صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







إياكم والفضائيات
توجيهات من حديث: ((إياكم والجلوس في الطرقات))

نبيل بن عبد المجيد النشمي

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحديث
:
عن أبي سعيد الخُدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال
: ((إياكم والجلوسَ في الطُّرقات))، قالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بُدٌّ ، نتحدَّثُ فيها، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فإذا أبيتم إلا الجلوس، فأعطُوا الطريق حقَّه))، قالوا: وما حقُّ الطريقِ يا رسولَ الله؟ قال: ((غَضُّ البصرِ، وكَفُّ الأذى، وردُّ السلام، والأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكَر))؛ مُتَّفق عليه.

1- إن كان ولا بد:

الطريق حقٌّ عام يَجد فيها الناس مكانًا يستريحون فيه، ويَلتقون بعيدًا عن الرسميات والترتيبات، يلقون فيه ويلتقون، وما زال إلى اليوم يُمثِّل مكانًا للقاءات سياسية وثقافية واجتماعية، وإن وُجِدت الحدائق والمنتزهات، لكنَّ كلَّ ذلك لم يأخذ من الطريق حقَّه ومكانته، فلما جاء تحذيرُ الحبيب - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقوله: ((إياكم والجلوس في الطُّرقات))، لم يستطع الصحابة - رضوان الله عليهم - أن يَتقبَّلوا هذا الأمر بسهولة، وهم مَن هم في الانقياد والامتثال لأوامر الكتاب والسنة؛ لذلك ردُّوا سائلين رافعين حاجتَهم، باحثين عن مَخْرجٍ، وليسوا - وحاشاهم - أن يكونوا مُعترضين، فقالوا - بكل أدب -: يَا رسول الله، ما لنا مِن مجالسنا بُدٌّ، وهكذا يقول البعض: ما لنا بُدٌّ من الفضائيات، حيث نتابع أخبارَ المسلمين والعالم، وفيها من الفوائد الثقافية والاجتماعية والفكرية الكثير، ومنها ما لا يُمكن الاستغناء عنه، بمعنى (ما لنا منها بُدٌّ)، وبناءً على أن ذلك واقع، فكما قال الرسول الكريم: ((فإذا أبيتُم إلا الجُلوس، فأعطُوا الطريق حقَّه))، يعني هناك ضوابط لا بُدَّ منها وشروط، وليس مُجرد الجلوس، فمن كان مُصرًّا أو مُضطرًّا، فلْيلتزم بها، وهكذا نقول في الفضائيات؛ استرشادًا بهدي نبيِّنا محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم.


2- لا بد من الضوابط:

لما كان الجلوس في الطرقات لا بُدَّ منه عند البعض، وُضِع لذلك ضوابط وشروط، فهذا يُرشدُ إلى أن الذي لا يُمكنه الالتزام بها، لا يَحقُّ له استخدامُها، وفي الفضائيات نفهم أنه من عَلِمَ من نفسه وحاله ووضْع بيته، ضَعفًا عن التقيُّد بالضوابط التي تمنع أو تخفف مفاسدها، فالعقل يقول له - والحال هكذا -: إنه لا حاجةَ إليها، ويُمكِن تعويض ما يفوت منها بِطُرق أخرى، ولو جزئيًّا، فلا بُدَّ من ضوابط كالطريق، وهي بمقارنتها بالفضائيات أقل؛ بل لا مجالَ للمقارنة بين مَفاسد الفضائيات المفتوحة، ومفاسد الجلوس في الطرقات، فقد وُجِدَ في الفضائيات ما أُجِلُّ هذه الصفحات والقُرَّاء الكرام عن ذِكره مما هو معروف ومشهور، ومع ذلك فقد وُضِعَ للجلوس في الطُّرقات ضوابط لا بدَّ منها؛ فالنبي المربِّي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((فأعطُوا الطريق حقَّه))، فمن رأى أنه لا بُدَّ من الفضائيات، فلذلك شروط، والشرط يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم
.

3- الضوابط وإن كانت قاسية:

لما رُفِع الحالُ من الصحابة - رضوان الله عليهم - إلى المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنهم لا يستطيعون الاستغناء عن الجلوس في الطرقات، وضع لهم ضوابطَ؛ حتى يَبقى المجتمع قويًّا، والحياةُ آمنةً، والأعراض مَحفوظة، والقلوب سليمة، والمنكرات قليلة، والفضيلة رائدة، فالمصلحة الكُبرى تُقدَّم على الصُغرى، والقِيَم العامة يَلتزم بها الجميع وإن عارضتْ مصالحَ البعض وحاجاتِهم، فالقوانين التي تَحفظ المجتمعَ وتحافظ عليه، وإن كانت قاسية على البعض، إلا أنَّ الأهدافَ الكبرى لا بُدَّ لها من تضحيات وتنازلات، هذا إذا كان الأمرُ تنازلاً عمَّا لا ضررَ فيه،
فكيف وهو ضررٌ وإضرار؟
! وخاصةً ما تَبثُّه بعض قنوات الفجور والسِّحر والشعْوَذة والرذيلة، فالبعض يَظنُّ أن الضوابطَ قاسيةٌ وشديدة وصعبة التحقيق، فهي وإن كانت كذلك، فإن قسوتها أخفُّ من ضررِ القنوات غير المُنضبطة؛ بل لا مُقارنةَ، فالسموم التي تَبثُّها تَفتكُ بالمجتمع، وتنهك قُواه، فقسوة الضوابط - إن صحَّ القول: إنها قاسية - مثلها كقسوة طبيب على مريض يُريد صحته، فلا بدَّ له من القسوة لأجل العافية، فإذا كانت الطريق - مع ما فيها من مُحافظة غالبًا - وَضعَ لها الحبيب - صلَّى الله عليه وسلَّم - ((غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر)).

فإن الفضائيات تَحتاجُ إلى مثل هذا وأشدَّ؛
إذ في عددٍ غير قليل منها ما يحتاج إلى حَجْرٍ ومنعٍ، فضلاً عن ضوابط، فغضُّ البصر مثلاً ضابطٌ مُشترك بين الطرقات والفضائيات، إلا أنه في الفضائيات أشدُّ ضرورة؛ إذ من أراد أن يَنظرَ من الحرام ما أراد، فبضغطة زِر يُقلِّب عينيه فيما لا يحلُّ له، وأما في الطرقات، فقد يمنعه رؤية الناس من حوله، وإنكار الحريص عليه، أمَا وقد خَلاَ (بالريموت كنترول)، فلا يمنعه إلا مُراقبتُه وخوفه من ربه، فلا يَتردَّدُ ربُّ الأسرة ومَن له سُلطة على أمر الفضائيات في بيته أو موقعه - لا يَتردَّدُ في حَجزِ ما لا يصحُّ ظهورُه بأي طريقة يُمكنُ فعلُها، ووضع ضوابط لسلامة الاستخدام، وحُسن الاستفادة من هذه النعمة النقمة!

4- قاسية خير من قاصمة:

لتكن الضوابطُ قاسية وشديدة، فإن ما سمع الناس وقرؤوا عن تدمير الفضائيات لبيوتٍ كانت مصونًا عزيزة؛ بسبب الاستخدام غير المنضَبِط، ما يكفي دلالةً على ضرورة الضوابط،
فكيف واللبيب يَرى بعين عقله أنَّ في عددٍ من الفضائيات ما لا يصحُّ رؤيتُه والجلوس أمامه أخلاقيًّا، وفكريًّا، واجتماعيًّا؟
! وحتى الذي لا دينَ له، فكيف وهناك ما يُعارض الإسلام، ويُناقض القِيَم والمبادئ التي بني بها المجتمعات؟!

فلا يَخفى على المطالِع والمتابِع أن الفضائيات كانت سببًا رئيسًا لجرائمَ أخلاقيةٍ في مجتمعات كانت شبه مُستحيل أن تُوجدَ فيها وأنها – أي: الفضائيات - سبَّبتْ كثيرًا من حالات انتشار المنكَرات والتهاون بها، هذا إلى جانب ما أنتجتْ ونشرتْ من عقائدَ وأفكار باطلة، وما أثَّرت به من اهتزازات لعقائدِ الناس وعباداتهم، ولستُ في مقام حَصْرِ مفاسد الفضائيات، والقصدُ الإشارة للتمثيل، ولعلَّ القارئ يجدُ بمجرد بحث سريع ما يُقطِّع القلوبَ ويُمزِّقها من مصائب الفضائيات؛ مما يزيده يقينًا بضرورة الضوابط، وإن كانت قاسية، فقسوتها أهونُ من أن تقعَ القاصمة التي تقصم ظَهْرَ المجتمعات، وتَقْرضُ رجولة الرجال، وتُدنِّس تاجَ الفضيلة، شاء الناس أم أبَوْا
.

5- قاصمة الظهر:

قد يستهينُ البعضُ بالضوابط، ويعدُّها تَدخُّلاً سافرًا في حُريَّة شخصية، أو تحكُّمًا واضحًا في أذواق الناس، أو شكًّا في تديُّنِهم، أو غير ذلك من المبررات التي يُزيِّنُها الشيطان، وعبارات تتعلل بالحقوق والحريَّات، ولكنها تجهلُ أو تتجاهل طبيعةَ البشر، وحقيقة النفوس، وضعف مراقبة الله عند عددٍ كبيرٍ من الناس؛ فها هو النبيُّ الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَضعُ ضوابطَ طريق لأطهر مجتمع، وأنقى جيل، دون أن يفهموا من ذلك الشكَّ في دينهم، أو الطعن في إيمانهم، أو التعدِّي على حريَّاتهم، لكن حتى لا يهلك الكل بفساد البعض؛ لا بد من ضبط البعض؛ حِفاظًا على الكلِّ، ولأن النتيجةَ للانفتاح غيرِ المنضبط قاصمة الظهر - كما قلنا - إلا من كان لا يَعتبر انتشارَ الفاحشة، وظهور المنكرات، وتَفَشِّي الانحرافات الفكرية والسلوكية - مصيبةً، فهذا هو المصيبة، ومن كان يَجهلُ حدوثَ مثل هذا، فهذا على خطرٍ، وأشدُّ منه مَن يعلم ويتجاهل
.

فَإِنْ كُنْتَ لاَ تَدْرِي فَتِلْكَ مُصِيبَةٌ   ---     وَإِنْ كُنْتَ تَدْرِي فَالمُصِيبَةُ أَعْظَمُ

وإن كثيرًا ممن استهان ذاقَ مرارةَ غفلته أو تغافله أضعافَ أضعاف ما كان يَظنُّ، أو ظنه أمرًا هيِّنًا، فلسنا بحاجة إلى استدلال من واقع مُرٍّ، بقدر ما نحن بدافعِ النصيحة، ندعو إلى عدم المغامرة في فتح الباب على مِصراعيه في التعامل مع الفضائيات.

وألخِّص القضية بعناوين الفقرات السابقة مجموعة، فأقول
: إن كان ولا بُدَّ (من الفضائيات)، فلا بُدَّ من الضوابط، والضوابط وإن كانت قاسية، فهي خيرٌ من (حصول) قاصمة الظهر.

الله مَولى الذين آمنوا، أسأله أن يتولانا برحمته، ويحفظنا بحفظه، ويبعد عنا شرَّ خلقه، وصلَّى الله وسلَّم على محمد وآله
.


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
نبيل النشمي
  • مقالات
  • الصفحة الرئيسية