اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/naseralsaif/65.htm?print_it=1

الدعوة إلى الاعتصام
بكتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ على فهم السلف الصالح

ناصر بن سعيد السيف
@Nabukhallad


 ما يصيب الأمة الإسلامية اليوم من تحزب واختلاف، فأضحت الأمة شيعاً وأحزاباً، يُخَطِّئ بعضُها بعضاً؛ إلا بسبب بعدهم عن المنهج الصحيح، وهو التمسك بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ، والاعتصام بهما، والعمل بهما، ورد التنازع إليهما، فإنَّ السبيل الوحيد لجمع الشمل، وتوحيد الكلمة، هو الرجوع التام للمنهج الصحيح بالاعتماد على كتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ على فهم السلف الصالح -رحمهم الله تعالى-، ففيه العصمة من التفرق والاختلاف، وفيه النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة. ([1])

مفهوم الاعتصام بكتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ: لا شك أن الاعتصام بالكتاب والسنة هو أساس وأصل النجاة في الدنيا والآخرة.

والاعتصام: هو الاستمساك. ([2])
قال الله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [آل عمران: ١٠٣]، والاعتصام بحبل الله تعالى، قيل: الاعتصام بعهد الله تعالى، وقيل: الجماعة، وقيل: القرآن، وقيل: عدم الفرقة. ([3])
والمراد معنى القرآن؛ وذلك كون جميع المعاني الأخرى داخلة فيه؛ ويؤكد ذلك حديث أبو شريح الخزاعي -رضي الله عنه-قال: خرج علينا رسول الله ﷺ فقال: (أبشروا، أبشروا، أليس تشهدون أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟) قالوا: بلى، قال: (إن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا، ولن تهلكوا بعده أبداً). ([4])
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى -مبيناً معنى الاعتصام بكتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ: (وهو تحكيمه دون آراء الرجال ومقاييسهم، ومعقولاتهم، وأذواقهم، وكشوفاتهم، ومواجيدهم، فمن لم يكن كذلك فهو مُنسَّلٌ من هذا الاعتصام، فالدين كله في الاعتصام به وبحبله، علماً وعملاً، وإخلاصاً، واستعانة، ومتابعة، واستمراراً على ذلك إلى يوم القيامة). ([5])

     مفهوم السلف الصالح: إن العامل الزمني المتمثِّل في السبق والتقدّم هو الذي يحدد مدلول كلمة (السلف) في اللغة العربية، ولكنها في اصطلاح العلماء تحمل مدلولاً آخر مضافاً إلى المدلول الزمني، وهو على قسمين، هما:
1. المفهوم الاصطلاحي العام لكلمة (سلف): جاء في كشاف اصطلاحات الفنون أن السلف في الشرع اسم لكل من يُقلد مذهبه الصحيح في الدين ويُتّبع أثره. ([6])
فالمفهوم العام الاصطلاحي لكلمة (سلف) ذكرت حقيقة السلف، وهم المتبعون المقتدى بهم في أمور الدين، وهم الذين على المنهج السوي.
2.  المفهوم الاصطلاحي الخاص لكلمة (سلف): يتجاذب مفهوم السلف اصطلاحاً وصفان، الوصف الزمني والوصف المنهجي، فالمعنى الخاص الدقيق للفظ (السلف) اصطلاحاً يدور حول هذين المفهومين.
- المفهوم الأول (السلفية الزمنية): تطلق على المجموعة المتقدمة من الأمة الإسلامية التي عاشت في فترة تاريخية معينة، وقد حصل خلاف في تحديد هذه الفترة على أقوال، منها:
  ‌أ- قيل: إن المراد بالسلف هم الصحابة فقط، فهو وصف لازم لهم ويختص بهم عن الإطلاق ولا يشاركهم فيه غيرهم. ([7])
 ‌ب- قيل: إن المراد بالسلف عند الإطلاق هم الصحابة والتابعون. ([8])
‌ج- قيل: إن المراد بالسلف هم الصحابة والتابعون، وتابعو التابعين، وهو قول الجمهور. ([9])

والراجح هو قول الجمهور، لأن النصوص تؤيده، فقد مدح النبي ﷺ القرون التي عاش فيها الصحابة والتابعون وتابعو التابعين وشهد لهم بالخيرية، كما في حديث عبدالله بن مسعود –رض الله عنه-أن النبي ﷺ قال: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته). ([10])

-  المفهوم الثاني
(السلفية المنهجية): لا شك أنه قد عاش في القرون الثلاثة المفضلة طوائف خرجت عن منهج السلف كالخوارج والشيعة، فكان لزاماً أن يضاف إلى السبق الزمني: موافقة الكتاب والسنة نصاً وروحاً، فمن خالف رأيه الكتاب والسنة فليس من السلف، وإن عاش بين أظهر الصحابة والتابعين. ([11])
    قال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام –رحمه الله تعالى-في تحديد معنى (السلف): (فإنك كنت تسألني عن الإيمان واختلاف الأمة في استكماله وزيادته ونقصه، وتذكر أنك أحببت معرفة ما عليه أهل السنة من ذلك، وما الحجة على من فارقهم فيه، فإن هذا رحمك الله خطب تكلم فيه السلف في صدر هذه الأمة وتابعيها ومن بعهدهم إلى يومنا هذا). ([12])
فلفظ السلفية، أصبح اصطلاحاً معروفاً يطلق على الرعيل الأول ومن يقتدون بهم في تلقي العلم، وطريقة منهجهم وطبيعة الدعوة إليه، فلم يعد محصوراً في دور تاريخي معين، بل يجب أن يفهم على أنه مدلول مستمر استمرار الحياة. ([13])

