اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/otibi/131.htm?print_it=1

حول (الدستور) في الدولة الإسلامية (9)
الجمعة 22/02/2013

د. سعد بن مطر العتيبي


بسم الله الرحمن الرحيم


ويضاف للاتجاهات الثلاثة المعاصرة السابق ذكرها في صياغة الدستور الإسلامي: صياغة إعلان دستوري إسلامي، أي : وثيقة دستورية مؤقتة تمهّد لصياغة الدستور الدائم.. فقد صاغ المستشار الدكتور/ علي جريشة رحمه الله إعلانا دستوريا ، عنونه بـ(إعلان دستوري إسلامي) يقع في خمسة أبواب مكونة من تسع وأربعين مادة .

وقد أوضح -رحمه الله- في المذكرة الإيضاحية لهذا الإعلان الدستوري سبب صياغة إعلان دستوري، لا صياغة دستور، في قوله : " أمَّا لماذا كان إعلاناً دستوريا، ولم يكن دستورا؛ فلأننا فضلنا إعلان (المبادئ العامة) وترك التفاصيل، لترد في دستور دائم يصيغه على مهل ممثلوا الأمة بمشيئة الله"..

لكي لا يُفهم أنَّ ممثلي الأمة يملكون تشريع ما لم يأذن به الله، أكَّد المستشار الدكتور علي جريشه رحمه الله مبدأ سيادة الشريعة، المعلومِ من دين الإسلام بالضرورة بقوله: "ويبقى الوحي- قرآنا وسنة- فوق الإعلان الدستوري، وفوق الدستور؛ لأنَّه من لدن حكيم خبير، وهذا وذاك فرع عنه، ولا يعلو الفرع على الأصل مهما علا في ظاهر الأمر؛ ولذا يمكن الطعن في أيّ نص ورد مخالفاً لعدم الشرعية ليعلو نصّ القرآن أو السنة، وبذا تبقى (المشروعية الإسلامية العليا) فوق النصوص" . ويضيف المستشار الدكتور علي جريشه رحمه الله أنَّ هذا الأمر من أهم ما تفرد به الدستوري الإسلامي، و " عجزت عنه –حتى الآن- دساتير الأرض" .


وقد بيّن سبب صياغته لهذا الإعلان
في قوله : "هو في النهاية عصارة فكر وقلب تواق إلى إقامة حكم الله؛ ليكون بإذن الله حجة على الذين يظنون أنَّه يكفي لإعلاء كلمة الله نصّ واحد في الدستور، مع وجود نصوص أخرى بعيدة عن شرع الله وحكمه .. فضلا عن بعد النظام والمجتمع عن شرع الله وحكمه .. حجة على الذين يظنون أو يتقولون أنَّ نظام الإسلام ليس فيه نظام دستوري، وليس فيه غير آيتين عن الشورى!!!" ..

وجاءت (المادة الرابعة والأربعون)، موضحة طبيعة هذا الإعلان وانتقاليته، إذ نصها : "يعمل بهذا الإعلان فور صدوره وإعلانه . ويسقط على الفور كلّ نصّ دستوري أو قانوني مخالف . و تتولى القيادة الجديدة حكم البلاد لحين صدور الدستور الدائم، واختيار مجلس الشورى ورئيس البلاد " .

وجاءت المادة (التاسعة والأربعون) ، مؤكّدة لحاكمية الكتاب والسنة على الدستور الذي يمهّد له الإعلان، فقد نصت على ما يلي : "الوحي قرآنا وسنة - فوق الدستور، ويرجع إليه في كل ما جاء مخالفاً له أو فيما سكت عنه هذا الإعلان" .

وقد طبع هذا الإعلان عام 1405هـ ، وأرفَق به -رحمه الله- بعض ما سبق ذكره من مشاريع الدستور الإسلامي .


