صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الطفل والمسؤولية

مبارك عامر بقنه

 
المسؤولية هي سلوك يكتسبه الطفل ويتعلمه من والديه ومن مجتمعه ومن الحياة برمتها. فدور الوالدين هو منحهم هذا السلوك وتربيتهم عليه معرفياً وعملياً، فليست العملية تلقينية بحتة وإنما لابد أن يصاحبها سلوكاً نموذجاً، يتعلم منه الطفل كيف يدير وقته ويحافظ على ماله ويتحكم في أفعاله وأقواله. والطفل بحاجة لمن يبني فيه الشعور بالمسؤولية مبكراً، لذا من المهم أن نمنح أطفالنا الشعور بالمسؤولية في السنين المبكرة من أعمارهم، فكلما شعر الطفل أنه مسؤول عن تصرفاته وأفعاله ولو في بعض القضايا فإن ذلك يمنحه القدرة في التعامل مع الأمور بفعالية أكبر. وكلما تأخر إحساس الطفل بالمسؤولية كلما كان بناء ذلك أصعب وأشد. ولن يكون قادراً في المستقبل على تحقيق انجازات رائعة ما لم يشعر بالمسؤولية. وهناك وسائل تساعد المرء في تحقيق المسؤولية لدى الطفل وأذكر هنا بعض منها.

دعه يعمل، نخطئ كثيراً عندما نمنع أبنائنا من أن يشاركوننا في تأدية بعض الأعمال. فنحن بذلك لا نبني فيهم المسؤولية والثقة، وهناك أعمالاً بسيطة يستطيع الطفل تأديتها ويشعر معها بالمسؤولية فيمكنه تنظيم سريره وترتيب ألعابه وشراء بعض الحاجيات البسيطة وغير ذلك من الأشياء البسيطة التي تبني فيه المسؤولية؛ ولكن المهم في الأمر أن يكون ذلك على شكل عمل منتظم ودائم فلا يرتب يوما ويهمل أسبوعا ؛ إذ بذلك يتعلم الفوضى والإهمال دون المسؤولية.

عامله باحترام، لقد أسس لنا الشرع قاعدة ذهبية في التعامل مع الآخرين "أحب لأخيك ما تحب لنفسك" ومن ذلك تعاملك مع ابنك لابد أن يكون فيه احترام لشخصيته وكينونته وإن كان طفلا، ولك أن تتأمل ما رواه مسلم عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- « أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام ، وعن يساره أشياخ، فقال للغلام : أتأذن لي أن أعطي هؤلاء ؟ فقال الغلام : لا والله لا أوثر بنصيبي منك أحداً » فلم يستهين به صلى الله عليه وسلم لصغر سنه بل احترمه وقدره وعامله كرجل وبهذه المعاملة الراقية نشأ جيلاً قادراً على تحمل المسؤولية. ولا تجعل الاحترام والتقدير يقتصر على تعاملك مع ابنك؛ بل لابد أن يرى الابن والديه كيف يتعاملان مع الآخرين باحترام وتقدير فيتعلم أن هذه هي طبيعة العلاقات بين الناس. وعندما يرى الابن والديه كيف يختلفان مع الآخرين ومع ذلك يحترمونهم فإنه يتعلم ـ أيضاً ـ أن الاختلاف لا يمنع الاحترام والتقدير للآخرين.

الانضباط ضرورة، فلا يمكن لشخص فوضوي في حياته أن يحقق نجاحاً بل هو إلى الفشل والإخفاق أقرب، والفوضوي لا يشعر بالمسؤولية لذا لا يتقيد بشيء. وعندما يتربى الطفل على الانضباط فإنه يعزز في نفسه المسؤولية ، ونحن نعلم أن أي عمل ناجح يعتمد بدرجة عالية على مقدار الالتزام والانضباط بقواعد العمل. اخبر طفلك وعلمه كيف ينضبط ودربه على الالتزام ببعض القواعد التي تناسب مع عمره فهذا يجعله يشعر بالمسؤولية وأن تفريطه في هذه القواعد يعني التعثر.
اجعله يهتم بالآخرين، علم طفلك أن يشارك الآخرين في أشياءه وألعابه، ويتعامل بلطف معهم ويشاركهم بمشاعره فهو لا يعيش وحده وإنما هو فرد من المجتمع يتأثر ويحزن لما يصيب الآخرين من آلام. فشعوره بالآخرين يعزز فيه المسؤولية ويدفعه للمساهمة في بناء المجتمع. ومشاركته مع الآخرين ستظهر هناك أخطاء فدعه يتعامل مع أخطائه بصورة طبيعية إذ تدخلك مباشرة ووضع حلا له يعني أنه غير مسؤول.

وافقه على بعض خياراته، لنبتعد عن الفرض والسيطرة الدائمة لأننا بذلك نحرمه من أن يتعلم كيف يتخذ القرار وهو تحت مظلتنا. وفي الحياة مساحات كثيرة فيها خيارات متعددة ليس لها تأثير كبير على الطفل فمن المناسب أن ندعه يتعلم كيف يختار من بينها، ومن الأفضل في بعض الأحيان أن نعمل كمرشدين وناصحين فهذا يساعد الطفل أن يتخذ القرار المناسب ويشعر بمسؤوليته في اتخاذ القرار.

ليقدر العمل، لابد أن يرى الابن أن والداه يحترمان ويقدران العمل، ولابد أن يظهرا ذلك لأبنائهم ، فعندما نظهر لأبنائنا تضجرنا من العمل والملل فلا نستغرب إذا تضجر الأبناء من العمل وأصبحوا غير قادرين على الإنجاز فهم بذلك يفعلون كما نفعل. ادفع أبنك إلى العمل مع ما يتناسب مع قدراته فلا تكلفه ملا يطيق. فمما جعل بعض الشباب يترك العمل ولا يتحمل مسؤوليته أنه لم يتربى عليه منذ الصغر فهو فقط يعيش مع كتابه وألعابه حتى إذا بلغ أشده وكُلِف بالعمل أُصيب بالملل والضجر وبالتالي الإهمال أو الترك.

حدثه عن المسؤولية، يتعلم الطفل المسؤولية من خلال كلماتنا وأفعالنا، فحدثه عن المسؤولية، أروي له القصص، أرسل له رسائل معينه تتجه إلى أعماقه، ابحث له عن قصص جميلة تحوي معاني سامية كالوفاء والصدق وحب البذل والإنفاق ومساعدة الآخرين وغيرها من الصفات الجميلة والتي مجموعها تعطي الطفل الشعور بالمسؤولية. والله أعلم.

للتواصل: mubarak200@hotmail.com

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

مبارك عامر بقنه

  • مقالات شرعية
  • مقالات تربوية
  • مقالات فكرية
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية