اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/muthna/011.htm?print_it=1

غزوة احد...دروس وعبر
وما النصر إلا من عند الله

مثنى علوان الزيدي


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلله ومن يضلل فلا هاديله، وأشهد أنلا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرًا، أما بعد:
لقد بعث الله نبينا محمداً  على حين فترة من الرسل، والحياة مليئة بظلماء جهالاتها، ودهماء ضلالاتها، فأخذ النبي  ومعه صحبٌ كرامٌ بنشر هذا الدين في الآفاق، فتصدَّى أهل الكفر والعناد لدعوته، وأشهروا الأسياف لمقابلته، فالتقوا في بدر، وتحقق النصر بعون الله، فارتفعت راية الإسلام، وعاد المشركون إلى مكة بالثبور، كلٌّ يبكي قتلاه، ويشكي بلواه، وعظم عليهم المصاب، فعزمت قريش على إعداد العدّة لملاقاة المسلمين، وأمضوا عاماً كاملاً في الاستعداد، فاجتمع جمعهم، واتجه جيشهم إلى المدينة النبوية في شوال من السنة الثالثة للهجرة، ليأخذوا بثأرهم من يوم بدر، ونزلوا عند جبل أحد على شفير الوادي، وكان رجال من المسلمين أسفوا على ما فاتهم من مشهد بدر، فأشاروا على النبي  بالخروج لملاقاتهم، وعزم المسلمون على الخروج إليهم، وبعد أن صلى النبي  بالناس يوم الجمعة دخل بيته، وخرج متهيئاً للقتال، لابساً لأْمة الحرب، وقال: ((ما ينبغي لنبي لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه)) البخاري.
ثم خرج في ألف من الرجال، فلما كانوا بين المدينة وأحد، انخذل عنه عبد الله بن أبيّ -رأس النفاق- بثلث الجيش، فتركهم رسول الله ومضى حتى نزل الشِعب من أحد، في عدوة الوادي إلى الجبل، وجعل ظهره وعسكره إلى أحد، فصار جيش المشركين فاصلاً بين المسلمين وبين المدينة، وجعل على الرُماة خمسين رجلاً، أمّر عليهم عبد الله بن جبير، وأمرهم أن يلزموا مكانهم، وأن لا يفارقوه ولو رأوا الطير تخطفهم، وقال: ((إن رأيتمونا نُقتل فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا نغنم فلا تشركونا)).

فلما كان صبيحة يوم السبت، استعدَّ للقتال واستعدت قريش أيضاً للقتال، المشركون قِوامهم ثلاثة آلاف رجل، فيهم مائتا فارس، يقودهم أبو سفيان، يريدون أن يطفئوا نور الله، وإضلال العباد، والمسلمون سبعمائة رجل، يبتغون النصر أو الشهادة.
وحرّض النبي أصحابه على القتال، وحضَّهم على الصبر والمجالدة، وتقابل الجيشان، وتقارب الجمعان، السيوف مصلتة، والرماح مبرزة، والسهام منتثرة، حزب الرحمن، وحزب الشيطان.

ثم أذن النبي بالقتال، ودنا بعضهم من بعض، وتلاحم الفرسان، وحمي الوطيس، وكانت الديرة للمسلمين، وأنزل الله نصره على المؤمنين، وانكشف المشركون، وسقط لواؤهم، وولوا مدبرين، فلما رأى الرماة هزيمتهم، ظنوا أنه ليس للمشركين رجعة، فنزل من نزل منهم في طلب الغنيمة، وتركوا مكانهم الذي أمرهم رسول الله بحفظه، وذكَّرهم أميـرهم بلزومه، فنزلوا وخلا الثغر، فالتفّ خالد بن الوليـد -وهو على الشرك يومئذ- من وراء جبل الرماة، فقتل العشرة الباقين من الرماة الذين على الجبل، وأصبح جيش المسلمين بين خيالة المشركين من الخلف، وبين مُشاتهم من الأمام، وأحاطوا بالمسلمين، وانهزمت طائفة من المسلمين، وتفرق سائرهم، ووقع القتل فيهم رضي الله عنهم وأرضاهم،وأدرك المشركون الرسول ، فحال دونهم نفر من المسلمين نحوٌ من العشرة، حتى قُتِلوا جميعاً، ثم جالدهم طلحة بن عبيد الله حتى أبعدهم عنه، فَشُلّت يده رضي الله عنه، وتَرَّس أبو دجانة عليه بظهره، والنبال تقع عليه وهو لا يتحرك، وِقايةً لرسول الله ، وصرخ الشيطان بأعلى صوته: إن محمداً قد قُتل، ووقع ذلك في قلوب كثير من المسلمين، وتولى أكثرهم، وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً [الأحزاب:38].
وأقبل الرسول نحو المسلمين، فرأوه واجتمعوا به، ونهضوا معه إلى الشِعب الذي نزل فيه، واستندوا إلى الجبل، وغسل علي بن أبي طالب الدم عن وجه النبي ، وصبّ ماءً على رأسه.
ومال المشركون إلى رحالهم، وفي الأرض أشلاء، وأرواح تُحتضر، وكان هذا كله يوم السبت، ووضعت الحرب أوزارها، حصادها سبعون شهيداً من المسلمين، واثنان وعشرون هالكاً من الكافرين، قتلانا في الجنة، وقتلاهم في النار.
فأحدٌ يا اخوتي نصرٌ لا هزيمة، معركة فَيَّاضةٌ بالعبر والعظات، أحداثها صفحات ناصعة، يتوارثها الأجيال بعد الأجيال، أنزل الله فيها ستين آية في كتابه المبين، كان لها أثر عميق في نفس النبي ، ظل يذكره إلى قُبيل وفاته.

ان اول درس من دروس احد هو ان النصر من عند الله فان شاء نصركم وان شاء خذلكم سبحانه وتعالى ولا نتلفظ بالفاظ الجبناء في اننا لا نملك شيئاً امام طاقة الكفار فلماذا لا يكون الإعداد على قدر الطاقة؟وإن كانت طاقتنا لا تمثل شيئاً أمام القوة الرهيبة التي يمتلكها الأعداء فما العمل؟الإجابة إن النصر لا يكون بالعوامل المادية فقط إلا إذا تساوى الطرفان فإذا تقابل كافر مع كافر ففي هذه الحالة تكن الغلبة للأكثر عدة وعتاداً و الأدق تنظيماً أما إذا تقابل المؤمن مع الكافر فإن الميزان يختلف، ولو كان لكثرة العدد والعتاد دور رئيس في النصر لانتصر المسلمون في يوم حنين حينما بلغوا من الكثرة حتى قال بعضهم لن نغلب اليوم من قلة فماذا حدث؟ قال سبحانه:{لَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ}(3) ولو كان للعدد والعتاد دور في النصر في معركة المؤمنين مع الكافرين لأباد جيش جالوت طالوت ومن معه ولو كان للعدد والعتاد دور في النصر في المعركة لأباد جيش قريش المسلمين في بدر فقد كان يفوقهم ثلاثة أضعاف العدد وقرابة عشرة أضعاف في العتاد،لو كان للعدد والعتاد دور في نصر المؤمنين على الكافرين لما قال الله:{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} ولما حدث للمسلمين ما حدث في أحد لم يرجع الله ذلك إلى قلة عددهم أو ضعف خططهم وإنما أعاد ما أصابهم إلى المعصية وحب الدنيا واستمعوا للعليم الخبير يخبرنا عن ذلك بقوله:{وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}نعم هذه هي القاعدة التي يجب على المؤمنين أن يدركوها وما النصر إلا من عند الله فلا العدد ولا العدة ولا حسن التخطيط والتنظيم تغني وتنصر إن لم ينصر الله{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} فستنتصر أمة الإسلام يوم أن تطبق شريعة الله في حياتها وتطهر نفسها من منكرات فشت فيها.

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه. أما بعد:
أيها المسلمون، الجنة لا تُنال إلا على جسر من المشقة والتعب، والطريق طويل شاقّ حافل بالمتاعب والعقبات، وفي الامتحان بالغلبة والهزيمة ذُلّ وخضوع، يوجب العز والنصر، وهو سبحانه إذا أراد أن يعزَّ عبده كسره أولاً، ومن ثَمَّ تكون رِفْعَته على قدر خضوعه وانكساره لله، وعودته اليه سبحانه وتعالى ندعوا الله بذلك واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

 

مثنى علوان الزيدي
  • مقالات
  • الفقه الميسر
  • صوتيات
  • كتب
  • تراجم
  • لقاءات
  • خطب
  • محاضرات
  • الصفحة الرئيسية