اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/samer/30.htm?print_it=1

الصوفية حتى إشعار آخر

   اضغط هنا لتحميل الكتاب على ملف وورد

سمير بن خليل المالكي


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله القائل في محكم كتابه ((وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله)).
والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على المبعوث رحمة للعالمين وحجة على المخالفين الذي فرض الله طاعته على الخلق وجعل سنته وهديه وطريقته هي القاضية بينهم عند التنازع في كل أمر.
أما بعد ، فقد اطلعت على بعض المناظرات والردود المنشورة في ملحق الرسالة بصحيفة المدينة ، المتعلقة بقضية الصوفية والتصوف ، وما ذهب إليه بعضهم من نسبة التصوف إلى أهل السنة والجماعة ، وما نشر على لسان بعض المشاهير من محاضرة ألقاها له في جدة ، اختلفت حولها أفهام السامعين.
فرأيت أن أوضح بعض المسائل المتعلقة بهذه القضية، فأنا من المعنيين بها منذ أكثر من ربع قرن، ولا زلت أقرأ وأبحث في هذا الموضوع حتى الآن ، بل حتى إشعار آخر وأحسب موضوعا كهذا لا تكفيه صفحات هذا البحث المختصر ، لأنه موضوع طويل شائك ، وهو من أعوص القضايا التي مرت على الأمة الإسلامية .
وليس قصدي من هذا البحث المختصر الرد على أحد بعينه ، وإنما هو زيادة إيضاح وبيان ، ولعل فيه ما يخالف اجتهاد بعض الفضلاء ممن تكلم في المسألة، مما لا يفسد للود قضية والله يقص الحق وهو خير الفاصلين .

أولا : الصوفية بدعة محدثة

وهذه المقدمة هي نتيجة كل بحث علمي منصف يتطرق للتصوف ولغيره من المحدثات ، فلم تكن الصوفية يوما من الدين في شئ ، وأقدم ما وصل إليه بحث الباحثين في بداية ظهورها في الإسلام ، هو أنها نشأت في أواخر القرن الثاني الهجري.
والأصل أن كل محدثات الأعمال والأقوال في الدين بدعة وضلالة ، كما نص على ذلك الحديث المشهور (فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) وغيره من الأحاديث في نفس المعنى.
ولا أظن عاقلا –خلا الصوفية – زعم أن الصوفية من أصول هذا الدين، أو أن الله أمر بها في كتابه المبين،
أو أن النبي صلى الله عليه وسلم سنها لأمته أو أن الصحابة الكرام ، وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون ، كانوا لطرقها من السالكين ، ولا من جاء بعدهم من أكابر التابعين ولا الأئمة المهديين.
ولا يمكن أن ينسب أحد من العقلاء أحدا من مشاهير علماء السلف من أهل الحديث والفقه والتفسير وغيرهم من الأئمة إلى شئ من التصوف ولو كان يسيرا .
وإنما غاية ما يذكر في هذا الباب هو مبالغة في التعبد والزهد لدى بعض التابعين ، وهذا لا علاقة له بالتصوف ألبتة، مهما حاول البعض إيجاد علاقة بينهما.
فمن نسب التصوف إلى السلف، من الصحابة أو ممن جاء بعدهم من الأئمة، فقد افترى فرية عظيمة، كمن ينسبهم إلى التشيع أو القدر أو غيرها من النحل المحدثة.

ثانيا: إلى من تنسب الصوفية ؟

لاريب أن التصوف – وإن التبس في مبدأ الأمر على البعض لوجود شبه بينه وبين المبالغة في الزهد والتعبد ، إلا أنه قد اتضح بعد ذلك أنه أجنبي المولد والنشأة ، في الاسم والمعنى ، فهو دخيل على العروبة، فضلا عن الإسلام. وقد حاول بعض الباحثين بالتصوف أن يوجد للاسم أصلا، في لغة العرب، كأن يكون من الصوف ، لأنه كان شعار الزهاد ، فالصوف أرخص اللباس بخلاف غيره كالقطن والكتان ، وربما كان يلبس لقلة ذات اليد أو رغبة في التقلل من الدنيا وإيثار شظف العيش على التنعم.
ومعلوم أن التعبد بلباس الصوف ليس منقبة ولا فضيلة ، بل هو بدعة محدثة. ولو كان خيرا لاستحبه النبي صلى الله عليه وسلم وكبار الصحابة، كأبي بكر وعمر وعثمان و علي، وغيرهم من المبشرين بالجنة والسابقين من المهاجرين والأنصار. وإنما كان الواحد منهم يلبسه كباقي الثياب إذا احتاج إليه ،كما كان يقتصر في طعامه على حشف التمر أو على الخل ونحوه، إذا لم يجد غيره أما أن يتخذ ذلك دينا وعبادة، أو يتخذه شعارا يتميز به ويشتهر به فلا ، بل قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لباس الشهرة، كما صح عنه ذلك في السنن وغيرها ، حيث قال ((من لبس ثوب شهرة ، ألبسه الله يوم القيامة ثوبا مثله ، ثم تلهب فيه النار)).
سنن أبي داود ، حديث رقم 4029.
ولو فرض صحة نسبة "الصوفية" إلى لباس الصوف أو إلى غير ذلك مما ذكره الباحثون، فإنها لا تخرجها عن البدعة والمحدثة كغيرها من النحل الحادثة .
فالشيعة مثلا ، نسبة إلى من تشيع لعلي رضي الله عنه ، وأصل التشيع لا إشكال فيه من حيث اللغة والمعنى، لأنه بمعنى المناصرة ، لكن العبرة بالحال الذي آلت إليه تلك الفرقة، فلا يقال إذا أن التشيع من الإسلام أو من السنة، إذا أريد المعنى الاصطلاحي عند الإطلاق.

ثالثا:حقيقة "الصوفية "

والذي يهمنا من قبل ومن بعد ، الوقوف على حقيقة هذه الفرقة الضالة التي افترقت إلى مئات الفرق، ولا أعلم في الأرض مذهبا ولا نحلة ولا ملة أكثر فرقا من هذه الفرقة وتسمى "الطرق" فكل شيخ له طريقة "فإذا كثر أتباعه ومريدوه واشتهرت طريقته ، نسبت إليه ، وصارت دينا يدان به في الأرض يضاهي دين الله.
وهنا أجد فكري حائرا ، من أين أبدأ وأين أنتهي في وصف حقيقة التصوف؟
فأمامي بحر متلاطم الأمواج من المعاني والحقائق المختلطة المضطربة التي جمعت أخبث أنواع البدع والضلالات والخرافات والأديان والملل والنحل والأهواء، بغير حصر ويكفي أن تعرف أن الشيخ الواصل في أي "طريقة "، له أن يخترع كل لحظة وكل ساعة، قولا أو عملا أو "طريقة"، ويصيرها في الحال دينا يتعبد به ملايين الأتباع إلى قيام الساعة.
إنها نحلة وطريقة، لا يحدها شئ البتة ، ولا تخضع لقاعدة ، ولا ترجع إلى أصل ، سوى: الرأي والهوى والشهوة!
ثم إن التصوف، في معناه البسيط، ليس له قاعدة منضبطة ولا أصل ثابت يرجع إليه، بل هو كما ذكرت، عبارة عن هوى "وذوق" ورأي يخترعه "الشيخ" فيصير دينا وطريقة في الحال.
وهو في معناه المركب أكثر تعقيدا واضطرابا، لاشتماله على الفلسفة وعلم الكلام والمنطق وغيرها من العلوم المعقدة المختلطة.
ويكفي أن تمر نظرك على مئات النصوص والأقوال المنسوبة إلى شيوخ الطرق الصوفية، لتعرف كيف أنها لا ضابط لها وأنه يمكن تفسيرها على أكثر من وجه ، وقد لا تصل بعد ذلك إلى المعنى الذي أراده الشيخ، هذا لو فرض أن له معنى عند نفسه!!
ولا ننسى أن كثيرا من شيوخ الطرق –"الواصلين"- هم في الأصل مجاذيب ومجانين، باعتراف مريديهم وسالكي طرقهم ، ويعتبرون ذلك الجنون دلالة على وصول الشيخ إلى الرتبة العلية والدرجة الرفيعة ، فمتى كان لكلام المجانين معنى ؟
رابعا: التصوف البسيط !
ذهب بعض الباحثين إلى أن أصل التصوف يرجع إلى قواعد شرعية ، كسائر العلوم الأخرى ، الفقه والتفسير وعلوم الحديث وغيرها ، ولأنه علم يتعلق بالسلوك ، كالعبادة والزهد ، ويختص بأعمال القلوب ، كمحبة الله والإخلاص والخشية والمراقبة وتهذيب النفوس والقلوب مما يفسدها من الغل والحسد... إلى غير ذلك ، وهذه كلها أمور مشروعة منصوص عليها في الكتاب والسنة ، ومن ثم نسبوا التصوف إلى الإسلام والسنة ، بخلاف غيره من المذاهب المخالفة لمعتقد أهل السنة.
ولعل مستند هؤلاء الباحثين أمور:
الأول: وجود طائفة من قدماء العلماء ومشاهيرهم نسبوا إلى التصوف ، كالجنيد وعبد القادر الجيلاني وغيرهما ، ممن ينتسب إلى علماء السلف في الجملة ، فنسبوا التصوف إلى السلف لانتساب أولئك إلى علماء السلف.
الثاني: ورود عبارات منسوبة إلى أولئك العلماء الكبار تفيد أن علمهم وخواطرهم مقيدة بالكتاب والسنة.
وذكروا أن غير هؤلاء من المنتسبين إلى الصوفية، إنما حادوا عن طريقهم ومنهجهم، وغلوا حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه من الضلال والانحراف، بل ربما إلى الكفر والزندقة.
الثالث: أن التصوف في حقيقته، سلوك طريق العبادة والزهد ، وهذا في أصله مشروع ، وليس مذهبا خارجا عن السنة ، بخلاف غيرة من المذاهب والمقالات ، كالشيعة والمعتزلة والمرجئة والقدرية ونحوها من الفرق الخارجة عن اعتقاد أهل السنة والجماعة وربما احتج بعض هؤلاء الباحثين ، ومنهم شيوخ فضلاء ببعض عبارات ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية ،كقوله رحمه الله جوابا لمن سأله عن الصوفية: (ولأجل ما وقع في كثير منهم من الاجتهاد والتنازع فيه ، تنازع الناس في طريقهم: فطائفة ذمة الصوفية والتصوف ، وقالوا : إنهم مبتدعون خارجون عن السنة).
ونقل عن طائفة من الأئمة في ذلك من الكلام ماهو معروف.
وتبعهم على ذلك طوائف من أهل الفقه والكلام.
وطائفة غلت فيهم ، وادعت أنهم أفضل الخلق وأكملهم بعد الأنبياء.
وكلا طرفي هذه الأمور ذميم.
والصواب أنهم مجتهدون في طاعة الله ، كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله ، ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده ، وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين ، وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطئ ، وفيهم من يذنب فيتوب أو لا يتوب.
ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه ، عاص لربه ، وقد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة ، ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم ،كالحلاج مثلا ، فإن أكثر مشائخ الطريق أنكروه وأخرجوه عن الطريق ، مثل الجنيد بن محمد سيد الطائفة وغيره ، كما ذكر ذلك أبو عبد الرحمن السلمي في "طبقات الصوفية " وذكره الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد فهذا أصل التصوف ، ثم إنه بعد ذلك تشعب وتنوع ....)إلخ
انظر مجموع الفتاوى ( 11/17-18).
قال سمير : لا ريب أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، علما الأمة ومقدميها ، وهو من أعلم أهل زمانه بمذهب السلف ومذاهب المخالفين ، ومنهم الصوفية ومع ذلك فهو من المجتهدين الذين يقبل من قولهم ويرد ولست في مقام رد كلامه هنا لأن له محملا عندي وذلك أن شيخ الإسلام رحمه الله ابتلي في زمانه بكثرة المخالفين من أرباب الفرق المبتدعة ، وعلى رأسهم فرق الباطنية والرافضة والجهمية ،وكثرة ردوده عليهم ومناظراته لرؤسائهم ، وامتحن بسبب وشاية مخالفيه به لدى السلطة وافترائهم عليه.
وقد هدى الله بدعوته جما غفيرا لا يحصي عددهم إلا الله تعالى، وكسر الله به شوكة أهل البدع في مواطن كثيرة. وكانت طريقته مع المخالفين أن يتنزل معهم في بعض الأحيان ، ويلزمهم بما التزموه، خاصة وأن أكثر أهل الفرق المنتسبة إلى الإسلام تدعي التمسك بالكتاب والسنة، ولهم مقالات مجملة توافق مقالة السلف في اللفظ والمبنى، فيلزمهم ابن تيمية بها لنقض مقالاتهم الأخرى المخالفة في الحقيقة والمعنى.
وقد سلك مع الفرق الصوفية المسلك ذاته ، فانتقى عبارات نسبت إلى الجنيد وأبي يزيد البسطامي والجيلاني وذو النون المصري وأضرابهم ، وألزم الآخرين بها ومن ثم كانت له مندوحة في تقسيم المتصوفة إلى أقسام ، وجعل القسم الذي نقلت عنه تلك العبارات الموافقة لمذهب السلف ، تابعا للسلف ، بخلاف غيره ، ممن لم يلتزم بتلك المقالات ، أو ممن صرح بمخالفتها ، وهم الكثرة الغالبة وهم الذين نعنيهم نحن وسائر أهل السنة بالرد والإنكار ، وننعتهم بالزيغ والضلال والخروج عن سواء الصراط.

*ثم أن شيخ الإسلام لم يقف عند حد مدح ذلك القسم "البسيط" من الصوفية الموافقة، في اللفظ لمذهب السلف، بل جعل ذلك مقدمة وتمهيدا لما بعده من الإنكار عليهم في سائر بدعهم ومخالفاتهم في التوحيد والإيمان والقدر والصفات وغيرها، ثم أتى على مقالاتهم فنقضها مقالة مقالة، حتى المسائل الصغيرة كالسماع مثلا.
ثم أتى على القسم الآخر من الغلاة، كالحلاج وابن عربي والتلمساني وابن الفارض وغيرهم، فشنع عليهم وصرح بتفكيرهم، وفضح مقالاتهم وكشف زيفها وضلالها.

