اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/musleh/43.htm?print_it=1

هل تبحث عن الرفعة ؟!

مصلح بن زويد العتيبي
@alzarige

 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


الحمدلله رفع شأن التواضع وتوعد أهل الكبر والغطرسة والصلاة والسلام على من كان التواضع شأنه في كل شأن ؛ في بيته ومع أصحابه بل حتى أمام رسل الإمبراطوريات المتغطرسة في ذلك الوقت
نام على الحصير حتى أثر في جنبه وخير فأختار أن يكون عبدا رسولا ؛ وقال عن نفسه :( بل آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد ) فبأبي هو وأمي وبنفسي وولدي ومالي ؛ بل بالدنيا جميعا ؛فداه منا كل عزيز . أما بعد
فهل تبحث عن الرفعة وتريدها ؟
لاشك أن كل إنسان يريد الرفعة والوجاهة في الناس ؛ وإذا كان طلب هذه الرفعة بإتباع أوامر الله ؛ فلا شك أن هذه رفعة في الدنيا والآخرة ؛ وقد أمتن الله على عيسى عليه السلام وأمه مريم بوجاهة عيسى
قال تعالى :(إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ )
فمن أراد الرفعة فليسأل الله التواضع ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر في الحديث الصحيح الصريح :( ما نقُصتْ صدقةٌ من مالٍ وما زاد اللهُ عبدًا بعفوٍ إلَّا عزًّا وما تواضَع أحدٌ للهِ إلَّا رفعه اللهُ )
وليس التواضع في تعاملك مع خاصتك من أصدقاء وأقارب ؛ فإن هؤلاء ليسوا مقياس التواضع ؛ فالتعالي على هؤلاء ليس تكبراً فقط بل تكبر وحماقة !
التواضع الحقيقي مع الناس الآخرين وبالذات الذين فضلك الله عليهم بشيء معين من علم أو مال أو منصب أوجاه .
فكم من طالب علم متكبر متغطرس لم يزده علمه إلا شرا على نفسه ؟
وكم من صاحب مال لا يرى الناس شيئا ؟
وكم من صاحب جاه مفتون بجاهه وكأنه من كوكب والناس كلهم من كوكب آخر !
بل حتى بعض الفقراء لم يسلم من الكبر ؛ جاء في الحديث :( وعائل مستكبر ).
وفرق بين التواضع الحقيقي وبين تصنع التواضع واستعمال مهارات الذكاء الاجتماعي لإيهام الآخرين بأنه متواضع.
وكما مر في الحديث السابق (وما تواضَع أحدٌ للهِ إلَّا رفعه اللهُ ).
فحتى تتحق الرفعة يجب أن يكون التواضع لله .
والتواضع ضد الكبر ؛ والكبر كما عرفه النبي صلى الله عليه وسلم :( بطر الحق وغمط الناس ).
وبطر الحق : أي رده .
وغمط الناس : أي احتقارهم .
وكما تلاحظ فالأمرين قد لا تكون ظاهرة للناس ؛ فكم من شخص يكره الحق في قلبه ويرده في نفسه ؛ وكم من إنسان يُقلب بصره في الناس وقلبه محتقر لهم والعياذ بالله .
فمن رد الحق واحتقر الناس فهو المتكبر ؛ وهو الذي سيحشر يوم القيامة على هيئة الذر يطؤه الناس سواء أعلن ذلك أم لم يُعلنه.
فإن جاء من لا تحب بالحق فرددته فهذا هو أحد جناحي الكبر .
وكذلك من احتقر الناس في أي شيء وبأي نسبة فهذا هو الجناح الثاني .
ولا يخفى عليكم أنه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر والعياذ بالله .
وليس من الكبر الثوب الحسن والنعل الحسن كما بيّن ذلك سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم .
وما رأيكم في شاب يكره أن يعرف أصحابه أباه ؛ ومن بنت تأنف أن ترى صديقاتها أمها !
أليس هذا من الكبر !
بلى هو من الكبر ؛ لأن الدافع له نوع انتقاص للوالدين ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وليست هذه نهاية الكبر والتواضع بل ترى الرجلين في مستوى واحد من المنصب أو قدر واحد من الثراء وترى أحدهما أكثر رفعة وأعز قدرا ؛ فإذا بحثت وجدته أكثرهما تواضعا ، بل تجد الرجل لا منصب ولا مال ولا علم وتجد له من الجاه في الناس وفي قلوب العالمين مالا يخطر لك على بال ؛ فإذا تأملت حاله وجدته متواضعا ؛فصدق رسولنا صلى الله عليه وسلم :( وما تواضَع أحدٌ للهِ إلَّا رفعه اللهُ ).
خاتمة : الرفعة من أسرار حكمة الله البليغة فأنت تفعل ما قد تظن أنه ينافيها وهو التواضع فتحصل عليها ؛ ولو صدق المتكبر لقال إنه ما تكبر إلا طلبا للرفعة
ولو تواضع لفاز بالرفعة ولسلم من مغبة الكبر في الدنيا والآخرة .
فسبحان من بيّن لنا عجزنا ونقصنا حتى في أقل القليل .
اللهم أجعلني وقارئ هذا المقال وناشره ممن تواضع لك فرفعته .
والسلام عليكم .


مصلح بن زويد العتيبي .
١٤٣٥/٩/٢١ هـ


 

مصلح العتيبي
  • مقالات تربوية
  • كتب وأبحاث
  • قواعد التطوير والسعادة
  • الصفحة الرئيسية