اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/samer/1.htm?print_it=1

الرد على (( طرزان الأخرق ))

سمير بن خليل المالكي

 
الحمد لله الذي خلق خلقه في ظلمة ، ثم ألقى عليهم من نوره ، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ، ومن أخطأه فقد ضل وغوى .
والصلاة والسلام على النبي المصطفى والرسول المجتبى ، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجهم واقتفى .
أما بعد ،
فقد اطلعت على ما كتبه الأستاذ مشعل السديري في زاويته المعروفة في صحيفة عكاظ بتاريخ 11 / 4 / 1423هـ تحت عنوان : طرزان الأخرق ، دعا فيه إلى تحديد النسل أو تقليله ، خوف الفقر ، ودرءاً لخطر (( طوفان القحط )) كما ذكر .
وقد تكرر منه مثل هذه الدعوة في مقالات سابقة ، لكنه في هذا المقال تحمس للفكرة أكثر ، فأخطأ وزل أكثر .
وقد طرح الفكرة بأسلوبه الساخر ، كعادته في مقالاته ، التي يكثر فيها من الهمز والسخرية والتهكم بالآخرين ، ولا ينسى نفسه من حظها من ذلك ، فهو كثيراً ما يصفها بأوصاف شنيعة ، كالخيانة والغدر والكذب والولوغ في أعراض الناس واللهث وراء الشهوات …الخ وليس ذلك من قبيل التواضع أو هضم النفس ، بل هو أصدق ما في مقالاته ، فلا أحد أعرف بالإنسان من نفسه .
وهو يعمد عادة إلى مثل ذلك الأسلوب الساخر ليمرر به مثل تلك الأخطاء والمخالفات ، ويبثها في الأمة ، التي نكبت في دينها وعرضها وأرضها ومالها وأنفسها ، ما شاء الله أن تنكب ، فجاء الأستاذ ومن على شاكلته من الكتاب المخالفين ليجهزوا على ما بقي للأمة الإسلامية من ذلك ، متسترين بالحرص على مصالح الأمة والنهوض بها من كبوتها ، وما علموا أنهم وأمثالهم من أعظم أسباب تلك الكبوة التي ابتليت بها الأمة .
والأستاذ ذرب اللسان ولع بتنقص الآخرين ، لا يقيم لكلامه وزناً ، ويخوض في كل شيء ، ويهيم في كل واد ، ولا يكترث بما يقول وما يكتب ، فكل ما يعن له يقوله ، وكثيراً ما يقول كلاماً لا معنىً له ليملأ به فراغ زاويته ، وكم في الزوايا من بلايا .
وليته اقتصر على مثل تلك المقالات ، التي لا تحمل كبير معنى ، أو تلك التي ينقل فيها رسالة ويبث منها لمتظلم شكوى ، دون الخوض في مسائل الشرع التي لا يحسنها وليس هو أهلاً للخوض فيها ، فهو لا يعدو أن يكون من العوام ، وإن كان قارئاً وكاتباً .
ولعل القراء يذكرون ما كتبه الشيخ صالح بن حميد تعقيباً على إحدى مقالاته ، وكيف رد هو على ذلك التعقيب ، بأسلوبه المعتاد ، ولم يذعن للحق ولم يقبل النصيحة بل ظل سادراً في غوايته متبجحاً بأخطائه ومخالفاته ، وماله لا يفعل ذلك وقد فسح له ولأضرابه المجال في صحفنا التي تحتفل بكل ناعق من المخالفين والمستغربين ، والطيور على أشكالها تقع .
ومن ذلك تبجحه بالرد على الشيخ وجدي غزاوي ، في مسألة ذكرها الشيخ في لقاء تلفزيوني ، وهو من طلبة العلم المعروفين المشهود لهم بالخير والصلاح والدعوة والخطابة والموعظة ، ولكن الأستاذ لم يعجبه ما قاله ، فرد عليه في زاويته بطريقته المعتادة في اللمز والتنقص والسخرية ، حيث بدأ مقالته العرجاء بوصف الشيخ بأنه ذو وجه طفولي ، ولم يتأدب الكاتب بآداب الإسلام ، ومن ذلك ما قاله الله تعالى (( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم )) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم (( بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم )) والإنسان لا يحاسب على شكله وصورته ، وإنما يحاسب على قوله وفعله .
وليعلم الكاتب أن هذا الشيخ من نوادر الخطباء البلغاء ، ولو أراد أن ينتصر لنفسه لما أعيته العبارة ولما أعوزه البيان عن أن يلقم هذا الكاتب حجراً ويفحمه ويسكته .
ولعل الكاتب اغتر بسكوت الشيخ وغيره من الفضلاء على ما ناله من مقالاته من سفه وسخرية وتهكم ، فاستمر على ذلك الأسلوب وتمادى فيه ، وظن أنه أبلغ منهم حجة وأفصح منهم بياناً ، ولم يدر المسكين أنهم ربما سكتوا عنه إعراضاً عنه ، عملا بقول المولى عز وجل (( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ))
على أنه قد أبيح لهم الانتصار ، لو أرادوا ، كما قال الله تعالى (( والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون )) وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة – رضي الله عنها – لما سبتها إحدى نسائه ، فقال (( دونك فانتصري )) .
ولو فرض أن هذا الكاتب لا يبارى في الجدل والخصومة فإن هذا لا ينفعه ولا يقربه من الله زلفى ، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (( إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم )) متفق عليه .
ومن أنعم الله عليه بشيء من الفصاحة والبيان ، فصرف هذه النعمة في نصرة الحق والذب عن حرمات الدين والمسلمين ، فقد ولج باباً من أبواب الجهاد . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لحسان - رضي الله عنه – (( اهجهم وروح القدس معك ))
وأما من استعمل تلك النعمة لإبطال الحق وإثارة الشبهات وغمط الناس ، وتكثير سواد المخالفين، فقد ولج باباً من أبواب الإلحاد والزندقة .
وليحذر هذا الكاتب أن يكون ممن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إن شر الناس منزلة عند الله من تركه الناس اتقاء فحشه )) رواه البخاري .