وإليك بعض ما ذكره في ذلك أسوقه باختصار:

1) قال رحمه الله في مسألة الزهد: (والزهد المشروع ترك ما لا ينفع في الدار الآخرة، وأما كل ما يستعين به العبد على طاعة الله فليس تركه من الزهد المشروع، بل ترك الفضول التي تشغل عن طاعة الله ورسوله هو المشروع.....).
قال سمير: وفي هذا إشارة إلى نقد التصوف "البسيط" الذي ينتسب أصحابه إلى الزهد، فألزمهم بالمشروع منه فقط، دون غيره من الزهد المبتدع.
2) وقال في اشتقاق اسم التصوف : ( ومن قال إن الصوفي نسبة إلى الصفة أو الصفا أو الصف الأول أو صوفة بن بشر بن أد بن طابخة ، أو صوفة القفا ، فهؤلاء أكفر من اليهود والنصارى....ومن أقر بالأمر والنهي الدينيين دون القضاء والقدر، وكان من القدرية، كالمعتزلة ونحوهم، الذين هم مجوس هذه الأمة ، فهؤلاء يشبهون المجوس وأولئك يشبهون المشركين الذين هم شر من المجوس ، ومن أقر بهما وجعل الرب متناقضا فهو من أتباع إبليس الذي اعترض على الرب سبحانه وخاصمه كما نقل ذلك عنه ، فهذا التقسيم في القول والاعتقاد)).
انظر مجموع الفتاوى (11/28-29).
قال سمير: فانظر "رحمك " الله كيف شدد عليهم هنا ونسب مقالاتهم المبتدعة إلى الشرك وغيره مما يؤيد ما ذكرته من أنه يهدف إلى نقدهم لا إلى مدحهم.
3) وقال في السلوك : (فالسالك طريق الفقر والتصوف والزهد والعبادة، إن لم يسلك بعلم يوافق الشريعة وإلا كان ضالا عن الطريق وكان ما يفسده أكثر مما يصلحه). (11/27)
قال سمير : وهذا كسابقه في الإلزام والنقد.
4) وأطال رحمه الله في مسألة الولاية، التي يزعمها شيوخ المتصوفة ، وألف كتابه المشهور "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" ومما ذكره عن مسألة خاتم الأولياء (ومن ادعى أن من الأولياء الذين بلغتهم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم من له طريق إلى الله لا يحتاج فيه إلى محمد فهذا كافر ملحد، وإذا قال : أنا محتاج إلى محمد في علم الظاهر دون علم الباطن أو في علم الشريعة دون علم الحقيقة، فهو شر من اليهود والنصارى ......) إلى أن قال : (وهؤلاء الملاحدة يدعون أن الولاية أفضل من النبوة ويلبسون على الناس فيقولون : ولايته أفضل من نبوته وينشدون:
مقام النبوة في برزخ **** فويق الرسول دون الولي
.... وهذا من أعظم ضلالهم )).
ثم قال وهؤلاء قد يقولون –كما يقول صاحب "الفصوص" ابن عربي– إنهم يأخذون من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إلى الرسول ، وذلك أنهم اعتقدوا عقيدة المتفلسفة ثم أخرجوها في قالب " المكاشفة " ....) ( 11/225-227).
قال سمير : وهنا شدد عليهم أكثر ، وأغلظ لهم في العبارة ،كما ترى ، وهو بهذا ينسف التصوف من أصله ، لأن عامة المنتسبين إليه يصرحون بالكشف وحديث القلب ، ويدعون الخوارق والكرامات وعلم الغيب، حتى الذين يظن بهم موافقتهم لعلماء السلف، كالجنيد وغيره، فإن لهم عبارات ومقالات تشبه مقالات الغلاة.
5) وأطال كذلك في ذكر الكرامات التي تحصل لأولياء الله والخوارق التي يزعمها أولياء الشيطان، فذكر شيئا من كرامات الصحابة والتابعين والسلف الصالحين ، ثم عقب ذلك بذكر خوارق أولياء الشيطان ، فذكر منهم الدجاجلة والكهنة ومدعي النبوة كالأسود العنسي وغيره ثم قال: (ومن هؤلاء من يأتيه الشيطان بأطعمة وفواكه وحلوى وغير ذلك من مما لا يكون في ذلك الموضع، ومنهم من يطير بهم الجني إلى مكة أو بيت المقدس....).
6) (ومن هؤلاء من يستغيث بمخلوق إما حي أو ميت سواء كان ذلك الحي مسلما أو نصرانيا أو مشركا ، فيتصور الشيطان بصورة ذلك المستغاث به ويقضي بعض حاجة ذلك المستغيث....) إلى أن قال : ( إلى أمثال هذه الأمور التي يطول وصفها، والإيمان بها إيمان بالجبت والطاغوت .....).
(11/274-290)
7) وأنكر رحمه الله طريقة المتصوفة في "السماع"، مع أنها من أخف المسائل التي ابتدعوها ، فقال: (أما السماعات المشتملة على الغناء والصفارات والدفوف المصلصلات، فقد اتفق أئمة الدين أنها ليست من جنس القرب والطاعات ، بل ولو لم يكن على ذلك ،كالغناء والتصفيق باليد والضرب بالقضيب والرقص ونحو ذلك ، فهذا وإن كان فيه ماهو مباح ، وفيه ماهو مكروه، وفيه ماهو محظور ، أو مباح للنساء دون الرجال.
فلا نزاع بين أئمة الدين أنه ليس من جنس القرب والطاعات والعبادات.
ولم يكن أحد من الصحابة والتابعين وأئمة الدين وغيرهم من مشايخ الدين يحضرون مثل هذا السماع لا بالحجاز ولا مصر ولا الشام ولا العراق ولا خراسان لا في زمن الصحابة والتابعين ولا تابعيهم.
لكن حدث بعد ذلك فكان طائفة يجتمعون على ذلك ويسمون الضرب بالقضيب على جلاجل ونحوه: "التغبير".
قال الحسن بن عبد العزيز الحراني : سمعت الشافعي يقول : خلَفت ببغداد شيئا أحدثته الزنادقة ، يسمونه التغبير ، يصدون به الناس عن القرآن.
وهذا من كمال معرفة الشافعي وعلمه بالدين ، فإن القلب إذا تعود سماع القصائد والأبيات والتذ بها ، حصل له نفور عن سماع القرآن والآيات ، فيستغني بسماع الشيطان عن سماع الرحمن.
(11/531-532).
قال سمير : تأمل ، رحمك الله ، عبارة الإمام الشافعي ، التي ساقها ابن تيمية واستحسنها في تشديد النكير على سماع الصوفية ، وهو أخف بدع القوم ، حيث وصف الشافعي مبتدعيه بالزنادقة ، لتعرف حكم أئمة السلف فيهم، هذا والشافعي رحمه الله متوفى عام 204هـ ، فما ظنك بما أحدثته الصوفية بعد ذلك من بدع وطامات، ومنها وحدة الوجود.
وقد خصص شيخ الإسلام رسائل وبحوثا كثيرة في تفنيد هذا المذهب الإلحادي الذي ارتبط بالتصوف ارتباطا وثيقا ، أعني القول بوحدة الوجود، ومثله الاتحاد والحلول.
8) وقال رحمه الله عن ابن عربي ووحدة الوجود: (فأما أصل ابن عربي فهو أن الوجود واحد، وأن الوجود الواجب هو عين الوجود الممكن) إلى أن قال: (وهذا رجل له ترتيب في سلوكه من جنس ترتيب الملاحدة القرامطة) إلى أن قال: (وهذا الأصل –وهو القول بوحدة الوجود– قوله وقول ابن سبعين وصاحبه الششتري والتلمساني والصدر القونوي وسعيد الفرغاني وعبد الله البلياني وابن الفارض صاحب نظم السلوك ، وغير هؤلاء من أهل الإلحاد القائلين بالوحدة والحلول والإتحاد).
