اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/mehran/53.htm?print_it=1

القتل

د. مهران ماهر عثمان

 
بسم الله الرحمن الرحيم

القتل

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
فهذا تحذير من جريمة حذر الله منها في كتابه، وحذر منها رسوله  صلى الله عليه وسلم ، ألا وهي: القتل، ولعلي أتناول أمره في نقاط معدودات..
 
أول جريمة قتل في تاريخ البشرية :

أخبرنا الله بها في كتابه، قال تعالى: } وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ{ [المائدة: 27-30].
وخلاصة القصة أنّ الطالح منهما علم بقبول الله لعمل الصالح فحسده، ثم قتله.
وقد قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  :«لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ» ([1]).
 
تحريم قتل النفس بغير حق :

قال تعالى: } وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ{ [الأنعام:151] .
وقال: } وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا{ [الإسراء :33] .
وعن أبي بَكْرَةَ  رضي الله عنه  أنه قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  :«أَيُّ يَوْمٍ هَذَا»؟ فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ سِوَى اسْمِهِ . قَالَ: «أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ»؟ قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: «فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا»؟ فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ. فَقَالَ: «أَلَيْسَ بِذِي الْحِجَّةِ»؟ قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا» ([2]) .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود  رضي الله عنه  قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم : «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالْمَارِقُ مِنْ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ» ([3]).
ومما يستدل به على تحريم ذلك حديثا ابن عمر رضي الله عنهما قال: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ وَيَقُولُ: «مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ! مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ! وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ؛ مَالِهِ، وَدَمِهِ، وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلَّا خَيْرًا» ([4]).
والثاني: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» ([5]).
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق» ([6]).
وعن عبيد الله بن عدي بن الخيار  رضي الله عنه  أنه قال: بينما رسول الله  صلى الله عليه وسلم  جالس بين ظهراني الناس، إذ جاءه رجل فساره، فلم يدر ما ساره به، حتى جهر رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، فإذا هو يستأذنه في قتل رجل من المنافقين، فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  حين جهر: «أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله»؟ فقال الرجل: بلى، ولا شهادة له. فقال: «أليس يصلي»؟ قال: بلى، ولا صلاة له. فقال  صلى الله عليه وسلم : «أولئك الذين نهاني الله عنهم» ([7]).
"قال ابن العربي رحمه الله: ثبت النهي عن قتل البهيمة بغير حق والوعيد في ذلك، فكيف بقتل الآدمي، فكيف بالتقي الصالح" ([8]).
 
الترهيب من جريمة القتل :

ورد ذلك في نصوص كثيرة، منها:
قول الله تعالى: }مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا{ [المائدة: 32] .
والمعنى: من حرم قتلها واعتقد ذلك، فقد سلم الناس كلهم منه بهذا الاعتبار.
 
والقاتل متوعد بعدم دخول الجنة، وبالنار:

قال تعالى: }وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا{ [الفرقان : 68-69] .
وقال: } وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا{ [النساء :93].
وكفى بها زاجراً.
وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أنَّ أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار» ([9]).
وعن أبي سعيد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج عنق من النار يتكلم يقول: وكلت اليوم بثلاثة: بكل جبار عنيد، ومن جعل مع الله إلها آخر، ومن قتل نفسا بغير حق. فينطوي عليهم فيقذفهم في حمراء جهنم» ([10]).
وإذا كان النبي  صلى الله عليه وسلم  قد قال: «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما» ([11]) فكيف بالمسلم!! ومن لم يدخل الجنة كانت النار مأواه.
عن جندب بن عبد الله  رضي الله عنه  قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : « من استطاع منكم أن لا يحول بينه وبين الجنة ملء كف من دم امرئ مسلم يقول: لا إله إلا الله يهريقه، كأنما يذبح دجاجة، كلما تعرَّض لباب من أبواب الجنة حال بينه وبينه»([12]).
 
وانظر إلى هذا التغليظ النبوي:

عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل ذنب عسى الله أن يغفره، إلا الرجل يموت مشركا أو يقتل مؤمنا متعمدا» ([13]) .
ولهذا قال في الحديث الآخر: «من لقي الله لا يشرك به شيئا، لم يتند بدم حرام دخل الجنة»([14])، ومعناه الإصابة.
 
