صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







حول (الدستور) في الدولة الإسلامية (3) 
الجمعة 011/01/2013

د. سعد بن مطر العتيبي


بسم الله الرحمن الرحيم


تصنّف الدساتير بتصنيفات كثيرة، فالدساتير ليست صنفاً واحداً ..

فمنها:
المكتوب (المدون/الخطي) ، ومنها : العرفي(غير المدون)؛ ومنها: الموجز والمفصل؛ ومنها: الدستور البرنامج، والدستور القانون، والدستور التوافقي؛ ومنها: الدستور الجامد والدستور المرن(أخص من العرفي) إلخ.. ولكلٍ منها تفاصيله تنظيراً وتطبيقاً عند شراح القانون الدستوري ومدارسهم ..

وهنا ثمّة حقيقة ينبغي استحضارها
قبل الدخول في تفاصيل جواب الأسئلة السابقة -في المقال الأول-، وهذه الحقيقة : أنَّ نظرية الدستور أوسع من مرئيات مدرسة من مدارس شراح القانون الدستوري، فآراء الشراح فيها متعددة، والتطور في تنظيرها لم ولن يتوقف؛ ومن ثمَّ فلا يصح محاكمة رأي في النظرية الدستورية إلى رأي مدرسة بعينها، فهذا جهل بعلم الدستور المقارن، وجمود في الفكر البشري؛ وإنَّما ينبغي دراسته –بالنسبة لنا نحن المسلمين- دراسة مقارنة؛ للإفادة من الآراء النافعة في التجربة الإنسانية، والإسهام في تطويرها بما يتفق مع مبادئنا، أي : دون خروج على المحكمات الشرعية والثوابت الإسلامية

ونظراً لتشعب نظرية الدستور وكثرة مسائلها، فسأقتصر على المهم منها للجواب على الأسئلة السالفة.. والمهم في ذلك: مكون وطبيعة القواعد الدستورية، والمعيار الموضوعي لتصنيفها..


فأمَّا طبيعة القواعد الدستورية والقانون الدستوري
، فإنَّه وإن كان يحمل صفة القانون، إلا أنَّه يختلف عنه في تركيبته المعرفية -كما يقول أ.د.يوسف حاشي- إذ " نجد فيه شيئا من علم السياسة، وشيئا من علم الاجتماع السياسي والقانوني معاً؛ وعليه فإنَّ هذه التركيبة المعرفية تعطي للقانون الدستوري صبغة خاصّة تبعده عن جفاء القاعدة القانونية المحضة، وبرودة إجراءاتها، ورياضية منطقها، وتضفي عليه لوناً من التأمل الفلسفي، والبحث السياسي يكسبه في ذات الوقت بعضاً من الليونة، وشيئاً من الإيهام الذي قد يتعمّده المؤسس الدستوري، ليكون مخرجاً أزمتياً ..

إنَّ هذا الاختلاف في الأسلوب وتنوعه يظهر جلياً في الموضوعات التي يتطرق لها القانون الدستوري؛ فمثلاً : عندما يتناول توزيع الاختصاص فهو غيره عندما يتحدث عن حقوق الإنسان، وهو غيره عندما يتكلم في المبادئ العامّة للدولة، وهو غيره عندما يتناول موضوع المراجعة... وهو غيره في ديباجة الدستور" .

وإنَّ هذه الصبغة الخاصة بالدستور، حقيقة يدركها الدارس للقوانين الدستورية، ويدرك حقائقها أكثر من له عناية بدراسة الفقه الدستوري الإسلامي ومبادئه الصالحة –إذا ما أتقن تنزيلها- للتطبيق في كل مكان وزمان، على مرّ التاريخ وتعدد المدارس الفقهية..

والقانون الدستوري هو المؤسس للقانون العام؛ لذا يشترط أن تسن جميع القوانين في إطاره، ولا يعد دستوريا أي قانون أو مادة تخالفه؛ ولذلك فهو الأهم في نظرية الدستور وما تفرع عنها ..