وبعد ، فهذه مقدمة بين يدي الرد على مقالة الكاتب الذي وصف نفسه بـ (( طرزان الأخرق )) وتناول فيها مسألة من المسائل الكبيرة في الدين ، وخاض فيها وهو لا يحسن الخوض في مسائل أصغر منها وأوضح ، لكنه العجب بالنفس والتيه والكبر ، وقبل ذلك : (( الجهل المركب )) الذي هو من أخص سمات هذا الكاتب .

وألخص تعقيبي على المقال المذكور في المسائل الآتية :
أولاً : مسألة تحديد النسل ، أو تنظيمه ، مسألة شرعية ، لا يصلح أن يخوض فيها إلا أهلها ، وهم العلماء وطلاب العلم ، أما الصحفيون والكتبة وغيرهم من ذوي التخصصات المختلفة فلا مقال لهم في ذلك ، سوى سؤال العلماء واستفتائهم ، عملا بقول الله تعالى (( فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) وإذعاناً لقوله (( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً )) .

ثانياً : إن الخوض في مثل هذه المسائل الشرعية ليس بالأمر اليسير الذي يكفي الخائض فيه حفظ بعض النصوص وقراءة صفحات لبعض الكتب ، ليناظر فيها ويجادل ويبدي ويعيد ، بل الأمر أكبر من ذلك ، فهناك ضوابط وأصول وقواعد لا بد للفقيه من معرفتها وفهمها واستحضارها ، ومعرفة مواضع الإجماع والخلاف ،إلى غير ذلك مما ينبغي للمفتي معرفته قبل أن يصدر فتواه .
ولا ريب أن مثل هذا الكاتب يجهل كل هذه الأمور أو جلها .