ومع أنّ الوالد لا يقاد بولده، ولكن لننظر فيما قاله الله في شأنه..

قال تعالى: } قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ{ [الأنعام :140] .
وقال: } وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خطأً كَبِيرًا { [الإسراء :31] .
فكيف بغير الوالد؟!
وثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء» ([15]).
 
فماذا يكون بين القاتل والمقتول في الآخرة؟

قال ابن عباس رضي الله عنهما: سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: «يَجِيءُ الْمَقْتُولُ بِالْقَاتِلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، نَاصِيَتُهُ وَرَأْسُهُ بِيَدِهِ، وَأَوْدَاجُهُ تَشْخَبُ دَمًا، يَقُولُ: يَا رَبِّ هَذَا قَتَلَنِي، حَتَّى يُدْنِيَهُ مِنْ الْعَرْشِ» فَذَكَرُوا لِابْنِ عَبَّاسٍ التَّوْبَةَ، فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: }وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ...{، قَالَ: مَا نُسِخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَلَا بُدِّلَتْ، وَأَنَّى لَهُ التَّوْبَةُ ([16]) ؟
وفي رواية: «فيقول الله للقاتل: تعست ، ويذهب به إلى النار» ([17]).
 
والقتل كفر أصغر، وقد قد يفضي إلى الكفر الأكبر والعياذ بالله:

فقد قال النبي  صلى الله عليه وسلم  لأصحابه في حجة الوداع: «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض» ([18]).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا» ([19]).
أي: من أصاب دماً حراماً فإنه يوشك أن يزيغ فيموت على الكفر.
 وقال ابن عمر رضي الله عنهما: "إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله" ([20]) .
وقال  صلى الله عليه وسلم : «لَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ مُعْنِقًا صَالِحًا مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا، فَإِذَا أَصَابَ دَمًا حَرَامًا بَلَّحَ» ([21]).
ومعنقاً: يسير سيراً سريعاً إلى ربه، وبلَّح: انقطع سيره.
 
وأحب الذنوب إلى إبليس: القتل:

فعن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أصبح إبليس بث جنوده، فيقول: من أخذل اليوم مسلما ألبسته التاج ... ويجيء هذا فيقول لم أزل به حتى قتل، فيقول: أنت أنت ويلبسه التاج» ([22]).
 
ويزداد البلاء سوء، ويتفاقم الأمر، ويستفحل الخطب ..

 إذا قتل القاتل ورأى أنه على هدىً؛ كحال من يكفر الناس، ويستبيح دماءهم..
فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل مؤمنا فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا» ([23]) .
أي: يرى أحدهم أنه على هدى فلا يستغفر الله!!
 
وأذكِّر بقصتين مؤلمتين في الترهيب من هذه الجريرة:

