اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/nizar/45.htm?print_it=1

العمارة البسكويت والكذب الحنبريت

نزار محمد عثمان


العمارة البسكويت مصطلح أطلقه أحد الأطباء على عمارة وزارة الداخلية المنهارة: أشهر عمارة في تاريخ المعمار السوداني، رغم أنها لم تنتصب واقفة إلا لأيام معدودات، والكذب الحنبريت هو ما تناقله الناس عن الفتاة العمانية التي رمت المصحف على الأرض فتحولت إلى (معيسلانة: حيوان زاحف لا أعرفه!)، وسبب الربط بينهما هو جامع الغرابة في كلٍّ.
فالغرابة تكسر الرتابة، وتفتح باباً للإثارة، وتُحدث شيئاً من حراك يقصده البعض لذاته، لذلك لم أعجب أن أخذ موضوع الـ (معيسلانة) هذا الانتشار والذيوع، والقصة عندي يصدق عليها قول الشاعر:

وجميع ما فاهوا به *** كذبٌ ـ لعمرك ـ حَنْبَرِيتٌ

فقبل هذا قرأنا وشاهدنا صوراً لفتاة قالوا إنها مسخت عقرباً، ولجنينٍ أخرج يده من بطن أمه، وأمسك بأصبع الطبيب، وصورة التقطت للشيطان، كل هذا موجود في منتديات الإنترنت، وكله كذب (حنبريت)، سيئ الإخراج، واضح التلفيق، ويكفي أن وسائل الإعلام لم تنقل عنه شيئاً، مع وجود مكاتبها في سلطنة عمان.
وقد كان أجدى لمحبي الغرائب وطالبي العجائب أن يركزوا على تقرير لجنة التحقيق حول العمارة المنهارة، الذي جاء يحمل كثيراً من المدهشات المبكيات، ويعرضها عرض المتفائل الذي يرى (ربع) الكوب المملوء ويُغفل الباقي، قال التقرير: (مساحة الأساسات تقلصت إلى ما يعادل (35%) من المساحة المطلوبة)، وهذا تعبير لطيف يراعي أحاسيسنا التي قد لا تتحمل أن يقال لها إن مساحة الأساسات نقصت بمقدار 65% من المساحة المطلوبة، كما تظهر مراعاة أحاسيسنا أيضاً في قول التقرير: (تبين ان الأعمدة الخرسانية على مستوى الطابق الأرضي وتحته ضعيفة جداً ولا تتحمل أكثر من (25%) من الجهد المسموح به حول الأعمدة في التصميم) والذي هو تعبير مخفف عن الحقيقة المؤلمة التي تقول إن الأعمدة الخرصانية على مستوى الطابق الأرضي حدث تلاعب في تشييدها، وانتقاص في موادها، بحيث فقدت 75% من قوتها في تحمل الجهد المطلوب، غير أن الذي صعقني بحق هو ورود (ضرورة التقييد بالقوانين واللوائح المنظمة لعملية البناء) ضمن ثلاث خلاصات أوصت بها لجنة التحقيق! أتحتاج هذه المسلّمة إلى أن تصبح توصية للجنة اجتمعت لشهور متتالية؟
القارئ الكريم: أليست هذه الأرقام والحقائق فوق الخيال وأولى بالنشر والتداول من قصة المعيسلانة؟ على أقل تقدير هي قصة تنتمي للمدرسة الواقعية، وتمثل (أدباً) محلياً جديداً يتطلب انتباهنا.
حاشية: كلمة حَنْبَرِيت مقصودة لغرابتها وتعني كما في لسان العرب: الكذب الخالص الذي لا صدق فيه.


 

نزارمحمدعثمان
  • البحوث
  • المقالات
  • الردود الصحفية
  • قصائد وأشعار
  • في الأدب الإسلامي
  • برامج إذاعية
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية