اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/moslem/60.htm?print_it=1

العدوان على الدين الإسلامي وثوابته
و فنون الدفاع عنه و المحافظة عليه

الدكتور مسلم محمد جودت اليوسف

 
بسم الله الرحمن الرحيم

 
الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا يوافي نعمه و يدفع عنا نقمه ،    و الصلاة و السلام على إمام المرسلين محمد بن عبد الله إمام الرحمة      و الملحمة - صلى الله عليه و سلم - و بعد :
كثر في الآونة الأخيرة جرائم الاعتداء على الدين الإسلامي ، و ثوابته بشكل لم يعرف له مثيل من قبل .
فقد حاول بعض أعداء الدين نشر قرآن محرف بين المسلمين بحجة قراءة أهل البيت  إلى تدنيسه و حرقه ، فكان لابد للأمة الإسلامية و وولاة أمورها من العلماء الربانيين ، و الحكام الراشدين من الدفاع عن دين ربنا و ثوابته أمام هذه الهجمات الشرسة من أعداء الأمة الداخليين و الخارجيين الظاهرين و المتحفين بلباس النعاج أو الذئاب والثعالب .
لذلك أحببت أن أبين لمن يهمه الأمر من أفراد الأمة و أحزابها وولاة أمورها بضرورة الدفاع عن الدين الإسلامي القويم و ثوابته .
كما أحببت أن أظهر و اذكر  بفنون الدفاع عنه و المحافظة عليه لمن أراد ذلك خوفا من الله تعالى و خوفا على نفسه أولاده وعرضه ، لأن بعد هذه الاعتداءات سيكون هناك تطاول على الكراسي و العروش بالهدم و التغيير و التدنيس  .
فهل تقوم الأمة وولاة أمرها بواجب الدفاع عن الدين ، وثوابته قبل فوات الأوان ،،،،،، أتمنى ذلك .
 
عرف علماء الشريعة الدين بأنه : وضع إلهي سائق لذوي العقول السليمة باختيارهم المحمود إلى الصلاح في الحال ، والفلاح في المآل ) [1]
و عليه فإن أي وضع أو إضافة بشرية سواء كان من العقل أو الهوى أو غيرهما و إن أطلقوا عليهم مسميات مزهرة ، و ملونة بألوان زاهية لا يمكن أن نطلق عليه حقيقة ديناً .
قال تعالى : ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين ) .[2]
إن الإنسان مهما بلغ من العلم و الفهم و القوة لا يستطيع صناعة دين أو شريعة إلا وفيه كثير من الشهوات و الضلالات و الانحرافات التي تؤدي في نهاية المطاف إلى الهلاك المحقق .
والحقيقة أن الدين الإسلامي الحنيف مصلحته العليا فوق جميع المصالح ، لأن الدين ضروري لحياة الجماعة ، و الأفراد في الدنيا ،      و الآخرة .
والحقيقة أن الحفاظ على الدين الإسلامي الحنيف وثوابته مصلحة عليا فوق جميع المصالح ، لأن الدين ضروري لحياة الأفراد و الجماعة في الدنيا و الآخرة .
وفي هذه السطور سأحاول بيان طرق و أساليب و فنون المحافظة على الدين الإسلامي الحنيف و ثوابته ، و مصالحه المتفاوتة ما بين مرتبة الضرورة إلى مرتبة الحاجة و التزيين و التحسين .
و كل مرتبة من هذه المراتب درجات تكمل السفلى منها العليا ، و أصلها الذي تقوم عليه هو : الإيمان بالله تعالى .
و سأبين مقامات تلك المراتب و فنون المحافظة على الدين الإسلامي وثوابته ، و ابدأ بالإيمان بالله و باليوم الآخر :

