صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







هل تحب المدح ؟!

مصلح بن زويد العتيبي
@alzarige

 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


الحمدلله كما حمده الأنبياء والمرسلون والعلماء والصالحون ؛ الحمدلله حمدا دائما لا ينقطع ؛الحمدلله حمدا يليق بجلاله وعظيم سلطانه ؛والصلاة والسلام على إمام الحامدين وخير الشاكرين محمد بن عبدالله النبي الهاشمي الأمين وعلى آله وصحبه والتابعين ؛ أما بعد
فهل تحب المدح ؟

قبل أن تجيب على هذا السؤال تأمل ما جاء في الحديث الصحيح ولله المثلى الأعلى :( ليس أحد أحب إليه المدح من الله عز وجل من أجل ذلك مدح نفسه ).
ثم اعلم أن الله سبحانه مدح أنبيائه ورسله في كتابه في آيات كثيرة .
فمما مدح به ابراهيم الخليل قوله :(إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين) .
ومما مدح به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قوله:(وإنك لعلى خلق عظيم).
وطلب إبراهيم الخليل أن يكون ممدوحا في العالمين فقال :( واجعل لي لسان صدق في الآخرين ).
ومدح نبينا صلى الله عليه وسلم نفسه ومدح أصحابه عامة وخص بعضهم بمدائح خاصة ومدح صلى الله عليه وسلم أزواجه وأحفاده وآل بيته.
ومدح صلى الله عليه وسلم أعمالا من قام بها صار ممدوحا .
وقد مُدح النبي صلى الله عليه وسلم ومُدح الصحابة رضوان الله عليهم .
فلا أحد من الناس يحب الذم وإن كان مذموما فعلا .
بل إن للمدح أثر عجيب على النفوس
فتجد الملك يعجبه مدح آحاد الرعية .
والغني يؤثر فيه مدح الفقير
والرئيس يؤثر فيه مدح المرؤوس .
هذه طبائع نفوس البشر ؛ بل إنه قد يقابلك عامل ضعيف فيثتي عليك فتشعر برضا في نفسك .
حتى إنك ترى الزوجين اللذين يمدح كل منهما صاحبه في هدوء واستقرار وحياة سعيدة .
لكن بعض الناس يخافون من مدح الآخرين ومن سماع المدح ظنا منهم أنه هذا مقصود قول الرسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب " . رواه مسلم .
وما ورد في بعض الآثار عن عمر بن الخطاب:( المدح الذبح ) .
ومن وقف على شروح العلماء لهذا الحديث علم أن المقصود من اتخذ المدح عادة يتكسب به أو يمدح من أجل الدنيا أو يمدح من يخاف عليه الفتنة .
قال الخطابي رحمه الله : المداحون هم الذين اتخذوا مدح الناس عادة وجعلوه بضاعة يستأكلون به الممدوح ويفتنونه ، فأما من مدح الرجل على الفعل الحسن والأمر المحمود يكون منه ترغيباً له في أمثاله وتحريضاً للناس على الاقتداء به في اشباهه فليس بمداح وإن كان قد صار مادحاً بما تكلم به من جميل القول فيه .
انتهى كلامه رحمه الله .

وكل الأحاديث الواردة في النهي عن المدح تدور حول هذا المعنى فيما أعلم .
ومع هذا فإن للمدح خطورة ؛لكن أين خطورة المدح ؟ وكيف يمكن التخلص منها؟
خطورة المدح من وجوه على من يمدح ومن يُمدح وعلى المجتمع .

أولاً : خطر المدح على من يمدح :

فيخشى عليه أن يمدح الناس بما ليس فيهم وأن يتخذ المدح عادة يتكسب به ليس المال فقط بل الجاه والمحبة وغير ذلك من المكاسب المعنوية والمادية .
ويقع له ضرر آخر بأن يستمرئ الكذب في غير المدح ولا يزال كذلك والعياذ بالله حتى
يُكتب عند الله كذابا .
أما إن كان له نية صالحة كما ورد في كلام الشيخ الخطابي رحمه الله فهو مأجور إن شاء الله .

ثانيا : خطر المدح على من يُمدح :

الأول : أن يعمل العمل ابتغاء هذا المدح
فيكون هذا سبب بطلان عمله كله ؛ أما من يعمل العمل لله فيحمده الناس عليه فذلك من عاجل بشرى المؤمن كما صح بذلك الخبر عن أبي القاسم صلى الله عليه وسلم.
الثاني : أن يغتر بنفسه حين يُمدح ويظن أن له فضل في شيء وإنما الفضل لله وحده .
الثالث : أن يكون عمله لله لكنه إذا مُدح زاد نشاطه وإذا لم يُمدح تكاسل وتهاون .

فكيف يتعامل الممدوح مع المدح :

أولا : أن لا يبحث عنه ولا يعمل عمله من أجل سماعه .
ثانيا : أن يقبل على نفسه ويعلم أن الله هو الذي وفقه حتى مدحه الناس ولو شاء حرمه ولو شاء لكشف بعض أستاره عنه فبان من عورات الإنسان وذنوبه ما يجعله محلاً للذم لا للمدح .
إذا فعل هذا لم يكن المدح باب فتنة عليه بل باب شكر لله وخضوع له سبحانه وصار هذا المدح من أسباب الزيادة والريادة له بإذن الله .
ثالثا : خطر المدح على المجتمع
المدح إذا كان بغير حق وليس في محله أضر بالمجتمع فرفع من شأن من ليس لهم أي شأن وأثر على تصورات الناس وأفكارهم ولخبط أوراق الأفضلية والتميز.
أما إذا كان بحق وفي محله فإنه نشر لفضيلة أهل الفضل وتوجيه للناس للاستفادة ممن هم أهل للفائدة .

ختاما : عدم مدحك لمن هو أهل للمدح كمدحك لمن لا يستحق المدح .
فمدح عمل الخير وأهل الخير مع النية الصالحة وأمن الفتنة عمل عظيم والله مُطلع على السرائر ومكنونات الصدور .
وكل عام وأنتم بخير إن شاء الله .

مصلح بن زويد العتيبي
١٤٣٥/٩/١٨هـ .


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
مصلح العتيبي
  • مقالات تربوية
  • كتب وأبحاث
  • قواعد التطوير والسعادة
  • الصفحة الرئيسية