صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







إلى السادة المدربين: تعالوا إلى كلمة سوا (3)

نبيل بن عبد المجيد النشمي

 
بسم الله الرحمن الرحيم


مرَّ عددٌ من الدُّعاة على قوم يعكفون على دورات لهم في التنمية البشريَّة، فقالوا:
اجعلوا لنا دورات كما لهم دورات، ولم يجدوا مَن يقول لهم: إن هؤلاء مُستَورد ما هم فيه، ومُقَلَّد ما يعملون.

فانطلق نفرٌ منهم أن امشوا واصبروا في البحث عنها،
وغرَّهم بريقُ عباراتها ولمعان مصطلحاتها، وعُذوبة قصصها ورطانة أصحابها، ونسوا أو تناسوا أن ما كل ورمٍ سِمْنَة، ولا كل ما يلمع ذهبًا، وبدؤوا يَدرسون النجاح، كأن لم تكن بينهم وبينه مودة من قبل، وما سبق أن مرَّ عليهم قطُّ، ولا يوجد في أسلافهم من حقَّقه وحصَّله، حتى قال قائلهم: لقد كنَّا في غفلةٍ من هذا وفاتنا خيرٌ كثير!

تفاعل البعض معها وسعى لها سعيه وهو مؤمن بأهميتها؛
لينال حظًّا وافرًا منها ويفوز بالتخصص فيها، فقرأ وسمع وحضر وطار مِن بلد إلى آخر، وجاء بما لم تأتِ به الأوائل من كُتب مترجمة ومحاضرات مُدَبْلَجَة لعلماء الإدارة الغربيين يُبشِّر قومه: إني قد جئتكم من أوروبا بكنزٍ ثمينٍ؛ إني وجدتُ حضارة تقودهم وفيها كلُّ شيءٍ ولها طعم جميل، وسكتَ أو غضَّ الطرف عن أنهم بلا إيمان، أو أنهم يعيشون كالأنعام.

فانتشرت الدورات وأقبل عليها الناس يزفُّون، ومن كلِّ حَدب ينسلون، وعلى ماضيهم يبكون؛ فقد تأخَّروا عن ركب الحضارة؛ ولكنهم على اللحاق مصممون، وعلى الخط سائرون، وبأسباب التحضُّر آخذون.


وجاء قومٌ يمشون على استحياءٍ، فقالوا لهم:
إن الحضارة بلا دين نوع من الجنون، ومصيبتنا أننا بديننا غير متمسكين، ومن السُّنن الكونيَّة أن هذه الأمة لا تقوم لها قائمة إلا بالدين.

فقال بعض أهل التدريب بلسان الحال:
ما نهاكم هؤلاء عن هذه الدورات إلا أن تكونوا عليهم سابقين، أو تكونوا من المتحضرين، وقاسموهم: إنا لكم لمن الناصحين، فادخلوا في أمم قد دخلت من قلبكم من الشرق والغرب في الدورات، كلما دخلت أمةٌ دعت أختها.

وقيل للذين حضروا:
ماذا وجدتم؟ قالوا: خيرًا، للذين حضروا في هذه الدورات ميزة بما حصلوا عليه من تأهيل وحققوا من تدريب، وبدؤوا يُلقون على الناس ما وجدوا ويقصون عليهم ما سمعوا، ويضربون لهم الأمثال من حياة الغرب كأنها المثال.

فلمَّا ذاقوا من تلك الدورات،
بدت لبعضهم سوءتهم أنهم يبحثون عن سراب، أو يدخلون من غير الباب؛ فقد جعلوا من الوسائل غاياتٍ، وبالغوا في نقد الذات وتعظيم الأعداء، وعمَّقوا التعلُّق بالملذات والسعي للمناصب والمكاسب، والحرص على الدنيا وحُب النفس، ومثَلهم مع هذه الدورات كمثل مَن يتعاطى المنشِّطات، فهو يشعر بالنشاط والقوة والنشوة، وأنه سيحقق المعجزات، فما أن ينتهي مفعولها وتذهب نشوتها - وسَرعان ما يكون - فبعضها ما أن تخرج من قاعة التدريب حتى يعود الحال أسوأ مما كان، أو يستمر معه يومًا أو يومين، ومع اللذَّة والنشوة وسكرة العبارات، وربما الابتلاء بالإدمان يصبح ويمسي، يبحث عنها في كلِّ مكان.

فلما أفاق بعضهم، قال:
أين الإيمان؟ فالروح في انحدار، والحضارة تدعوه إلى الجفاف والبعد عن التديُّن والصلاح، يا قومي، أليس منكم رجل رشيد يعيد للأمة وعيها، ويدلها على طريق عِزها، ويذكرها بماضيها؟! فأبناؤها يَتيهون في الأرض يبحثون عن مخرج مما هم فيه، فإذا ما صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب الدورات من الغرب، قال قائلهم: "يا ليتني كنت معهم؛ فأفوز فوزًا عظيمًا".

يا قومي:
هل أدلكم على ما يخرجكم مما أنتم فيه ويذهب عنكم التخلُّف؟
﴿ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِه ﴾ [الأحقاف: 31]، فلن تنفعكم دوراتكم ولا أموالكم ولا شهاداتكم، ما دامت لا ترتبط بدينكم، ولا تنطلق من ثوابتكم.


يا قومي، إن الفرق بيننا وبين الغرب أنهم يريدون الحياة الدنيا وزينتها وهي جنَّتهم،
فلهم أن يسعوا إلى النجاح فيها، والبذل لأَجْل السعادة فيها، ولا يصح منهم عقلاً غير ذلك، ولكننا لا نجاح ولا سعادة ولا فلاح لنا إلا بتمسكنا بديننا وبقوة إيماننا، وإن كُنَّا أفقر أهل الأرض!

يا أهل الدورات،
أفيضوا علينا من معاني الإيمان، وشُدوا على أيدينا في صلتنا بالله، ودرِّبونا على تقوى الله وطاعته، ولكم علينا أن نسود الغرب والشرق؛ فقد وعدنا ربُّنا: ﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾ [محمد: 7]، وستأتي الحضارة إلينا راغمة كما جاءت لأسلافنا، وقد خرجوا من صحراء قاحلة، لكن قلوبهم بالإيمان كانت عامرة.

يا أهل التدريب،
إن أبيتم إلا التدريب، فتعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم: ألا نتغافل عن الانحطاط الأخلاقي في الغرب، وألا نصرف الذهن عن موقفهم من الإسلام والمسلمين، وألا نتخذ بعضهم قدوةً وفي تاريخنا من العظماء العشرات، وفي جميع المجالات، وأن نعزز قِيَمنا بأمثلة من تاريخ أُمَّتنا، وأن نقوِّي الصلة بربِّنا، وألا نعتزُّ بغير ديننا، فإن تولَّوا فاشهدوا بأنَّا متمسكون بمبادئنا، ولا مانع لدينا بأن نستفيد مما عند الآخرين، لكننا لن نجعلهم الأنموذج الذي يجب أن نقتدي به ونحاكيه؛ لأن ما فيهم من تردٍّ أخلاقي وبُعد عن دين الحقِّ كفيل بأن يجعل حياتهم حيوانيَّة، مهما نجحوا في جوانب منها، وهذا سيؤثِّر على أفكارهم وأطروحاتهم ولا شك، وإن لم يظهر الأثر، فإن النتائج ستكون مفزعة وشديدة وإن تأخَّرت؛ ﴿ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ﴾ [غافر: 44].

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
نبيل النشمي
  • مقالات
  • الصفحة الرئيسية