اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/muthna/019.htm?print_it=1

سلسلة اركان الايمان (4) الإيمان بالانبياء والرسل عليهم السلام

مثنى الزيدي


ان الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا ، من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ، واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له، واشهد ان محمدا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }النساء1.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً{70} يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً{71}} الاحزاب70-71.
امابعـد: ايها الاحبــة الكرام.
تكلمنا في الجمعة الماضية مع حضراتكم عن الركن الثالث من اركان الايمان ، اما اليوم فنقف عند الركن الرابع من هذه الاركان وهو "الايمان بالانبيـاء والرسل" عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام.
فالايمان بالانبياء والرسل من اركان الايمان ، اي ان من جحد نبيا من الانبياء ،او من كفر بنبي من الانبياء ، او بهم جميعا ، فهو ليس من اهل الايمان.
والنبي - اخوة الايمان - : مشتق من النبأ ، وهو الخبر ، اي ان الله اخبره واوحى اليه ، فهو المخبر عن الله تعالى ، قال تعالى : {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }الحجر49 ، اي اخبر عبادي اني انا الغفور الرحيم ، وقيل انها مشتقة من "النبْوة" ،وهي ما ارتفع من الارض ، اي ان الانبياء ذو قدر ورفعة .
واما الرسول : فمشتق من الارسال،وهو التوجيه ، تقول ارسلت احدا اي وجهته ، {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً }الفتح8 ، والايات الدالة على ذلك كثيرة جدا.
فهذا هو معنى الانبياء والرسل ، ولربما يسأل سائل لماذا لم يسمهم الله تعالى باسم واحد ، وانما اطلق على من يبعثهم ويصطفيهم هذين الاسمين؟ فهل هناك فرق بين النبي والرسول ؟
فالجواب ان بعض العلماء قالوا بوجود الفرق بين النبي والرسول ، فقالوا : ان الرسول هو من اوحي اليه بشرع واُمر بتبليغه ، واما النبي فهو من اوحي اليه ولم يؤمر بالبلاغ .
وهذا ما اشتهر على السنة الكثير من الناس ،والكثير من طلبة العلم ،والكثير من الخطباء والعلماء.
والحقيقة التي تظهر لنا انه لا اختلاف بالتبليغ بين الانبياء والرسل وانما الاختلاف بينهما هو بالشرع المرسل به ، وذلك للادلة التالية:
1- قول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }الحج52
فهذا نص على ان الله ارسل الرسل كما ارسل الانبياء ، فقد عطف النبي على الرسول ، والارسال يقتضي التبليغ .
2- ان كتمان العلم الموحى به من الله هو كتمان للعلم المحرم شرعا وعقلا.
3- قول النبي  صلى الله عليه وسلم  في الحديث الذي اخرجه الشيـخان عن ابن عباس t : ( عرضت عليَّ الأمم ، فجعل يمرُّ النبي معه الرجل ، والنبي معه الرجلان ، والنبي معه الرهط ، والنبي ليس معه أحد ) ، فهذا الحديث الصحيح يدل على ان الانبياء مأمورون بالتبليغ والا فلم يطَالبوا باستصحاب اتباعهم ؟. وهذا من اقوى الادلة على ما نقول "والله اعلم" وهو الذي اختاره البعض من اهل العلم .([1])
قال الآلوسي في تفسيره : ( ان الرسول من اوحي اليه بشرع جديد والنبي هو المبعوث لتقرير شرع من قبله ) ، وهذا الذي يظهر بقوته لانك لو تأملت حديث النبي  صلى الله عليه وسلم  في عدد الانبياء  عليهم السلام  قال ابو ذر: يا رسول الله ، كم المرسلون ؟ قال : ( ثلاثمائة وبضعة عشر جمّاً غفيراً ) وقال مرة : ( خمسة عشر ) ، وفي رواية أبي أمامة ، قال : مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً ، الرُّسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جمّاً غفيراً ) ([2]).
فلو كانوا قد اتوا جميعهم بشرع جديد لوصلت اعداد الشرائع الى الالاف ؟ وهذا يضعِّفه في ان انبياء بني اسرائيل لم يأت الكثير منهم بشريعة جديدة ، وانما اغلبهم اتوا بشريعة موسى ، وحكمهم بالتوراة.
نعم ايها الاحبة الكرام ، فالواجب على المؤمن الايمان بهم جميعا ممن ذكرت اسماؤهم في القران وسنة النبي وممن لم تذكر لنا اسماؤهم ، وليس للمؤمن ان يؤمن ببعضهم ويكفر ببعض فيكون كمن قيل فيهم {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً }النساء150 ، كلا ، الايمان بهم جميعا هو الواجـب ،وكمال الايمان قوله تعالى : {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ }البقرة285.
وان الايمان بالرسل يشعر الطمانينة في القلب ، ويبعث على التوازن بين الدين والدنيا ، ومآل ذلك خيرية الدارين ، وصلاح الامرين " امر الدنيا وامر الاخرة" ، وفساد الايمان بهم ، فساد للروح ولعنة للجسد .