من التطبيقات الدعوية في الاعتصام بكتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ على فهم السلف الصالح:

1. ما حصل للصحابة مع رسول الله ﷺ في صلح الحديبية وخلاصة ذلك أن سُهَيل بن عمرو –رضي الله عنه- قال للنبي ﷺ حينما كتب: بسم الله الرحمن الرحيم: اكتب باسمك اللهم، فوافق معه النبي ﷺ على ذلك، ولم يوافق سهيل على كَتْبِ محمد رسول الله، فتنازل النبي ﷺ وأمر أن يكتب محمد بن عبد الله، ومنع سهيل في الصلح أن تكون العمرة في هذا العام، وإنما في العام المقبل، وفي الصلح أن من أسلم من المشركين يردّه المسلمون، ومن جاء من المسلمين إلى المشركين لا يُردُّ، وأوّل من نُفّذ عليه الشرط أبو جندل بن سهيل بن عمرو، فردّه النبي ﷺ بعد محاورة عظيمة، وحينئذٍ غضب الصحابة لذلك حتى قال عمر –رضي الله عنه-للنبي ﷺ: ألستَ نبيَّ الله حقّاً؟ قال: (بلى)، قال: ألسنا على الحق وعدوّنا على الباطل؟ قال: (بلى)، قال: فلمَ نُعطي الدنِيَّةَ في ديننا إذاً؟ قال: (إني رسول الله، ولست أعصيه، وهو ناصري)، قال عمر: فعملت لذلك أعمالاً، فلما فرغ الكتاب أمر النبي ﷺ الناس أن ينحروا ويحلقوا فلم يفعلوا، فدخل على أم سلمة –رضي الله عنها-، فشكا ذلك، فقالت: انحر واحلق، فخرج فنحر، وحلق، فنحر الناس وحلقوا حتى كاد يقتل بعضهم بعضاً.([14])
فحصل بهذا الصلح من المصالح ما الله به عليم، ونزلت سورة الفتح، ودخل في السنة السادسة والسابعة في الإسلام مثل ما كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر، ثم دخل الناس في دين الله أفواجاً بعد الفتح في السنة الثامنة، وهذا ببركة الاعتصام بحبل الله تعالى؛ ولهذا قال سهل بن حنيف: (اتهموا رأيكم، رأيتني يوم أبي جندل لو أستطيع أن أردّ أمر النبي ﷺ لرددته). ([15])

2.  عن حذيفة –رضي الله عنه-قال: (كان الناس يسألون رسول الله ﷺ عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كُنِّا في جاهِلِيَّةٍ وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شرّ؟ قال: (نعم) قلت: هل بعد ذلك الشرّ من خير؟ قال: (نعم وفيه دخن)، قلت: وما دخنه؟ قال: (قوم يستنّون بغير سنتي، ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر). فقلت: هل بعد ذلك الخير من شرّ؟ قال: (نعم دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها). فقلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: (نعم، قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا)، قلت: يا رسول الله، فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)، فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال ﷺ: (فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعضّ على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك). ([16])
قال الإمام النووي – رحمه الله تعالى-: (في حديث حذيفة لزوم جماعة المسلمين، وإمامهم، ووجوب طاعته، وإن فسق، وعمل المعاصي: من أخذ الأموال، وغير ذلك فتجب طاعته في غير معصية، وفيه معجزات لرسول الله ﷺ، وهي هذه الأمور التي أخبر بها، وقد وقعت كلها). ([17])

***

أسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق والسداد، وأن يجعلنا جميعاً من المقبولين،
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


كتبه الفقير إلى عفو ربه القدير
ناصر بن سعيد السيف
    26 رجب 1438 هـ


------------------------------------
(1) انظر: المنهج الصحيح وأثره في الدعوة إلى الله تعالى، حمود الرحيلي، ص184.
(2) انظر: مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني، ص569.
(3) انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، 2/743.
(4) أخرجه ابن حبان، رقم الحديث (122)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.
(5) انظر: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، ابن قيم الجوزية، 3/323.
(6) انظر: كشاف اصطلاحات الفنون، النهانوي، 1/748.
(7) انظر: مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني، ص3-5.
(8) انظر: إلجام العوام عن علم الكلام، الغزالي، ص3.
(9) انظر: درء تعارض العقل والنقل، ابن تيمية، 7/134.
(10) متفق عليه.
(11) انظر: منهج السلف في الوعظ، سليمان العربي بن صفية، ص45.
(12) انظر: الإيمان، القاسم بن سلام، ص9.
(13) انظر: منهج السلف في الوعظ، سليمان العربي بن صفية، ص46.
(14) رواه البخاري، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، رقم الحديث: 2731.
(15) رواه البخاري، كتاب الجزية والموادعة، باب: حدثنا عبدان، رقم الحديث: 3181.
(16) رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب الطيب للجمعة، رقم الحديث: 3606.
(17) انظر: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، الإمام النووي، 12/327.


 

ناصر  السيف
  • كتب
  • مقالات
  • تغريدات
  • فيديوهات
  • الصفحة الرئيسية