لقد جاء أمر الإيمان بالله تعالى و اليوم الآخر إلى جميع المكلفين ،   و هو الأصل الذي لا يصح و لا يعتبر أي عمل أو اعتقاد إلا إذا كان مستندا عليه .
وقد جاء القرآن الكريم بطرق شتى لإرشاد أصحاب العقول الرشيدة إلى الحقائق الكبرى من الإيمان بالله و اليوم الآخر .
لقد جعل الله تعالى طريقين واضحين سهلين ليصل بهما الإنسان إلى معرفة الحقائق الكبرى .
أحدهما العقل : الذي خلقه الله تعالى و جعله قوة نامية إذا ما تخلص من الهوى ، فيدرك حقائق العالم المحسوس ، و فوق قوة العقل و نمائه .
أما الطريق الثاني فهو طريق الوحي : الذي جعله الله تعالى لإدراك ما لا يستطيع إدراكه من أمثال عالم الغيب و ما وراء عالم الشهادة ، فقد دعا القرآن الكريم الإنسان إلى الإيمان بالله و الحياة الآخرة و غير ذلك من الحقائق الغير محسوسة و سلك إلى ذلك طرقاً عديدة .
إن الإيمان بالله هو أصل الدين و الإنسان يصل إليه بهداية من الله عن طريق إرشاد الوحي للعقول بشتى الأدلة ، وإن القرآن الكريم في أدلته و إرشاده يسلك طرقا عديدة ليجد كل من له عقل ما يناسبه من الحجج ،   و البراهين ، ولا يترك كبيرة ولا صغيرة من أجزاء الكون إلا أشار إليها و نبه العقل عليهما ، و توجد فيه أنواع من الأدلة التي تسمى بالأدلة الجدلية أو المنطقية . و القرآن يظل ينتقل بالإنسان من جزء إلى جزء حتى يأخذ بناصية عقله ، و يقوده إلى الحقيقة الكبرى و هي الإيمان بالله خالق هذا الوجود .
وبذلك يوجد الدين ، فبالإيمان الصادق يوجد الدين و أفضل مصالح الدين ما كان شريفا في نفسه رافعا لأقبح المفاسد جالبا لأرجح المصالح ، وقد سئل عليه الصلاة والسلام أي الأعمال أفضل فقال : ( إيمان بالله ) فجعل الإيمان أفضل الأعمال لجلبه لأحسن المصالح ، ودرئه لأقبح المفاسد مع شرفه ، وشرف متعلقة ، ومصالحه ضربان : أحدهما عاجلة ، وهي إجراء أحكام الإسلام و صيانة النفوس و الأموال .... إلخ .
و الثاني : أجله هو خلود الجنان ورضا الرحمن .[3]
 
 و بعد هذا نرى بيان طرق المحافظة على مصلحة الدين من جانب العدم ، و هي أربعة :

الأول – شرعية الجهاد في سبيل الله تعالى بالأنفس و الأموال .
ثانياً – مشروعية قتل المرتدين و الزنادقة .
ثالثاً – محاربة الابتداع في الدين و معاقبة المبتدعين .
رابعاً – تحريم المعاصي ، ومعاقبة من يقترفونها .
 
أولا – في مشروعية الجهاد في سبيل الله :