ثالثاً : استدل الكاتب بحديث (( كنا نعزل والقران ينزل )) على مسألة الحد من تكثير النسل خشية الفقر ، وهو استدلال في غير موضعه ، فإن الصحابة لم يذكروا أنهم فعلوا ذلك خشية الفقر أو القحط أو غير ذلك مما يعنيه الكاتب ، بل لم يذكروا أيضاً أنهم فعلوه تنظيماً للنسل كما زعم الكاتب بقوله (( معناه أنهم
ينظمون النسل بشكل أو بآخر )) . فلعلهم فعلو ذلك لمقاصد أخرى مباحة .
قال ابن قدامة في المغني [ 10/228 ] (( والعزل مكروه .. لأن فيه تقليل النسل وقطع اللذة عن الموطوءة ، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على تعاطي أسباب الولد .. إلا أن يكون لحاجة ، مثل أن يكون في دار الحرب فتدعوه حاجته إلى الوطء ، فيطأ ويعزل .. أو تكون زوجته أمة ، فيخشى الرق على ولده .. )) ا هـ باختصار .
ثم لو فرض أنهم فعلوه تنظيماً للنسل ، كما زعم الأستاذ مشعل ، فإن هذا لا يعني إباحته خشية الإملاق أو (( طوفان القحط )) ، فإن النيات والمقاصد معتبرة في الأقوال والأفعال ، كما في الحديث المشهور (( إنما الأعمال بالنيات )) . فإباحة العزل لغرض مباح وقصد حسن ، لا يقتضي إباحته بكل قصد .
ومن دعا إلى تقليل النسل خشية الفقر فإن فيه شبهاً بفعل الجاهلية الأولى الذين كانوا يقتلون الأولاد من فقر أو خشية الفقر . قال الله تعالى (( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم )) .
قال ابن كثير في تفسيره (( كان أهل الجاهلية لا يورثون البنات ، بل كان أحدهم ربما قتل ابنته لئلا تكثر عيلته ، فنهى الله عن ذلك ، فقال (( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق )) أي : خوف أن تفتقروا في ثاني الحال )) ا هـ .

رابعاً : قال الكاتب (( لماذا لا نكون شجعاناً .. ونجمع علماء الدين وعلماء الاقتصاد والاجتماع .. ونغلق عليهم الباب بمفتاح الصرامة ، ونقول لهم : لا تخرجوا من هذا الاجتماع إلا وقد تحملتم المسئولية وأعطيتم بصيص أمل لهذا الشعب المندفع كأي قاطرة بدون فرامل )) .
وأقول : هذه العبارة السمجة لا تليق بأهل العلم ، بأن يقال فيهم (( نجمع .. ونغلق عليهم الباب .. ونقول : لا يخرجوا من هذا الاجتماع ….)) الخ .
والكاتب قد اعتاد على هذا الأسلوب الساخر ، وهو في الواقع إنما يسخر من نفسه ، فمكانة العلماء ، ورثة الأنبياء ، تحتم على الناس توقيرهم واختيار أحسن الكلام وأجمله عند مخاطبتهم ، ولكن هذا عند العقلاء ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت )) .
وفي قصة موسى عليه السلام مع الخضر عبرة لمن يعتبر .
ثم إن من العجب أن يطلب الكاتب من العلماء أن يجتمعوا ليقرروا ما يمليه هو عليهم ، وهذا من فرط جهله وغروره وتعاظمه في نفسه، وكان الصواب أن يلتمس من أهل العلم أن يصدروا فتوى في المسألة مفصلة ، ليتبعها عامة الناس ويعملوا بمقتضاها .
وليعلم الكاتب أن مثل هذه المسائل الشرعية لا يحق لغير المختصين من أهل الفقه والفتوى والعلم الشرعي أن يقحموا أنفسهم في الكلام فيها ، لا من الأدباء ولا من الاقتصاديين ولا من غيرهم ، وإنما قد يحتاج العالم المفتي إلى سؤال ذوي الاختصاصات الأخرى عن بعض ما لديهم مما يستعين به على إيضاح الأمر قبل فتواه .
أما مشاركة هؤلاء في الحكم والإفتاء وجعل آرائهم مقارنة أو مساوية لأقوال العلماء والفقهاء ، فأمر مرفوض .

