صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







إطلالة على موقف علمائنا الكبار من الأنظمة المرعية في المملكة وسنها

د. سعد بن مطر العتيبي


هذه المقالة مستلة من ورقة ألقيت في منتدى الأستاذ معتوق شلبي رحمه الله ! ، وقد أضفت إليها بعض التفصيل ، توضيحاً لغير المتخصصين :

الأنظمة جمع نظام ، والنظام - في المعنى الاصطلاحي في المملكة – فرع عن التنظيم ، الذي يراد به : سن ولي الأمر نفسِه أو من ينيبه أو من خلال السلطة التنظيمية ، لما تقتضيه المصلحة الشرعية من مسائل موضوعية أو إجرائية ، مما لا يعارض الشريعة .

والنظام بهذا المعنى ، هو : ما يسنه ولي الأمر ابتغاء للمصلحة الشرعية العامة ، مما لا يعارض الشريعة ، وفق آلية معينة .

ولمَّا كانت التنظيمات والأنظمة في المملكة العربية السعودية مندرجة في المعنى الشرعي ، وداخلة في جملة الفقه الإسلامي ، وفي السياسة الشرعية بوجه خاص ؛ فقد كان لعلمائنا الكبار – ولا سيما الذين عايشوا بداية التنظيم - مشاركة واضحة في إقرارها وتأييدها ، وهو ما يتضح في صور عديدة ، منها :

1) مراجعة ما يحال إليهم من مشاريع الأنظمة ، والمساهمة في سنّ الأنظمة من خلال دراستهم لتلك المشاريع . بل لقد مارسوا القراءة الدستورية للأنظمة ، ولم أقف على أيّ اعتراض من أحدٍ منهم على مبدأ سنّ الأنظمة .

ولذلك شواهد تطبيقية ، سأقتصر على ذكر شاهد واحد منها . وهو ما ورد في دراسة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله ، رئيس القضاة في حينه ، وأول مفتي عام للملكة العربية السعودية ، لنظام ( لعله مشروع نظام آنذاك ) توزيع الأراضي البور المحال إليه للدراسة :


ففي هذه الوثيقة ، التي هي صورة من كتاب : فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ، يتضح ما يلي :

أ - أن الشيخ رحمه الله صرح برضاه عن مواد هذا النظام ، لعدم معارضته للشريعة في الجملة ، فقد قال رحمه الله وهو كما لا يخفى على من يعرفه : مؤلف رسالة ( تحكيم القوانين ) : " رأيت النظام مشتملاً في جملته على مواد فيها مصلحة ظاهرة ، ومنفعة عامّة ، ولا يتعارض مع الشريعة السمحة التي جاءت بما فيه مصلحة الأمَّة في دينها ودنياها " .

ب - بعد موافقة الشيخ وإقراره على مشروعية النظام في الجملة ، بيّن أن له عليه ملحوظات ، ثم ذكر كلّ ملحوظة وبيّن البديل الشرعي ، مطالباً بتعديل النظام وفق تلك الملحوظات ، وطلب صورة منه بعد التعديل .

ج - أنَّ ملحوظات الشيخ ومقترحاته بشأن النظام ، ملحوظات ومقترحات لم يخرج فيها عن مباديء علم الأنظمة وما درج عليه المتخصصون فيها ، فهو يدْرسها دراسة متخصص ، ويقترح فيها اقتراح مدرك لمقاصد النظام ، ما بين تعديل في بعض المواد ، وتصحيح لبعضها ، واقتراح إضافة مادة جديدة ، صاغ بعضها بنفسه ! وبيان ذلك على النحو التالي :

أولاً : التعديل بالإضافة ، وهو ما عبر عنه بالتصحيح . وقد ظهر هذا في مواضع :

- منها : اقتراحه بشأن ما جاء في المادة الخامسة : أن يضاف إلى اللجنة عضو ثالث يمثل الجانب الشرعي إضافة إلى العضوين المنصوص عليهما من أهل الخبرة ، موضحا سبب ذلك بقوله : " فينبغي أن يكون مع اللجنة شخص من أهل العلم يعينه رئيس القضاة " .
ويلحظ أن الشيخ رحمه الله راعى خاصية القاعدة النظامية في ذكر وصف من يعين العضو الثالث دون شخصه .