بعث الله سبحانه وتعالى محمد – صلى الله عليه وسلم – ليدعوا الناس إلى سبيله سبحانه بالحكمة والموعظة الحسنة .
 فقال جل وعلا : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي أحسن ) سورة النحل ، الآية 125.
إلى أن أكد الله الحجة عليهم ، وبلغهم رسوله الكريم الرسالة فتمادى من تمادى ، فأيد الله سبحانه و تعالى دينه و نصر رسوله بافتراض الجهاد في سبيله عليه و على من آمن به ، فقال سبحانه و تعالى : ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم و عسى أن تحبوا شيئاً وهو شر ) . سورة البقرة ، الآية 216.
ما هي علة وجوب جهاد الكفار الكفر أم الحرابة ؟
أ - أجمع أهل العلم على أن الله تعالى أمر المسلمين بقتال الكفار ، وإن الأمر للوجوب ، وأنه فرض على الكفاية إلا في حالات قليلة فيتعين ، وإن حكم القتال قائم وباق إلى قيام الساعة كلما وجد سببه و الداعي إليه ، وأن المقصود من شرعية الجهاد المحافظة الدين و ثوابته . وإعلاء كلمة الله وإزهاق قول وفعل الكافرين .
ب – بعد أن أجمع أهل المعلم المعتبرين بوجوب قتال الكفار اختلفوا في العلة الباعثة على الأمر بوجوب مقاتلة الكفار فهل وجب قتالهم من أجل كفرهم أم أنه وجب لأجل حرابهم .[4]
فذهب الجمهور إلى أن العلة هي الحرابة . وذهب الإمام الشافعي ، وبعض أصحاب الإمام أحمد إلى أن مجرد الكفر هو العلة .[5]
الباعث على قتال الكفار بالنسبة للمجاهد :
القتال يقع لأشياء كثيرة منها الممدوح و المرغوب مثل : القتال لتكون كلمة الله هي العليا .
وآخر مذموم ، كقتال الرياء و الغضب .
عن أبي موسى قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ، ويقاتل حمية ، ويقاتل رياء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ، فهو في سبيل الله ) .[6]
و المراد بكلمة الله ، دعوته إلى الإسلام ، و يحتمل أن يكون المراد بذلك أنه لا يكون في سبيل الله إلا من كان سبباً في قتاله طلب إعلاء كلمة الله فقط ، يعني لو أضاف سبباً من الأسباب المذكورة أخل به وصرح الإمام الطبري بأنه لا يخل إذا حصل ضمناً ، لا أصلاً ، ومقصوداً [7].

الثاني – مشروعية قتل الزنادقة والمرتدين :

الردة هي : كفر المسلم وتكون بصريح القول أو بلفظ يقتضي الكفر كجحده ما علم من الدين بالضرورة ، كتحريف القرآن وقذف أمهات المؤمنين بالفاحشة ، و القتل بغير حق ، أو بفعل يستلزم الكفر التزاماً بيناً كإلقاء مصحف أو جزء منه في القذر ، وكل فعل يقصد به الاستخفاف بكلماته و شريعته [8]و ثوابته .
و المرتد يستتاب ثلاثة أيام من يوم الردة عليه ، بدون تعذيب . فإن تاب يخلى سبيله و إلا قتل بالسيف .[9]
أما الزندقة : فهي إسرار الكفر و إظهار الإسلام ، و اتفق أهل العلم على قتله إن لم يتب ، واختلفوا فيما إذا تاب هل تقبل توبته أم لا ؟ .
فذهب أبو حنيفة ، و أحمد في أظهر الروايتين عنهما إلى أنها لا تقبل.
وهذا يوافق مذهب الإمام مالك ، فإنه القائل بعدم قبول توبته إلا إذا جاء تائبا قبل الإطلاع على كفره .[10]
ومن المتفق عليه أن المقصود من قتل الزنادقة هو المحافظة على مصلحة الدين و أبنائه و حمايتهما من عبث العابثين .
و الزنادقة طائفة لا يخلو منهم عصر من العصور أو زمن من أزمان الطيبة أو غير ذلك . ففي عصر الإسلام الأول كانت طائفة المنافقين الذين أفاض القرآن بكشف أحوالهم و مكائدهم و لعل أخطر تلك المكائد هي حادثة الإفك .
فأنزل الله تعالى قرآنا يتلى صباح مساء ، فقال جل وعلا : { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)} [النور : 11] .
و في العصور التالية للعصر الأول ، ظهرت طائفة الزنادقة الذين حاولوا الكيد للإسلام بأي وسيلة متاحة لمحاربة الإسلام و المسلمين .
وفي عصرنا الحالي طائفة من الملاحدة الذين جاسوا ديار الإسلام فسادا ، فتعاونوا مع كل عدو للإسلام والمسلمين للنيل من دين الله تعالى و أتباعه الشرفاء .