خامساً : قال الكاتب (( أليست الضرورات تبيح المحظورات أيها الزهاد في الدنيا ؟ وهل هناك ضرورة أكثر من كبح هذا الغول المتربص بنا ))؟.
وأقول : هذا الكاتب يهرف بما لا يعرف ، والقاعدة الفقهية التي ذكرها لا يحسن هو ولا من على شاكلته فهمها ولا تطبيقها ، ويحتاج الخائض فيها إلى تعلم مسائل كثيرة أخرى معها ، كما يحتاج إلى معرفة معنى الضرورة في المصطلح الشرعي ، والفرق بينها وبين ما يظنه كثير من الناس من الضرورات ، وهو من الحاجيات أو التحسينيات ، أو غير ذلك .
فليس كل ما ظنه الناس ضرورة يكون كذلك . هذه مسالة .
والمسألة الأخرى : أن هذه القاعدة لا تعني استباحة كل محظور لكل ضرورة ، وقد شرط أهل العلم أن لا تكون الضرورة أنقص من المحظور .
وقد ينشأ من ارتكاب ذلك المحظور ، محظورات أخرى أخطر مما قد يظن أنه ضرورة يستباح من أجلها .
ثم يقال بعد ذلك إن اعتبار هذا الأمر ضرورة ، واستباحة المحظور المعين من أجله ، هو من تحقيق المناط ، وهو أمر لا يخص الأستاذ بحال من الأحوال ، بل هو موكول للعلماء .
وأما عبارته التهكمية (( أيها الزهاد في الدنيا )) فأتركها للأستاذ يصرف معناها ويوجهها ، هذا إن كان لها معنىً عنده .

سادساً : قال الكاتب (( صحيح أن كل مخلوق يولد ورزقه معه ، وصحيح أيضاً أن لا أحد سوف يموت إن شاء الله من الجوع ، ولكن التجارب تفقأ أعيننا بمناظر لبشر من الأحياء وهم أشد بؤساً من الأموات )) .
وأقول : عاد الأستاذ إلى المغالطة ، فهاهنا ثلاث جمل ، صدر الأوليين منها بقوله (( الصحيح …)) ، وسكت عن الثالثة ، وكأنه قد عرف أنها جملة مرفوضة مطرحة ، وهي كذلك ، إذ لا قيمة واعتبار لما يناقض (( الصحيح )) المجمع عليه ، والذي صرح الكاتب بصحته ، فلنطرح الجملة الثالثة التي بدأها بقوله (( ولكن ….)) الخ خاصة وفيها ما يفقأ عينه ، ونحن نشفق عليه من ذلك ، ونشفق على الناس كذلك ، إذ حاله ومقاله كما رأيت ، قبل أن تفقأ عينه ، فكيف يكون بعده ؟ .
قال تعالى (( لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها …)) الآية .