9) ثم قال : (وهذه الفتوى لا تحتمل بسط كلام هؤلاء ، وبيان كفرهم وإلحادهم ، فإنهم من جنس القرامطة الباطنية والإسماعيلية الذين كانوا أكفر من اليهود والنصارى ، وأن قولهم يتضمن الكفر بجميع الكتب والرسل كما قال الشيخ إبراهيم الجعبري لما اجتمع بابن عربي – صاحب هذا الكتاب (يعني : فصوص الحكم) فقال : رأيته شيخا نجسا يكذب بكل كتاب أنزله الله وبكل نبي أرسله الله.
وقال الفقيه أبو محمد بن عبد السلام –لما قدم القاهرة وسألوه عنه – قال : هو شيخ سوء كذاب مقبوح، يقول بقدم العالم ولا يحرم فرجا... فكفره الفقيه أبو محمد بذلك ولم يكن بعد ظهر من قوله: إن العالم هو الله.. فإن هذا أعظم من كفر القائلين بقدم العالم الذين يثبتون واجب الوجود ويقولون إنه صدر عنه الوجود الممكن.
وقال عنه من عاينه من الشيوخ: إنه كان كذاب مفتريا.
وفي كتبه –مثل الفتوحات المكية وأمثالها– من الأكاذيب ما لايخفى على لبيب، هذا وهو أقرب إلى الإسلام من ابن سبعين ومن القونوي والتلمساني وأمثاله من أتباعه.
فإذا كان الأقرب بهذا الكفر –الذي هو أعظم من كفر اليهود والنصارى– فكيف بالذين هم أبعد عن الإسلام ؟ ولم أصف عشر ما يذكرونه من الكفر.
ثم قال : (وهكذا هؤلاء الإتحادية ، فرؤوسهم أئمة كفر يجب قتلهم ولاتقبل توبة أحد منهم إذا أخذ قبل التوبة , فإنه من أعظم الزنادقة.....ويجب عقوبة من انتسب إليهم أو ذب عنهم أو أثنى عليهم أو عظم كتبهم ، أو عرف بمساعدتهم ومعاونتهم ، أو كره الكلام فيهم ، أو أخذ يعتذر لهم بأن هذا الكلام لا يدرى ما هو؟ أو: من قال إنه صنف هذا الكتاب ؟ وأمثال هذه المعاذير التي لايقولها إلا جاهل أو منافق.
بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم ولم يعاون على القيام عليهم..... فمن لم يكفر هؤلاء ، وجعل لكلامهم تأويلا ، كان عن تكفير النصارى بالتثليث والإتحاد أبعد ، والله أعلم).
] 2/112-133[.
قال سمير : ولو شئت لنقلت من كلام ابن تيمية رحمه الله أضعاف ما نقلته هنا ، من تكفير صريح لابن عربي وأشياعه من غلاة المتصوفة ، ولكني قصدت التنبيه بذكر أمثلة يسيرة فقط.
وتأمل قوله فيمن (ذب عنهم أو أثنى عليهم أو كره الكلام فيهم) ثم انظر إلى حال أكثر أهل زماننا من أهل العلم، وموقفهم من المبتدعة والمخالفين ، السالفين والمعاصرين لتعرف ما الذي وصل إليه حال الأمة من غربة في الدين والسنة والله المستعان.
10) وأما نقده لهم في مسألة القدر ، فقد قال رحمه الله ( وقد كثر في كثير من المنتسبين إلى المشيخة والتصوف شهود القدر فقط، من غير شهود الأمر والنهي ، والإستناد إليه في ترك المأمور وفعل المحظور وهذا أعظم الضلال. ومن طرد هذا القول والتزم لوازمه كان أكفر من اليهود والنصارى والمشركين). ]2/328[
قال سمير: ولتعلم أن أكثر شيوخ التصوف قدرية، حتى المتقدمين منهم.
11) وأما مسألة الفناء، وهي من أشهر المسائل التي وردت في عبارات شيوخ التصوف، فقد شرحها شيخ الإسلام وقسمها إلى أقسام ، فقال: ( والمعنى الذي يسمونه الفناء ينقسم ثلاثة أقسام: فناء عن عبادة السوى ، وفناء عن شهود السوى ، وفناء عن وجود السوى.
فالأول : أن يفني بعبادة الله عن عبادة ما سواه ، وبخوفه عن خوف ما سواه، وبرجائه عن رجاء ما سواه، وبالتوكل عليه عن التوكل على ماسواه، وبمحبته عن محبة ماسواه، وهذا هو التوحيد والإخلاص الذي أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه.
والثاني : أن يفنى عن شهود ما سوى الله ، وهذا الذي يسميه كثير من الصوفية حال الاصطلام والفناء والجمع ونحو ذلك.
وهذا فيه فضيلة من جهة إقبال القلب على الله وفيه نقص من جهة عدم شهوده للأمر على ماهو عليه.
والثالث: الفناء عن وجود السوى، وهو قول الملاحدة أهل الوحدة، كصاحب الفصوص وأتباعه الذين يقولون: وجود الخالق هو وجود المخلوق، وما ثم غير ولا سوى في نفس الأمر.
(فهؤلاء قولهم أعظم كفرا من قول اليهود والنصارى وعباد الأصنام) ]2/369-370[ .
قال سمير : تأمل –وفقك الله– كيف قسم الفناء ، فجعل القسم الأول هو الحق وهو عين التوحيد، ولم ينسبه إلى أحد من المتصوفة ، بل ذكر أنه دين الله الذي أرسل به الرسل وأنزل به الكتب.
وأما القسمان الثاني والثالث فنسبهما إلى المتصوفة وجعل الأخير قول ملاحدتهم ، فهل في ذلك مدح أو قدح في التصوف؟
فصل
والمقصود: أن شيخ الإسلام رحمه الله قد فند سائر مقالات الصوفية ، ولو ذهبت استقصي كلامه لطال بنا المقام والمقال ، وقد صرح في مواضع كثيرة بأن هذه المقالات المبتدعة هي مذهب أكثر المتصوفة.
وصرح بضلال أكثرهم وبكفر كثير منهم ، بل شنع على من عرف حال أولئك الملاحدة كإبن عربي وغيره ، وسكت عنه وعن التحذير منه ، وجعل ذلك من النفاق تارة والجهل تارة أخرى.
فأين هؤلاء الذين يزعمون أنهم على منهج شيخ الإسلام وطريقته، ويحتجون بكلامه ومذهبه، وهم –أو أكثرهم– ساكتون عن بيان الحق، لم نسمع لهم إلا همسا في مجالس خاصة مغلقة لا يحضرها إلا أصحابهم وموافقوهم ، يحكون فيها مقالات المخالفين ويكتفون بذلك، وربما تندروا بها وتفكهوا بها ثم انصرفوا إلى حوائجهم ومعاشهم؟!!
أين الصدع بالحق، وجهاد المخالفين، والرد والإنكار على ضلالات الصوفية ورؤسائهم وهم ينشرونها ويدعون إليها على ملأ في سائر بلاد العالم في الحجاز ومصر والسودان والشام وأفريقيا ودول المشرق والمغرب ؟!!
وما يفعله المتصوفة في بلاد المسلمين من نشر الكفر والضلال لا يخفى على هؤلاء الشيوخ، ثم يأتي أحدهم ويقول: ( نريد إنصاف الصوفية....، وهم من أهل السنة ....، وشيخ الإسلام قال وقال ....).
ما هكذا تورد يا سعد الإبل، وما هكذا يكون الإنصاف والعدل.
بل العدل أن توضح المسألة من جميع جوانبها ، حتى لا يغتر بمقالاتكم من لم يفقه معانيها ، وربما كانت فتنة لهم أو لكثير منهم.
