اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/moslem/69.htm?print_it=1

حقوق الإنسان
ما بين التشريع الإسلامي و التصور الغربي

الدكتور مسلم محمد جودت اليوسف

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا يوافي نعمه ، ويدفع عنا نقمه .
و الصلاة ؛ و السلام على إمام المرسلين رسول الرحمة ، و الملحمة محمد بن عبد الله – صلى الله عليه وسلم .
و بعد :
 من المحزن أن نسمع من بعض المثقفين ، أو المحسوبين على المثقفين أن حقوق الإنسان لا تلائم العالم العربي ، و فكره ؛ و ثقافته ، كون حقوق الإنسان فكرة غربية ، وهي غريبة عنا كل الغربة ، بل يصرح كثير من هؤلاء أن حقوق الإنسان ، و الديمقراطية ما هي إلا خطة غربية للنيل من صمودنا ، و تصدينا ، وحريتنا ، و وحدتنا ومكتسبات ثورتنا بحسب زعمهم .
 وأمام هذه الأقوال نرى أن من واجبنا بسط القول في هذا الشأن لنرى ما هي حقيقة حقوق الإنسان ، هل هي فكرة غربية محضة أم أنها أفكار قد تجد ما يوافقها في شريعتنا الإسلامية أو أن حقوق الإنسان فكرة أصيلة في الشريعة الإسلامية و مصادرها الأساسية .
لاشك أن حقوق الإنسان هي الشغل الشاغل لكثير من مثقفي هذه الأمة أفراد ، و جمعيات . و الحقيقة التي يجب أن نتعرف بها أن حقوق الإنسان في عالمنا العربي والإسلامي متردية جدا بل هي محاربة ليس كتطبيق فقط بل كنظرية أيضا يحارب كل من يعمل ؛ و يشتغل ، لأن هؤلاء يهددون عروش الفراعنة ، و أصنافهم .
لذلك نرى قلة قليلة من يهتم بدراستها و معرفتها ، وكثرة كثيرة تحاربها ،  و تحارب من يريد معرفتها ، أو حتى الاقتراب منها  بحجج كثيرة ، فربما هي رجس من عمل الشيطان يجب الابتعاد عنها ، و عن كل من يشتغل بها يتكلم فيها  .
من أجل هذا أحببت أن أكتب مبحث يوافق المقام ، و المقال أبين فيه حقيقة حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية ، و التصور الغربي ، لكي يكون كل مثقف على بينة ، فيما يعتقد ، و من ثم يناضل و يدافع عما يعتقد أن حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية أصلية كل الأصالة في خطوطها العريضة و كثير من تفاصيلها ، لذلك أرى أنها الأحق أن تعم في الأرض ، لكي تكون رحمة للعالمين بدل من حقوق الإنسان الغربية .
إن حقوق الإنسان في الفكر السياسي الغربي نبتت من فكرة ما يسمى بـالحق الطبيعي ، و هو الحق الذي وضعه مفكروا الرأسمالية عوضاً عن القوانين الكنسية التي وضعت على الرف كمصطلحات منذ القرن السابع عشر ، فجرى إغفال ذكر المصدر الكنسي لهذه القوانين ، والرجوع بها إلى ما يسمى بالطبيعة .
أما حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية ، فإنها ترتبط بالعقيدة الإسلامية ارتباطا وثيقا لا انفكاك بينهما لا من نظريا ولا حتى من الناحية العلمية .
قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) .[1]
إن المسلم يختار بإرادته ، و رغبته كل ما يريد من خير أو شر ، فمن يسير على هدى الرحمن ، فهو بخير هو ومن معه فلا يضلوا ولا يشقوا أبداً .
ومن يعرض عن الله و منهاجه ، فإنه سيعيش حياة شقية ، تعيسة هو من يتبعه في اعتقاده و منهجه .
قال تعالى : ( قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) .[2]
فالإسلام يرى أن الإنسان مكرم بكل شيء بالخلق ، و الخليقة ؛ و العبودية لله الواحد الأحد ، و بتسخير الله تعالى كل شيء قد خلقه لخدمته ورعايته .
قال تعالى : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا ) [3].
أما حقوق الإنسان في الفكر الغربي ، فإنها حق طبيعي ، ينبع من السيادة المطلقة للإنسان ، و الذي لا تعلوه سيادة وفق اعتقاد هذا الفكر .
ونتيجة لهذه النظرية كان هناك آثار خطيرة على الإنسان بمجمله ، فحين تكون الحقوق و الواجبات نابعة من الطبيعة ، فاستغلت الرأسمالية الغربية هذه النظرية لخدمتها فأفنت شعوبا كاملة لاستغلالها ، و استعمارها بهدف تمكين الشعوب الغربية من الاستمتاع بحقوقها الطبيعية بأقصى ما يمكنها من الحرب و الإبادة كما حصل في أفغانستان ، و العراق ، و الصومال ، و غيرهم كثير .
 