اما رأيتم حال من كفروا بالرسل كيف انحدروا الى اسفل سافلين؟ نعم،،، لقد وصل "العقلانيون" الذين كفروا بمنهج الوحي "الرسل" وامنوا بمنهج العقل في دنياهم وتطورهم الى ما وصلوا اليه ، لكنهم اصلحوا ظاهرهم ، فبقى باطنهم من قبله العذاب ، تفكك وتمزق عائلي ، انحدار وانتحار اخلاقي ، تهالك وتهاوي مجتمعي ، وترى مرض الايدز ينخرهم ، واللواط يأكلهم ، والفساد يؤرقهم ، فهم اجساد من دون ارواح ، "فالهموم النفسية هي سمة العالم المتحضر" ولك ان تفتش بنفسك ، كل هذا لان الوحي فارقهم ، فالعقل اغواهم ، وهذا حال من يستغني عن الرسل.
ماذا يعبد البراهمة؟ وهي فرقة من المجوس تزعم ان العقل يغني عن الوحي ؟ يعبدون البقرة ،بل يقول احد زعمائهم "غاندي" : (انها افضل من امي، فالأمّ الحقيقية ترضعنا مدة عام أو عامين، ولكنّ أمنا البقرة تمنحنا اللبن دائماً).
فالحاجة الى الانبياء والرسل عظيمة يقول شيخ الاسلام رحمه الله تعالى : (... والدنيا مظلمة ملعونة إلا ما طلعت عليه شمس الرسالة ، وكذلك العبد ما لم تشرق في قلبه شمس الرسالة ).
قال الملك  عز وجل  :{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }الشورى52.
فوصف الوحي هنا بوصفين جميلين ، "روحا" و "نورا" ، فكأنه يريد ان يقول : الروح تحيي الابدان والقلوب ، والنور يظيء الطريق والعقول ، فلايمكن للعقل ان يحيى الا مع الروح ،ولا يمكن للروح ان ترقى الا مع العقل ، وان الروح هي الوحي الالهي ليس غيره... فيا لعظيم هذه الايات...
فموقع العقل من الوحي ، انه يعظمه ويرقى بـه ،ويدعوه للتفكيـر والتدبر ، ويحثه على التأمُّل ، وعلى استعمار الارض ، والآيات القرانية مليئة بالدعوة لذلك.
وهذا كله من التوازن بين الوحي والعقل ، بين الدين والدنيـا ، الذي جاء به الاسلام ، واقره مقام النبوة  صلى الله عليه وسلم  فعن أنس t قَالَ : جَاءَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أزْوَاجِ النَّبيّ  صلى الله عليه وسلم  ، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبيّ  صلى الله عليه وسلم ، فَلَمَّا أُخْبِروا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا وَقَالُوا : أَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبيِّ  صلى الله عليه وسلم  وَقدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأخَّرَ ؟ قَالَ أحدُهُم : أمَّا أنا فَأُصَلِّي اللَّيلَ أبداً ،وَقالَ الآخَرُ : وَأَنَا أصُومُ الدَّهْرَ أَبَداً وَلا أُفْطِرُ ،وَقالَ الآخر : وَأَنا أعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أتَزَوَّجُ أبَداً، فجاء رسولُ الله  صلى الله عليه وسلم  إليهم ، فَقَالَ : (( أنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا ؟ أَمَا واللهِ إنِّي لأخْشَاكُمْ للهِ ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ ، لَكِنِّي أصُومُ وَأُفْطِرُ ، وأُصَلِّي وَأَرْقُدُ ، وَأَتَزَوَّجُ النِّساءَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي )) ([3]).
ولهذا قال تعالى : {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }القصص77.
وكان من دعاء النبي  صلى الله عليه وسلم  : (اللهم اصلح لي ديني الذي هو عصمة امري واصلح لي دنياي التي فيها معاشي ).
فنسأل الله ان يجعلنا من السائرين على خطى النبيين والمرسلين ، المؤمنين بهم ، المتبعين لهم ،انه ولي ذلك والقادر عليه.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه ومن والاه وبعد:
قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  : (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب الي الله عز و جل من هذه الأيام يعني أيام العشر قال قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله الا رجلا خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء) ([4]).
 
 
------------------------
[1] - انظــر العقيـــدة في ضوء الكتاب والسنة لعـــمر بن سليمان الاشــقر وتفسير الالوسي (7/157).
[2] - أخرجه الإمام احمد وصححه الألباني في سلسلته.
[3] - مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
[4] - رواه الامام احمد ، وابن حبان ، والترمذي ، وصححه الالباني.



سلسلة اركان الايمان 4 الشيـخ مثــنى الزيدي القيت في 5/11/2010 / بغداد

 

مثنى علوان الزيدي
  • مقالات
  • الفقه الميسر
  • صوتيات
  • كتب
  • تراجم
  • لقاءات
  • خطب
  • محاضرات
  • الصفحة الرئيسية