اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/nizar/55.htm?print_it=1

(حركة) إسلامية

نزار محمد عثمان


عمود مرايا محدبة

من الأمور التي تدعو إلى العجب أن تبقى شخصية مثل د. الترابي على قمة الحركة الإسلامية في السودان لمدة تصل إلى أربعين سنة أو تزيد!!..
لا شك أن بعض الناس خالفوه؛ ولم يرتضوه قائدا.. لكن الحقيقة الماثلة أن غالب تيار الحركة الإسلامية ارتضاه قائدا، وموجها.. وحتى الذين لم يرتضوه قائدا آثر معظمهم أن يهادنوه، ويمضوا في دعوتهم بعيدا عنه في صمت وتحسب.
وكلما استرجعت مسيرة الحركة الإسلامية تحت قيادة الترابي ازداد إعجابي بالعالم الرباني الشيخ أبي الحسن الندوي؛ الذي أدرك في زمن مبكر جدا خطورة الانحراف اليسير الذي طرأ في وسط شباب الجماعة الإسلامية في الهند والباكستان؛ فقد رأى شبابا مثقفا، نشطا، محبا للدين، وفير الزاد من ثقافة عصره المادية، يهتم بالتنظيم، والإعلام، ونظام الحكم، لكنه هزيل الزاد في جانب الروح، ضعيف الالتزام في جانب العبادات.. عندها كتب كتابه: (التفسير السياسي للإسلام)، وقال: إن قيادة الحركة الإسلامية إذا استمرت في تعظيم ثقافة العصر المادية في التنظيم، والإعلام، ونظام الحكم فستوجد شبابا مثقفا؛ لكن علاقته مع ربه ستكون ضيقة، محدودة، جافة، جامدة، رسمية، فارغة من الكيفيات الداخلية؛ التي يجب على المؤمن أن يتكيف بها!!.. وخلص قائلا: (فمن الطبيعي، ومما يتفق والعقل والمنطق والقياس - في هذه الحال - أن يحيد ركب السعي والعمل عن جادة الإيمان بالغيب والحنين إلى الآخرة، والشوق إلى الشهادة، وطلب رضا الله، والتفاني في حبه؛ تلك الجادة التي وضعه عليها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلى طلب الحكم، والعز، والغلبة، والوصول إلى الحكم؛ وبالتالي المادية المجردة)..
شدتني فراسة الندوي - رحمه الله - وقوته في الحق؛ إذ لم يكن التصريح بمثل هذا الكلام هينا في ذلك التاريخ البعيد؛ سيما وقد كانت الجماعة الإسلامية قوية.. وكان الشيخ المودودي حيا يرزق، وكنت كثيرا ما أسأل نفسي: لماذا اكتفى من خرج على قيادة الترابي بإظهار الخلاف معه في أمور سياسية فرعية؟!.. لماذا تركوا الحديث عن الخلافات الأصولية لأفراد معدودين مغمورين؟!.. سيما وأن حيدة ركب السعي عن جادة الإيمان بالغيب، والحنين إلى الآخرة، والشوق إلى الشهادة، وطلب رضا الله، والتفاني في حبه إلى طلب الحكم، والعز، والغلبة كانت أوضح، وأظهر منها في تجربة الجماعة الإسلامية!!..
لا أقول هذه الكلمات لأغمط الحركة الإسلامية حقها، أو لأقلل من جهود المخلصين من أبنائها - لا والله - غير أن الحق الذي لا مراء فيه هو أن بقاء الترابي على قيادتها كل تلك الفترة هو مسؤوليتها وحدها لا غيرها، وهو دليل قصور بيّن؛ تماما كجبل الجليد الذي يظهر ثلثه فوق الماء، ويختفي ثلثاه!!..
يا أبناء الحركات الإسلامية! ويا أيها الدعاة إلى الله! إن النصر والتمكين هو وعد الله للأنفس المؤمنة، والأوراح الزاكية، والأيدي المتوضئة، والجباه الساجدة، والعقول العارفة لدينها، الخبيرة بواقعها.. لهؤلاء فقط لا غيرهم!!.


 

نزارمحمدعثمان
  • البحوث
  • المقالات
  • الردود الصحفية
  • قصائد وأشعار
  • في الأدب الإسلامي
  • برامج إذاعية
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية