اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/nizar/20.htm?print_it=1

أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون

نزار محمد عثمان


إن مما يجعل المؤمن يشرق بغصته، ويخنق بعبرته، فيلتاع فؤاده، ويأرق جفنه، ما درج عليه بعض الناس من السخرية بالكتاب والسنة بغية إضحاك الآخرين. وقد استوقفتني كتابات متهافته في صحافتنا السودانية لاترجو لله وقارا، منها ما أوردته مجلة شعارها: مجلة تحترم عقلك؛ فكذبت ولم تحترم عقولنا إذ أوردت في عددها الثالث الصادر في يوم 4/4/2004، في صفحة 21 مقالاً بعنوان: "الأقوال الفهيمة في صفحة شمارات الجريمة"، جاء فيه: " تربى "ي. ي" منذ نعومة أظافره في منزل السيدة "ز" وأصبح شاباً وسيماً فاتناً، وذات يوم وسوس الشيطان للسيدة "ز" فراودته عن نفسه فأبى أن يجيبها إلى طلبها، وحاول الهرب، فأمسكته من "عراقيه" حتى تمزق من الخلف، وصادفهما السيد "ق. ر" عند الباب، فسارعت السيدة "ز" باتهام الشاب "ي. ي" بإغوائها ونفى هو التهمة. وحين رأى الزوج القميص الذي تمزق من الخلف نهر زوجته قائلاً: "عيب عليك يا ولية"، وطلب من "ي. ي" كتمان الفضيحة، فلم يصل الأمر إلى الشرطة لكن الشمار فاح". ولا يخفى على القارئ أن " ي. ي" هو نبي الله يوسف بن يعقوب - عليهما السلام -، كما لا يخفى أن "الشمار الذي فاح" هو كلام الله - جل وعلا - في القرآن، فأي جرأة، وقلة أدب مع الله بعد هذا!

كذلك في الصفحة التالية (ص22) وردت محاكاة ساخرة لأسلوب الحديث النبوي تحت عنوان قال سقراط مرة، حيث زعم الكاتب أن سقراط قال: (ستة يستأهلون الضرب بالكرباج)، وعدد ستة أشخاص، ثم قال بعدها: (قيل ثم من قال عجوز متصابي... الخ).

وقد سبق استخدام هذا الأسلوب في ذات المجلة ص 11، تحت عنوان حكم ابن فطوم، حيث قال كاتبه: قال ابن فطوم يوماً... : (خمس صفات من كن فيه فاشهدوا له بأنه زول بليد)، وعدد الصفات الخمس، ثم قال: (فسكت، فقيل له ثم ماذا، قال.... إلخ).

وإن تعجب فعجب أن يكتب ثلاثة كتاب (في مجلة واحدة، وعدد واحد) هذه الكلمات، ثم تمر على ضعف عددهم من المحررين ومدخلي البيانات والمدققين والمراقبين، ثم تجد طريقها للمطبعة ودور التوزيع والمكتبات، دون إنكار من أحد، ظني أنهم يعدون المسؤول عنها هو من كتبها فقط أو أنها من اللهو البرئ، والكلمات الهينات التي ينبغي أن لا نتشدّد فيها.

وما كان لنا وقد قرأنا هذه الكلمات إلا أن ننكرها ونبين خطر ها لأمور:

أولاً: وصف بعض آيات القرآن بأنها "شمار ـ وهي كلمة مستقبحة تعني بلغة قاع المدينة نقل الأخبار من شخص لآخر، ولا يرضى أدنى شخص أن يوصف كلامه بها ـ أمر لا يجوز بحال، كذلك المحاكاة الشائهة لأسلوب الحديث النبوي لأجل إضحاك الناس، أمر لا يجوز، وكل هذا من الاستهزاء بالدين الذي وردت آيات عديدة في النهي عنه، منها قوله - تعالى -: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ، لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} فتأمل أخي القارئ قوله: {لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} وما فيه من قوة وحسم. وقد جاء في سبب نزول هذه الآية حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: "قال رجل في غزوة تبوك في مجلس يوماً: ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء، فقال رجل في المسجد: كذبت، ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبلغ ذلك رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ونزل القرآن، قال عبد الله بن عمر: وأنا رأيته متعلقاً بحَقَب ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول: " يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب " ورسول الله يقول: {أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم}".

أخي القارئ الكريم أعد قراءة ما كتبه كتّاب تلك المجلة، وقارن بين قول المنافق في الحديث وأقوالهم وانظر أيها أكثر بعداً عن الأدب مع الله ورسوله.

ثانياً: الباعث لهذا الاستهزاء هو الفراغ وحب الضحك على الآخرين، وما ذلك إلا لفقدان الهدف الأسمى الذي من أجله خلق الخلق، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، أفيركب الإنسان كل مركب ليظفر بإضحاك الناس ولا يهمه إن وقع في أثناء ذلك في الاستهزاء بالله وآياته، ورسوله، والمؤمنين؟

ثالثاً: هذه الكلمات التي تساق لإضحاك الناس وتسخر من الكتاب والسنة يحسبها الناس هينة وهي عند الله عظيمة، ففي الحديث الصحيح " وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله - تعالى - ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة "، وفي حديث آخر ورد قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك القوم. ويل له ويل له ". وفي المسند: " إن الرجل ليتكلم بالكلمة ليضحك بها جلساءه يهوي بها من أبعد من الثريا "، وأي نفع يجنيه مَن ضحك ملء شدقية وأضحك الناس والله ساخط عليه.

رابعاً: ينبغي على كل مسلم أن يُنكر استخدام الكتاب والسنة لإضحاك الناس لأن عدم إنكارنا يجعلنا مثلهم لقوله - تعالى -: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً} قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: "أي إذا ارتكبتم النهي بعد وصوله إليكم ورضيتم بالجلوس معهم في المكان الذي يُكفر فيه بآيات الله ويُنتقص بها، وأقررتموهم على ذلك، فقد شاركتموهم في الذي هم فيه، فلهذا قال: (إنكم إذاً مثلهم) أي في المأثم، وقال القرطبي: " من لم يجتنبهم فقد رضي فعلَهم، والرضا بالكفر كفر"، ثم إن السكوت على استهزاء المنافقين بالله وآياته ورسوله له أضراره على الفرد والمجتمع، وقد ذكر د. ناصر بن يحيى الحنيني منها ما يلي:

1- التهوين والتقليل من حرمة الدين والقرآن والسنة مما يجرؤ الكفار وأعداء الدين على النيل من شريعة رب العالمين.

2- يُزَهِّد الناس في الالتزام بالدين حينما يتطاول عليه كلُّ فاسق ومنافق ومارق من الدين فيكثر الفسادُ العريض المؤذنُ بالعقوبة الدنيوية قبل الأخروية.

3- فيه نشر للفرقة والتفكك في المجتمع لأن هناك فئة تغار على حرمات الله فيحصل الشجار وربما الاقتتال ودرءً لهذا كله لا بد أن يُسكت هؤلاء المستهزئون وأن لا يستثيروا حفيظة أهل الغيرة من المسلمين.

4- أن انتشار هذا المنكر هو طريق للضعف وطمع الأعداء في الأمة فإن العزة والقوة تكون بالتمسك بالدين وحفظ شريعته فإن الله قد قال: {أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً}، وعدم الاعتزاز بالدين والغيرة على حرمات رب العالمين دليل على أن فاعلَه والساكتَ عنه لم يرفع بهذا الدين رأساً، ومن لم يرفع بهذا الدين رأساً أصبح تابعاً لكل كافر وطامع في بلاد المسلمين.

ختاماً هل نطمع في أن توقف هذه المجلات السخرية بالكتاب والسنة، وهل نأمل في أن يتعارف الناس على خطوط حمراء لا ينبغي أن تُتجاوز في حالتي الجد والهزل؟ نرجو ذلك.

 

نزارمحمدعثمان
  • البحوث
  • المقالات
  • الردود الصحفية
  • قصائد وأشعار
  • في الأدب الإسلامي
  • برامج إذاعية
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية