اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/motaibi/6.htm?print_it=1

دمعة على أسوار قبرص..،صيحة نذير إلى بلاد الحرمين

محمد بن مشعل العتيبي
‏@mohamadmeshal

 
بسم الله الرحمن الرحيم


عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال : لما فتحت قبرص فُرِّق بين أهلها فبكى بعضهم إلى بعض، فرأيت أبا الدرداء جالساً وحده يبكي فقلت : (يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله ؟) فقال : (ويحك ياجبير ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لها الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى).


أيها الأحبة في الله :
تأملوا معي هذه القصة:
أليست تدل على معنى دقيق كم نحن بحاجة إليه في هذا الزمن الملبد بغيوم الفتن وعواصف المحن !

أيها الأحبة إن دموع أبي الدرداء رضي الله عنه التي ذرفها على أسوار قبرص إنما هي رسالة لنا كي لانذرف الدموع وراء الدموع على أسوار بلادنا الغالية.


فالقوم رغم تقدمهم في زمنهم ذاك ، ورغم عدتهم وعتادهم ، ورغم خيراتهم وإمكاناتهم ، رغم كل ذلك جرت عليهم سنة الله الجارية التي لاتتبدل ولاتتغير بأن سلط الله عليهم غيرهم ، وسلب منهم عزهم ومجدهم، فذرفوا الدموع على أسوار مدينتهم.

وقد فهم الصحابي الجليل هذا الدرس ، فكانت عبرة له ،وكانت عبرة لنا من بعده ، هذه أمة كاملة ، ودولة قائمة ، وحضارة بادية ، قد زالت واختفت ،كأن لم تكن.

تأملوا الأندلس التي بكينا عليها ثم نسيناها ، كيف قامت ، ثم كيف زالت؟
تأملوا التتار عندما تسلطوا على ديار المسلمين فجاسوا خلال الديار، ويتموا الأطفال، وفضوا الأبكار ، وقتلوا الرجال، ودمروا البنيان !
تأملوا الحروب الصليبية كيف كان عباد الصليب يسرحون ويمرحون في ديار المسلمين ، قد استباحوها !


تأملوا ،
وتأملوا،
وتأملوا،
لكن كل ذلك كان نتيجة ماذا؟
إنه نتيجة البعد عن الله عز وجل.
إنه نتيجة عصيان الله عز وجل.
إنه نتيجة تعطيل شريعة الله في الأرض ، ومحاربتها ،ومحاربة أهلها.
إنه نتيجة المنكرات ، وسكوت أهل الحق عن إنكارها.

ومن تأمل تاريخ النكبات التي حلت بالعالم الإسلامي ثم تأمل واقع المجتمعات وقت تلك النكبات لوجد أنها في بعد شديد عن الله عز وجل ، وفي ضعف شديد.
ومن قرأ تاريخ المسلمين أيام سقوط الأندلس ، وأيام الحروب الصليبية ، وأيام سقوط الدولة العثمانية ، بل وأيام سقوط فلسطين عندما كانت تغني أم كلثوم للقدس ، من تأمل الواقع تلك الأزمان ،عرف أن ماحصل من بلاء كان بسبب العصيان ، والبعد عن الواحد الديان.


واليوم تأملوا واقعنا:
تأملوا : الشريعة التي تحارب وتقصى في أكثر من ميدان ، والربا المنتشر وقد مات النكير، وتسلط أهل النفاق وسعيهم الشديد الحثيث في محاربة الشرع وأهله وفي تعرية المرأة..الخ من صنوف الفساد والإفساد في مقابل سكوت مخيف من العلماء إلا من أصوات محدودة تسعى وتسعى ولكن...!
أليس من حقنا أن نخاف أن يأتي يوم نبكي فيه على أسوارنا؟

أحبتي تأملوا في قول الله عز وجل:
}وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ{
ثم تأملوا في هذه الكلمات التي سطرها أروع جيل:
قال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: (إنكم لا تغلبون الناس بكثرة عددكم ولا عدّتكم، إنما تنصرون بطاعتكم ومعصيتهم فإذا تساويتم في المعصية كانت الغلبة للأقوى).
وقال خالد بن الوليد رضي الله عنه حين سمع أحد جنوده يقول: (ما أكثر الروم وأقل المسلمين) بل قل: (ما أقل الروم وأكثر المسلمين ، إنهم يقلون بالمعصية ويكثرون بالطاعة والإيمان).
وعندما مر صلاح الدين على خيمة فيها بعض جنوده نائمين وقد تركوا قيام الليل قال رحمه الله:( من هاهنا تأتي الهزيمة).