وقد صح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة) رواه مسلم.
والعدل هو تحذير الناس من ضلال الصوفية وخطرها، ودحض شبهاتها، ونشر التوحيد والسنة ومذهب سلف الأمة في أوساط المخالفين والمعاندين ، فإن استجابوا وإلا أقيمت عليهم الحجة.
ونقول لمدعي الإنصاف مع الصوفية : اصنعوا ما صنعه شيخ الإسلام في الصدع بالحق والبيان ، فصلوا مقالاتهم كما فصل ، فأنتم تعلمون أنه لم يقتصر على عبارات "الإنصاف" المجملة ، وإنما اتبعها بمئات الصفحات في تبديعهم وتضليلهم وتكفير غلاتهم ومقالاتهم ، وجعلها أشد وأعظم من مقالات اليهود والنصارى والصابئة ، فافعلوا كما فعل ، يكن لكم مندوحة في مدح الجنيد والجيلاني والتصوف البسيط أو "المعتدل".
ثم إن ابن تيمية –رحمه الله– قد صرح بأن من علماء السلف من اقتصر على تبديع الصوفية والتصوف مطلقا ، واحتج بمقالة الإمام الشافعي -رحمه الله– في محدثي " التغبير" ، وفيها تصريح بأنه –أي التغبير– من بدع الزنادقة (وهم الصوفية) هذا قبل أن تظهر مقالاتهم الأخرى ، وقبل أن يظهر فيهم مثل الجنيد وأبي يزيد وغيرهما من أهل التصوف البسيط ، ومثل الحلاج وابن عربي والتلمساني وغيرهم من الغلاة القائلين بوحدة الوجود.
فمن أخذ بقول سلف الأمة في نقد التصوف مطلقا فلا حرج عليه ، وله فيهم أسوة حسنة ، خاصة وهم أئمة السنة والجماعة ، ومعهم ألوف من أهل العلم من الفقهاء والمحدثين والمفسرين والمؤرخين .
وقد صنفت فيهم مصنفات قديما وحديثا في بيان ضلالاتهم وبدعهم منها : "تلبيس إبليس" لابن الجوزي ، وهو المعتمد في معرفة رأي ابن الجوزي فيهم لا كتاب "صفة الصفوة".
وأما عن متقدميهم وعلمائهم الذين حكيت عنهم مقالات مجملة توافق الحق ،كالجنيد والجيلاني وأبي يزيد البسطامي ونحوهم ، فإن أردنا السكوت على ذلك واعتماده ، كما فعل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فلا حرج إن كان بقصد الدعوة وإلزام الخصوم ، أو جعله مقدمة لما بعده من البيان والتوضيح.
وإن أريد التحقيق و"الإنصاف" ، فإن هؤلاء الشيوخ المتقدمين قد نقلت عنهم أقوال وأحوال أخرى مغايرة ، فيها بلايا وطامات ، وهي المعتمدة عند شيوخ التصوف.
فإما أن يقال : إن هذه المقالات الصوفية الباطلة مكذوبة على أولئك . ويعترض عليه بأن ناقل هذه المقالات هم الذين نقلوا عنهم المقالات الأولى ، فيصار إلى قواعد الجرح والتعديل التي سنها المحدثون ، فيحكم بها على تلك المرويات وعلى أصحابها.
أو يقال : إن نسبة هؤلاء العلماء المتقدمين إلى التصوف ، كنسبة أئمة البيت السلفيين إلى الشيعة ،كعلي بن الحسين ومحمد الباقر وغيرهما ، فإنهم بريئون من التشيع ، وإنما أراد المخالفون التكثر بهم ، "والمتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور".
فنقول حينئذ في التصوف ما قلناه في التشيع ، نبدع على الإطلاق ، ونبرئ الأئمة والعلماء مما نسب إليهم لا أن نقسم التصوف والتشيع إلى أقسام.
ثم إننا لونظرنا في المقالات المروية عن أولئك المتقدمين ، سنجد أنها مقالات مجملة ، وليست صريحة في بيان المطلوب.
فمن ذلك ، مثلا المقالة المشهورة عن الجنيد التي استحسنها شيخ الإسلام رحمه الله ، وهي قوله في حد التوحيد (إفراد الحدوث عن القدم) انظر مجموع الفتاوى ]2/340[
فإنها –على فرض صحتها– غير كافية في بيان المطلوب ، إذ ليس هذا بالتعريف الصحيح للتوحيد.
فعبدة الأصنام المشركون يقرون بهذا المعنى للتوحيد ، ولم ينفعهم هذا الإقرار ، ولم تكن دعوة الرسل إلى أقوامها إلى مثل هذا التوحيد الذي ذكره الجنيد.
وقصد شيخ الإسلام ، في إراده لتلك المقالة واستحسانها ، هو الرد على مقالات الملاحدة الحلولية والاتحادية وبيان مناقضتها لمقالة الجنيد، فهي صحيحة المعنى ، لأنها أفردت الخالق عن المخلوق ، لكنها عبارة لم ترد في كتاب ولا سنة ، ولا نطق بها علماء الأمة ، وهي لا تكفي وحدها في تقرير التوحيد والإيمان وذلك كمن يرد على الملاحدة المنكرين لوجود الخالق ، بذكر توحيد الربوبية ، وإن كان لا يكفي وحده في صحة الإيمان إلا بالإقرار معه بالألوهية.
وقل مثل ذلك في المقالات الأخرى كقول بعضهم : (علمنا مقيد بالكتاب والسنة) (وإنه لتنكت في قلبي النكتة من نكت القوم فلا أرضى لها إلا بشاهدي عدل من الكتاب والسنة) ، ونحوها من المقالات المنسوبة إلى قدمائهم فإن هذه الأقوال ، إن صحت نسبتها إليهم ، معارضة بأقوال أخرى لنفس القائلين تدحضها وتنقضها ، فتجعلها عبارات لا حقيقة لها في واقع الأمر والحال ، هذا من جهة.
كما أنها تشير –من طرف خفي– إلى أن لدى القوم علما وحالا ومذهبا خارجا عن الكتاب والسنة، لكنه يقيد بهما.
فكأن ما عندهم من علوم وسلوك شئ ، والكتاب والسنة شئ آخر.
ومعلوم أن الكتاب والسنة شاملان،كافيان لا حاجة لأحد أن يخترع علما أو عبادة أو زهدا أو سلوكا أو ذكرا أو حالا أو مقالا ويزعم أنها مقيدة بهما.
قال الله تعالى (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) وقال: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) وقال: (أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ، لمن أراد سلوك طريقة في الزهد والعبادة غير طريقته : (فمن رغب عن سنتي فليس مني) متفق عليه.
وهذا الحديث حسم أمر التصوف من أصله ، إذ أراد أولئك الثلاثة أن ينقطعوا إلى العبادة ويزهدوا في المباح ، تعبدا لله، ويسلكوا طريقا غير السنة فقام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا في الناس وأنكر طريقتهم ومقالتهم.
وفي ذلك أبلغ رد على من جاء بعدهم من مدعي الزهد والتصوف من باب أولى ، إذ غاية الواحد منهم ، إن سلم من الانحراف والضلال في الحال والمقال ، أن يكون مثل أولئك الثلاثة وقد قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم ما قال ، فكيف بمن هو دونهم في السبق والفضل؟