أما حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية :
فهي هبة من الله تعالى للإنسان ، مما يجعل أن هذه الحقوق منوطة بالمفهوم الشرعي لها ، و ليست خاضعة ، لأي تفسير كائن من كان إلا ضمن الضوابط الشرعية المعتبرة .
لهذا من حق الشعوب إزالة الظلم السياسي ، و إزالة أي قانون بشري مهما سمي أو أطلق عليه مصطلحات مزخرفة ، لعدم جواز العبودية لغير الله تعالى ، أو الخضوع لغير شرعه الحكيم ، و يكون لكل إنسان مهما كان أن يعيش حياة كريمة ، و على نفقة بيت مال المسلمين حتى يتمكن من العيش الكريم بناء على جهده و عمله .
لهذا فإن الحقوق الإنسان الشرعية شمولية لكل البشر مهما كان عرقهم ، أو معتقدهم ، فحين يختار الإنسان عقيدته بإرادته ، و يمارس أعماله وفقها ، فإنه يحدد لنفسه حقوقا ، و واجبات في مجتمعه المسلم الذي ينتسب إليه .
 
أما في الفكر الغربي :
فإن حقوق الإنسان ارتبطت بالحرية الفردية للإنسان الغربي فقط مما أدت إلى جعل هذه الحقوق للإنسان الغربي ، و ليست حقوقا لكل البشر ، و إن ادعى الغرب و من يمثل ثقافته غير ذلك ، لأن الواقع قد أثبت ، و برهن على ذلك  .
 
أما حقوق الإنسان الشرعية :
فهي حقوق شمولية لكل البشر بغض النظر عن عرقه ، أو لونه ، أو مكانه الجغرافي .
قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) [4].
 
أما بالنسبة للتكييف القانون لحقوق الإنسان :

إن حقوق الإنسان في الفكر الغربي يرتبط بمبدأ الحرية ، وجعل من مسؤولية الدولة حماية الحريات دون رعاية الشؤون مما يجعل هذه الحقوق نظرية لا واقعية ، ثم وضع تشريعات لخدمة رجالات الرأسماليين ، و طبقتهم فقط دون مراعاة حقوق سائر أفراد المجتمع .
 
لذلك نرى هذه التشريعات ، و القوانين تتيح للفرد مزاولة كل ما يحقق رغباته ، وحقوقه – وفق مفهومه - دون قيد أو شرط من دين ، أو خلق قويم ، أو عرف صحيح .
و بهذا أبيحت العلاقات الجنسية دون ضوابط معتبرة كما أبيح الإلحاد بغض النظر عما يرتب ذلك من نتائج كارثية للمجتمع ، و أفراده .
 
أما حقوق الإنسان الشرعية :
فقد كانت واضحة منسجمة مع الفطرة الإنسانية ، و نابعة من المصادر الشرعية المعتبرة ، حيث حددت الحقوق ، و الواجبات ؛ و الأوامر ، و النواهي ، كما حددت الكيفية ، و الضمانات التي يتم بها تأكيد تلك الحقوق ، وإبرازها ، و بين الأداة التي يناط بها إقامتها .
لقد جاءت حقوق الإنسان الشرعية مفصلة تفصيلاً بديعاً ، و بغاية الوضوح ، والبساطة لتلائم عموم الأفراد ، و الجماعات ، و العصور من نحو تحريم القتل إلا بحق ، تحريم الزنا ، حماية الكرامات ، و الأعراض ، و الحريات الخاصة ، تحريم الربا ، والاحتكار ، لضمان حق الكسب ، و الحيلولة دون سيطرة القوي على الضعيف . كما أوجبت على الدولة الشرعية رعاية شؤون الأفراد بكافة عروقهم ؛ و دياناتهم ؛ و مواطنهم لمنع الظلم عنهم ، و بينهم .
كما رتبت الشريعة على المخالفين الذين يعتدون على الحرمات ، و حقوق الغير عقوبات زاجرة تحول دون ضياع تلك الحقوق . كما رتب على السلطان الذي يظهر الكفر البواح نزع الشرعية عنه و عن سلطانه .
و بهذا فإن الشريعة الإسلامية الغراء أظهرت التفصيلات لحقوق الإنسان من الجانب الإيجابي بالتشريع لضمان هذه الحقوق ، و من الجانب السلبي بمنع التجاوزات غير الشرعية .
 
