صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







ضياع الأمانة من أشراط الساعة

د. ناصر بن سعيد السيف
@Nabukhallad


الأمانة فضيلة من أشرف الفضائل، والعمل بها شرف وكرامة، ومن عِظَمِ شأنِها؛ أنْ عرَضَها الله تعالى على أعظم مخلوقاته، وحملها الإنسان، فقال سبحانه: [إنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً] [الأحزاب: 72].

 وجاء الأمر الإلهي بحفظ الأمانات ورعايتها، فقال سبحانه: [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا] [النساء: 58]، وقال النبي ﷺ: (مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا؛ أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ َخَذَها يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا؛ أَتْلَفَهُ اللَّهُ) ([1])، وقال النبي ﷺ: (أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلاَ تَخُنْ مَنْ خَانَكَ) ([2]).

وتضييع الأمانة علامة من علامات ضعف الإيمان؛ لقول النبي ﷺ: (لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ، وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ) ([3])، بل هي من خصال المنافقين؛ لقول النبي ﷺ: (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ) ([4]).

والأمانة في العبادات أن يقوم بها المسلم مُخلِصاً لله تعالى مُتَّبعاً لسنة رسوله ﷺ، فالمسلم مؤتمنٌ  على الصلوات الخمس من حيث أدائها في وقتها، ولا يؤخرها تكاسلاً ولا تهاوناً، والمسلم مؤتمنٌ على زكاة ماله بإخراجها كما أمر الله تعالى ورسوله ﷺ، والمسلم مؤتمنٌ على صومه وهو سر بينه وبين ربه، والمسلم مؤتمنٌ على الحج بأن يؤدي المناسك على سنة النبي ﷺ، والأمانةُ عامة في معاملة الأخرين بأن يعامِل المسلم الناسَ بما يُحب أن يُعاملوه به من النصح والبيان والحفظ والاحترام.

ومن الأمانات العامة التي يجب تحقيق التقوى فيها: الوظائف بشتى أنواعها والمسؤوليات بِمُختَلف صوَرِها؛ فعَنْ أَبِي ذَرٍّ الغفاري رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي، ثُمَّ قَالَ: (يا أَبَا ذَر إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلاَّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا) ([5]).

وأعظم ما يُؤتمن عليه الإنسان؛ الأموال العامة التي تعود للمسلمين، فقد أوجب الله تعالى حِفظَها كما يحفظ الإنسان مالَه وأشد؛ لقول النبي ﷺ: (مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ، فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ؛ كَانَ غُلُولاً يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ([6])، وفي الوقت ذاته؛ مدَحَ الأمينَ على أموال المسلمين، بقوله ﷺ: (الْخَازِنُ الأَمِينُ الَّذِي يُؤَدِّي مَا أُمِرَ بِهِ طَيِّبَةً نَفْسُهُ؛ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ) ([7]).

وحذّر النبي ﷺ من الغدر بقوله: (لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرْفَعُ لَهُ بِقَدْرِ غَدْرِهِ) ([8])، وفي مقام الذم يقول النبي ﷺ: (إِنَّ اللهَ يُبْغِضُ الْفُحْشَ وَالَتَّفَحُّشَ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُخَوَّنَ الأَمِينُ، وُيؤْتَمَنَ الْخَائِنُ) ([9])، وعدَّ النبي ﷺ ضياع الأمانة من علامات اقتراب الساعة؛ كما في قوله ﷺ: (إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ؛ فَانْتَظِرِ السَّاعَة) قيل: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا، يَا رَسُولَ اللَّه؟ قَالَ: (إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ؛ فَانْتَظِرِ السَّاعَة) ([10]).


كتبه
د. ناصر بن سعيد السيف
غفر الله له ولوالديه وجميع المسلمين
 

-------------------------------------------
([1]) رواه البخاري، رقم الحديث: (2387)، كتاب: (الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس)، باب: (من أخذ أموال الناس يريد أدائها أو إتلافها).
([2]) رواه الترمذي، رقم الحديث: (1264)، كتاب: (البيوع)، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الترمذي.
([3]) رواه أحمد، رقم الحديث: (12383)، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.
([4]) رواه البخاري، رقم الحديث: (33)، كتاب: (الإيمان)، باب: (علامة المنافق).
([5]) رواه مسلم، رقم الحديث: (3312)، كتاب: (الإمارة)، باب: (كراهة الإمارة بغير ضرورة).
([6]) رواه مسلم، رقم الحديث: (3323)، كتاب: (الإمارة)، باب: (تحريم هدايا العمال).
([7]) رواه البخاري، رقم الحديث: (2260)، كتاب: (الإجارة)، باب: (استئجار الرجل الصالح).
([8]) رواه مسلم، رقم الحديث: (3180)، كتاب: (الجهاد والسير)، باب: (تحريم الغدر).
([9]) رواه أحمد، رقم الحديث: (6872)، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع.
([10]) رواه البخاري، رقم الحديث: (6496)، كتاب: (الرقاق)، باب: (رفع الأمانة).

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
ناصر  السيف
  • كتب
  • مقالات
  • تغريدات
  • فيديوهات
  • الصفحة الرئيسية