أيهما أخطر : الشيعة أم الصوفية ؟

ذكر بعض الفضلاء أن التصوف أقرب إلى أهل السنة من الرافضة ، وهذا الكلام مجمل يحتاج إلى تفصيل فالرافضة لا شك بأنهم من أخبث المذاهب والفرق المخالفة، ومقالاتهم حوت من الكفر والضلال والزندقة مالا يكاد يحصر، ومواقفهم السياسية في موالاة الكفار من اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم ضد المسلمين من أهل السنة، مشهورة من أيام التتار وقبلها وإلى يومنا هذا.
لكنهم من حيث التأثير على عوام أهل السنة ونشر البدع والخرافات والشرك بينهم، كعبادة القبور والأضرحة والاستغاثة بالأموات وغير ذلك أقل خطرا من الصوفية والشواهد في العالم الإسلامي كثيرة لا تحصى.
فمن الذي نشر القبورية ونصرها في الحجاز ومصر والسودان والشام والمغرب واندونيسيا وغيرها من بلاد الإسلام، الشيعة الرافضة أم الصوفية؟
ومن الذي نشر مقالات الإلحاد ، كوحدة الوجود والإتحاد وغيرها وسائر الضلالات والخرافات وما صاحبها من السحر والشعوذة والفواحش في عوام أهل السنة، الرافضة أم الصوفية؟
إن دين الشيعة ومذهبهم أشبه بدين اليهود فهم منعزلون منغلقون في دائرة ضيقة مهما زعموا غير ذلك لأنهم جسم غريب وعالم غريب ، وهذا واقعهم منذ نشأة الرفض ، بصرف النظر عما جلبوه من ويلات على الأمة ، ولكنهم لا يقدرون على نشر ضلالهم وكفرهم بين العامة من أهل السنة حتى يدخلوهم في التشيع والرفض أولا، ولا يقبلون أن يشرك بأي قبر وأي ضريح إلا قبور عظمائهم وأئمتهم وحاخاماتهم فقط.
بخلاف الصوفية ، فإنها تتغلغل داخل النسيج الإسلامي السني وتنشر دعوتها في أوساط عوام المسلمين من أهل السنة ، وتظهر موافقتها لهم في أكثر المسائل:
1/ فهي تعظم الصحابة الكرام، بخلاف الشيعة الذين يسبونهم ويلعنونهم سرا وجهرا.
2/ وتعظم علماء السنة، من محدثين وفقهاء ومفسرين، بخلاف الشيعة الذين يلعنونهم ويكفرونهم علانية.
3/ والمتصوفة تنتسب في الفقه إلى المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وهذا أقرب إلى دخولهم في صفوف العامة، فيصلون بصلاتهم ويحضرون جمعهم وأعيادهم (وبعضهم قد يفعلها تقية)، بخلاف الشيعة الرافضة، الذين امتازوا عن سائر أهل السنة في سائر عباداتهم وأعيادهم وتقاليدهم.
4/ والمتصوفة يزعمون أنهم يرجعون إلى أصول السنة في علومهم –ولو تقية– كالكتاب والسنة والإجماع.
بخلاف الشيعة الذين ينفردون بأصول ومصادر وكتب ، في الأحاديث والآثار عن أهل السنة.
والقرآن عند محققيهم يختلف عن قرآن أهل السنة ، إذ يزعمون أن قرآننا قد حرف ، هذا من حيث ألفاظ القرآن.
أما معانيه وتفسيره فإنها محرفة عندهم أشد من تحريف اليهود لكتابهم . وثمة فروق بين النحلتين لا يسع المقام لذكرها ، كما أن بينهما شبها من أوجه كثيرة أظهرها التشيع لآل البيت والتقية والباطنية والقبورية ومعاداة السلفية.
والمقصود أن يعرف أن بين خطري الملتين على الدين والأمة عموما وخصوصا من وجه والله تعالى أعلم.
ثم يقال بعد ذلك لهذا الفاضل: ما رأيك فيمن يعكس المسألة فيرى التقارب مع الشيعة أولى ، درءا لفسادهم وخطرهم على الأمة ، ولأن لهم حضورا وقوة سياسة عسكرية ؟!
وهناك من ينادي بأبعد من ذلك ، بالتقارب مع سائر الفرق المنتسبة للإسلام، محتجا بنفس الحجج، خاصة وأن ذلك التقارب موافق لأصحاب القرار السياسي "الوطني" وقد بدت خطواته العملية جلية في الحوارات الوطنية، تمهيدا للخطوة القادمة الأخطر ، وهي العولمة ، تحت شعار (الوحدة الإنسانية) و "الحوار مع الآخر"

ملخص لما سبق

1/ لو فرض أن في الإسلام تصوفا بسيطا أو معتدلا ، فهو إما أنه اسم فقط دون الحقيقة والمعنى ، أو هو مذهب منقرض منذ أكثر من عشرة قرون ، والعبرة بالأعم الأغلب وهذه الصوفية وطرقها منتشرة في العالم الإسلامي من قرون عديدة في الحجاز ومصر والشام والسودان والمغرب وغيرها من البلدان ،كلها تشهد بحقيقة لا مراء فيها ولا جدال أن الصوفية موغلة في الضلال ، وأنها أخطر النحل وأخبث المذاهب والفرق المنتسبة إلى الإسلام ، وخطرها يظهر أكثر في كونها لاتنتسب ظاهرا إلى الفرق المشهورة ،كالرافضة ، والقدرية والجهمية ونحوها ، وإنما تدعي الإنتساب إلى الإسلام والسنة ، مع أنها قد جمعت ضلالات الفرق كلها بل زادت عليها ضلالات غيرها من الأمم، كالفرس والهند والإغريق واليونان ، إذ هناك من يرجح أن التصوف مأخوذ من تلك الأمم.
2/ إن مثل تلك الدعوى يمكن تصورها من شيوخ الطرق ممن يريدون أن يتصيدوا الجهال والعوام والأغمار ، فيزعمون أن طرقهم مقيدة بالكتاب والسنة ، وأنهم معظمون لنصوص الشرع واقفون عند حدوده أما أن يتزعم تلك الدعوى بعض شيوخ السنة وعلمائها ودعاتها ، فهذه من عجائب الدهر وفتن العصر.
3/ ولئن كان عذر أولئك الفضلاء ، هو حرصهم على دعوة تلك الطوائف ، فإني وبحسب خبرتي وتجربتي في هذا الأمر ، أقول: إنها محاولة فاشلة ، لأن شيوخ الطرق أشبه بإبليس وفرعون وأبعد ما يكونون عن الرجوع إلى الحق والهدى ، إلا ما شاء الله.
وأما المريدون السالكون ، فإن مثل تلك التصريحات لن تزيدهم إلا تمسكا بالطرق واقتناعا بصواب ماهم عليه ، إذ هي شهادة من عدو لهم ، والحق ما شهدت به أعداؤهم!
وأما العامة الغوغاء ، فإن تلك دعاية إعلامية تصب في مصلحة الطرق الصوفية لأنها تؤيد ما يزعمه شيوخ الطرق.
وكان الأجدر أن يحذر هؤلاء من خطر التصوف بذكر أسوأ ما فيه ، لا بذكر موافقة بعض طرقه أو شيوخه المنقرضين ، لمذهب السلف ، إن فرض أنهم يوافقونهم فيه ولا ريب أنه إذا غلب الشر على الخير في أمر من الأمور، كان الحكم لذلك الشر الأغلب ، وكان التحذير منه ، خشية الوقوع في شره أقرب إلى العدل والحكمه من التهويل منه ، أو ذكر بعض ما يتضمنه من خير . "ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح" ، "وإذا تعارض حاظر ومبيح قدم الحاظر".
4/ وأما الاحتجاج بأقوال شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره في تقسيم التصوف ، فقد بينت وجهه ، على أن ذلك لايعدو أن يكون اجتهادا غير معصوم ، ويقابله مئات النقول من السلف والخلف في نقد الصوفية مطلقا.

كلمة عن داعية التصوف علي الجفري

ظهر في هذه الأيام داعية من دعاة التصوف ومروجي البدع والضلالات اسمه علي الجفري ، واحتفت به بعض وسائل الإعلام ، وهو كثير التنقل والأسفار بين البلدان ، وقد سمعت بعض محاضراته ودروسه العامة ، فرأيته من أخطر دعاة البدع والتصوف ، لما أوتي من فصاحة وبيان ، خاصة في الوعظ والتذكير ، ولأنه يجيد صناعة الكذب والتلبيس على العامة وهو يصرح بقول الكفر والشرك والدعوة إليهما من غير اكتراث كما سترى بعض أقواله كما أنه كثير اللمز والتهكم ، إلى درجة السخرية والاستهزاء ، بمخالفيه من أهل السنة ، وقد أفرط كثيرا في نقدهم إلى حد التكفير فضلا عن التفسيق والتبديع.
ولست معنيا هنا بالرد عليه ، فهذا له بحث آخر ، ولكني أردت الإشارة هنا إلى بعض ضلالاته ، لأن بعض الفضلاء لم يحسن في جوابه لمن سأله عن الجفري ، فذكر كلمة موجزة موهمة لا تناسب حال المسئول عنه.

وإليك بعض ماجاء على لسانه وصرح به في محاضراته ودروسه للعامة:

