اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/mubarak/49.htm?print_it=1

لماذا نقرأ؟

مبارك عامر بقنه
@M_BU200


يرحَل الإنسانُ من بلدٍ لآخر ويدفع أموالًا، ويبذل أوقاتًا ليقتني كتبًا، لِمَ كل هذا؟ هل يستحقُّ الكتاب كلَّ هذا؟ وخصوصًا في هذا الزمن الذي أصبحَت فيه الكتب متوفرة في الشبكة العنكبوتية؟

الحقيقة أنَّ للقراءة واقتِناء الكتب لذَّةً ومتعة كمتعة السَّفر والتنزُّه؛ بل هي أجمل بكثيرٍ من ذلك لمن تمرَّس بالقراءةَ وعاش فترة مع الكتب؛ فالقراءة فيها استِثارة للذِّهن، فهي تجعل الذهن في حالةٍ نشِطة؛ إذ جمال القراءة أنَّها تتعامل مع الجزء المميَّز للإنسان؛ مع عقلِه، تستثيره وتحفِّزه، تقلِقُه حينًا وتُقرُّه حينًا، ومتعة الاستِثارة الذهنيَّة لا يعلوها متعة.

القراءة في هذا الزَّمن الصَّعب تقلِّل من ضغط وجهد المرء الذي يواجِهه في حياته؛ فالحياة اليومية مرهِقةٌ بأعمالها وارتباطاتها، فينزع المرءُ للكتاب ليخفِّف من هذا الضَّغط الذي يشعرُ به؛ فرواية ماتِعة تنقلك لعالَمٍ آخر ينسيك لحظات الشدِّ التي تمرُّ بها، وكتابٌ علميٌّ يجعلك في اندِهاش وتساؤل يشتِّت لحظات الضغط التي حلَّت بك، وكتاب في الرِّقاق يزهِّدك في الحياة فلا ترى الحياةَ شيئًا، فهذا هو جمال الكِتاب أنَّه يطرد ويزيل الشدَّ النفسي اليومي.

القراءة تقدِّم لك المعرفة، فلا زال الكتاب هو أفضلَ سبيل لنيل المعرفة، وبقدر ما تزداد معرفتُك تكون أقدرَ على فهم كثيرٍ من القضايا، وأقدر على مواجهَة مشاكل الحياة، فالقراءة تمنحك قوَّةً معرفية يثمر عنها إزالة الجهل الذَّاتي، المعرفة التي تحصل عليها هي سلاحٌ تواجه به تحدِّيات الحياة، فالمعرفة قوَّة، كلُّ شيء قد يُسلَب منك إلَّا معرفتك؛ فهي ملكٌ خاص لا ينتزع منك إلَّا حين تفقد قواكَ العقلية.

القراءة تخرِجك من عالَمك المحدود الصَّغير إلى عالم واسِع كبير للغاية؛ فالكتاب ربَّما يأخذك في رحلةٍ كونيَّة فتسير بين الكواكب والنجوم، أو يأخذك في عالَمٍ صغير للغاية لا يدرِكه بصرك المجرَّد فتنتقل بين الذرَّات تجوب في عالم النواةِ ومكوِّناتها، أو ينقلك إلى عالمٍ من الخيال لا صِلة له بواقعك، أو يبعدك عن المحسوسات فيَنقلك للمعاني والتصوُّرات، فعالَم القراءة عالمٌ واسِع جدًّا، وكلُّ كتاب رحلة مميزة.

حين تقرأ كتابًا فأنت تزيد من قدراتك الذِّهنيَّة، فتزداد لديك مهارات التحليل والتركيب، وتخزين المعلومات تَنشط، فالعقل عضَلَة تنفعِل وتزدهِر وتنمو بكثرة الاستِعمال، وتذبل وتضعف عند تركِ استعمالها، وقد قيل: إنَّ القرَّاء أقلُّ النَّاس إصابةً بالزَّهايمر؛ لأنَّ الذِّهن لديهم في حالة عمَل مستمرٍّ، فمستوى الانتِباه يكون حاضرًا حالَ القراءة، والقراءة تزيد وتقوِّي التركيز، وهذا يجعل الإنسان أكثر قدرة على الاستيعاب.

العالم مليءٌ بالأحداث والقضايا، والتَّجاربِ والعقائد، والقارئ يَكتشف العالَمَ الإنساني الذي يحيط به، فيقرأ ليعرفَ عقائدَ النَّاس وقِيَمَهم، ولكي يثقِّف ذاته، ولا يمكن للمرء أن يقدِّم رسالته ما لم يقرأ ويتعمَّق في القراءة، وكلَّما قرأنا كنَّا أقدر على مواجهة الباطِل ودفْعِه، فالقراءة تكشف سبيلَ المجرمين، والمرءُ إذا جَهِل الباطِلَ يوشك أن يقَع فيه، وفي حديث حذيفةَ أنَّه كان يسأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن الشرِّ، ويعلِّل ذلك قائلًا: ((وكنتُ أسأله عن الشرِّ مخافةَ أن يدرِكَني))، فمعرفةُ الباطِل ضرورة كي نتَّقيه.

وأخيرًا:
نحن نقرأ لأنَّنا أمَّةُ "اقْرَأ"، فنقرأ كي نتقرَّب إلى ربِّنا؛ فالعِلم يؤدِّي إلى معرفة الله تعالى، وكلَّما زاد المرء معرفةً بالله تعالى زادَت خشيتُه له: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]، نقرأ لأنَّنا نريد أن نرتفع في درجاتِ الآخرة: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11].

فالقراءة للمسلِم ليسَت فقط مجرَّد تسلية ومتعَة؛ بل هي أعلى من ذلك وأسمى، فهي طريقٌ للجنَّة؛ ((مَن سلَك طريقًا يطلب فيه علمًا سلَكَ اللهُ به طريقًا من طُرق الجنَّة)).
 

مبارك عامر بقنه

  • مقالات شرعية
  • مقالات تربوية
  • مقالات فكرية
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية