صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







سلسلة اركان الايمان (1) الإيمان بالله تعالى

مثنى الزيدي


الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ،الحمد لله الواحد الاحد الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له كفوا احد رفع السماء بلا عمد وخلق الخلائق فاحصاهم عدد وقسم الارزاق فلم ينس احد ،واشهد ان لا اله الا الله وحده لاشريك له واشهد ان نبينا محمدا خير من صلى وسجد ،وعلى اله وصحبه عدد ما ذكر الله ذاكر وعبد.
اما بعد:
فان اول ما ارد الله تعالى ان يعلمه لنبيه صلى الله عليه وسلم من العلوم هي العقيدة ،فهي اساس كل علم، والاساس هو الاصل الذي يبنى عليه غيره ،فهي اصل ، اصل للعبادة ، اصل للتعامل، اصل للمآل والعاقبة.
لذلك نجد ان الله تعالى عندما انزل الكلمات الاُّوَل ،كانت هذه الكلمات داعية الى العلم، مع انها اول الكلمات ومبدأ العبارات ،قال تعالى: { اقرا باسم ربك الذي خلق } ، بل نجد ان اول كلمة الهية نزلت في القران الكريم هي { اقر } ، ثم ان العجب العجاب في هذه الاية ان الدعوة الى العلم استمرت وتواصلت { اقرا باسم ربك الذي خلق } ثم { اقرا وربك الاكرم } ثم { الذي علم بالقلم } ثم قال سبحانه { علم الانسان مالم يعلم } .
وعن عائشة رضي الله عنه قالت : ( اول ما بدي به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء فكان يلحق بغار حراء فيتحنث فيه - قال والتحنث التعبد - الليالي ذوات العدد قبل أن يرجع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود بمثلها حتى فجئه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال اقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما أنا بقارئ ) قال ( فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ قلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ قلت ما أنا بقارىء فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال { اقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان من علق . اقرأ وربك الأكرم . الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم } ) .
قال الامام ابن كثير في تفسيره : (فاول شيء نزل من القران هذه الايات الكريمات المباركات وهن اول رحمة رحم الله بها العباد واول نعمة انعم الله بها عليهم ثم قال: وان من كرمه تعالى ان علم الانسان مالم يعلم فشرفه وكرمه بالعلم وهو القدر الذي امتاز به ابو البشرية ادم على الملائكة).
ثم تجد ان اول ما اوجب الله على سوله تعلمه هو علم العقيدة التي اشار تعالى اليها في كلمة التوحيد ، وكأنها الرمز الحقيقي الشامل لهذا العلم ، فقال عز وجل : { فاعلم انه لا اله الا الله } محمد19 .
قال سيد طنطاوي في تفسيره : ( فاعلم انه لا اله الا الله واثبت على هذا العلم واعمل بمقتضاه واستمر على هذا العمل).
يقول الشيخ السعدي : ( وهذا العلم الذي امر الله به – وهو علم توحيد الله – فرض عين على كل انسان ،لا يسقط عن احد كائنا من كان ).
ولو سال انسان سؤالا ، كيف لي ان اتعلم العقيدة ؟ فالجواب : ان السبيل الاول لمعرفة ذلك هو بمعرفة اركان الايمان .
فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم كان يحرص حرصا شديدا على ان يعلم اتباعه هذه الاركان ، ولاهمية تعلمها كان الوحي بنفسه يشارك في تعليم اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هذه الاركان .
فعن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِى عَنِ الإِسْلاَمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ وَتُؤْتِىَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً. قَالَ صَدَقْتَ. قَالَ فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قَالَ فَأَخْبِرْنِى عَنِ الإِيمَانِ. قَالَ « أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ». قَالَ صَدَقْتَ. قَالَ فَأَخْبِرْنِى عَنِ الإِحْسَانِ. قَالَ « أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ». قَالَ فَأَخْبِرْنِى عَنِ السَّاعَةِ. قَالَ « مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ ». قَالَ فَأَخْبِرْنِى عَنْ أَمَارَتِهَا. قَالَ « أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِى الْبُنْيَانِ ». قَالَ ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا ثُمَّ قَالَ لِى « يَا عُمَرُ أَتَدْرِى مَنِ السَّائِلُ ». قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ « فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ ».رواه مسلم.
ولاهمية هذه الاركان ، نقف اليوم عند الركن الاول من هذه الاركان وهو الايمان بالله تعالى .
فتعالوا اخوتي نؤمن ساعة ،عسى ان يكتبنا الله من اهل الايمان.
ايها المؤمن ان الايمان : هو الاعتقاد الجازم بان الله رب كل شيء ومليكه وخالقه وانه الذي يستحق وحده ان ينفرد بالعبادة وانه المتصف بصفات الكمال المنزه عن كل نقص.
وهذا الايمان يتضمن توحيد الله تعالى بثلاثة امور وهي:
اولا: توحيد الربوبية ، ومعنى توحيد الربوبية الاعتقاد بان الله رب كل شيء لا رب غيره.
ومعنى رب كل شيء : اي المتفرد وحده بخلق الخلائق ، وملكهم ، وتدبير شؤونهم، لا يشاركه في ذلك احد .
قال تعالى: { ألا له الخلق والأمر } الأعراف:54 .
قال أهل التفسير : ( يخبر تعالى بأنه خلق هذا العالم: سماواته وأرضه، وما بين ذلك في ستة أيام، كما أخبر بذلك في غير ما آية من القرآن، والستة الأيام هي: الأحد، والاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس، والجمعة ، وفيه اجتمع الخلق كله، وفيه خلق آدم، عليه السلام ).
فكلمة (وما بين ذلك) ، يعني (كل شيء مابين السموات والارض).
وهذا النوع من انواع التوحيد افصح القران الكريم عنه افصاحا كبيرا ،لاتكاد تجد سورة الا واشارت الى خلق الله ، وقدرته ، وتدبيره ، سبحانه وتعالى جل شأنه.
ومن الذي يستحق الربوبية سوى الله؟ ، من الذي خلق ورزق ؟ من الذي امات واحيا؟ من الذي ضل وهدى ؟ انه الله وحده لا اله الا هو ، حتى قال الله عنهم : { وما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون } يوسف 106.
حتى اهل الكفر والنفاق اعترفوا بذلك { ولئن سالتهم من خلق السموات والارض ليقولن الله } نعم يقولون انه اللـه تعالى لكنهم يعبدون غيره استكبارا فلم يخرجهم اعترافهم من دائرة الكفر الى الايمان اذ يقتضي ذلك الايمان بكل انواع التوحيد وليس بعضها ، اذ ان توحيد العبد في ربوبيته لايعني انه يوحده في الوهيته.
ثانيا: توحيد الالوهية ، ومعنى هذا النوع من التوحيد ،الاعتقاد الجازم بان الله تعالى هو الإله الحق ،لا اله غيره ،وافراده بالعبادة .
انت ايها العابد ، المؤمن بالالوهية ، تعبد الله وحده ، وتخلص المحبة له ، وكذا الخوف ،والرجاء ،والدعاء ، والتوكل ، والتذلل ،والخضوع ، وكل انواع العبادات.
قال ابن تيمية : (وهذا التوحيد هو الفارق بين الموحدين والمشركين ، وعليه يقع الثواب والجزاء) رسائل الحسنة والسيئة ص261 .
ولو فكرت في كلمة التوحيد ( لا اله الا الله) لوجدت انها مبنية على توحيد الالوهية وانه الاساس فيها ، مما يدل على انه التوحيد المشتمل لكل انواع التوحيد ، ففيها النفي اولا ، نفي الالوهية ، والاثبات ثانيا ، اثبات الالوهية ، واشتملت على الحصر ليفيد انه ما من اله الا الله ، كما قرر القران الكريم فقال : { وما من اله الا الله } ال عمران :63.
فيا لعظم هذه الكلمة ويا لمكانتها في قلب المؤمن ، فلا يستشعر بها الا من ذاق طعمها ووقف عندها ، فان ساحلها عظيم ، وان خيرها عميم ، فهنيئا لمن اقرها ، وامن بها.
فقد بني الاسلام كله على خمس ، لا اله الا الله اولها ، ويدخل العصاة النار فيخرج منها حافظها، ويسعد بشفاعة نبينا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم قائلها .
ومن شرفها ومكانتها وعظمها انها لا تعادل بشيء ولا تقدر بثمن ابد مهما كان هذا الثمن ، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا كل سجل مد البصر ثم يقول له : أتنكر شيئا من هذا ؟ أظلمك كتبتي الحافظون ؟ فيقول : لا يا رب فيقول : أفلك عذر أو حسنة ؟ فيبهت الرجل ويقول : لا يارب فيقول : بلى إن لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم عليك اليوم فيخرج له بطاقة فيها : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فيقول : أحضر وزنك فيقول : يارب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فيقول : إنك لا تظلم قال : فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة يقال : فلا يثقل اسم الله شيء ) رواه ابن حبان وغيره وقال الارنؤوط : إسناده صحيح.
فليعلم المؤمن انه سيسأل عن توحيده لربه في ربوبيته والوهيته .
ثالثا: توحيد الاسماء والصفات ، وهذا هو النوع الثالث من انواع التوحيد ، نعم ايها الاحبة الكرام ، وواجبك تجاه هذا النوع من التوحيد هو الاعتقاد الجازم – الذي لايقبل اي شك – بان الله متصف بجميع صفات الكمال ، منزه عن جميع صفات النقص ، متفرد بذلك عن جميع الكائنات ، واثبات ما اثبته سبحانه لنفسه وما اثبته له نبيه صلى الله عليه وسلم من غير تشبيه بشي من صفات الخلائق لان الله { ليس كمثله شيء } الشورى:11 ، ولا تعطيل بالنفي او العمل ، ولا تكييف بتحديد مكانها او جهتها ، ولا تمثيل { فلا تضربوا لله الامثال } النحل: 74 .
فلا تسأل عما لم يخبرك الله به من الصفات وليكن شعارك : ( الكيف مجهول ، والسؤال عنها بدعة ، والايمان بها واجب).
فلا تصف ربك الا بما وصف به نفسه ، عند هذا تكون من اهل الملة والايمان .
اخوتي في الله هذا هو الايمان بالله ، ليس امرا صعبا، ولا اعتقادا مستحيلا ، وليس شيئا ثقيلا ، وانما ثقلت بعض النفوس عن الايمان بربها ، لانها عمدت على القلوب فحجبتها ، ومدت الى الاذان فصمتها ، وعلى الاعين فعمتها ، فأظلهم الله ، ومن يهدي من اظل الله ؟ .
نسأل الله ان يجعلنا من المهتدين اقول قولي هذا ، واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه انه غفور رحيم.

الخطبـــة الثانية:

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وجنده وبعد:
اعلموا ايها الاحبة الكرام ، ان الايمان اقسام كما قال العلماء : (ايمان عن تقليد وهو الاخذ من قول الشيخ من دون دليل وهذا للعوام ، وايمان عن علم وهو الناشيء عن معرفة العقائد بادلتها وهو لاصحاب الادلة وهذا ما نبغيه منكم ، وايمان عن عيان واصله مراقبة الله في السر والعلن وهذا لاهل المراقبة). تحفة المريد ص 90.
ويا اخي الحبيب اعلم بعد ان امنت بالله تعالى ان لهذا الايمان اثرا عظيما في حياتك لم يشعر به احد ، والاثار لا تكاد تحصى وستستشعرها انت بنفسك شيئا فشيئا ،يوما بعد يوم ،ومنها:
- الراحة النفسية مع الطمأنينة والسكون: اذ تشعر انك عبد لرب واحد ، هذا الرب لا يريد لك الا الخير فلا يامرك الا به ولا ينهاك الا عن الشر ، فمن الذي يعتني بك هكذا ؟ الا يشعرك بالرضا والطمأنينة؟.
- المؤمن شديد الحب لربه فهو على موعد معه : { والذين امنوا اشد حبا لله } البقرة 165 ، فتراه انسانا متدفقا بالطاعات والقربات ، متلذذ بها ، محروم غيره منها.
- العزة والاباء : فمتى نال السابقون العزة؟ وبماذا ؟ انه الايمان ، وصلوا الى صقاع الدنيا ، وملأؤا الارض عدلا وسؤددا ، انه الايمان ، ليس الطائرات ولا البارجات ، ولا الناطحات ، انه الايمان، لان الله وعد اهله وانه لا يخلف الميعاد { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } النور:55 .


سلسلة اركان الايمان 1 الشيخ مثــنى الزيدي القيت في 15/10/2010 / بغداد

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
مثنى علوان الزيدي
  • مقالات
  • الفقه الميسر
  • صوتيات
  • كتب
  • تراجم
  • لقاءات
  • خطب
  • محاضرات
  • الصفحة الرئيسية