وأختم بجزء من رسالة باكية من من ناصح مشفق – وهو أحد علماء الجزائر - على هذه البلاد و ما لاح فيها للأفق من بوادر ذل وبعد عن هذا الدين فتأملوها:(الحمد لله ربالعالمين العليم الحكيم القائل: } لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه**، والصلاة و السلام على رسول الله و آله و أزواجه الطيبين الطاهرين الذين أمرهم اللهفقال لهم: } واذكرن ما يتلى في بيوتكن من ءايات الله و الحكمة**، و بعد:يا منولّاكم الله أمر المسلمين في بلاد الحرمين في السعودية، صانها الله من كل سوء ، منعلماء و أمراء .. سلام عليكميا أهلنا في قلعة التوحيد.. سلام عليكميا أهلنافي حصن العفة و الطهر.. سلام عليكميا من أنعم الله عليكم بالإسلام دينا.. سلامعليكميا من أنعم الله عليكم بالقرآن العظيم و السنة الحكيمة تتحاكمون إليهما.. سلام عليكميا من أنعم الله عليكم بأفضل البقاع.. سلام عليكميا من أنعمالله عليكم بأن وطأت قدما رسول الله تلك الأرض الطيبة.. سلام عليكميا من أنعمالله عليكم بالأمن و الإيمان.. سلام عليكميا من أنعم الله عليكم بالرزق من غيرحول منكم و لا قوة.. سلام عليكميا أحفاد الصحابة الطيبين و يا أحفاد محمد بنعبد الوهاب المباركين.. سلام عليكمأقول لكم كما قال ربنا لمن سبقنا من الصحابةو لمن سبقهم من الأمم في غير ما موضع من القرءان : } اذكروا نعمة الله عليكم**، واشكروه عليها يزدكم، فإن من أعظم ما تحفظ به النعم ذكرها و شكرها، ولا تغفلوا عماأنتم فيه من النعمة فتنكروها فيتغير حالكم :} ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمهاعلى قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم**
ألا فاعلموا أن منزلتكم عندنا، وأحسب أنها أيضاعند غيرنا، منزلة شامخة؛ هل تعلمون أن في فترة من الفترات كان طائفة منا يصومونرمضان لصيامكم ، و يفطرون لفطركم ، و ما ذلك إلا ثقة فيكم. هل تعلمون أن كثيرا مناإن أراد أن يتحدث عن تطبيق الإسلام فإنما يستشهد بما رآه في بلدكم من خير، وما ذلكلحسن ظن بكم. هل تعلمون أن خلقا كثيرا يذودون عنكم و ما ذلك إلا حبا لكم. هل تعلمونأن الأمة لو خُيّرت بين من يحكمها و بينكم لاختارتكم و ما اختيارها لكم إلا لظنهاأنكم تقيمون كتاب الله فيها.
فالله الله.. لا تفتحوا أبواب الشر و الردى عليكمبمخالفة شرع الله الحكيم:} فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهمعذاب أليم**، و اعلموا أن سنن الله لا تحابي أحدا...).

وبهذه الرسالة الباكية من الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله لهذه البلاد :
قال رحمه الله:

(يا سادة إن السيل إذا انطلق دمر البلاد، وأهلك العباد، ولكن إنأقمنا في وجهه سداً، وجعلنا لهذا السد أبواباً نفتحها ونغلقها، صار ماء السيل خيراًونفع وأفاد.وسيلالفساد، المتمثل في العنصر الاجتماعي، مر على مصر من خمسين سنة وعلى الشام من خمسوعشرين أو ثلاثين، وقد وصل إليكم الآن ( يعني: المملكة ) ، فلا تقولوا : نحن فيمنجاة منه ..ولا تقولوا: نأوي إلى جبل يعصمنا منالماءولا تغتروا بما أنتمعليه من بقايا الخير الذي لا يزال كثيراً فيكمولا بالحجاب الذي لا يزال الغالب علىنسائكمفلقد كنا في الشاممثلكم ـ إي والله ـ وكنا نحسب أننا في مأمن من هذا السيل لقد أضربت متاجر دمشق منثلاثين سنة أو أكثر قليلاً وأغلقت كلها، وخرجت مظاهرات الغضب والاحتجاج ؛ لأن مديرةالمدرسة الثانوية، مشت سافرة ـ إي والله ـ فاذهبوا الآن فانظروا حال الشام !!- دعوني أقل لكم كلمة الحق، فإنالساكت عن الحق شيطان أخرس، إن المرأة في جهات كثير ة من المملكة، قريب وضعها منوضع المرأة المصرية يوم ألف قاسم أمين كتاب تحرير المرأة فلا يدع العلماء مجالاًلقاسم جديد .... لقد نالوا منا جميعاً، لم ينج منهم تماماً قطر من أقطارالمسلمين.إنه لا يستطيعأحد منا أن يقول إن حال نسائه اليوم، كما كانت حالهن قبل أربعين أو ثلاثينسنة.ولكن الإصابات كمايقال، ليست على درجة واحدة، فمن هذه الأقطار ما شمل السفور والحسور نساءه جميعاً،أو الكثرة الكاثرة منهن، ومنها ما ظهر فيه واستعلن وإن لم يعمّ ولم يشمل، ومنها مابدأ يقرع بابه ، ويهم بالدخول، أو قد وضع رجله في دهليز الدار كهذه المملكة، ولاسيما جهات نجد وأعالي الحجاز.فإذا كان علينا مقاومة المرض الذي استشرى، فإن عملكم أسهل وهو التوقيوأخذ ( اللقاح ) الذي يمنع العدوى).


أسأل الله عز وجل أن يصلح الأحوال ، وأن يدحر أهل الزيغ والضلال وأن يحفظ هذه البلاد من شر كل ذي شر.

ولست بهذه الكلمات مثبطا،
ولا يائسا،
بل محذرا ،
منبها،
هاتفا ببني قومي،
وإلا فالخير موجود ،
ولاشك أن مع العسر يسرا ،
ومع الصبر نصرا،
والفجر الكاذب يعقبه الفجر الصادق ،
والآلام محاضن الآمال ،
وشمس الحق ونور الهدى ، لايمكن أبدا أن تحجب بغربال الزيغ والضلال.
وإنما نحتاج إلى أن:
نرفع الراية ، لندرك الغاية ،
ونوقد الشمعة ، لننير الظلمة ،


فيا ابن الإسلام:

إن لم تكن أنت للحق ، فمن يكون ؟!


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 

محمد  العتيبي
  • مقالات
  • الصفحة الرئيسية