اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/shaya/50.htm?print_it=1

الشعوذة العابرة للقفار والبحار

د. خالد بن عبد الرحمن الشايع

 
بسم الله الرحمن الرحيم

اتصل بي عبر الهاتف عدد من الرجال والنساء يستفهمون عن قضية كدَّرت صفو حياتهم وأحلَّت الرعب في قلوبهم، ومفاد ذلك: أن أشخاصاً يتصلون بهم عبر الهاتف من دول إفريقية وربما خليجية ويخبرونهم بأمور شخصية متعددة، تدور حول أن هؤلاء الرجال والنساء مصابون بسحر أو بعين أو بمسًّ وأنه لا شفاء لهم إلا بواسطتهم فمرة يأمرونهم بتحويل الأموال إليهم ومرة بذبح الذبائح وتوزيعها على المساكين أو بأداء العمرة، ولكي يؤكدون صدقهم فإنهم يذكرون أشياء من خصوصيات هؤلاء الرجال والنساء وأسرارهم مما يتلقونه عن القرين الجني لكل واحد منهم، والذي يخبرهم بما يشاءون لكونهم من أوليائهم الذين دخلوا في عالم السحر والشعوذة والكفر.
وقد وصل الحال بإحدى النساء العربيات في دولة خليجية والتي عرضت عليَّ مخاوفها طالبة المشورة والمساعدة لأن تقدم مئات الآلاف من الدولارات!! إلى مبلغ يعادل مليون ونصف المليون بعملة بلدها، وكان الذي أشكل عليها أن هذا الشخص الذي ابتزها كان يخبرها بأشياء لا يعلم بها أحد ممن حولها وهي من أسرارها وقد وضحت لها حقيقة الأمر وأنهم يستغلون التواصل مع القرين الجني!.
ولا يزال كثير من الناس يعيشون هذه المخاوف وربما رضخ بعضهم لمطالب هؤلاء المشعوذين ونفَّذ لهم ما يريدون، ولم تكن الخسارة حينئذ بفقد الأموال... بل بأعظم من ذلك وهو الخلل الذي أصاب توحيد المسلم لربه جل وعلا، حيث دخل في حظيرة الشرك بتصديقه أن غير الله يعلم الغيب، والله جل وعلا يقول: (قُل لا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) [النمل:65].
وإذا أردنا توضيح حجم التأثر بأعمال الشعوذة والكهانة فلنا أن نقف مع بعض لأرقام التالية:
ففي إحصائية قام بها مركز البحوث الاجتماعية والجنائية في مصر وضحت أن ما يُنْفَق سنوياً على أعمال الدجل والشعوذة يبلغ ما يعادل نحواً من ثلاثة مليارات من الدولارات ونصف المليار !!.
وفي تحقيق صحفي متخصص جاء أن عدد ( قارئات الكف ) بدولة المغرب يبلغ نحواً من ستة عشر ألف ( 16000 ) قارئة كَفٍّ !.
وفي الكويت أظهر تحقيق صحفي اجتماعي أن نسبة (15.3%) من عينة الدراسة ـ وكُنَّ من الفتيات في المرحلة الجامعية ـ يؤمِنَّ بالأبراج ويحرصن على متابعتها ، سواء ما كان منها عبر المجلات أو القنوات الفضائية والإذاعات أو الإنترنت .
ولدينا في المملكة استطاع عدد من الوافدين أن يقتات ويتكسب من خلال أعمال الشعوذة والسحر التي يبتز بها الجهلة من الرجال ومن كثيرٍ من النساء ، فكونوا لهم ثرواتٍ لا يحلم ببعضها من هو بمرتبة وزير في بلاده ، وقد باتت سجلات هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المخصصة لمتابعة وإنكار أعمال السحر والشعوذة متكاثرة بسبب تكرر تلك القضايا في عدد من مدن المملكة ومحافظاتها.
وهاهي أعمال الشعوذة والسحر والكهانة تأخذ بعداً جديداً ومجالات واسعة بعد أن صار أربابها يتعاطونها من خلال الفضائيات والمواقع العديدة على شبكة (الإنترنت) ثم امتدت حماها في مجالات الاقتصاد و (الرياضة) وغيرها .
وقد أسفتُ كثيراً حين نما إلى علمي أن أعداد المتصلين بهؤلاء السحرة لا زالت مرتفعة ومتوالية، حيث يتصلون هاتفياً بالفضائيات التي تقدم ( برامج الكهانة والشعوذة) والتي يقدمها السحرة والكهنة باستغلال التقنيات الحديثة (!!) حيث يتنبئون للمتصلين بحظوظهم وبما سيكون لهم في مستقبل الأيام من خلال (قراءة بختهم) أو ما يسمى (قراءة الكف والفنجان) وإيحاءات (الكرة البلورية) أو (معرفة الطالع بالأبراج) مقابل مئات الدولارات التي يقدمها من يتصل بأولئك السحرة ويطلب (خدماتهم)!!.
إنَّ كل ما تقدم ضرب الأمثلة عليه من أعمال الشعوذة ليعكس مدى الخلل الكبير الذي حلَّ بعدد من الناس في إيمانهم بالله وتوحيدهم له جلَّ وعلا .
إن العقل السليم ليستدل قطعاً على بطلان أعمال الشعوذة والكهانة وسخافتها ، فكيف وقد تكاثرت النصوص الشرعية المحذرة من الذهاب إليهم ومن تصديقهم .
ففي المسند والسنن عن أبي هريرة والحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "مَنْ أتى كاهناً أو عَرَّافاً فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " .
وفي صحيح مسلم عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنه عليه الصلاة والسلام قال : " من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تُقبل له صلاةٌ أربعينَ ليلة " .
وجملة القول : أن أعمال الشعوذة والكهانة تضرب اليوم بأطنابها في عدد من مجتمعات المسلمين كما أنها كذلك في المجتمعات غير المسلمة، بما يكون معه انصرافهم عن ربهم الخالق القادر مالك الملك إلى مخلوقين ضعفاء أعمتهم الجهالة وأعيتهم البلادة فادعوا لأنفسهم علم الغيب . وهذا يؤكد وجوب تثقيف الناس وتعليمهم على الدوام ، وخاصة فيما يتعلق بمسائل العقيدة ، ويتأكد ذلك كلما تباعد الناس عن زمن الرسالة ، فإنه أوان نشر العلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد .


 

خالد الشايع
  • الدفاع والنصرة
  • مقالات دعوية
  • شئون المرأة
  • أخلاقيات الطب
  • بر الوالدين
  • ردود وتعقيبات
  • بصائر رمضانية
  • الصفحة الرئيسية