اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/shaei/17.htm?print_it=1

فتاتي مصر و عبق التاريخ

 شائع بن محمد الغبيشي


حديثنا اليوم عن فتاتين عظيمتين في تاريخ العرب و الإسلام و هما من أرض كنانة من أرض مصر الحبيبة
اما الفتاة الأولى فبداية قصتها أن إبراهيم - عليه السلام - هاجر بسارة، فدخل بها قرية [أرض مصر ]و فِيهَا مَلِكٌ مِنَ الْمُلُوكِ ، أَوْ جَبَّارٌ مِنَ الْجَبَابِرَةِ ، فقيل لذلك الملك دخل إبراهيم بامرأة هي من أحسن النساء فأرسل إليه أن يا إبراهيم من هذه التي معك ؟ . قال أختي ثم رجع إليها فقال لا تكذبي حديثي فإني أخبرتهم أنك أختي والله إن على الأرض مؤمن غيري وغيرك فأرسل بها إليه فقام إليها الملك الجبار فقامت توضأ وتصلي فقالت اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي الكافر فغط حتى ركض برجله [فغط ) ضاق نفسه وكاد يختنق حتى سمع له غطيط وهو تردد النفس صاعدا إلى الحلق حتى يسمعه من حوله و ركض برجله أي حركها وضربها على الأرض ]. ... قالت اللهم إن يمت يقال هي قتلته فأرسل ثم قام إليها فقامت توضأ تصلي وتقول اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي هذا الكافر فغط حتى ركض برجله ... فقالت اللهم إن يمت قتلته فيقال هي قتلته فأرسل في الثانية أو في الثالثة فقال والله ما أرسلتم إلي إلا شيطانا ارجعوها إلى إبراهيم وأعطوها آجر في رواية : ( هاجر ) فرجعت إلى إبراهيم عليه السلام فقالت أشعرت أن الله كبت الكافر وأخدم وليدة ) رواه البخاري

وهبت سارة هاجر لزوجها إبراهيم فتزوجها و انجبت منه اسماعيل فأمره الله أن يرتحل بها إلى مكة إلى بيت الله الحرام فوضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء فوضعهما هنالك ووضع عندهما جراباً فيه تمر وسقاءً فيه ماء ثم قفى إبراهيم منطلقاً فتبعته أم إسماعيل فقالت : يا إيراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء ؟ فقالت له ذلك مراراً وجعل لا يتلفت إليها فقالت له آللَّهُ الَّذِي أمرك بهذا ؟ قال نعم قالت إذن لا يضيعنا ثم رجعت فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال { ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع - حتى بلغ - يشكرون } . وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يتلوى أو قال يتلبط فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا فلم تر أحدا فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى إذا جاوزت الوادي ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا فلم تر أحدا ففعلت ذلك سبع مرات . قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه و سلم ( فذلك سعي الناس بينهما ) . فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت صه - تريد نفسها - ثم تسمعت فسمعت أيضا فقالت قد أسمعت إن كان عندك غواث فإذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه أو قال بجناحه حتى ظهر الماء فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف . قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه و سلم ( يرحم الله أم إسماعيل لو كانت تركت زمزم - أو قال لو لم تغرف من الماء - لكانت زمزم عينا معينا ) . قال فشربت وأرضعت ولدها فال لها الملك لا تخافوا الضيعة فإن ها هنا بيت الله يبني هذا الغلام وأبوه وإن اله لا يضيع أهله .
هذه قصة هاجر أم اسماعيل أبونا نحن العرب و أمنا التي لازلنا إلى أن تقوم الساعة و نحن نقتفي أثرها و نستن بهديها في كل حج و عمرة نسعى كما سعت و نصعد الصفا و المروة كما صعدت و نشرب من ماء زمزم المبارك الذي أنبعه الله غوثاً لها و لإبنها و لجميع أهل الإيمان فلله ما أعظم منزلتها و فضلها و ما أعظم إحسانها إلينا .

أما الفتاة الثانية
فبداية قصتها عندما أرسل النبي صلى الله عله و سلم إلى المُقَوقِس القبطِي صاحب الإسكندرية ومصر يدعوه إلى الإسلام فأهداه مارية بنت شمعون وأهدى معها أختها سيبرين ، وخصيّا يقال له : مأبور ، فوهب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سِيبرينَ لحسان بن ثابت ، وهي أمُّ عبد الرحمن بن حسان. و تسرى النبي صلى اله عليه و سلم بمارية : فأنجبت له إبراهيم ابن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم وماتت مارية في خلافة عمر سنة ست عشرة ، ودفنت بالبقيع.