وختم ذلك كله بعبارات -تستحق الوقوف عندها- يبين بها هدف عنايته بالدستور الإسلامي
؛ فقد قال رحمه الله : " لقد أردنا أن نقيم الحجة على الذين يريدون الشريعة، ويتعللون بالصياغة والتقنين، وعلى أولئك الذين لا يريدون ولكن يتذرعون المعاذير .. وقبل أولئك وهؤلاء .. على الذين لا يعلمون، أو نحسبهم لا يعلمون؛ ليستيقن الجميع، ويزدادوا إيمانا: أن دين الله حق ... ثم نتقدم للذين صدق عزمهم، وصحت نياتهم، أن يقيموا شريعة الله ، لنقدم لهم شيئا من الجهد المتواضع.. "، ثم يستدرك رحمه الله مبينا سبب معايشته لهذا الهم منذ كان في السابعة عشرة من عمره! إذ يقول: " لكنه قبل ذلك عصارة فكر ونبضات قلب عاش هذا الأمر أكثر من ثلاثين عاماً ، مذ سمع وهو ابن السابعة عشرة من عمره من يقول من مصة الاستاذية.. إنَّه لا يوجد في الإسلام نظام دستوري إسلامي! فعاش حتى أثبتها علماً من خلال رسالته، وأخيراً يثبتها عملاً من خلال هذا المشروع " ..

قلت :
يا لها من تربية إسلامية عميقة، تلك التي حوّلت سماع شبهة -في سن السابعة عشرة- إلى وقود إيماني حمل هماً ، فأنتج علما وفكرا.. فلم يتشرب الشبهة ويرددها ببغائية كما يصنع بعض المولعين بترديد الشبه الفارغة؛ لجهلهم بأجوبتها، وسذاجتهم في تقبل كل فكرة وافدة، وإن عارضت مسلمات العقيدة!

و أختم هذه المقالة بعبارات للأستاذ الدكتور عبدالناصر توفيق العطار، أحد كبار رجال القانون، الذين وظّفوه في خدمة دينهم وأمتهم .. أختم بعباراته التي تكشف المأساة، وتنزف أسى وحسرة على ضحاياها، إذ يقول : " من المؤسف أن يكون من بين أصحاب الشبهات مسلمون تأثروا بالحضارة الأوربية التي قامت على أساس فصل الدين عن الدولة، أو أسخطهم مسلك بعض المتحدثين في الفقه الإسلامي، أو ظنوا أنَّ القوانين الحالية مماثلة للقواعد الشرعية فلا مبرّر لتغييرها؛ وهؤلاء جميعاً لم يدرسوا الشريعة الإسلامية، أو درسوا منها قشوراً [لعله يعني أمورا ظاهرية دون تعمق].. ومن المؤسف كذلك : أن نجد مفكرين يحملون أسماء إسلامية، يسوؤهم تطبيق شريعة الله عز وجل، ويزعجهم أن تستند قوانيننا إلى أسس مستمدة من كتاب الله أحكم الحاكمين وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم! هؤلاء وأمثالهم يدعوننا للخضوع لقوانين مستمدة من فكر غربي أو فكر شرقي بعيد عن واقعنا وغريب عن مُثلنا العليا! وعندما نُفتّش عن هؤلاء نجد لهم مصالح شخصية يبيعون بها آخرتهم بدنياهم، مع أن الأجل قريب والحساب عسير.. " ..

وإلى لقاء في مقالة تالية في الموضوع ذاته إن شاء الله تعالى ..


المصدر

 

 



حول (الدستور) في الدولة الإسلامية (1)
حول (الدستور) في الدولة الإسلامية (2)
حول (الدستور) في الدولة الإسلامية (3)
حول (الدستور) في الدولة الإسلامية (4)
حول (الدستور) في الدولة الإسلامية (5)
 حول (الدستور) في الدولة الإسلامية (6)
حول (الدستور) في الدولة الإسلامية (7)
حول (الدستور) في الدولة الإسلامية (8)
حول (الدستور) في الدولة الإسلامية (9)
حول (الدستور) في الدولة الإسلامية (10)
حول (الدستور) في الدولة الإسلامية (11)
حول (الدستور) في الدولة الإسلامية (12)
 


 

د.سعد العتيبي
  • مقالات فكرية
  • مقالات علمية
  • أجوبة شرعية
  • الصفحة الرئيسية