1/ زعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يغيث بروحه من يستغيث به، وأنه يمكن أن يغيث بجسده أيضا.
2/ زعم أنه لا يستغرب خروج روح الولي الميت لكي تنفع من يستغيث بها.
3/ زعم أن الأساس أن الأولياء يغيثون بأرواحهم من يستغيث بهم ولايمنع أن يخرج جسد من قبره.
4/ زعم أن من الأولياء من فوضهم الله في إدراة أمور الكون وأن عندهم إذن مسبق في التصرف في الكون ، وأنهم يقدرون على الرزق والإحياء و الإماتة (بإذن الله).
5/ زعم أن كرامات الأولياء لا حد لها إلا في مسألتين : أن ينزل عليه كتاب من الله ، وأن يخلق طفلا من غير أب.
6/ زعم أن من الأولياء من يجتمع بالرسول صلى الله عليه وسلم يقظة.
وله من مثل تلك المقالات الداعية إلى الشرك صراحة، وغيرها من الضلالات، ما ستراه في بحث مفرد عن هذا الصوفي المبتدع.
ثم إنه لم يكتف بذلك ، بل شنع وبدع وكفر مخالفيه من أهل السنة ، بالتصريح تارة ، وبالتلميح أخرى ، صنيع أهل البدع والأهواء في كل زمان ، ثم يتباكون أمام العامة ويصيحون ويشكون من ظلم أهل التوحيد والسنة لهم!!
وأنا أنقل لك ما جاء في شريط "حوار هادئ مع الجفري" للأخ حسن قارئ حسين ، وقد نقل كلام الجفري بصوته ، فأحسن في ذلك وأجاد ، حتى لا يقال أننا نتقول عليه ، فمن ذلك:
1/ تكلم الجفري عن طائفة من الناس نعتهم بـ "القوم" ومعلوم بداهة منهم المقصودون، وذكر من مثالبهم، في نظره عدة مسائل منها:
الحكم على أبوي النبي صلى الله عليه وسلم بأنهما في النار, ومنع التبرك بآثاره, ومنع التوسل به وبالصالحين وزيارة قبورهم .... الخ.
ثم قال: ((المسألة وراءها شيء, ليست المسألة عدم فهم للنصوص, هناك قضية بين "القوم" وبين سيدنا محمد هذه المسألة)).
2/ ذكر أيضاً أن مخالفيه "القوم" , يزعمون محبة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((كذبتم والله لو أحببتم النبي ماقابلتموه بمثل هذه المقابلة)).
3/ ثم لم يقتصر على نفي محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم في ذلك , بل زاد ما هو أخطر من ذلك , فقال ))القضية وراءها نزع محبة النبي من قلوب المسلمين)).
4/ ويقول متهكما بمن يذهب إلى مصر من "القوم" ولا يزور قبر السيدة زينب , بعد أن يذكر على لسانهم أنهم يتمدحون بعدم زيارة قبرها ((..هي ماتريدك... هي لاتريدك... لو أرادتك لهيأ الله لك زيارتها)).
5/ ويعرض بمخالفيه الذين لم يفهموا مثل فهمه وفهم أشياعه لنصوص القرآن والسنة فيقول:
))نترك القرآن نترك السنة نترك الكعبة نترك أهل البيت... جيبوا الخلاصة : نترك الدين قصدكم ؟!... هذا نهاية الكلام.
أعداؤنا لما فشلوا في أن ينتزعونا من الدين بصراحة دسوا بيننا من يتكلم باسم الدين ليستل الدين من قلوبنا)).
6/ ويقول: البعض من الجهلة في صورة العلم يروق لهم أن يكرروا ((عبس وتولى أن جاءه الأعمى)).
7/ ويقول: ))كفوا عن تجريح الأمة .. كفوا عن هدم بناء الأمة .. التوسل, زيارة قبور الصالحين , الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم جماعة بصوت مرتفع, مدح النبي صلى الله عليه وسلم, الإتصال بالتصوف... أمر موجود في الأمة من قبل أن تأتوا, ومن قبل أن يأتي المنهج الذي تتحدثون عنه والذي تتكلمون به. منهجكم برمته باكتماله لم يتجاوز المئتين سنة الماضية في تاريخ الأمة)).
8/ ويقول مخاطبا مخالفيه أيضا :((أنتم معول هدم في مبنى الأمة)).
9/ ويقول في تهكمه وسخريته "بالقوم" ، الذين ينكرون التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته ، ويقررون التوسل بالأعمال الصالحة ((هناك كلام خطأ – للأسف الآن– يروج بين الناس: ما بيننا وبين الله واسطة، أعمالنا الصالحة واسطة، محمد لأ.. هاها.. يا بليد، أعمالك الصالحة إيش؟ قال: أعمالي الصالحة واسطة ،محمد لأ..هاها...تعال تعال....)).
10/ ويرد على مخالفيه من "القوم"، بأسلوب التهكم أيضا في قولهم بأن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ليست من شروط الحج ولا من واجباته ، فيقول: ((لكنها من شروط المحبة)).
11/ ويقرر في معرض حديثه عن المولد النبوي ، بأنه ((سنة مؤكدة ، لا نقول مباح)).
ثم يتهجم على مخالفيه من "القوم" ممن لم يذهبوا إلى قوله في المولد ، فيصفهم بأنهم : جهلة ، مضللون ، مطموسوا البصيرة ، ثم يصيح ((إيش هذا الكلام ؟ ماهذا الهراء ؟ ماهذا العبث والسفه؟ ... المشكلة إذا غلب الهوى على الصدور)).
قال سمير : ولهذا الدعي الصوفي ، المتشبع من العلم والفهم بما لم يعط ، الكثير من مثل هذه الطامات والسخافات، سيأتي الرد عليها وتفنيدها في حينه إن شاء الله تعالى.
وإنما قصدت هنا تنبيه ذلك الفاضل المحاضر ،الذي أوجز في جوابه وأوهم السائل ، بأن مثل ذلك الجواب لا ينبغي ، وكان الأولى أن توضح وتبين ، لا أن تجمل وتوهم ، فالمقام لا يصلح فيه إلا الكشف والبيان ، كما هي طريقة علماء الإسلام.
فإن أبيت أيها الفاضل فإن السكوت أولى من أن تذكر عبارة تحتمل التزكية، أو تهون من أمره وخطره. فنعتك إياه بأنه "مثقف" ، يعد عند العامة تزكية له ، حتى لو فرض أن له مخرجا عندك ، ومعنى مغايرا في ذهنك ، فالعبرة بما يفهمه السائل وبما يفهمه أكثر السامعين.
وشتان بين موقفك هنا، مع هذا المبتدع المخالف، وبين موقفك مع غيره ممن لم يعرف عنه عشر ما عرف عن هذا من ضلال وانحراف، فكانت محاضرتك المشهورة التي شكرك عليها أهل العلم "العقيدة أولا لو كانوا يعلمون".

الخاتمة
وبعد فقد أطلت، ولم أقصد الإطالة، ولم أدخل بعد في موضوع التصوف، فهذا له بحث آخر، أو قل بحوث أخرى، إن مد الله في العمر وفسح في الأجل.
وإنما أردت هنا توضيح بعض المسائل المتعلقة بموقف شيخ الإسلام رحمه الله من الصوفية ، وما أثاره بعض الفضلاء في محاضرته التي ألقاها في جدة عن التصوف وعلاقته بالتوحيد ، وما أعقب ذلك من بحوث نشرت في الصحف ، بعضها يؤيد ويناصر وبعضها يخالف ويعارض.
علما بأن كلام هذا الفاضل المحاضر ، من حيث الجملة ، صحيح موافق للحق ، سوى ما مضى من الاعتراض ، عليه وفيه فوائد ، فهو يلزم الصوفية بأن أصل مذهبهم يعتمد على التعلق بالخالق لا بالمخلوق وهو عين التوحيد وبحثي هذا أقرب إلى البيان والتكميل منه إلى الرد والتعقيب.
ومهما حصل من خلاف بين الباحثين من أهل السنة ، في موضوع التصوف ، إلا أن الاتفاق حاصل في الجملة على تبديع الصوفية وتضليل طرقها ومذاهبها ، خاصة الصوفية المعاصرة.
ذلك لأن الصوفية المعاصرة لا علاقة لها بالتوحيد ولا بالزهد ولا بالمبالغة في التعبد الذي ينسب إلى بعض العلماء السابقين في القرون المفضلة ، بل الصوفية الآن موغلة في أنواع كثيرة من البدع والضلال في السلوك والإعتقاد.
ومن هنا أرى , بأن التحذير منها ومن ضلالاتها مطلقاً , أولى من تقسيم التصوف إلى بسيط ومركب , أو صحيح وفاسد , لأن العبرة بالأعم الأغلب , خاصة وأن قليل التصوف يؤدي إلى كثيره , (( وما أسكر كثيره فقليله حرام )).
والعامة والغوغاء لاتفرق بين صوفية الأولين , كالجنيد وعبدالقادر, وبين صوفية ابن عربي والتلمساني الفاجر. فالحكمة إذاً تقتضي التحذير منه جملة : اسماً ورسماً وصفةً وسلوكاً ومذهباً, فهو شر كله وضلال كله , ومافيه من خير فهو من بقايا الشرع المطهر.
وليس ذلك التحذير "المطلق" من التصوف , من باب الجور في شيء , ولاهو مجانب للعدل والإنصاف, طالما أن حقيقته , وواقعه , وحال المنتمين إليه في زماننا , وقبله بقرون , يدور بين البدع والضلال والإنحراف, وبين الكفر والشرك والزندقة والخروج عن الملة .
ومن رام البحث عن الحق والتوحيد الخالص في مذاهب وطرق المتصوفة اليوم فهو متطلب في الماء جذوة نار.
واعتبر بما كان عليه بعض النصارى الذين قال الله فيهم ))ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون * وإذا سمعوا ماأنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق.. )) الآية.
فهل ترى في نصارى اليوم من هذه صفته ومقاله ومعتقده؟
وأسأل الله العلي القدير أن يهدينا ويهدي عامة المسلمين إلى صراطه المستقيم ومنهاج سلف الأمة القويم , وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
 

وكتب سمير بن خليل المالكي الحسني المكي
29/5/1426هـ
ج/ 0591114011


 

سمير المالكي
  • الكتب والرسائل
  • الصفحة الرئيسية