دلالات القصتين :

1/ أن العلاقة بين مصر و بلادنا علاقة عظيمة قوية قديمة تضرب في أعماق الزمان و تتحدى كل مغرض جبان فمصر محبوبة لقلوب أهل الإيمان كل من دخل بيت الله ونظر إليه أبصر الكعبة المشرفة تذكر أن أول من بناها و شيدها هو إبراهيم و ابنه اسمعيل ولد هاجر المصرية و حينما يسعى بين الصفا و المروة يتذكر أنه يقتفي أثر هاجر المصرية و يتساءل المسلم كيف عاشت بهذا الوالدي المقفر بمفردها ؟ كيف جعلها الله سبباً لحياة هذا البلد الأمين .

2/
أن النبي صلى الله عليه و سلم أوصى بأهل مصر خيراً فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرا، فإن لهم ذمة ورحما. وروى الطبراني والحاكم عن كعب بن مالك مرفوعا: إذا فتحت مصر فاستوصوا بالقبط خيرا، فإن لهم ذمة ورحما. وصححه الألباني. في رواية أخرى لحديث أبي ذر عند مسلم أيضا، بلفظ: فإن لهم ذمة وصهرا..
وقال المناوي : (فإن لهم ذمة) ذماما وحرمة وأمانا من جهة إبراهيم بن المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإن أمه مارية منهم (ورحما): قرابة، لأن هاجر أم إسماعيل منهم. اهـ.
قال النووي في شرح مسلم وفي رياض الصالحين: أما الرحم فلكون هاجر أم إسماعيل منهم، وأما الصهر فلكون مارية أم إبراهيم منهم. اهـ
فلأهل مصر ذمة و لأهل مصر رحم ينبغي لكل مسلم أن يتذكر هذه الوصية و لا يغفل عنها .

3/
يدرك أعداء الإسلام أن التفريق بين بلاد المسلمين و تشتيت جمعهم يسهل عليهم غزوهم و سلب خيراتهم و من ذلك العلاقة القوية بين بلاد الحرمين و بلاد مصر و التي تمثل حصناً عظيماً للمسلمين قاطبة فهما مأرز أهل السنة و مفزعهم و لذلك صوبوا سهامهم لزرع العداوة و الشحناء بين البلدين الحبيبين و لكن خيب الله سعيهم و رد كيدهم في نحورهم .

4/
أن مصر الحبيبة تمر هذه الأيام بمحنة عظيمة تستهدف حريتها و أمنها و عقيدتها فأراد الأعداء عزلها عن مصدر قوتها و دعمها ، وجعلها كلأً للمنافقين و العلمانيين ليعبثوا بجهود أبناء الثورة و يجهضوا خيار الشعب المسلم الذي اختار الإسلام ،اسأل الله أن يحقق للمسلمين آمالهم و يصرف عنهم مكر الماكرين و كيد المتربصين .

5/
الشعب المصري شعب طيب القلب يحب الأنس عاطفته لبلاد الحرمين و أهل الحرمين عاطفة جياشة الشعب المصري كل يأنس به يقول الشيخ الطريري :[ وصف نبينا أمه هاجر المصرية بقوله:(فألفى ذلك أم أسماعيل تحب الأنس) ولا زالت هذه الصفة في قومها المصريين إلى اليوم ... الشعب المصري لا زال يتوارث صفة أمنا هاجر المصرية فهي (تحب الأنس) فهو شعب يحب الأنس يأنس ويُؤنَس، ويَألفُ ويؤلَف، ويُحب ويَحب ].

6-
الشعب المصري يحب من يفد إليه و ربما جعل الوافد مصر سكناً و مستقراً له لطيب معشر أهلها يقول الشيخ الطريري :[ ولذا يأتيها الغرباء فلا يشعرون بالغربة فيتفاعلون ويستوطنون وهناك يموتون...أُخرج الإمام العز بن عبدالسلام من الشام فتلقاه أمير الكرك وعرض عليه النزول فقال بلدك تصغر عن علمي، ثم ذهب إلى مصر فجعله أهلها سلطان العلماء. جاءها رشيد رضا من طرابلس فأنشأ مجلة المنار ومحب الدين الخطيب من الشام فأنشأ مجلة الفتح وجاء علي باكثير من أندونسيا فصار الروائي والأديب ... وجاء القرطبي من الأندلس إلى مصر فصار إمام التفسير، وجاء أحمد بن قائد من نجد فصار شيخ الحنابلة، وجاء الخضر حسين من تونس فصار شيخ الأزهر].

و ختاماً
فالعلاقة بين السعودية ومصر علاقة تضرب في أعماق الزمان و تتجدد كل دقيقة و ثانية كلما صلى مصلى أو اعتمر معتمر تجددت الذكريات فكانت أشبه ما يكون بماء زمزم طعام طعم و شفاء سقم أنّا لمغرض أن يفصم هذه العلاقة إلى أن تقوم الساعة .
 

محبكم : شائع محمد الغبيشي
مشرف تربوي بإدارة التربية و التعليم بمحافظة القنفذة
جوال : 0555599624
البريد الإلكتروني : shaei1406@hotmail.com



 

شائع الغبيشي
  • مقالات تربوية
  • الصفحة الرئيسية