الأولى: عن أُسَامَةَ بْن زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُرَقَةِ، فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ، وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ، فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَكَفَّ الْأَنْصَارِيُّ، فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»؟ قُلْتُ: كَانَ مُتَعَوِّذًا. فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ ([24]).
وأما الثانية:
فعن عمران بن حصين  رضي الله عنه ، قال: شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ بَعَثَ جَيْشًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، فَلَمَّا لَقُوهُمْ قَاتَلُوهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا، فَمَنَحُوهُمْ أَكْتَافَهُمْ، فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنْ لُحْمَتِي عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِالرُّمْحِ، فَلَمَّا غَشِيَهُ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِنِّي مُسْلِمٌ، فَطَعَنَهُ فَقَتَلَهُ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ. قَالَ: «وَمَا الَّذِي صَنَعْتَ»؟ فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي صَنَعَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَهَلَّا شَقَقْتَ عَنْ بَطْنِهِ فَعَلِمْتَ مَا فِي قَلْبِهِ»؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ شَقَقْتُ بَطْنَهُ لَكُنْتُ أَعْلَمُ مَا فِي قَلْبِهِ. قَالَ: «فَلَا أَنْتَ قَبِلْتَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ، وَلَا أَنْتَ تَعْلَمُ مَا فِي قَلْبِهِ»! فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى مَاتَ، فَدَفَنَّاهُ، فَأَصْبَحَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ. فَقَالُوا: لَعَلَّ عَدُوًّا نَبَشَهُ، فَدَفَنَّاهُ، ثُمَّ أَمَرْنَا غِلْمَانَنَا يَحْرُسُونَهُ، فَأَصْبَحَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ. فَقُلْنَا: لَعَلَّ الْغِلْمَانَ نَعَسُوا، فَدَفَنَّاهُ ثُمَّ حَرَسْنَاهُ بِأَنْفُسِنَا، فَأَصْبَحَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ. فَأَلْقَيْنَاهُ فِي بَعْضِ تِلْكَ الشِّعَابِ. فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: «إِنَّ الْأَرْضَ لَتَقْبَلُ مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَحَبَّ أَنْ يُرِيَكُمْ تَعْظِيمَ حُرْمَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ([25]).
فما أعظمها من كبيرة!!
ولهذا كله لم يرض الخليفة الراشد، المبشر بجنة الله، الذي أغلق بابه على ابنتي نبي، الذي تستحي منه الملائكة، لم يرض أن يقتل أحد بسببه، ولو فعلوا لأُجِرَ وأُجروا، ولكنه أبى ذلك حقنا للدماء، فعن عن أبي هريرة قال : كنت محصورا في الدار مع عثمان، فرموا رجلا منا فقتلوه، فقلت : يا أمير المؤمنين طاب الضِّراب، قتلوا منا رجلا؟ فقال : عزمت عليك يا أبا هريرة لما رميت بسيفك، فإنما تراد نفسي، وسأقي المسلمين بنفسي. قال أبو هريرة : فرميت بسيفي فما أدري أين هو حتى الساعة ([26]).
 
وقد سد النبي  صلى الله عليه وسلم  كل ذريعة تفضي إلى إراقة الدماء..

فعن أبي هريرة  رضي الله عنه ، قال: قال أبو القاسم  صلى الله عليه وسلم : «من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه وإن كان أخاه لأبيه وأمه» ([27]).
وعنه  رضي الله عنه ، عن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: «لا يشيرُ أحدكم على أخيه بالسلاح؛ فإنه لا يدري لعل الشيطان يَنزِع في يده، فيقعُ في حفرة من النار»([28]).
ونهى  صلى الله عليه وسلم  عن ترويع المسلم، وحرم الحسد، والبيع على بيع المسلم، والخطبة على خطبته، وكل ما يفضي إلى الخصومة فهو محرم علينا؛ حسماً لمادة النزاع الذي قد يفضي إلى إراقة الدماء.
اللهم سلمنا وسلم الناس منا..
 اللهم صل وسلم وبارك على نبيك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين .

------------------------------
[1] / البخاري ومسلم .
[2] / البخاري ومسلم .
[3] / البخاري ومسلم .
[4] / رواه ابن ماجة.
[5] / البخاري ومسلم .
[6] / رواه ابن ماجه بإسناد حسن ورواه البيهقي والأصبهاني
[7] / رواه مالك والشافعي وأحمد.
[8] / فتح الباري (12/196)
[9] / الترمذي
[10] / أحمد
[11] / رواه البخاري
[12] / رواه الطبراني في الأوسط
[13] / رواه أبو داود وابن حبان.
[14] / رواه أحمد وابن ماجة
[15] / رواه البخاري ومسلم
[16] / رواه الترمذي.
[17] / المعجم الأوسط للطبراني.
[18] / البخاري ومسلم.
[19] / البخاري.
[20] / البخاري.
[21] / سنن أبي داود.
[22] / رواه ابن حبان في صحيحه
[23] / رواه أبو داود.
[24] / البخاري ومسلم .
[25] / ابن ماجة
[26] / رواه سعيد بن منصور في السنن، ونعيم بن حماد في الفتن، وابن سعد في الطبقات، والخطيب في الكفاية
[27] / مسلم.
[28] / البخاري ومسلم.

 

د. مهران ماهر
  • الخطب المنبرية
  • المقالات
  • البحوث
  • الردود
  • برامج إذاعية
  • المواعظ والدروس
  • الصفحة الرئيسية