الثالث : محاربة الابتداع في الدين ، ومعاقبة المبتدعين :

 عرف الإمام الشاطبي - عليه رحمة الله تعالى - البدعة فقال : أما معنى البدعة في الشرع : فهي عبارة عن طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية ، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله تعالى .[11]
 و الحقيقة أن الابتداع في الدين هو أخطر سلاح لهدم الدين ،و ثوابته و الانحراف بمقاصده تبعا للهوى ، و الشهوات ، أو الثقة برشاد العقل ،   و الاغترار به ، والخروج عن دائرة ما حدده الشرع .
و إذا كان الأمر على هذه الخطورة ، فما هي العقوبة الزاجرة لأهل البدع و الابتداع لحماية الدين من الهدم و التشويه و حفاظا على أركانه و ثوابته و شعائره و مقاصده من الطمس ، والانحراف بأحكامه وقواعده عما وضعت من أجله .
 أهل العلم متفقون على معاقبة المبتدع ، و عقوبته تكون بالتعزير ، بيد إنهم اختلفوا في مقدار تلك العقوبة .
 فبعض أهل العلم وصل بها إلى حد القتل ، و بعضهم يقف بها دون أدنى حد و هو أربعون جلدة ، و بعضهم يجعل العقوبة تبعاً لما تتركه البدعة من مفاسد متعدية أو قاصرة ، و بذلك تختلف بتفاوت مراتب المبتدعين بحسب الإسرار و الإعلان ، فالولي الأمر سعة - بحسب ما أرى – في اختيار العقوبة للقضاء على أهل البدع و مفاسدهم ، و إن وصلت إلى القتل ، و الله اعلم .

رابعاً – تحريم المعاصي و معاقبة من يقترفونها :

الإسلام جاء لنشر الخير و الفضيلة بين الناس ، فلا يصح أن يترك الرذيلة و رجالاتها و ترتع و تفسد في المجتمع ، لذلك حرم الله تعالى قتل النفس بغير حق ، و حرم الزنى و شرب الخمر و قذف المحصنات ،      و رتب على كل فعل من هذا عقوبة محددة رادعة للفاعل الجاني ، و شافية لقلوب وصدور المؤمنين .
 و قد كلف ولاة الأمور بحراسة الشريعة و حمايتها بإقامة الزواجر التي تردع الخارجين على حدود الله تعالى و أحكامه القويمة و قواعد دينه و مبادئه المستقيمة .
كما كلف المجاهدين بالدفاع عن الدين بكل الأسلحة و فنون ، و أصناف الجهاد جهاد الحرب و جهاد الكلمة .
و بهذه الطرق التي بينت بعضا منها يحافظ على دين الله تعالى ،   و ثوابته فعلى أهل الإيمان الوقوف بجانب كل من يدافع عن دين الله تعالى بكل ما أوتي من خير مادي أو معنوي ، و الله المستعان .
 

---------------------
[1] - المرآة في الأصول ، ج1/ 11 .
[2] - سورة آل عمران ، الآية 85 .
[3] - جوامع العلوم ، ص 21 و ما بعدها .
[4] - رسالة القتال لابن تيمية ، ص117.
[5] - رسالة القتال لابن تيمية ص 117.
[6] - سنن ابن ماجة برقم 2783 ، ج2/ 931 و قال عن الشيخ اللألباني حديث صحيح .
[7] - نيل الأوطار ، ج7/227.
[8] - الشرح الكبير للدرديري ، ج4/301.
[9] - فتح القدير و الهداية ، ج4/386 .
[10] - حاشية ابن عابدين ، ج3/408 . و الشرح الكبير للدرديري ، ج4/306.
[11] - الاعتصام للشاطبي ، ج1/31.


خاص لموقع الحملة العالمية لمقاومة العدوان قاوم
 

مسلم اليوسف
  • بحوث علمية
  • بحوث نسائية
  • مقالات ورسائل
  • فتاوى واستشارات
  • الصفحة الرئيسية