سابعاً : وأغرب من ذلك استدلال الكاتب بسورة التكاثر للحد من تكثير النسل ، وهذا من جهله بمعاني القران ، ولعله لم يستحضر من محفوظاته من كتاب الله ما يدل على معنى الكثرة والتكاثر سوى هذه السورة ، التي لا تدل على حال من الأحوال على ما يرمي إليه .
ولو أن الأستاذ أمعن قليلاً وفكر وتدبر في آيات الكتاب العزيز لوجد ما يدل على نقيض ما ذهب إليه . فالآيات قد صرحت بأن كثرة العدد من النعم التي تستوجب الشكر والحمد ، لا من النقم والمصائب التي تستلزم الصبر والاحتساب .
قال تعالى (( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً ))
وقال سبحانه على لسان نبيه شعيب (( واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثركم ..)) .
قال ابن كثير (( أي : كنتم مستضعفين لقلتكم ، فصرتم أعزة لكثرة عددكم ، فاذكروا نعمة الله عليكم في ذلك )) ا هـ .
فجعل الكثرة نعمة وجعل العزة في الكثرة .
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم )) رواه أبو داود والنسائي .
فما يدعو إليه الأستاذ وأضرابه من تقليل النسل، تحديداً أو تنظيماً يعارض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويخالف ما جاء في كتاب الله.
وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه بأن يكثر الله ماله وولده .
ففي البخاري أن أم أنس بن مالك رضي الله عنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو لأنس . فقال (( اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته )) .
ثم إن مسألة الفقر والغنى والقحط والغيث والمرض والصحة ، وغيرها من أقدار الله في الناس ليست من الأمور الخاصة بهذا الزمان ، ومن قلب النظر في كتب التاريخ رأى العجائب ، ومع ذلك ، فإننا لم نقرأ أن عالما من علماء الإسلام أفتى بتحديد النسل بل حتى في زمن الطاعون ، لم نسمع أن أحداً أفتى بقطع النسل من أجله .
فهذه الدعوة منشؤها ومبدؤها جاهلي ، في القديم والحديث ، فلا يليق بالأستاذ أن يبثها في المسلمين .

ثامناً :
ختم الأستاذ مقاله بدعاء قال فيه (( اللهم تب علي ، وأنا عبدك الطائع الذي لا يدري كيف يخدم إخوانه )) .
وأقول : أما الدعاء بالتوبة فكلنا مفتقر إليه ، غير أن من شروط قبولها الندم على فعل المعصية وتركها والعزم على أن لا يعود إليها ، فهل يفعل ذلك الأستاذ ، فيخلص مقالاته وينقيها من كل ما يشينها من مخالفات شرعية ، ويندم على ما كتب من قبل ، وقد لا يكفيه ذلك في قبول توبته حتى يعلن براءته مما خالف فيه شرع الله .
وقد قال سبحانه وتعالى (( وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى )) ولا يغتر الأستاذ بما يزينه له المخالفون ، فإنهم ، والله ، لن يغنوا عنه من الله شيئاً .
وأذكره بقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ (( وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم )) .
وقوله (( .. وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله ، وما يظن أنها تبلغ ما بلغت ، فيكتب بها عليه سخطه إلى يوم القيامة )) .
وليحذر كل قائل أو كاتب من مغبة كلمة يقولها أو يكتبها يضل بسببها من يضل من عباد الله ، فيتحمل تبعتها ووزرها ، ووزر من ضل بها ، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا .
قال تعالى (( ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون )) .
وكان العلاء بن زياد يذكر الناس ويخوفهم النار ، فقالوا : لم تقنط الناس ؟ فقال : وأنا أملك أن أقنط الناس ؟ والله تعالى يقول (( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله .. )) . ثم قال (( ولكنكم تحبون أن تبشروا بالجنة على مساوئ أعمالكم )) .
وأنبه الأستاذ إلى كلمة وردت في تتمة دعائه ، وهي قوله (( .. وأنا عبدك الطائع ..)) والأولى في مثل هذا المقام ، الذي هو مقام إظهار الفقر والحاجة والضعف والذلة والمسكنة ، أن يقول مثلاً (( وأنا عبدك المذنب ، المسيء ، المسرف على نفسه ، …)) ونحوها ، وكذلك كان دعاء الأنبياء والصالحين . (( قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين )) . (( قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي )) .
ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم (( اللهم اغفر لي جدي وهزلي ، وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي )) .
والله أعلم ، وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه وسلم .


وكتب : سمير بن خليل المالكي
13/ 4 / 1423هـ


 

سمير المالكي
  • الكتب والرسائل
  • الصفحة الرئيسية