ووضعها في أعينهم .
هكذا فينبغي أن نتعامل معهم ، ولا مجال للعفو هنا ؛ ليعتبر بهم مَن خلفهم لعلهم يذَّكَّرون !

ثامناً :
الإسلام دين عزةٍ وإباء ، يأمر بردِّ الظلم ، وعدم الركون إلى الخنوع والذل ..

فلا ترضى بمنقصـةٍ وذلٍّ *** وتقنعْ بالقليل من الحطام
فعيشُك تحت ظلِّ العزِّ يوماً *** ولا تحتَ المذلة ألفَ عام

إما أن نعيش أعزاء ، أو نموت شرفاء ، أمَّا عيش وذل وامتهانُ كرامةٍ فهذا عيش الجبناء ، وعيش الجبناء يأباه ذووا الإباء . ولذا هدف الإسلام إلى أن نكون كذلك ، بأن شرع لنا الدفاع عن أنفسنا ورد كيد عدونا .. قال تعالى :{ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ} [الشورى:39] .
وذلك غير متحقق بالمعاهدات والاتفاقيات ، سوف لن يتحقق ذلك إلا بسلِّ سيف الجهاد في سبيل الله تعالى ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ» [أبو داود] .

تاسعاً :
في مثل هذه الأزمات يتأكد علينا التحلي بروح التثبت عند نقل الأخبار ، وأن لا ننقل شائعات من شأنها أن تفت في عضدنا ، وتضعفَ قوتنا ، وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم :« كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ»[صحيح مسلم] . فكيف إذا انضاف إلى ذلك إدخال رعب على الناس بنقل هذا الكلام ؟!

عاشراً :
مما يساعد على إشاعة الطمأنينة في مثل هذه الظروف : أن يكون الاتصال بين الناس أمراً ميسوراً ، والعكس بالعكس، فعدم التمكن من الاتصال والاطمئنان على من نريد الاطمئنان عليه يقلق أفئدتنا ، ويخلق مساحة للأوهام الفاسدة والتخيلات الكاذبة لتدب إلى حيز تفكيرنا ..
فعلى شركات الاتصالات أن تتخذ من التدابير ما يضمن لنا الاستمتاع بخدماتها في مثل هذه الظروف ، أما أن يُعتذر عن سوء الخدمات بكثرة اتصالات الناس فأمر غير مقبول ، وما يغني عنِّي هاتف لا أتمكن من الاتصال به في مثل هذا الوقت ؟!!

أخيراً :

علينا أن تلهج ألستنا كثيراً بدعاء الله أن يحفظ هذه البلاد وأهلها وأمنها ، ويلهم قادتها رشدهم ، ويجعل كيد الكائدين عائداً عليهم ، اللهم من أرادنا بخير فأجري الخير على يديه ، ومن أرادنا بسوء فأشغله بنفسه واجعل الدائرة عليه ..
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


د. مهران ماهر عثمان
إمام مسجد خالد بن الوليد بأركويت 63

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د. مهران ماهر
  • الخطب المنبرية
  • المقالات
  • البحوث
  • الردود
  • برامج إذاعية
  • المواعظ والدروس
  • الصفحة الرئيسية