أما من ناحية المقاصد لحقوق الإنسان :

إن غاية حقوق الإنسان الغربية هو التركيز على القيم ، و المبادئ الرأسمالية بكل ما فيها من مزايا و عيوب  ، لأن هذه الحقوق ليست وليدة مبادئ قانونية ثابتة تعالج الواقع الإنساني ، فضلا عن أنها لا تعمل على تحقيق أهداف إنسانية للبشرية عموما بل جاءت لخدمة الغرب و الغربيين فقط .
 
أما عن مقاصد حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية :

إن غاية حقوق الإنسان الشرعية ترتبط بالغاية الكبرى من مقصود التشريع الإسلامي ، ألا و هي تحقيق عبودية الخلق للخالق عز وجل .
قال تعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) ) [5]
كما أن من مقاصد حقوق الإنسان الشرعية حفظ الوجود الإنساني ، و التي حددها ، و بينها علماء  الأصول [6] و التي أطلقوا عليها مصطلح : ( الضروريات ) وفق التفصيلات التالية :
1- حفظ الدين .
2- حفظ العقل .
3- حفظ المال .
4- حفظ العرض .
فضلا عن حفظ الحاجيات ، و هي جميع أحكام العلاقات الإنسانية .
و أخيرا حفظ التحسينات من مكارم الأخلاق ، و محاسن العادات ، و التقاليد .
و بهذا المقال يتبين لنا الاختلاف الجذري من حقوق التصور ، و التنظيم ،    والممارسة لحقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية ، و الفكر الغربي مما يعطينا دفعة للأمام بأننا  فعلا كنا ، و ما زلنا خير أمة أخرجت للناس إذا عدنا إلى هدى ديننا القويم .
قال تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ) [7]0
وبعد كل ما بينت و بينت بما يوافق المقام والمقال يتبين لنا عظمة هذه الشريعة ، والتي تبرهن يوما بعد يوم و جيلا بعد جيل مدى عظمتها و قدرتها على مواجهة مشاكلنا و تحقيق آمالنا و علاج آلامنا .
 
لذلك الواجب على المشتغلين بالشريعة ، و القانون ، و حقوق الإنسان أفرادا ، ومنظمات أهلية ،  أو حكومية الاهتمام الحقيقي بالشريعة الإسلامية ، و حقوق الإنسان الشرعية ، لأنها فيها تحقيق سعادتنا في الدنيا ، و الآخرة ، و فيها عزتنا ، وكرامتنا لنكون من جديد خير أمة أخرجت للناس فنقيم العدل ، و نوزع الخير ، والرحمة بين البشر كل البشر .
و الحمد لله رب العالمين


المحامي الدكتور مسلم اليوسف
abokotaiba@hotmail.com
 
 

-------------------------------
[1] - سورة الحجرات ، الآية 13 .
[2] - سورة طه ، الآية 123-124.
[3] - سورة الإسراء ، الآية 70 .
[4] - سورة الحجرات ، الآية 13 .
[5] - سورة الذاريات ، الآية 56- 57- 58 .
[6] - انظر الموافقات في أصول الشريعة للشاطبي .
[7] - سورة آل عمران ، الآية 109.

خاص
بموقع
الحملة العالمية لمقاومة العدوان
http://ar.qawim.net
 

مسلم اليوسف
  • بحوث علمية
  • بحوث نسائية
  • مقالات ورسائل
  • فتاوى واستشارات
  • الصفحة الرئيسية