- ومنها : إضافة كلمة ( فيملكها ) في المادة العاشرة ، تصحيحا للصياغة النظامية .

ثانياً : التعديل بالحذف والإلغاء للمادة . و ذلك في اقتراحه بشأن ما جاء في المادة الثانية ، فقد قال : " نرى أن تحذف من المادة الثانية الجملةَ التالية : ( ولا تسمع الهيئات القضائية دعوى من نُزعت منه الأرض في أي حقّ أو مطالبة ناشئين عن نزع الأرض ) " .
ومثله : نقده لبعض ما جاء في المادة الحادية عشرة ، حيث قال : " هذه المادة تعطي وزير الزراعة ما ليس من حقه ؛ فالخلافات والتظلمات يرجع فيها إلى المحاكم الشرعية " .

ثالثاً : اقتراحه إضافة مادة تقتضيها المصلحة ولم يرد لها ذكر في النظام ! وذلك في قوله : "حيث قد جرى في الماضي إقطاع أراضي زراعية من ولي الأمر ، ولم يقم بعضُ من أُطع تلك الأراضي بإحيائها ؛ فينبغي وضع مادة تخوّل وزارة الزراعة إعطاء من أُقطعت له مهلة كافية لإحيائها ، فإذا لم يحييها في تلك المدة ، فتأخذها الوزراة وتعطيها لمن يحييها بموجب هذا النظام " .


2) ومن صور إقرار علمائنما للأنظمة المرعية وتأييدهم لها في الجملة : ربط بعض الأحكام الشرعية في بعض المسائل بها ؛ فكثيرا ما نجد العالم منهم يربط فتواه بالنظام ؛ فيقول : هذا جائز إذا لم يتعارض مع الأنظمة المعمول بها في الموضوع الفلاني ، أو هذا ممنوع لمخالفته للنظام الفلاني الذي يمنعه ، كبيع التأشيرات مثلا ، وهكذا .

وقد أشرت إلى بعض ما ألف في ذلك ، وهو بحث الماجستير المعنون بـ : ( ربط الحكم الشرعي بالنظام عند الشيخ ابن عثيمين ) للشيخ محمد بن عبد الله بن محمد الطريقي سلمه الله .

بل كان لمشايخنا مراعاة لبعض القوانين العالمية المبنية على معاهدات دولية ، وقد مثلت لذلك في موضوع سابق تحت هذا الرابط :

لا يغتسل في الطائرة التزاما بقوانين السلامة

هذه إطلالة فقط على هذا الموضوع المهم ، الذي ينبغي توضيحه للناس ولا سيما فئة الشباب الذي قد يكون لديه شبهة وافدة حول حكم مراعاة الأنظمة في بلادنا . كيف وقد قرأت لبعض من ينسب للعلم الشرعي - فضلا عن غيره - دعوى باطلة زعم فيها أن علماءنا قد وقفوا ضد سنّ الأنظمة المرعية ! فلم أملك إلا أن أردد قول الله عز وجل : ( سبحانك هذا بهتان عظيم ) .

والحديث في هذا ذو شجون ، ولعل الله ييسر بيان بطلان دعاوى أخرى من مثل : موقفهم من تدوين الأحكام الشرعية ، وردّ الزعم بأنهم ضد ما يعرف بالتقنين جملة وتفصيلا ! فكم هي المسائل التي يساء فهمها ، لضعف الحوار المباشر ، والاختلاف في مستوى الثقافة الشرعية والنظامية .


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د.سعد العتيبي
  • مقالات فكرية
  • مقالات علمية
  • أجوبة شرعية
  • الصفحة الرئيسية