وأمَّا معيار تحديد نوع القاعدة الدستورية
من غيرها، فالمهم هنا هو المعيار الموضوعي المادي؛ لأنَّ المقصود تحديد القواعد الدستورية، أي ذات الطبيعة والموضوع الدستوري، سواء تضمنها (الدستور) الخطي أو العرفي أو لم يتضمنها .. و هو ما لا ينضبط بالمعيار الشكلي فإنَّه وإن كان محددا، إلا أنَّه قد يتضمن قواعد غير دستورية في موضوعها، كالنصوص التي تمنع المسكر في بعض الدساتير الوضعية الغربية .

وقد صنّف أندريه هوريو القواعد الدستورية في ثلاث مجموعات: القواعد الدستورية والأعراف الدستورية، والقواعد العادية ذات الصبغة الدستورية، والقواعد ذات الطبيعة الـ(مافوق) دستورية . وقد فصّلها أ.د. يوسف حاشي، ولأهميتها في تجلية الدستور الإسلامي وتوضيحه، سأختصر بيانه لها على النحو التالي:


أولاً :
الأحكام الموثقة في النص أو القواعد المرجعية بامتياز . وهي: الموضوعة وفق إجراءات خاصة أو بواسطة سلطة خاصة، هي السلطة التأسيسية، سواء كانت مبادئ أو ذات شبه بالقوانين العادية من حيث تفصيلها ومعياريتها .

ثانياً : القوانين (التشريعية) ذات الطابع الدستوري .
وهذه تنقسم إلى قسمين :

أولاها:
القوانين البرلمانية المؤسسة والقوانين المعدلة، وهي: التي تتولى تعديلها أو تأسيسها الهيئة البرلمانية عن طريق سن قوانين عادية تصدر منها؛ كما لو كانت سلطة تأسيسية مخولة بذلك من الدستور، أو كسلطة بالنيابة كما في المملكة المتحدة ذات الدستور العرفي المرن.

وثانيها:
القوانين العضوية، وهي قوانين دستورية في موضوعها، ويحدد الدستور موضعها ويرتب إجراءها؛ وتعد مجالا مفتوحاً على ما يمكن أن يصبح دستورياً من أحكام، وتحددها (نظرية المجال الدستوري) وفق ما تسمح به النصوص الدستورية. وقواعد القانون الدستوري أعلى منزلة من القانون العادي، وتتمتع بالحصانة ضد الرقابة والمراجعة إذا أقرت بالاستفتاء الشعبي . قلت : ونماذج قواعد القانون العضوي الدستورية، غير مألوفة في المشرق العربي، لكنها ظاهرة في دول المغرب العربي وفي بعض الدول الغربية كإسبانيا والإفريقية كالسنغال .

وفي المقالة التالية يستكمل التقسيم، ويُبدأ في جواب الأسئلة بالتفصيل إن شاء الله تعالى ..


--------------------

المصدر

 
http://www.al-madina.com/node/426216/risala

 



حول (الدستور) في الدولة الإسلامية (1)
حول (الدستور) في الدولة الإسلامية (2)
حول (الدستور) في الدولة الإسلامية (3)
حول (الدستور) في الدولة الإسلامية (4)
حول (الدستور) في الدولة الإسلامية (5)
 حول (الدستور) في الدولة الإسلامية (6)
حول (الدستور) في الدولة الإسلامية (7)
حول (الدستور) في الدولة الإسلامية (8)
حول (الدستور) في الدولة الإسلامية (9)
حول (الدستور) في الدولة الإسلامية (10)
حول (الدستور) في الدولة الإسلامية (11)
حول (الدستور) في الدولة الإسلامية (12)


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د.سعد العتيبي
  • مقالات فكرية
  • مقالات علمية
  • أجوبة شرعية
  • الصفحة الرئيسية